بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليكم احبتي في الله هذا االموضوع عن التغافل
اعجبني فاحببت طرحه بين ايديكم واتمنى ان ينال رضاكم
اترككم مع الموضوع
من كتاب التغافل للكاتب توفيق علي زبادي
ــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يخلو شخص من نقص ،ومن المستحيل يجد كل مايريده أحدنا في الطرف الآخر كاملاً.. كما أنه لا يكاد يمر وقت دون أن يشعر أحدنا بالضيق من تصرف عمله الآخر .
ولهذا على كل واحد منا تقبل الطرف الآخر والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات ، أو طبائع ، وكما قال الإمام أحمد بن حنبل "تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل".
التغــافل
التغافل لغةً : هو تعمد الغفلة ، و أرى من نفسه أنه غافلُ و ليس به غفلة
التغافل : وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور .
قال الحسن: ما استقصى كريمٌ قط.
وقال سفيان: ما زال التغافل من شيم الكرام.
واعلم أن من الدهاء كل الدهاء التغافل عن كل ذنب لا تستطاع العقوبة عليه، ومن عداوة كل عدو لا تقدر على الانتصار منه.
فأما التغافل عن ما لا يعني فهو العقل. وقد قال الحكماء: لا يكون المرء عاقلاً حتى يكون عما لا يعنيه غافلاً.
الامير المجاهد قتيبة بن مسلم والتغافل
دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبع رجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا تكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها؟ فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.
فلقد كان في قدرة الأمير أن يأمره بإبعاد نصل سيفه عن قدمه، وليس هنالك من ملامة عليه، أو على الأقل أن يبعد الأمير قدمه عن نصل سيفه، ولكنه أدب التغافل حتى لا يقطع على الرجل حديثه، وبمثل هذه الأخلاق ساد أولئك الرجال.
من كان يرجو أن يسود عشيرة **** فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفا عن إساءة من أساء **** ويحلم عند جهل الصاحب
لماذا سمي حاتم الأصم بذلك؟
القدوة الرباني أبو عبد الرحمن حاتم بن عنوان بن يوسف البلخي ، الواعظ الناطق له كلام جليل في الزهد والمواعظ والحكم ، كان يقال له " لقمان هذه الأمة " .
قال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ،فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك ، وقالت : إنه لم يسمع الصوت فلقّب بحاتم الأصم. انتهى. [ مدارج السالكين ج2ص344 ] .
هذا الأدب الذي وقع من حاتم الأصم هو من أدب السادة ، أما السوقة فلا يعرفون مثل هذا الآداب ، ولذلك تراهم لدنو همتهم يحصون الصغيرة ، ويجعلون من الحبة قبة ، ومن القبة مزاراً ، وهؤلاء وإن أظهروا في الإحصاء على الآخرين فنون متنوعة من ضروب الذكاء والخداع ، ولكنه ذكاء أشبه بإمارات أهل الحمق والترق الذين تستفزهم الصغائر عند غيرهم ، ولا يلقون بالا للكبائر عند أنفسهم،و أمثال هؤلاء لا يكونون من السادة في أقوامهم الذين عناهم الشاعر بقوله:
ليس الغبي بسيد في قومه **** لكن سيد قومه المتغابي
وقال الحسن : "ما استقصى كريم قط قال الله تعالى عرف بعضه وأعرض عن بعض " [ تفسير القرطبي ج18 ص188] .
وقال الشاعر :- أحب من الأخوان كل مواتي **** وكل غضيض الطرف عن هفوات
ومن المواقف الجلية في أدب التغافل ، ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد. [ تاريخ مدينة دمشق ج:40 ص:401 ] .
صلاح الدين و التغافل
قال ابن الأثير متحدثًا عن صلاح الدين الأيوبي:'وكان صبورًا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه. وبلغني أنه كان جالسًا وعنده جماعة، فرمى بعض المماليك بعضًا بسرموز- يعني:بنعل- فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته، ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه؛ ليتغافل عنها'.
