الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. معاشر المؤمنين :يقول الحق تبارك وتعالى { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} . ويقول { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّه ِكَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ويقول { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا } . وأخرج البيهقي في سننه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا معشر المهاجرين، خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا, ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمَطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم من غيرهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل وينظروا فيه إلا جعل الله بأسهم بينهم". انحباس المطر ومنع القطر وتأخر نزول الغيث ليس سببه ـــ كما يتوهم البعض ـــ تأخر رياح الشمال أو هدوء رياح الجنوب أو تغير في الأحوال المناخية أو الانحباس الحراري ، قد تكون هذه أسباب محسوسة يقدرها الله عز وجل ، إنما السبب الحقيقي لمنع المطر هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تنبيهاً للأمة وزجراً لها عن الوقوع فيما نهاها عنه ، فإذا أعرضت الأمة عن ذلك وقارفت المنهي عنه وخالفت المأمور به ، وفشت فيها ألوان الذنوب والمعاصي ، أصابها ما أصاب الأمم قبلها من الجدب والقحط . فالاستقامة ولزوم الطاعة هو سبب نزول البركات من السماء ، والمعاصي والذنوب والآثام سبب منع الغيث.
__________________
فالاستقامة ولزوم الطاعة هو سبب نزول البركات من السماء ، والمعاصي والذنوب والآثام سبب منع الغيث. قال صلى الله عليه وسلم :" إن العبد ليحرم الرزق للذنب يصيبه ". .رواه ابن ماجة وحسنه الألباني ، والمطر من الرزق بل هو من أعظم الرزق ، قال تعالى { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } ، وإذا عصى الناس ربهم عوقبوا بالقحط والجدب ، والعقوبة تعم الصالح والطالح حتى البهائم والحيوانات . قال مجاهد: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا أشتد الجدب وأمسك المطر وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم. وقال عكرمة: دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم. وقال غير واحد من السلف: إذا قحط المطر فإن الدواب تلعن عصاة بني آدم وتقول اللهم العنهم فبسببهم أجدبت الأرض وقحط المطر . وإن المتأمل لحالنا اليوم يجد أن الذنوب والمعاصي بأنواعها وأصنافها ، قد فشت بين الناس : تبرج وسفور , وشرب للخمور, وأكل للربا وفعل الزنا , وأكل مال الأيتام, واستماع للأغاني , ومشاهدة الأفلام الخليعة , وغيبة ونميمة ، وكذب وزور في الأيمان, وعقوق للوالدين, ومماطلة في سداد الدين, وشرب للدخان, وسؤال السحرة والكهان ، وتهاون بالصلاة وغشٌّ، وتزوير، وبخسٌ، ومماطلة، ورشاوى، وحسد، وبغضاء، وحقد، وضغينة، والنظر على حظ النفس ومنفعة الذات دون الاهتمام بالمسلمين وما يعانوه من ألوان البلاء والأذى والنكال ، وكف اليد عن البذل والعطاء ، وغير ذلك الكثير الكثير من الحرام الجالب لسخط رب الأنام. فحذار من الاستهانة بالذنب والمعصية ، وإن العبد لا يزال يقع في الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك فان الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله . قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار . رواه البخاري . وأعظم هذه الذنوب على الإطلاق هو الشرك بالله, وقد أخذت بعض القنوات على عاتقها نشر الشرك ومهاجمة التوحيد وأهل التوحيد. وهذا من أعظم الفساد وأبلغ الضرر ، قال تعالى {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } ، قال أكثر المفسرين في معنى هذه الآية : لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشركَ به هو أعظم فساد في الأرض بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره . ومنع الزكاة سبب مباشر في منع المطر فهي فريضة أوجبها الله للفقراء في مال الأغنياء رحمة بهم ورأفة بحالهم ،
