بسم الله الرحمن الرحيم
الفتح ، والمنح ، والعطاء ، والوهب كل ذلك يأتي من نظرة واحدة ، نظرة من قلب تقيِّ نقيِّ ، ينظر بنور الله ، أو ينظر بعين الله ، تبدِّلُ حال المرء إلى حيث لا يدري مقامه أحد إلا مولاه عز وجل، وشيخنا الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه قال عن طريقتنا الشاذلية :
{{ نحن نربِّي مريدنا بالنظرة، قالوا وكيف ذلك ؟ ، قال : إن النعامة وكذا السلحفاة لا يرقدان على بيضهما ، وإنما ترقد أنثاهما في مكان قريب من البيض ، ثم تنظر إليه بعيونها فيخرج منه سيالٌ حراري .}}
وذلك لأن البيض لكي يفقس يحتاج إلى حرارة وكم من الطيور ترقد على البيض نفسه لتمده بالحرارة اللازمة لكي يفقس ، وبيض النعامة والسلحفاة تصل إليهما الحرارة من النظرات ، فيفقس البيض ويخرج ، بسبب نظرات الأم من كليهما ، وهذا أيضاً يا إخواني طريق الصالحين نظرة برضا ، وعطف ، ووداد ؛ ترفع المرء وتجعله يبلغ المراد ، وإن كان مقصراً في العمل وتحصيل الزاد
ولكن تلزم النظرة برضا ، فالأب أو الأم لمن ينظران برضا ؟ ، لمن يطيعهما ، ويبرُّهما ، ويسير على خطاهما ، فيجعله ذلك صحيح الجسم .
وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى أحبابه ، ويصحِّح أحوالهم ، ويرقِّي مقامهم ، ويجعل حالتهم الروحانية في البهاء والضياء والنور والكمال ، مع الأولياء والأصفياء رضى الله عنهم وأرضاهم ، وإذا غضب على ابن روحيِّ من أبنائه ، تحوَّل إلى الدنيا يكدّ فيها ويسعى جاهداً لتحصيلها ويقاتل من يناوئه ويمنعه من الحصول عليها ولن ينال منها في الختام إلا ما قدَّره وكتبه الله عز وجل
ولذلك يا إخواني فإننا جميعاً نحتاج إلى هذه النظرة ، وقد حبانا الله عز وجل جميعاً أحوال سيدنا ومولانا رسول الله فمنَّا من أعطاه الله الحنان ، ومنَّا من أعطاه الله الشفقة ، ومنَّا من أعطاه الله الولاية الكبرى ، ومنَّا من أعطاه الرعاية ، ومنَّا من أعطاه الله الزهد ، كل هذه النظرات تغذِّيك وأنت في هذا المقام كلما لحظتك عينٌ من عيون إخوانك المقربين :
رفعتك روحانياً ، ورقَّتِكَ قلبياً ، والحمد لله ، لا نقول : وأنت لا تشعر ، وإنما نشعر جميعاً بذلك الأمر ، وهذا هو سبب حرصنا على هذه اللقاءات ومجالس الصالحين ، ليس من أجل العلم ؟ ، لأنكم جميعاً وبحمد الله علماء ، وقد لا أغالي ، ولا أبالغ إذا قلت معظمكم والحمد لله ينطبق عليه قول الإمام علي رضى الله عنهوكرم الله وجهه في سيدنا عبدالله بن مسعود عندما كانوا يسألونه في توصيف أصحابه قالوا : فما بال ابن أم عبد - يعنون بذلك عبدالله بن مسعود - فقال رضى الله عنه{{ ذاك رجل مُلأ من رأسه إلى مشاشة قدمه علماً }}
وأنتم والحمد لله كلكم على هذا الحال ، وليت كل واحد منكم يتكرع بعض ما حصله من العلم وهي علوم لا حصر لها ، ولا نهاية لها ، سمعها من إخوانه في الوقت الذي سعدوا فيه بصحبتهم لكنا نريد العمل لبلوغ الأمل ، وهذا يستوجب النظرة :
من نظرة يرتقي المطلوب مرتفعاً قدس الجلالة في حال المناجاة
من نظرة واحدة ، وهذا هو الأمر الذي أريد أن يثبته إخواني جميعاً في صدورهم ، وإياكم أن يظن البعض منكم ، فأنا أكثركم وأشدُّكم لها حاجة وكلنا ذاك الرجل الذي يقول لمولاه : فَقَالَ
(َربِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) القصص24
كلنا محتاجون فمن فينا الذي بلغ الكمال ، حتى من بلغوا الكمال ، كمال ، وبعد الكمال مزيد ،ومن بلغ أعلى درجات الكمال ماذا قال له حضرة الله ؟
(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه 114
طلب منه الله عز وجل ؛ أن يطلب الزيادة ، لأن العلم ليس له حدٌّ ، ولا عـدٌّ ، فضله لا يحدُّ
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...C2&id=18&cat=4
منقول من كتاب {إشراقات الإسراء الجزء الثاني}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
https://www.youtube.com/watch?v=tluIL0mEcV4