التغافل و المشاكل الزوجية :
وأما المشاكل العابرة فهي المشاكل التي يفتعلها أحد الزوجين بشكل استثنائي عابر , وهي ليست من صفاته الدائمة , وإنما كما يقال : لكل عالم هفوة , ولكل جواد كبوة .
ومثالنا على ذلك كأن يستهزئ الزوج بزوجته وليس من عادته الاستهزاء , أو أن يتحدث عن بعض عيوبها أمام أهلها وليس من عادته فعل ذلك , وهذه التصرفات يكفي في علاجها الإشارة فقط , ولا ينبغي لأي من الزوجين أن يعاتب الأخر ويهجره من أجل هذه التصرفات وذلك باعتبار أنها عابرة وليست دائمة والأصل في المشاكل العابرة إتباع أسلوب التغافل معها .
من فقه الحياة الزوجية التغاضي عن دقيق المحاسبة :
ولكلٍ من الزوجين على الآخر حق ، وربما كانت الدقة في المراقبة والشدة في المحاسبة من بواعث الاضطراب وعدم الاستقرار ، وفي التغافل أحياناً ، والمرونة أحياناً كفالة باستدامة السعادة ، وبقاء المعاشرة الجميلة ، كل ذلك ضمن الضوابط الشرعية والتوصيات الأخلاقية
التغافل وتربية الأولاد
يجب التغافل عن بعض هفوات التلاميذ وعدم التعليق على كل حركة تصدر عنه بل لا بد أن ننبههم بروح الشفقة والرحمة حتى لا نذل نفسه ونحطم شخصيته أو ندفعه لاكتساب عادات خلقية سيئة كالعناد والكذب، ولنتمثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابي الذي كبر للصلاة من أول المسجد وركع وظل يمشي حتى وصل الصف فنبهه النبي صلى الله عليه وسلم على خطئه بلطف حيث قال: ((زادك الله حرصا ولا تعد)).
من أنماط التربية، التغافل -لا الغفلة- عن بعض ما يصدر من الأولاد من عبث أو طيش وهو مبدأ يأخذ به العقلاء في تعاملهم مع أولادهم ومع الناس عموما؛ فالعاقل لا يستقصي، ولا يشعر من تحت يده أو من يتعامل معهم بأنه يعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة؛ لأنه إذا استقصى، وأشعرهم بأنه يعلم عنهم كل شيء ذهبت هيبته من قلوبهم ، ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي ،ثم إن تغافله يعينه على تقديم النصح بقالب غير مباشر، من باب: إياك أعني واسمعي يا جاره، ومن باب: ما بال أقوام. وربما كان ذلك أبلغ وأوقع.
من أخطاء المُعلم :
محاولة ضبط الطفل أكثر من اللازم : بحيث لا تتاح له الفرصة للعب والمرح والحركة. وهذا يتعارض مع طبيعة الطفل وقد يضر بصحته إذ أن هذا اللعب مهم لنمو الطفل بصورة جيدة إذ أن (اللعب في المكان الطلق الفسيح من أهم الأمور التي تساعد على نمو جسم الطفل وحفظ صحته) فينبغي أن يتجنب الأب زجر الأولاد عند مبالغتهم في اللعب بالتراب أثناء النزهة على شاطئ البحر أو في الصحراء. وذلك لأن الوقت وقت ترفيه ولعب وليس وقت انضباط، وليس ثمة وقت ينطق فيه الأولاد بلا قيود إلا في مثل هذه النزهات البريئة، فلابد من التغافل عنهم بعض الشيء.
التغافل على أخطاء قليلة حكمةٌ تربويَّة :
إذا ظهر على الصبي خُلقٌ جميل وفعلٌ محمود ، فينبغي أن يكرَّم عليه ـ يجب أن تثني على ابنك إذا رأيت منه خُلقاً حميداً ؛ أمانةً ، وفاءً ، صدقاً ـ ويجازى عليه لما يفرح به ، وأن يُمدح بين أظهر الناس ، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرَّةً واحدة فينبغي أن يتغافل عنه . جاء في وصية الغزالي : فإذا خالف ذلك في بعض الأحوال مرَّةً واحدة فينبغي أن نتغافل عنه ـ وأن لا نهتك ستره ، وألا نكاشفه ، أما إذا عاد ثانيةً يُعاتب عتاباً رقيقاً فيما بينك وبينه .