ولقد بتنا نسمع في حديث المجالس من يقول : فلان أخرج زكاة ماله ، ويشار إليه بالبنان ، بعد أن كان الناس يتسابقون للإنفاق في ألوان البر وأوجه الصدقات ، ومن لا يرحم لا يرحم ، قال صلى الله عليه وسلم:" ولم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا". فيمنعوا المطر في الدنيا عقوبة لهم فضلاً عما ينتظرهم من عقوبة يوم القيامة إن لم يتوبوا ويخرجوا ما أوجب الله في أموالهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم :" من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع ـ وهو نوع من الثعابين الكبار ـ له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك. ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } . رواه البخاري. والظلم من الذنوب الكبار التي تمنع القطر ، قال تعالى في الحديث القدسي :" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ". رواه مسلم . والظالم يعود شؤم ذنبه وظلمه عليه وعلى غيره من الناس والدواب, فيهُلِك الحرث والنسل ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: " إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم ". قال سفيان الثوري : "بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون فأوحى الله إلى أنبيائهم عليهم السلام: لو مشيتم إليَّ بأقدامكم حتى تَحْفَى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكل ألسنتكم من الدعاء فإني لا أجيب لكم داعيًا, ولا أرحم لك باكيًا حتى تردوا المظالم إلى أهلها ، ففعلوا فمطروا من يومهم". ونقص المكيال والميزان يزيد في القحط والجدب ، قال صلى الله عليه وسلم : " ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين"، والأخذ بالسنين بلاء وعذاب ، عذب الله به آل فرعون في الدنيا لعلهم يؤمنوا وينزجروا عما هم فيه من الكفر والطغيان { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} . فإذا غش الناس في معاملاتهم ، ولم يصدقوا في بيعهم وطففوا المكيال والميزان , أصابتهم الشدة واللأواء والقحط والجدب حتى يرجعوا إلى دينهم، ويستقيموا على أمر الله ، قال تعالى {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِرَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا } . قال تعالى {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } ، فما من مصيبة تصيب العباد إلا بسبب ذنوبهم وخطاياهم ، قيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء لا يلومون من أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم . وقال مُرة الهمداني: رأيت على ظهر كف شريح قرحة, فقلت: ما هذا؟ فقال: هذا بما كسبت يدي ويعفو الله عن كثير . وإذا أذن الله بنزول المطر مع إصرار الناس على ما هم فيه من ظلم وعصيان وأكل للربا وشرب للخمور وفعل للزنا ، فإن هذا المطر ليس كرامة لهم ولا رحمة بهم ، بل هو رحمة بالبهائم, كما بين النبي صلى الله عليه وسلم :" ولولا البهائم لم يمطروا. أيها الأحبة : إن المطر من نعم الله العظيمة ، وقد سماه الله عز وجل "رحمة " ، فقال { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } . ونرجو أن يكون تأخر نزوله علامة على قرب الفرج وعلامة على اليسر بعد العسر . قال قتادة : ذكر أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين قحط المطر وقل الغيث وقنط الناس؟ فقال مطرتم إذن إن شاء الله, ثم قرأ { وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته } وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غِيَره "، فقال أحد الصحابة: أو يضحك الرب عز وجل ؟ قال: " نعم" فقال: لن نعدم من رب يضحك خيراً . صححه الألباني رحمه الله . فلنتب إلى الله توبة نصوحاً ولنحاسب أنفسنا ولنصحح علاقتنا بخالقنا و{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
