رادارت الوطن العربي مركز الطقس للرصد الجوي (مباشر) مركز الطقس للأقمار الصناعيه (مباشر) البرق( مباشر )
العودة   الطقس > المنتديات العامة > المرصد العام
اسم العضو
كلمة المرور

المرصد العام للمواضيع العامة والنقاشات الحرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #25  
قديم 09-18-2012, 12:21 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

مُعظم عنده، إذا وافق نزول المطر قدوم ملك أو أمير أو شيخ أو قدوم مُحب له كقريب أو صديق، فإنه ينسب نزول المطر إلى هذا القدوم. ومن ألفاظ العوام في هذا الباب قولهم: جئت وجاء على وجهك الخير، أو يقال: هذه من بركات جَيَّتك، أو نحو ذلك وهذا لا يجوز وهو من الشرك الأصغر، فهي ألفاظ شركية يجب إنكارها.
ويُقاس عليه التغيرات الجوية أيضًا لو وافق مجيئه هبوب ريح أو حدوث حرب فالحكم واحد.
المسألة التاسعة: هل الضغط الجوي كسطوع الشمس والرياح الموسمية لها أثرٌ في نزول المطر؟
أما بالنسبة للضغط الجوي أو ما يسمى بالمنخفض الجوي فيُذكر في الجغرافيا أنه من أسباب نزول المطر، ومثله الرياح الموسمية؛ لأن الرياح تنتقل من منطقة المرتفع الجوي إلى المنخفض الجوي مما يسبب نزوح الرياح والسحب، فيتسبب المطر.
وإجابتنا عليه من ناحيتين:-
الناحية الأولى: يُبحث هل هو فعلاً سبب قدري.
الناحية الثانية: إن ثبتت سببيته من جهة القدر فلا مانع من جعله سببًا، لكن بعد القول بفضل الله ثم بهذا السبب الصحيح إن ثبت.
أما مسألة سطوع الشمس على البحار فأشار إليها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"، وهي أنه تُسلط الشمس أشعتها على البحار فيؤدي إلى سخونة الماء وتبخره ثم يرتفع إلى أعلى فيتكثف. اهـ. من معنى كلام ابن القيم. وإلى هذا الحد مقبول، لكن جعلها سببًا في المطر فيه نظر.
والصحيح أن سطوع الشمس سبب في التكثيف. أما نزول المطر بعد ذلك فهو شيء آخر، فيكون قد انتهى دور الشمس بالتكثيف.
المسألة العاشرة: لو رأى الإنسان سحابًا داكنًا يحصل منه المطر عادة في وقت المطر وقال: أتوقع نزول المطر بناءً على هذه القرائن فما حكم ذلك؟
الجواب: يجوز؛ لأنه حكم مبني على قرائن معتادة إلا أنه لا يجوز الجزم. ومثله إخبارات الأرصدة الجوية عن نزول الأمطار والتغيرات الجوية فهو جائز؛ لأنه يُدرك بالآلات الحديثة إلا أنه لا يجوز الجزم به، وإنما يرتبط بمشيئة الله.

المسألة الحادية عشرة:
يوُجد في بعض التقاويم قولهم: هذا نوء صادق، أو نوء قلّ ما يُخلف، وغيره من الألفاظ إذا ذكروا نجمًا معينًا.
وهذه الألفاظ لا تجوز، وقد تكون شركًا أصغر، وقد تكون شركًا أكبر. أما لو قال: إن النجم هذا وقت المطر فهذه المسألة مرت علينا في حكم نسبة الوقت.
المسألة الثانية عشرة:
شرح الآية ]وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ[ [الواقعة: 82]. الواو في ]وتجعلون[ تعود على المشركين.
وتجعلون تنصب مفعولين ]رزقكم[ المفعول الأول، و]أنكم تكذبون[ المفعول الثاني.
وموضع الشاهد من الآية قوله: ]رزقكم[ اختلف السلف في تفسير الرزق هنا، فجاء عند الترمذي مرفوعًا من حديث علي بن أبي طالب أنه: فسر الرزق بالشكر ]وتجعلون رزقكم[ أي شكركم، فيكون هذا تفسير نبوي للآية.
وذكر عن بعض السلف أنهم جعلوا الشكر محذوفًا أي: تجعلون شكر رزقكم.
وذكر بعضهم أن ]رزقكم[ بمعنى "حظكم"، وهذا اختلاف تنوع، فالكل يدخل في تفسير الآية.
ويكون الرزق المقصود هنا المطر، والتكذيب في الآية يقصد به نسبته إلى النوء بالنسب الثلاث "نسبة إيجاد، ونسبة دعاء، ونسبة إخبار".
وهل يدخل فيها السببية؟
نعم. السببية أيضًا تدخل، فأصبحت النسب أربع، وأصبح التكذيب يدخل في النسب الأربع.
ووجه الشاهد من الآية: أن الله يذم من ينسب المطر إلى النجوم، وهذه الآية يأتي بقيتها في آخر الباب من حديث ابن عباس.
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» [رواه مسلم].

فيه مسائل:
المسالة الأولى: قوله "أربع في أمتي".
هنا ذكر العدد ولا يراد به الحصر، فإن القاعدة أن العدد لا مفهوم له، فإن أمور الجاهلية أكثر من أربع، ولكن يقصد من العدد التسهيل، ولذلك يُستحب تقسيم العلم حتى يسهل فهمه وحفظه.
المسألة الثانية: قوله "أمتي":
الأمة يقصد بها هنا أمة الإجابة لا أمة الدعوة؛ لأنه قال من أمر الجاهلية، وأساس الأمور الجاهلية موجودة في أمة الدعوة؛ لكنها تنتقل إلى أمة الإجابة، فهذا تحذير أن تنقل ممن هي فيه وهي أمة الدعوة إلى أمة الإجابة التي هي ليست فيها.
المسألة الثالثة: قوله: "من أمر الجاهلية".
هنا نسب الأمر إلى الجاهلية، والياء ياء النسب.
وهل هي منسوبة إلى الحال أو منسوبة إلى الزمن؟
أما على مذهب العلمانيين فإن النسبة نسبة زمن، وعندهم: الجاهلية ما قبل بعثة الرسول r بمعنى أنه زمن حصل وانتهى، وهذا خطأ.
بل النسبة هنا نسبة حال، وهي منسوبة إلى الجهالة والسفه، والجهالة هي فعل الشيء الممنوع مع العلم به، ولكن هوى كما قال تعالى: ]لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ[ [النساء: 17].
ومنسوبة أيضًا إلى الجهل الذي هو ضد العلم، وهو عدم الإدراك.
على كل حال فالجاهلية اسم جامع لكل ما يُخالف الشرع.
"لا يتركونهن": لا: نافية، وهنا نفت الترك لكن باعتبار الجملة.
وهل كل الأمة تقع في الأربع؟
لا. إنما هذا في الجملة لا بالجملة. لأن بعض الأمة على الحق، كما قال النبي r: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ...».
الأول من هذه الأربع: الفخر بالأحساب.
والفخر بمعنى: التعالي والتعاظم.

