هل هي شطارة أم نذالة؟!
إليكم هذه الواقعة التي تدل على ذكاء الإنسان، وعلى كفاحه، وتحديه، وشراسته، وحسده، ونذالته كذلك.
ففي عام 1980 في البرازيل تواصلت الأمطار بشكل لم يحصل له مثيل منذ عدّة عقود، وامتلأت السدود وفاضت، ومن ضمنها سد (توكوري) العملاق الذي يعد من أكبر السدود في قارة أمريكا الجنوبية بكاملها، مما أغرق ملايين الأشجار وسط البحيرة الهائلة التي تكونت خلفه.
ومن المعلوم أن تجارة الأخشاب هي من أهم المصادر الاقتصادية للبرازيل نظراً للغابات العظيمة التي تزخر بها أراضيها، لهذا قامت هناك المصانع التي تعتمد في أساسها على جذوع الأشجار، وكان التنافس بطبيعة الحال محتدماً.
وبعد تلك الفيضانات وغرق ملايين الأشجار، خطرت لأحد التجار فكرة جهنمية ـ أي فكرة ذكية ـ، وقبل أن نتحدث عن فكرته، لا بد من الإشارة إلى أن منافسه الرئيسي قد أزاحه تقريباً من السوق، وضيق عليه الخناق وحصره (بالكورنر) دون مكاسب.
المهم أن ذلك التاجر الألمعي، طور منشاراً كهربائياً بسرّية تامة وهو يستطيع أن يعمل تحت الماء بكفاءة منقطعة النظير، وأتى بمجموعة من العمال الأكفاء ودربهم على الغوص واستعمال ذلك المنشار.. ثم ذهب إلى الوزارة المختصة بالحكومة، ليبدي استعداده على تنظيف البحيرة الكبيرة من الأشجار دون أي مقابل، فما كان من الوزارة إلا أن توافق على الفور وهي مستغربة من ذلك التاجر(الأهبل) الذي يقدم على مثل هذا العمل الانتحاري المكلف، وهو لو انه طلب مقابل جهده هذا مبلغاً متفقاً عليه لوافقت الوزارة، لأن ملايين الأشجار تحت البحيرة تشكل خطراً على الملاحة وعلى السد نفسه. ووقع عقداً مع الوزارة مشترطاً فيه على أن يكون هو التاجر الوحيد الذي يحق له تنظيف البحيرة لمدة (50 سنة)، ووافقت الوزارة بعد أن نشرت إعلاناً تطلب فيه من يتقدم بتنظيفها، غير أنه لم يتقدم أحد، ووقعوا معه عقد الاحتكار، وبدأ بعمله وانطلاقته، حيث كان الغطاسون يغطسون بقوارير (الأوكسجين) إلى عمق (70مترا) وبأيديهم المناشير، بمنأى عن سقوط الأشجار عليهم، وما أن تقطع الشجرة إلاّ وتصعد تلقائياً إلى الأعلى.. واستطاع ذلك التاجر خلال سنة واحدة أن يجني من الأرباح أكثر مما جناه طيلة حياته، بل انه احتكر سوق الأخشاب تقريباً في كل البرازيل،
وبدأ منافسوه يتساقطون الواحد تلو الآخر، حيث أنهم كانوا يقطعون أخشاب أشجار الغابات مقابل أثمان مكلفة يدفعونها للحكومة، أما هو فكانت كل أخشابه (ببلاش)..
غير أن المسكين لم يفرح بمكاسبه طويلاً، ففي ثالث سنة تفتقت قريحة منافسه الرئيسي، واستطاع بشكل أو بآخر، أن يجلب مجموعة من أسماك (البيرانا) الصغيرة المفترسة، التي تتوالد بشكل سريع وتشكل أسراباً قاتلة، تستطيع أن تلتهم (ثوراً) كاملاً وتجعله هيكلاً عظمياً بعدة ثوان لا دقائق، وفعلاً بث تلك الأسماك المرعبة في بحيرة السد الواسعة، وما هي إلا عدة أشهر، وإذا بعشرات العمال الغواصين يتحولون إلى هياكل عظمية، مما حدا بالحكومة إلى أن تمنع العمل والغوص في تلك البحيرة، والى أن ترغم المحكمة ذلك التاجر على أن يدفع ملايين الدولارات لعائلات العمال الضحايا.
وفي الجانب الآخر كان هناك تاجر منافس، يضحك ملء شدقيه على مكاسبه التي بدأت تعود إليه، ويدعو لسمكة (البيرانا) التي من حبه لها غيّر (لوغو) وشعار شركته، واستبدله به صورة سمكة (البيرانا).
منقووووووول من جريدة