رجل أنكر عليه علانية أمام الناس ومعاوية يخطب، ففرح به معاوية وبرده، وقال الحديث السابق.
2- ولعموم حديث أبي سعيد «فإن لم يستطع فبلسانه»، وقد أيد رجلاً أنكر على مروان علانية.
3- ولعموم حديث أم سلمة في مسلم بعد ذكر أئمة الجور قال: فمن كره فقد سلم، ومن أنكر فقد برئ.
وعموم: "أنكر" في حديث أبي سعيد وأم سلمة لا يخصصه "أخذ بيده" "أو عند" من حديث عياض بن غنم؛ لأن العام إذا ورد عليه خاص لبعض أفراده فلا يخصص، وإنما يؤكد، وما سبق هو عام في المكان، وأما حديث عياض بن غنم في النصيحة أنها سر لقوله أخذ بيده. فعندي أنه يحمل على الأمير الذي يقبل أمثال عياض بن غنم، لكن الجمع بين العلانية والسرية باعتبار الأمراء. أما أمثال الحجاج ومروان وغيرهما فعلانية ([1]).
ومن الأدلة على العلانية:
1- نصح الصحابي عائذ بن عمرو للأمير عبيد الله بن زياد أمام الناس وأصل الحديث في مسلم: «أن شر الرعاء الحطمة».
2- مراجعة المرأة لعمر بن الخطاب علنًا في آية ]وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا[ قال ابن كثير أخرجها أبو يعلى عن مسروق بسند قوي.
3- وعلي بن أبي طالب خالف عثمان علنًا في مسألة التمتع في الحج.
4- والسلف والصحابة أنكروا البدع المروانية والأموية التي فعلها مروان وبعض بني أمية فخالفهم الصحابة في زمنهم وأنكروا عليهم علنًا مثل تقديم الخطبة على الصلاة في العيد والأذان للعيد. والأسرار في التكبير للأمام في بعض التكبيرات وغير ذلك.
5- وقصة عبد الله بن جعفر المزني في إنكاره على ابن زياد علانية.
أما الأدلة على السرية:
1- فقصة أسامة بن زيد لما امتنع أن يكلم عثمان في أمر الوليد علنًا إنما كلمه سرًا. وقال كلمته دون أن أفتح بابًا رواه البخاري.
2- حديث عياض بن غنم من رأى من أميره شيئًا فليأخذ بيده ... الحديث.
والصحيح الجمع فإن كان الأمير يقبل فهنا السرية، أما إن كان لا يقبل أو يقبل لكن في أمر عام لا بد أن يعرف الناس حكمه أو يخشى من ضياع حكم ما أو أمر له علاقة بالناس. أو أنه جُرّب مع هؤلاء الأمراء فإن نصحت سرًا لم يكترثوا أما إن أعلنت تجاوبوا وغيّروا فهذه علانية. وجاء عند أبي داود في الجار الذي يؤذي جاره فقال الرسول r له: «أخرج متاعك» -لكي تصبح وسيلة ضغط عليه حتى لا يؤذي بعد إنكار الناس عليه-.
أما دعوى أن النصح السري هو مذهب السلف والعلانية بدعة فهذا ليس بصحيح بل هو جراءة على الصحابة والسلف الذين أنكروا علنًا كما سبق.
مسألة: من فوائد الإنكار العلني:-
1- يؤدي إلى تقليل المنكرات.
2- فيه عز وقوة للعلماء.
3- فيه نشاط لأهل الخير.
4- فيه خذلان وقمع لأهل الباطل والعصاة.
ومن مفاسد السري:
1- يؤدي إلى اتهام العلماء بعدم الإنكار والخوض فيهم.
2- يؤدي إلى تجرؤ الحكام.
مسألة: ما الحكم لو أمر الحكام المسلمين بمستحب؟
الجواب: يستحب طاعتهم لكن لا تجب؛ حتى لا تنقلب المستحبات واجبة بأمر الناس، كأن يأمرهم بصيام عاشوراء أو الاثنين والخميس «راجع صلاة الاستسقاء في كتاب زاد المستقنع وشروحه».
مسألة: ما الحكم لو أمروا بمحرم؟
الجواب: تحرم طاعتهم لقوله r: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
مسألة: لو أمروا بمباح أو منعوا من فعله؟
إن أمروا بمباح أو منعوا فعله؛ لأن تركه أو فعله يؤدي إلى ضرر بالمسلمين فهنا تجب طاعتهم ما دام أن فيه مصلحة للمسلمين ولا يعارض شيئًا من الشرع، ويتفرع عن هذه المسألة فيما لو كانت المصلحة ليست للمسلمين عامة، وإنما هي خاصة لهم أو لمن يحبون، أو تكون لمصلحة الكفار، فهنا لا تجب طاعتهم. «استفدت ذلك من ابن جرير في تفسير آية: ]أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[».