لمن التغافل
مسامحة أهل الاستئثار والاستغنام والتغافل لهم ليس مروءة ولا فضيلة بل هو مهانة وضعف وترضية لهم على التمادي على ذلك الخلق المذموم وتغبيط لهم به وعون لهم على ذلك الفعل السوء.
وإنما تكون المسامحة مروءة لأهل الإنصاف المبادرين إلى الإنصاف والإيثار فهؤلاء فرض على أهل الفضل أن يعاملوهم بمثل ذلك لا سيما إن كانت حاجتهم أمس وضرورتهم أشد.
التغافل شيمة أهل الدين
عن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث. متفق عليه
وسوء الظن يدعو إلى التحسس و التجسس . فعن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم لا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تقاطعوا و لاتدابروا وكونوا عباد الله إخوانا . متفق عليه.
التجسس في تطلع الأخبار و التحسس بالمراقبة بالعين فستر العيوب و التجاهل و التغافل عنها شيمة أهل الدين ويكفيك تنبيها على كمال الرتبة في ستر القبيح و إظهار الجميل أن الله تعالى وصف به في الدعاء فقيل يا من أظهر الجميل وستر القبيح و المرضى عند الله من تخلق بأخلاقه فإنه ستار العيوب و غفار الذنوب ومتجاوز عن العبيد فكيف لا تتجاوز أنت عمن هو مثلك أو فوقك.
وقد قال عيسى عليه السلام للحواريين كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائما وقد كشف الريح ثوبه عنه قالوا نستره ونغطيه قال بل تكشفون عورته قالوا سبحان الله من يفعل هذا فقال أحدكم يسمع بالكلمة في أخيه فيزيد عليها ويشيعها بأعظم منها.
قال عمرو بن عثمان المكي : المروءة التغافل عن زلل الإخوان .
عن أبي بكر بن أبي الدنيا أن محمد بن عبد الله الخزاعي قال : سمعت عثمان بن زائدة يقول :
العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل . قال : فحدثت به أحمد بن حنبل فقال : العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل .
قال الأعمش : التغافل يطفئ شراً كثيراً .
عن أبي بكر بن عياش قال : قال كسرى لوزيره ما الكرم ؟ قال : التغافل عن الزلل .."
و في قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب الرفق في الأمر كله) استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليه مفسدة. قال الشافعي: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل.
قال جعفر بن محمد الصادق: (عظموا أقدراكم بالتغافل).
قال المهاجري: (قال أعرابي لرجل: قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس لأن طالبها متهم بقدر ما فيه منها).
وكما قال الإمام أحمد بن حنبل "تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل"
والحسن البصري يقول: ما زال التغافل من فعل الكرام"..
وقال أكثم بن صَيْفيّ: الكَرم حُسن الفِطنة وحُسْنُ التغافل واللّؤم سوءُ الفطنة وسُوء التغافل ولم تَرَ أهلَ النُّهَى والمنسوبِين إلى الحِجَا والتُّقَى مَدَحوا الحلماءَ بشدة العقاب وقد ذكروهم بحُسن الصَّفْح وبكثرة الاغتفار وشدّة التغافُل وبعد فالمُعَاقِب مستعدٌّ لعداوة أولياءِ المذنِب والعافي مُسْتَدْعٍ لشكرهم آمِنٌ من مكافأتهم أيّامَ قدرتهم ولأنْ يُثنَى عليك باتِّساع الصدر خيرٌ من أن يُثْنى عليك بضِيق الصَّدر على أنّ إقالتك عثرةَ عبادِ اللّه موجبٌ لإقالتك عَثْرَتَكَ من ربِّ عباد اللّه وعفوُك عنه موصولٌ بعفو اللّه عنك وعقابُك لهم موصولٌ بعقاب اللّه لك".
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين
حفظكم الباري ورعاكم