بسم الله الرحمن الرحيم
للجمعة آداب كثيرة منهاالغسل والتجمل والسواك والتطيب ، فيستحب لكل من أراد حضور صلاة الجمعة أو مجمع من مجامع الناس سواء كان رجلاً أو إمرأة ، أو كان كبيراً أو صغيراً ، مقيماً أو مسافراً ، أن يكون على أحسن حال من النظافة والزينة: فيغتسل ويلبس أحسن الثياب ويتطيب بالطيب ويتنظف بالسواك
وقد جاء في ذلك عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه ، وإن كان له طيب مسَّ منه}{1}
وعن ابن سلام رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر يوم الجمعة: {ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته}{2}
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي
صلى الله عليه وسلم: {لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر بما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرِّق بين اثنين ثم يصلي ما كُتب له ثم يُنصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له من الجمعة إلى الجمعة الأخرى}{3}
وكان أبو هريرة يقول: {وثلاثة أيام زيادة ، إنَّ الله يجعل الحسنة بعشرة أمثالها} ، وغفران الذنوب خاص بالصغائر لما رواه ابن ماجة عن أبي هريرة {ما لم يغش الكبائر} ، وعن أحمد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {حق على كل مسلم الغسل والطيب والسواك يوم الجمعة} ، وعن الطبرانى في الأوسط والكبير بسند رجاله ثقاة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع: {يا معشر المسلمين هذا يوم جعله الله لكم عيداً فاغتسلوا وعليكم بالسواك}
عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [COLOR="
Red"]{من أفضل أيامكم يوم الجمعة: فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ} قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرِمْتَ؟ فقال: {إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء}
{4}
قال ابن القيم: يستحب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلته لقوله: {أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة} ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره ، مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنها نالته على يده فجمع الله لأمته بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة
فإنه فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة ، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة ، وهو عيد لهم في الدنيا ، ويوم يسعفهم الله بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم ، وهذا كله إنما
عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده فمن شكره وحمده ، وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن يكثروا من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له نور ما بين الجمعتين}{5}
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ومن قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضئ له يوم القيامة ، وغُفر له ما بين الجمعتين}{6}
ينبغي الاجتهاد في الدعاء عند آخر ساعة من يوم الجمعة فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قلت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس - إنا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئاً إلا قضي له حاجته ، قال عبد الله: فأشار إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بعض ساعة ، فقلت: صدقت ، أو بعض ساعة ، قلت أيّ ساعة هي؟ قال "آخر ساعة من ساعات النهار" قلت إنها ليست ساعة صلاة ، قال: "بلى ، إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاة" {رواه ابن ماجة}
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه ، وهي بعد العصر}{7}
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أتاه إياه ، والتمسوها آخر ساعة بعد العصر}{8}
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه: أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فتذكروا الساعة التي في يوم الجمعة ، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة{9}
وقال أحمد ابن حنبل: أكثر الأحاديث في الساعة التي يُرجى فيها إجابة الدعاء أنها بعد العصر ويرجى بعد زوال الشمس ، وأما حديث مسلم وأبي داود عن أبي موسى رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ساعة الجمعة: {هي ما بين أن يجلس الإمام} يعني على المنبر {إلى أن تقضى الصلاة} فقد أُعلَّ بالاضطراب والانقطاع
يندب التبكير إلى صلاة الجمعة لغير الإمام. قال علقمة: خرجت مع عبد الله ابن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال: رابع أربعة وما رابع أربعة من الله ببعيد ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر تراوحهم إلى الجمعات الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ، وما رابع أربعة من الله ببعيد}{10}
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنه ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر}{11}
وذهب الشافعي وجماعة من العلماء إلى أن هذه الساعات هي ساعات النهار فندبوا إلى الرواح من أول النهار وذهب مالك إلى إنها أجزاء ساعة واحدة قبل الزوال وبعده ، وقال قوم هي أجزاء ساعة قبل الزوال وقال ابن رشد: وهو الأظهر لوجوب السعي بعد الزوال
حكى الترمذي عن أهل العلم أنهم كرهوا تخطي الرقاب يوم الجمعة وشدَّدوا في ذلك ، فعن عبد الله بن يُسر رضي الله عنه قال: جاء رجل يتخطر رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجلس فقد آذيت وآنيت}{12}
ويستثنى من ذلك الإمام أو مَنْ كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة بشرط أن يتجنب أذى الناس ، فعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه ففزع الناس من سرعته ، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال: {ذكرت شيئاً من تِبْر كان عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته}{13}
يُسن التَّنفُّل قبل الجمعة ما لم يخرج الإمام فكيف عنه بعد خروجه إلا تحية المسجد فإنها تُصلى أثناء الخطبة مع تخفيفها إلا إذا دخل في أواخر الخطبة بحيث ضاق عنها الوقت فإنها لا تصلى ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين ويحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك {رواه أبو داود}
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدِّر له ، ثم أنصت حتى يفرغ
الإمام من خطبته ، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام}{14}
وعن جابر رضي الله عنه قال: دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له صلى الله عليه وسلم: {صليت؟ قال: لا ، قال: فصلِّ ركعتين} {رواه الجماعة}
وفي رواية: {إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوَّز فيهما}{15}
وفي رواية: {إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين} {متفق عليه}
يُندَب لمن بالمسجد أن يتحول عن مكانه إلى مكان آخر إذا غلبه النعاس: لأن الحركة قد تذهب بالنعاس وتكون باعثاً على اليقظة ، ويستوي في ذلك يوم الجمعة وغيره ، فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره}{16} [/COLOR]
{1} رواه أحمد والشيخان {2} رواه أبو داود وابن ماجة {3} رواه أحمد والبخاري {4} رواه الخمسة إلا الترمذي {5} رواه النسائي والبيهقي والحاكم {6} رواه ابن مردويه بسند لا بأس به {7} رواه أحمد. قال العراقي: صحيح {8} رواه النسائي وأبو داود والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم وحسّن الحافظ إسناده في الفتح {9} رواه سعيد في سننه وصححه الحافظ في الفتح {10} رواه ابن ماجة والمنذري {11} رواه الجماعة إلا ابن ماجة {12} رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة وغيره {13} رواه البخاري والنسائي {14} رواه مسلم {15} رواه أحمد ومسلم وأبو داود {16} رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح