الجدار المصري: تراجيديا الجغرافيا السياسية
الأحد, 10 يناير 2010
مأمون الحسيني *
ما قدم حتى الآن، من قبل الجانب المصري الرسمي حول طبيعة «الجدار الفولاذي» أو «الإنشاءات الهندسية» وأسباب إقامتها ووظيفتها المفترضة، غير قابل للإعراب والتسويق في الساحة العربية والإقليمية، وبخاصة في الشارعين الفلسطيني والمصري، لا سيما أن الحجج والذرائع التي عرضت بطريقة عصبية واستفزازية، تزامنت مع «تغريبة» قافلة «شريان الحياة»، وما رافقها من أعمال عنف واشتباكات تردد صداها في الجانب الفلسطيني من معبر رفح الذي شهد، هو الآخر، توتراً مع قوى الأمن المصرية. كما تزامنت مع منع مئات الناشطين الدوليين من دخول قطاع غزة بحجة أن غالبية هؤلاء هم من الجزائريات اللواتي لديهن جنسية فرنسية، ولا هدف لهنّ سوى تحريك المشاعر الإنسانية لاعتبارات سياسية لها علاقة بتداعيات مباراة كرة القدم يوم 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بين مصر والجزائر في الخرطوم. إذ جل ما أفادت به الرواية الرسمية المصرية «المتلعثمة»، هو أن ما يقال عن جدار فولاذي ليس أكثر من مجسات حديدية حلزونية مقوَاة يبلغ سمك ألواحه أربعة سنتيمترات، وهي مضادة للقنابل على عمق 18 - 20 متراً بطول يتراوح بين 7 - 8 أميال، مع معدات متطورة للمراقبة منها أجهزة تعمل بالأشعة تحت الحمراء وأخرى تتبع الحرارة وكاميرات تصوير، إضافة إلى طريق محظور على غير الدوريات العسكرية السير فيها بمحاذاته فوق الأرض.
أما حيثيات استكمال أعمال هذه الإنشاءات التي اتخذ قرار إقامتها منذ نحو عام تقريباً، فهي توجيه رسالة تطمين إلى الجهات الدولية التي تحتج بقوة على وجود الأنفاق، وتأمين حدود مصر وسلامة إقليمها وأمان شعبها، كون الأنفاق تشكل ممراً آمنا لتهريب السلاح والمخدرات والإرهابيين، ووضع حد للطموحات والمخططات الإسرائيلية في الفصل بين غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وتالياً الوقوف في وجه المساعي المتواصلة للالتفاف على اتفاقية المعابر التي وقعت في تشرين الثاني 2005، وفرض أجندة حركة «حماس» الخاصة، والتي تخدم، في المحصلة، توجهات إسرائيل بإعفائها من مسؤولياتها عن المليون ونصف المليون مواطن فلسطيني في مدن ومخيمات غزة، وتحميل النظام المصري المسؤولية عن القطاع. وتذكر بعض الأوساط المصرية أن أحلام تحويل قطاع غزة من مشكلة إسرائيلية إلى مشكلة مصرية لم تقف عند السنوات والعقود الماضية، حيث طرحت مراكز الدراسات الإسرائيلية ، نماذج عدة للتخلص من المشكلة منذ 1979. لا بل إن الحرب الأخيرة ضد القطاع جاءت في هذا السياق.
ويقف مناهضو إقامة الجدار بالمرصاد لكافة حجج وذرائع السلطات المصرية، إذ يرون أن نظام القاهرة آخر نظام في العالم يحق له التحدث عن «الأمن القومي» و «السيادة الوطنية» بعد أن استسلم تماماً للإرادة الأميركية - الإسرائيلية منذ توقيع كامب ديفيد. وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى، بينها الإفراج عن الجاسوس عزام عزام، واتفاقيات بيع الغاز والأسمنت لإسرائيل، والتي تكاد بشروطها المهينة تشبه الجزية التي تدفعها مصر للإسرائيليين، والمشاركة في حصار الفلسطينيين، وأخيراً هذا الجدار الفولاذي.