مسألة: إذا أمروا بأمر مختلف فيه وهو من مسائل الاجتهاد؟
فإن كانوا بنوا ذلك على علم أو عن فتوى فيجب طاعتهم على أحد الأقوال لأهل العلم والقول الثاني لا يجب وهو اختيار ابن تيمية وجماعة وهو الأرجح ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع قال ذلك ابن تيمية في الفتاوى في باب القضاء، وإن كان اختيار أحد الأمرين عن هوى فلا تجب طاعتهم، فيكون حكمه حكم من فسر القرآن بغير علم فقد أخطأ ولو أصاب. أما القاضي إن حكم بالخلاف كما ذكر الفقهاء في كتاب البيع أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في القضية المعينة أما القضية العامة فليس حكم العالم أو الأمير يرفع الخلاف بل هذا خلاف الإجماع كما قاله ابن تيمية كما أن فتوى المفتي العام لا يرفع الخلاف إلا في الفتوى الخاصة فقط.
المسألة الرابعة: كيف يعرف أنهم قد حكموا هوى، أو عن علم؟
هذه مثل مسألة الشك في الحاكم إذا أمر بقتل المجهول، فذكر فقهاء الحنابلة في كتاب الجنايات "لو أمر الحاكم بقتل مجهول فالمذهب تجب طاعته لعموم الأدلة".
القول الثاني: ينظر إلى حال الحاكم، إن غلب عليه العدالة وعدم الظلم فيُطاع، وإن غلب عليه الظلم والجور فإنه لا يطاع في المجهول حتى يتبين أنه محق وهو الراجح.
المسألة الخامسة:
والمصنف هنا تكلم عن حكم طاعة العلماء والأمراء، ولم يتكلم عن العالم أو الأمير الذي يحلل أو يحرم اكتفاءً بالنصوص التي ذكر؛ لأنها تدل على الحكم الآخر، فأي حكم في المتبع فهو في العالم والأمير أولى.
مسألة: وهل للحكام والأمراء ورؤساء القبائل وكل من له طاعة عامة أن يلزم الناس
بمذهب فقهي معين أو بقول عالم معين؟
الجواب: ليس له ذلك وقد ناقش هذه المسألة ابن تيمية في الفتاوى في باب القضاء في أول فصل منه. وذكر أن ذلك لا يجوز كما اختاره أيضًا ابن القيم في «إعلام الموقعين». وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة بأنهم كانوا ينهون الناس عن تقليدهم فكيف يلزمون الناس به وهو مذهب ابن عباس حيث قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة ... فأنكر على من رأى مذهب الخليفة وهو مذهب علي بن أبي طالب حينما خالف الخليفة (عثمان) في مسألة التمتع في الحج وهو مذهب عمران بن حصين وأبي موسى حيث خالفوا مذهب عمر في متعة الحج، وهو مذهب حذيفة في مخالفته لعمر في مسألة نكاح الكتابيات، والسلف المعاصرون في بني أمية خالفوا الحكام لما كان مذهبهم تقديم الخطبة على صلاة العيد والأذان للعيد وأنكروا عليهم ذلك وقد رفض الإمام مالك لما طلب منه الرشيد أن يلزم الناس بكتاب الموطأ فمنع من ذلك مالك، وكل من نهى عن التقليد فإن مذهبه عدم الإلزام إذ كيف ينهى عن التقليد ثم يلزم بتقليد الحاكم أو المفتي العام!!
مسألة: وهل للعلماء والمفتين أن يلزموا الناس بفتواهم. فيقولوا هذا قولنا ويقول المفتي العام هذه فتواي ويمنع القول بغيرها أو مخالفتها؟
الجواب: لا يجوز وقد ناقش ابن تيمية هذه المسألة في الفتاوى وذكر أنها خلاف الإجماع. فكيف إذا عاقب على من خالفه أو سجنه أو منعه من الفتيا.
مسألة: فلو قال قائل فماذا تفعلون بما كان يفعله عمر بن الخطاب وعثمان رضي الله عنهما من إلزام الناس بقول واحد في مصلحة المسلمين؟
قلنا أولاً: ينبغي أن يُعرف أنهما فعلا ذلك في مصلحة المسلمين لا في هوى أو مصلحة الحكم أو الكرسي.
ثانيًا: غاية ما يدل على الإباحة، أما الوجوب فلا وأما أن يعاقب عليه ويسجن ويمنع المخالف أن يفتي مطلقًا فهذا حاشاهم، ذلك فما كان الصحابة يمنعون أحدًا من العلماء منعًا عامًا بعدم الإفتاء إنما هذه من الحكم بغير ما أنزل الله، وحتى لو فرض المنع فإنهم يمنعون في مسألة معينة فقط علمًا بأن ما فعله عمر وعثمان خالفهم غيرهما من الصحابة.
مسألة: هناك مسألة في الطاعة الخاصة من شخص خاص معين ليس له صفة العموم ليس كالأمراء والملوك والعلماء. مثل طاعة الزوجة مثلاً في تسمية الابن عبد الرسول أو عبد الحارث؟
فهذه من الشرك الأصغر وتأتي إن شاء الله في باب: ]فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ... الآية[.
([1]) وجاء عن الصحابي عبد الله بن جعفر المزني أنه أنكر على عبد الله بن زياد علانية أمام الناس، فقيل له! فقال: وددت أن داره وسعت أهل هذا المصر فسمعوا مقالتي وسمعوا مقالته. رواه الطبراني إلا أن الهيثمي قال: فيه ثابت بن نعيم لم أعرفه ... المجمع (5/312).