[frame="8 10"]
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلموا علم اليقين أننا عما قليل من الدنيا راحلون وإلى الآخرة مسافرون ويوم القيامة بين يدي الحق واقفون وعليه معرضون ، وفي هذا الوقت المعلوم عند انتهاء الأجل المحتوم يُغْلق ملفِّ الأعمال ، فلا يستطيع أي امرئ أن يزيد فيه حسنه ولا أن يُنْقص منه سيِّئه {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} الأعراف34
واعلموا أن كل امرئ منَّا لا ينال إلا ما قدَّره له الله ، فعندما يبلغ الجنين في بطن أمه أربعة أشهر قمرية يأمر الله مَلكاً ينزل فيكتب بأمر ربه عمره ورزقه وعمله وشقي أو سعيد وعلى هذا فأمر الرزق قد فُرغ منه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولا سرق سارق الا حُسِبَ من رزقه}{1}
وورد فى الأثر : {ولو صبر لأخذه من حلال}
وقِسْ على ذلك: ما أخذ الغاشَّ إلا من رزقه أو نقص من رزقه وما أخذ المُخادع إلا من رزقه ، وهكذا وإليكم المثال على ذلك:
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه لزيارة أحد إخوانه المسلمين لمرضه وعندما وصل إلى الشارع الذي يسكن فيه وجد سائلاً يسألُ الناس ، فطلب منه أن يُمْسك بزمام بَغْلته حتى ينتهي من عيادة المريض ونَوَى في نفسه أن يُعْطيَه ديناراً نظير هذا العمل ، ولكن السائل عندما اختلى بالبغلة سوَّلت له نفسه فأخذ السِّرْج الذي كان عليها وأسرع به إلى السوق وباعه
فلما خرج عمر وجد البغلة وقد جردت من سرجها ولم يجد السائل ، فأسرع إلى السوق فوجد السرج مع أحد الباعة فقال له: اشتريته الآن؟ قال: نعم ، قال: بكم اشتريته؟ قال: بدينار ، فقال عمر رضي الله عنه: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {ولا سرق سارق الا حُسِبَ من رزقه}
فالرزق مقسوم وقد قدره الرَزَّاق عز وجل ، فإذا تعفَّفت عنه في الحرام ساقه الله إليك في الحلال ، وكذلك إذا تعرَّضت لك فاتنة فتعفَّفت عنها فإن الله يعوِّضك بخير منها في الحلال ، وهذا ما حدث لسيدنا يوسف عليه السلام عندما تعرَّضت له زُليخة وتعفف عنها خوفاً من الله
ردَّ الله لها شبابها بعد أن تجعَّد وجهها وتقوَّس ظهرها وأبيضَّ شعرها عندما تولَّى يوسف المُلْك وجاءه جبريل وأخبره أن الله يأمره أن يتزوج بها بعد أن ردَّ لها شبابها ، لأنه ما زهد عبد في شهوة في الحرام إلا أعطاه الله مثلها في الحلال.
ليت شبابنا يستوعب هذا الدرس وينتبه لهذه الوصية ويجعلها نبراساً له في حياته وهادياً له في سلوكياته ، فإنه لا يتورع شاب عن شئ في الحرام: امرأة أو مال أو شقَّة أو عمارة أو أي شئ من فتن الدنيا ، رغبة فيما عند الله وخوفاً من الله إلا وأعطاه الله مثله أو خيرا منه في الحلال ، ففى الحديث الشريف: {مَا تَرَكَ عَبْدٌ لله أَمْرَاً لاَ يَتْرُكُهُ إِلاَّ لله إِلاَّ عَوَّضَهُ الله مِنْهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهُ فِي دِينهِ وَدُنْيَاهُ}{2}
يا أمة الإسلام عليكم بهدي المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، واقرأوا هذه الآية وكرروها لتروا ما فيها من جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21
{1} مسند الحارث والمطالب العالية لابن حجر العسقلانى عن كعب رضي الله عنه
{2} أَخرجه ابنُ عساكر من حديث ابن عمر مرفوعاً
[/frame]