والباء: للسببية، أي أن الأحساب هي سبب الفخر، وأما الأحساب فهو جمع حسب. وهو ما يحتسبه الإنسان من شرف في الآباء ومآثر وفضائل فيه، وما في قبيلته من شجاعة ومروءة.
وكون الفخر بالأحساب من أمر الجاهلية لسببين:
1- لأنه افتخر وتعاظم بأشياء لا يجوز التعاظم فيها؛ لأنها ليست محل التعاظم على الناس، وإنما هذه الفضائل والمآثر محل ثناء أما أن يفتخر فلا.
2- لأنه افتخر بعمل غيره.
الأمر الثاني: الطعن في الأنساب:
الطعن: العيب والتنقص.
الأنساب: جمع نسب، ويقصد به أصل الإنسان وقرابته، كأن ينتقص شخصًا برداءة نسبه، أو يعيره لقرابته أو قبيلته، كما جاء في الحديث المتفق عليه من تعبير أبي ذر بلالاً أنه قال له: يا ابن السوداء.
كقول: ابن الدباغ على وجه الطعن، كله حرام لا يجوز.
كيف الإجابة على قوله r: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب».
هذا من باب التعريف، ويجوز في باب التعريف ما لا يجوز في باب الفخر أو يقال إن باب الحرب يختلف عن غيره لأنها كانت في غزوة حنين.
الأمر الثالث: الاستسقاء بالنجوم:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هل الاستسقاء هنا يقصد به نسبة الإيجاد أم نسبة الوقت أم نسبة الدعاء أم نسبة السبب أم نسبة الإخبار؟
نقول: يحدد المقصود كلمة أمتي في الحديث، فلما كان المقصود بالأمة هنا أمة الإجابة فإن النسبة تكون بما لا يخرجه عن الأمة، فتكون النسبة للسببية.
فالباء في قوله (بالنجوم) للسببية.
المسألة الثانية: هل الباء بمعنى "في" فتكون نسبة ظرف؟
الجواب: لا؛ إلا عند من رأى الظرفية للتحريم.

الأمر الرابع: النياحة:
والنياحة: مأخوذة من نوح الحمام، وتعريفها اصطلاحًا: رفع الصوت بالندب على الميت بغض النظر هل معه بكاء أم لا؟
وأما الندب فهو: تعداد محاسن الميت، فأصبحت النياحة رفع الصوت بتعداد محاسن الميت على وجه الفخر أو التسخط.
المسألة الثالثة: هل النعي في الصحف من النياحة؟
أما النعي: فهو الإخبار بموت فلان.
وأما نعي الجاهلية: فهو الإخبار عن موت شخص بطريقة فيها تعظيم، فإذا مات الميت أركبوا رجلاً يُنادي على فرس أن فلانًا مات تعظيمًا له.
وغالبًا ما يفعلونه في الأشخاص المهمين، وعلى ذلك فكل إخبار عن موت فيه تعظيم فهو من النعي المحرم سواء كان بالصحف أم في غيرها.
أما الإخبار المجرد بموت فلان حتى يصلوا عليه ويترحموا له، وحتى إذا كان له أو عليه من الحقوق أن يعلم ذلك فهذا جائز؛ كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي r «نعى موت النجاشي ليصلوا عليه».
المسألة الرابعة:
يُلاحظ في بعض الصحف إذا أعلن عن موت رجل أشياء تخالف الشرع، كأن يجزموا أنه من أهل الجنة، أو يذكروا آيات تدل على أنه من أهل الجنة، ومن أهل الاطمئنان كقوله تعالى: ]يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً[ [الفجر: 28] وهذا يُخالف مذهب السلف؛ لأن أهل السنة والجماعة لا يجزمون لأحد بجنة إلا من شهد له الرسول r. وإنما يرجون أو يخافون.
المسألة الخامسة:
وأما الحداد على الأموات فإنه خاص بزوجة الرجل مدة معلومة، ولغيره من النساء ثلاثة أيام، وأما حداد الرجال وحداد الدول فهذه من البدع.
المسألة السادسة: هل البكاء على الميت من النياحة؟
الجواب: لا. فبكاء العين جائز كما فعل r في ابنه إبراهيم.

المسألة السابعة: قولهم هذه جنازة هل هو من النعي؟
لا. النعي هو الإخبار بموت الميت، وهذا إخبار عن الجنازة.
المسألة الثامنة: كيف الإجابة على حديث فاطمة «يا أبتاه إلى جبريل ننعاه» وهل هذا من النياحة في قولها «يا أبتاه»؟
يُقال مثل هذا يسير يُعفى عنه وأنها أخطأت من شدة الهول مثل الذي أخطأ من شدة الفرح.
وقوله: النائحة، أي: التي تنوح.
إذا لم تتب، أي: إذا لم تقلع وتندم وتعزم على ألا تعود، وهذه شروط التوبة الثلاثة.
قبل موتها: هذا موضع قبول التوبة باعتبار النهاية؛ لأن آخر فرصة هي ما قبل الموت، ويدخل وقت التوبة ابتداء من فعل المعصية إلى ما قبل الموت. ويقصد بالقبلية هنا: ما قبل الغرغرة أيضًا.
قال تعالى: ]وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ[ [النساء: 18].
الموت: هو مفارقة الروح البدن، وظاهر الحديث أن ذنب النياحة لا يُكفّره إلا التوبة، لكن دلت النصوص الأخرى على أنه تحت المشيئة إن شاء الله عذب وإن شاء عفا، قال تعالى: ]وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[ [النساء: 48].
ودلت النصوص الأخرى أيضًا على أن الذنوب تُكفّرُ بغير التوبة أيضًا، كالمصائب والحسنات، ذكر في الطحاوية عشرة أسباب في تكفير الذنوب.
قوله: تُقام يوم القيامة أي: تُقام من قبرها يوم القيامة إذا شاء الله أن يعذبها.
وعليها: الواو حالية أي: تقام حالة كونها على هذه الصفة.
السربال: الثوب السابغ.
من: بيانية.
قطران: هو النحاس، بمعنى أنها تلبس نحاسًا فيكون لها كالثوب، وهذه إحدى العقوبتين.

والعقوبة الثانية: أن جلدها كله يجرب حتى يكون كأنه درع أو ثوب، فتلبس شيئًا من نحاس وجرب. الجرب: مرض معروف.
ومناسبة هذا الجزاء أنه من جنس العمل؛ لأنها مزقت ثيابها عند المصيبة فلبست ثيابًا أخرى.
ولهما: أي البخاري ومسلم.
عن زيد بن خالد الجهني قال: «صلى لنا».
فيه مسائل:
المسألة الأولى: اللام في لنا بمعنى الباء أي: صلي بنا، فكان إماما لنا.
صلاة الصبح: مضاف ومضاف إليه، والإضافة بتقدير في.
المسألة الثانية: بالحديبية، الباء بمعنى: في.
المسألة الثالثة: على إثر سماء: أي عقب مطر، وسمي السماء مطرًا من باب تسمية الشيء بمحله، فالمطر جاء من السماء أي من العلو.
المسألة الرابعة: كانت من الليل. من بمعنى: في.
فلما انصرف: أي سلّم، فالمقصود بالانصراف: الانصراف من الصلاة، وهو يكون بالتسليم.
أقبل على الناس: أل: للعهد الحضوري.
أتدرون: استفهام، وهذا السؤال من باب الإثارة والتشويق.
ماذا قال ربكم: فيه إثبات القول لله.
ربكم: الخالق المعبود، وليس له مفهوم مخالفة بأنه ربكم وليس رب الآخرين، إنما هذا لبيان الواقع، لأنها ربوبية خاصة باتباعهم.
قالوا: الله ورسوله أعلم: مرت هذه العبارة في الباب الأول، وبحثت هناك.
أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر.
عبادي: يقصد عموم العباد.
فأما: للتفصيل.
من قال: بلسانه وقلبه.

مُطرنا بفضل الله ورحمته: الباء سببية وإيجاد أيضًا.
فضل الله: فضل مضاف من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
ورحمته: الواو عادة للمغايرة، وعليه فالرحمة غير الفضل، فذكرَ هنا صفتين.
رحمته: من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، وأما تفسيرها بالإنعام فهو مذهب المعطلة. وهل نقول: إنها من إضافة المخلوق إلى الخالق بدليل الحديث الآخر «هذه رحمة الله»؟
فأما رواية حديث «هذه رحمة الله» فهذه اسم إشارة يشار بها إلى المطر، والمطر مخلوق، فهو من باب إضافة المخلوق إلى الخالق. وأما في حديث المتن فهي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
والرحمة يكون بها الإنعام، وليست هي الإنعام.
فذلك: أي من نسب نزول المطر إلى الله فهذا مؤمن بالله.
ويلزم من إيمانه بالله أن يكون كافرًا بالكواكب، لأن الإيمان والكفر ضدان لا يجتمعان ولا يفترقان، وكونه كافرًا بالكواكب. هل هو كافر بتأثيره وسببيته أو وجوده؟
الجواب: الأول.
وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا: والباء في نوء للسببية والإيجاد.
بنوء: أي: بنجم، ويكون النجم إما مُوجدًا للمطر أو سببًا فيه.
فذلك كافر: ما المقصود بالكفر هنا هل هو الكفر الأكبر أم الأصغر؟
إن اعتقد أنه مُوجد فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد أنه سبب بعد الوقوع فهذا كفر نعمة.
مؤمن بالكواكب: أي بتأثيره إيجادًا أو سببًا.
ولهما: هكذا قال المصنف نسبه إلى البخاري ومسلم، وذكر الشراح أنه في مسلم فقط من حديث ابن عباس بمعناه.
لقد صدق: اللام موطئة للقسم.
والصدق: مطابقة الواقع، وكانوا يعتقدون أنه مؤثر إيجادًا أو سببية.
فأنزل الله: الفاء: سببية أي: سبب نزول الآية هذا الكلام.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 09-18-2012, 12:22 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

باب قول الله تعالى
]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا[ [البقرة: 165].
وقوله: ]قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ[ إلى قول تعالى: ]أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[ [التوبة: 24] الآية.
عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» أخرجاه.
ولهما عنه قال: قال رسول الله r: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار» وفي رواية: «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى ...» إلى آخره.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ومن أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا. رواه ابن جرير، وقال ابن عباس في قوله تعالى: ]وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ[ [البقرة: 166] قال: المودة.
قال الشارح:
المسألة الأولى: اسم هذا الباب؟
«باب ما جاء في المحبة»
المسألة الثانية:
المصنف ابتداءً من هذا الباب وستة أبواب بعده كلها أبواب تتعلق بأعمال القلوب، ابتدأها بالمحبة ثم الخوف والتوكل وهكذا.
المسألة الثالثة:
في هذا الباب تحدث المصنف عن محبة الله، ومحبة رسوله، والمحبة الشركية،

والمحبة في الله، والبغض في الله.
المسألة الرابعة: تعريف المحبة:
وقع خلاف كبير ومتنوع وكثير في تعريف المحبة، وأشار إلى التعريف ابن القيم في «روضة المحبين».
ولكن الاختلاف يرجع إلى أن كل واحد عرّف المحبة بآثارها، وأما آثارها فكثيرة. والأصل أن الشيء يُعرف بحده وحقيقته لا بآثاره.
وأما تعريفها فهو: وصف قائم بالقلب يؤدي إلى السرور وغيره من المقتضيات كالطاعة واللذة.
المسألة الخامسة: أنواع المحبة ومتى تكون شركًا؟
النوع الأول: المحبة الشركية، وهي المحبة المستلزمة للذل والطاعة والخضوع، والمؤدية لفعل الكفر أو الشرك.
مثال ذلك: أن تدفعك محبة شخص إلى طاعته في الكفر الأكبر والشرك الأكبر، ودليله الآية الأولى، أو تدفعك محبته إلى عبادته، كالذبح له والسجود له والاستغاثة به، وهذا النوع شرك أكبر.
النوع الثاني: من باب الكفر، وهي محبة الكفار لدينهم، أو محبة دينهم. فهذا كفر. قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[ [المائدة: 51] وقال r: «المرء مع من أحب». وهذه المحبة تعتبر من باب الكفر لا من باب الشرك.
النوع الثالث: محبة جائزة في الأصل.
وهي أنواع:
الأول: محبة طبيعية، كمحبة المال والزوجة، قال r: «حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب».
الثاني: محبة إجلال وتقدير، كمحبة الولد لوالده، ومحبة الطالب لمعلمه.
الثالث: محبة إشفاق، كمحبة الوالد لولده، ومحبة المسكين والمريض.

الرابع: محبة أُلفٍ وأُنس: أي للألفة والمؤانسة، كمحبة المشتركين في صنعة، ومحبة الذين من بلد واحد في الغربة.
وهذه المحاب جائزة في الأصل لقوله تعالى: ]قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ.. أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ[ [التوبة: 24]. وجه الدلالة: أنهم ذُموا في الآية؛ لأنهم أحبوها أكثر من محبة الله ورسوله وجهاد في سبيله؛ لا لأنهم أحبوها. وهذه المحبة تجري فيها الأحكام الخمسة، والأصل فيها أنها مباحة.
النوع الرابع: محبة محرمة.
وضابطها: أن تدفعك المحبة الجائزة إلى فعل محرم أو ترك واجب، كشراء التلفاز محبة للأولاد والزوجة، وحلق اللحية محبة للزوجة مثلاً. هذا في فعل المحرم، وفي ترك الواجب: كأن تترك صلاة الجماعة محبة للمال، أو تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محبة للمنصب، وهذه كثيرة الشيوع بين المسلمين إلا من رحم الله. وهل هو شرك أم لا؟
فيه خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: أنها محرمة.
القول الثاني: أنها شرك أصغر، ودليل كونها شركًا: حديث أبي هريرة في الصحيح قال r: «تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة ... إلى أن قال: إن أُعطي رضي...» فسماه عبدًا.
فالأقرب عندي هو أنها شرك أصغر.
ودليل التحريم هو الآية الثانية.
الفرق بين هذه المحبة والمحبة الشركية التي ذُكرت في النوع الأول:
كلاهما يشترك في أن الدافع في ارتكاب ما حرم الله في القسمين هو المحبة.
أما الافتراق: فإن المحبة الأولى تدفعه إلى فعل الكفريات، وهذه تدفعه إلى فعل المحرمات وترك الواجبات التي لا يكفر من فعلها أو تركها.

المسألة السادسة: لو دفعته المحبة إلى فعل المكروهات وترك المستحبات؟
هذه ليست من القسم الأول ولا من القسم الأخير، وإنما تأخذ حكم ما دفعتك إليه، فتكون مكروهة بحسب ما ترتب عليها.
المسألة السابعة: محبة المعاصي هل هي من باب المحرم فقط أم من باب الشرك؟
مثاله: من أحب الزنى مثلاً أو الخمر.
الجواب: هذا يعتبر من القسم المحرم لا من باب الشرك الأصغر، وإلا للزم أن تكون المعاصي التي هي من الكبائر من الشرك الأصغر، وهذا لم يقل به أحد، وإنما المعاصي منها ما هو كبائر ومنها ما هو صغائر.
وأيضًا فمحبة المعاصي مثل فعلها بالجوارح، فمحبة الزنى مثل أن تزني، وهذا إذا همّ وعزم.
والفرق بينها وبين الشرك الأصغر: أن محبة الشرك الأصغر هي أن يحب شيئًا على شيء كحب الولد جعله يفعل المحرم. ففي الشرك الأصغر أطراف ثلاثة: مُحب ومُحَب ومعصية، أما هذا فليس فيه أطراف أو شيء أحب من شيء، إنما فيه مُحَّب ومعصية.
الآيات:
قوله تعالى: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ..[ [البقرة: 165].
المسألة الأولى:
من: تبعيضية.
والناس: للعهد بمعنى: بعض الناس.
من يتخذ: من: موصولية بمعنى الذي.
المسألة الثانية: أندادًا.
جمع ند، وهو الشبيه والنظير.
المسألة الثالثة:]يحبونهم[ الضمير يعود إلى الأنداد.