ولنري الله من أنفسنا خيراً واجتهاداً في طاعته وتنافساً في مرضاته ولنلح على الله بالدعاء ، فإنه لا يهلك على الله إلا هالك ومن أهم أسباب استجابة الدعاء طيب المطعم والكسب الحلال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ". ولنكثر من الاستغفار ، قال سبحانه وتعالى عن هود عليه السلام:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} ، ولا يكفي الاستغفار باللّسان مع غفلة القلب وعدم التوبة من المعصية, بل لا بد من الاقلاع عن المعصية , ومع الإقلاع استغفار وتوبة وندم وقال تعالى عن نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} . إن الاستغفار يدفع الله به ضروباً من النقم، وصنوفًا من البلايا والمحن ، قال تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، قال أبو موسى رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" أنزل الله على أمّتي أمانين ". فذكر الآية{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال: "فإذا مضيتُ تركتُ فيهم الاستغفار". رواه الترمذي . والمستغفرون يمتِّعهم ربّهم متاعاً حسناً من سعةِ الرزق وبسطِ الأمن ومدِّ العافيَة ورغَد العيش والقناعَة بالموجود وعدَم الحزن على المفقود. وبالاستغفار يبلُغ كلُّ ذي منزل منزلته، وينال كلُّ ذي فضل فضلَه { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فضله } . استسقى عمر رضي الله عنه فلم يزد على الاستغفار، فقيل له في ذلك، قال: لقد طلبتُ الغيث بمجاديح السماء التي يُسْتَنْزَل بها المطر . وقحط الناس في آخر مدة الناصر لدين الله، فأمر القاضي منذر بن سعيد البلوطي بالبروز إلى الاستسقاء بالناس، فتأهب لذلك وصام بين يديه ثلاثة أيام، تنفلاً وإنابة ورهبة، فاجتمع له الناس في مصلى الربض بقرطبة بارزين إلى الله تعالى في جمع عظيم، وصعد الخليفة الناصر في أعلى مكان ليشارف الناس ويشاركهم في الخروج والضراعة إلى الله، فأبطأ القاضي حتى اجتمع الناس وغصت بهم ساحة المصلى، ثم خرج نحوهم ماشياً مخبتاً، وقام ليخطب، فلما رأى الناس في ارتقابه، رقت نفسه وغلبته عيناه، فاستعبر وبكى حيناً، ثم افتتح خطبته بأن قال: يا أيها الناس، سلام عليكم، ثم سكت، ولم يكن من عادته، فنظر الناس بعضهم إلى بعض لا يدرون ما به، ولا ما أراد بقوله، ثم اندفع تالياً لقول الله تعالى {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عملَ منكم سوءاً بجهالةٍ ثم تابَ من بعده وأصلحَ فإنه غفور رحيم}.استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، وتزلفوا بالأعمال الصالحات لديه. فضج الناس بالبكاء وجأروا بالدعاء، ومضى على تمام خطبته ففزع الناس بوعظه، وأحس الناس الإخلاص بتذكيره، فلم ينقض النهار حتى أمر الله السماء بماء منهمرٍ، روى الثرى . فطلب الغيث لا يكون بمجرد اللسان والقلب غافل والفؤاد لاه ، بل يتطلب حسن الصلة بالله والاستقامة على شرعه والسعي في الاصلاح ، وفضل الله واسع وجوده عظيم ، فما ضاق أمرٌ إلا جعل الله منه مخرجاً، ولا عَظُم خطبٌ إلا جعل الله معه فرجاً، فمنه يكون الخوف، وفيه يكون الرجاء. وقد نادى عباده للتوبة والإنابة فقال { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
__________________
، فهل من مجيب ؟. ولنكثر من الصدقات والبذل خصوصاً لإخواننا المحاصرين في غزة ، وابشروا بعاجل الفرج واليسر ، وجلَّ الله أن يعامله العبد نقداً فيعامله نسيئة . أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بينما رجل بفلاة من الأرض إذ سمع صوتًا في سحابة يقول: اسق حديقة فلان قال: فانقطعت قطعة من السحاب حتى إذا أتت على حَرّة فإذا شرجة من تلك الشراج فاستوعبت الماء كله، فتتبع الماء فرأى الماء يأتي إلى رجل في حديقته يدير الماء بمسحاته، فقال الرجل: يا عبد الله, ما اسمك؟ قال: اسمي فلان للاسم الذي سمع في السحاب, فقال: لم تسألني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السحاب يقول: اسق حديقة فلان، فماذا تفعل؟! قال الرجل: أما إذا قلت هذا فإني آخذ ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثه وأرجع ثلثًا إلى الأرض". فما ضرنا إذا أخرجنا من أموالنا شيئاً ولو يسيراً نتصدق به . اللهم آمنا في أوطاننا اللهم آمنا في دورنا اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً اللهم اهد ضالنا اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً . اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا رب العالمين اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً . اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارض اللهم عن البقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين, إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون