أما حول الجدار الذي هو بالأصل فكرة إسرائيلية، بدأت باقتراح حفر حاجز مائي بعد إعادة نشر قوات الاحتلال حول حدود القطاع عام 2005، فيقول المناهضون، على لسان عضو «مركز الدراسات الاشتراكية» المصري محمد واكد، إن المعلومات المستقاة من إسرائيل، وكثير منها منقول عن مصادر مصرية، تفيد بأن طول الجدار يتراوح بين 10 و14 كلم، وعمقه تحت الأرض يصل إلى 30 متراً «أي ما يوازي مبنى ارتفاعه 10 طبقات»، الهدف منه الوصول إلى منسوب المياه تحت الأرض، للحيلولة دون بناء أنفاق، أو لرفع منسوب المياه، بحيث تؤثر في التربة لتكون رخوة بدرجة لا تحتمل بناء أنفاق، مشيراً إلى إقامة نظام «هيدروليكي» يضخ المياه المضغوطة في التربة، بعمق الجدار، ما يضر أيضاً بالبيئة، لأنه سيخلط مياه البحر المالحة بالمياه الجوفية التي تعتمد عليها المنطقة في الزراعة.
وهكذا، يتواصل السباق المفعم بالصراخ والشتائم والاتهامات، فيما تحاول حركة «حماس»، وكما يفعل النظام المصري بالضبط، خلق نوع من التماهي ما بينها وبين أهل غزة ومعاناتهم، على رغم أن العديد من قادتها هم أكبر المستفيدين من تجارة الأنفاق التي تدر أرباحاً جمة. أما الإسرائيليون فيبدو أنهم في غاية السعادة والحبور لما يجري، لا سيما بعد الاشتباك في رفح الذي يعتبر نذير شؤم، وإشارة واضحة على أن ثمة تقدماً إسرائيلياً في إبعاد القضية عن حدودهم ومسؤوليتهم، وأن شبح إعادة إنتاج حروب عربية - فلسطينية على غرار ما حدث في الأردن ولبنان ما زال ماثلاً.
إن أية قراءة منصفة، بعيدة من عبث المصطلحات وتراجيديا الشعارات التي تحاول نبش العواطف والغرائز، ستوصل إلى مجموعة من الاستنتاجات الواقعية التي يمكنها المساهمة في عبور قطوع الأزمة الراهنة: ثمة حاجة ماسة لإعادة النظر في ما تسميه السلطات المصرية «إنشاءات هندسية» على الحدود مع قطاع غزة، وعمل ما يمكنها لتخفيف معاناة أهل غزة، إعادة الاعتبار لحقيقة أن من يشدد الحصار على قطاع غزة هو إسرائيل التي لا تزال، وفقاً لاتفاقية لاهاي 1907، قوة احتلال في القطاع كونها تتحكم في كل شيء على الأرض والمنافذ وحركة الدخول والخروج، وتكفي الإشارة إلى المعابر الستة التي تفصل غزة عن إسرائيل، وإغلاق البحرية الإسرائيلية لمنافذ القطاع المائية الممتدة على مدى أكثر من أربعين كيلومتراً من المياه الإقليمية، التحرر من وهم إمكانية إقامة «حكم مستقل» في قطاع غزة مفتوح على العالم عبر مصر، وفصل راهن ومستقبل القطاع عن الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس، وتالياً التوجه، فوراً، نحو توقيع الورقة المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية التي توفر، واقعياً وعملياً، حلاً ملائماً لقضية الحصار عبر العودة إلى اتفاقية المعبر التي وقعتها السلطة الفلسطينية، برعاية أميركية، في تشرين الثاني 2005، لا سيما أن القاهرة سبق أن حاولت تشغيل منفذ رفح، قبل تحقيق المصالحة، عبر توفير شرطي عودة الأوروبيين، وتواجد الحرس الرئاسي الفلسطيني في المعبر، قبل أن يفشل طرفا النزاع الفلسطيني هذا المسعى بالشروط المسبقة والشروط المضادة.