كحب الله: الكاف للتشبيه أي: كحبهم لله، وهذا اختيار ابن تيمية وهو أحد الأقوال في المسألة.
بمعنى أن الكفار يحبون الأنداد محبة مساوية لمحبة الله. والتشبيه في الكاف من حيث النوعية كالقوة، ومن حيث الكمية كالكثرة.
وهنا أثبت لهم محبة الله.
مناسبة الآية: تدل على أن من أحب أحدًا مثل محبة الله فقد اتخذه ندًا ووقع في الشرك الأكبر. وهذا مقيد بمن دفعته محبته إلى فعل الكفريات أو الشركيات.
وقوله تعالى: ]قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ.. أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ[ [التوبة: 24].
المسألة الأولى: سبب نزول الآية.
نزلت في المسلمين الذين كانوا في مكة، لما أمروا بالهجرة تعلق بعضهم بالأهل والولد والمال فلم يُهاجروا.
وسبب النزول هنا يعتبر كالمثال، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
المسألة الثانية: قل: هذه للخطاب: أي قل يا محمد ولمن يصح له الخطاب. وذكر في الآية ثمانية أمور محبوبة: الآباء، والأبناء، والإخوان، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والتجارة، والبلاد، والمساكن.
أحب إليكم: أفعل تفضيل، ففيه مفاضلة بين طرفين بين هذه الثمانية، وبين الله ورسوله.
ولاحظ أنهم ما عُوتبوا على أصل محبتهم لهذه الأشياء الثمانية، ولكن عُوتبوا على تفضيل هذه المحاب على محبة الله ورسوله.
مسألة: متى تكون هذه المحاب محرمة؟
إذا تُرك من أجلها الواجب أو فُعل من أجلها المحرم، أما إن فُعل من أجلها الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر، فهذه من القسم الأول.
مسألة: محبة الزوجة إذا كانت نصرانية أو الأخ إذا كان كافرًا؟
أما إذا كانت الزوجة نصرانية فأصل المسألة يُنازع فيه، ولكن لو كانت مثلاً من أهل

الكتاب فأحبها، فهل هذه المحبة من القسم الطبيعي؟
أما أصل المسألة هو التزويج من أهل الكتاب، فهذه تجوز من حيث الأصل لقوله تعالى: ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ[ [المائدة: 5] أما في هذا العصر ففي التزوج من أهل الكتاب مفاسد من مسئولية الأولاد ... فنرجح جانب المنع.
أما من ناحية المحبة: فهذا إن كان يحبها من أجل أن يسكن إليها ويستمتع بها مع بغضه لدينها، فهذه المحبة الطبيعية، وهو أحد قولي العلماء في قوله تعالى: ]إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ[ [القصص: 56] وكذلك الأخ مثل الزوجة. وأما من أحبها لدينها، فهذا يعتبر كفرًا مخرجًا من الملة.
مسألة: هل هذا خاص بهذه الثمانية؟ لا. وإنما يُقاس عليها غيرها.
مسألة: هذه الثمان ومثلها المحبة الجائزة بالنية تتحول إلى محبة مستحبة، فالزوجة إذا أحبها لأنها زوجته، فهذه محبة طبيعية، وإذا أحبها لدينها فهي محبة دينية، والعسل والدباء إذا أحبه لأنه لذيذ فهذه محبة طبيعية، وإن أحبه لأن الرسول يحبه فهذه محبة دينية.
قوله: ]فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ[ [التوبة: 24].
هذه تسمى آية وعيد، وقد سبق ذكر مذهب السلف في آيات الوعيد.
وعن أنس أن رسول الله r قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» أخرجاه.
لا: نافية، والأصل في النفي: نفي الوجود بقسميه، الوجود الحسي كـ «لا رجل في الدار»، والوجود الشرعي كـ «لا إله إلا الله».
وإن كان المنفي موجودًا حسًا فيكون نفيًا للصحة، كقوله r: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف».
فإن كان الشيء صحيحًا شرعًا فيكون النفي للكمال.
والكمال نوعان: كمال واجب، وكمال مستحب. مثاله: «لا يؤمن أحدكم ...» الحديث أعلاه.

