بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) {96}
النحل
سبحان المتصرف في خلقه بالفتن ليبلوهم ويظهر جواهرهم بالمحن
فهذا آدم عليه السلام تسجد له الملائكة ثم بعد قليل يخرج من الجنة
وهذا نوح يضرب حتى يغشى عليه ثم بعد قليل ينجو في السفينة وينصره الله ويجعله الأب الثاني للبشر
وهذا الخليل عليه السلام يلقى في النار ثم بعد قليل يخرج إلى السلامة ويهلك الله نمرود
وهذا الذبيح يضطجع مستسلما ثم يَسلم ويبقى المدح
وهذا يعقوب عليه السلام يذهب بصره بالفراق ثم يعود بالوصول
وهذا يوسف يلقى في ظلمة الجب ويباع كما يباع العبيد ويسجن ثم هو يتسع ملكه في الدنيا ومع النبوة في الآخرة
وهذا الكليم عليه السلام يشتغل بالرعي ثم يرقى إلى التكليم
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقال له بالأمس اليتيم ويقلب في عجائب المحن يلاقيها من الأعداء وهو ثابت
ثبوت جبل أحد ثم هاهو يتم مراده من الفتح ويبلغ أعظم ما بلغ به الملوك ويبقى ذكره إلى يوم الدين صلوات الله
وسلامه عليه
هذه الرتب وتلك المراتب لم تكن إلا ثمرة صبرهم وحسن توكلهم وعدم جزعهم وتفويض أمرهم إلى من يراهم ويعلم
حالهم وتوكلهم عليه ووثوقهم به
ونحن الضعفاء إذا نزلت بنا بلية فلنتصور عظيم البلاء الذي نزل بالأنبياء وهم على ماهو عليه من القدر عند ربهم
ولنوقن أنه رفع عنا ماهو أعظم منها
ولتنخيل ثوابها والربح الذي ورائها
ولنلمح سرعة زوالها
ولنضعها مقامها تهن علينا ويسهل تحملها بل وتجاوزها
ونلاحظ أن الابتلاءات لا تنهال إلا على مؤمن
ففي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:قلت : يارسول الله وأي الناس أشد بلاء؟
قال : الأنبياء ثم الصالحون, ثم الأمثل فالأمثل من الناس,يبتلى الرجل على حسب دينه, فإن كان في دينه صلابة
زيد في بلائه, وإن كان في دينه رقة خفف عنه
وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة))0
وفي حديث آخر ((ما يزال المؤمن يصاب في ولده وخاصته حتى يلقى الله وليست عليه خطيئة))
فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ولأجل كون الصوم من الصبر
قال تعالى في
الحديث القدسي (( الصوم لي وأنا أجزي به))
وفي الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (( ما أعطي أحد عطاءً خيرا وأوسع من الصبر ))
(( الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ))
وقال تعالى (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ))
وقد وعد الله الصابرين بأنه معهم وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم فقال
((أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) البقرة {157}
وإنما صعب الصبر لأن القدر يجري في الأغلب بمكروه النفس, وليس مكروه النفس يقف على المرض والأذى في
البدن , بل يتنوع حتى يتحير العقل في حكمة جريان القدر
كما أن الابتلاء والصبر عليه عبادة بحد ذاتها بل قل ثلاثة أنواع من العبادات0000
وهي الاستغفار والتوبة من الذنوب , والصبر على القضاء , وسؤال الفرج وانتظاره
هذا هو الطرق والاستغفار والتسبيح زاده قال تعالى :
((فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ )) {55} غافر
فالاستغفار المصحوب بالتسبيح وشيك أن يجاب وهو في ذاته تطهير للقلب وزكاة,
فالفرج آت والنصر محقق لأنه تقرير من رب العالمين 0000
مالم نستعجل الإجابة ونستبطء الفرج
لأنه أنما ابتلانا بالتأخير ليبلو أسرارنا
وأنه يريد سبحانه أن يسمع أصواتناو تضرعنا ودعائنا
وأنه يريد أن يأجرنا بصبرنا إلى غير ذلك من الحكم التي لا نحيط بها
وإلى أنه يبتلينا بالتأخير لنحارب وسوسة إبليس , فمن نزلت به نازلة ودعا وبالغ ولم ير الإجابة أخذ إبليس يحول
ويصول في حلبات كيده
فنرده بإيماننا أن المالك والحكيم في التدبير والعالم بالمصالح هو الله
وأن التأخير ربما فيه مصلحة والاستعجال مضرة0 وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((لا يزال العبد في خير مالم يستعجل, يقول دعوت فلم يستجب لي ))أما سمعت أن يعقوب بقي عشرات السنين في
البلاء ورجاؤه لا يتغير ولما ابتلي بفقد يوسف ثم ضم إليه فقد بنيامين لم يتغير أمله قال ((
عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم ))
وقد كشف هذا المعنى قوله تعالى :
(( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء
وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)) البقرة {214}
فالبلايا أوقات ثم تنصرم ,
وللمحن نهايات معلومة الوقت لا بد أن تنقضي
ولنعلم أن مدة مقام البلاء كمدة مقام الضيف , فيا سرعة انقضاء مقامه ويالذة مدائحه ووصف المضيف بالكرم,
كذلك المؤمن في الشدة
فلولا كرب الشدة ما رجيت ساعات الراحة
فما أجمل الصبر وما أعظم أجره قال تعالى : سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً }الطلاق7
وما أحسن قول القائل :
العسر يعقبه اليسر , والشدة يعقبها الرخاء,والتعب يعقبه الراحة, والضيق تعقبه السعة , والصبر يعقبه الفرج
وعند تناهي الأمر تنزل الرحمة
فالموفق من رزق صبرا وأجرا
والشقي من ساق إليه القدر جزعا ووزرا0
اللهم اجعلنا واياكم من الصابرين الشاكرين
منقول