والمقصود بالآية ]لَا يُؤْمِنُ[ [يونس: 40] الإيمان الكامل الواجب؛ لأن الأدلة دلت على أن الإنسان مع المعاصي صحيح الإيمان ولكن إيمانه غير كامل. ولأنه قد دلت أدلة أخرى على أن المنفي في الحديث هو الكمال مثل ما أخرجه أحمد «لا يجد أحدكم صريح الإيمان» وعند ابن حبان «لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان».
وهل يدخل فيه الإسلام؟ فنقول: «ولا يسلم إسلامًا كاملاً»؟ نعم. لأن هناك قاعدة أن الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
أحدكم: الكاف لخطاب المؤمنين.
حتى: لانتهاء الغاية.
أحب: أفعل تفضيل أي: حتى يكون الرسول r أحب إليه مما ذُكر، ومحبة الرسول هي طاعته، وهذا تفسير بالمقتضى، وهذا من باب التسهيل؛ وإلا فمحبة الرسول وصف قائم بالبدن يقتضي طاعة الرسول واتباعه.
ولده: هنا بمعنى اسم المفعول أي: المولود، وهذا هو المعنى في الكتاب والسنة، وأما العرف فيطلق الولد على الذكر.
ووالده والناس: الواو في "والناس" عاطفة، والعطف هنا من باب عطف العام على الخاص، وأفرد الولد والوالد لأنه الغالب في المحبة.
أجمعين: تأكيد للعموم في "والناس".
مناسبة هذا الحديث: تحريم تقديم محبة الولد ونحوه على محبة الرسول r. وهذا يعتبر من الشرك الأصغر إن قدمه في الواجبات والمنهيات، ومن الأكبر إن قدمه في الكفريات.
ولهما عنه قال: قال رسول الله r «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب مما سواهما، وأن يُحب المرء لا يُحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقده الله منه كما يكره أن يقذف في النار».
المسألة الأولى: المصنف هنا قال: ولهما وقبله قال: أخرجاه.
هل هناك فرق بينهما؟

أما أن المؤلف صرح له باصطلاح فهذا لا أذكر فيه شيئًا. والمسألة تحتاج إلى مزيد بحث.
عنه: أي أنس.
ثلاث: العدد يقصد به التقريب لا الحصر.
كن: بمعنى وجدن، ومحل كونها في القلب، ولها آثار على الجوارح، وأما محل الحلاوة فهو القلب.
بهن: الباء سببية. فهذه الثلاث الأمور المذكورة من أسباب كمال الإيمان.
حلاوة: حلاوة الشيء طعمه، وحلاوة الإيمان طعمه، وهو أمر زائد على أصل الإيمان، والحلاوة المبنية على الإيمان إذ لا بد أن يكون أصل الإيمان موجودًا. هذا سبب.
والسبب الثاني: أنه لو لم توجد هذه الأمور الثلاثة لبقي مؤمنا، فدل على أن المقصود كمال الإيمان.
حلاوة الإيمان: الإضافة بتقدير اللام.
وقوله الإيمان: والإسلام أيضًا.
ويقصد ما يجده الإنسان في قلبه من الفرح والسرور والانشراح، فالحلاوة معنوية. الأولى من هذه الأمور: تقديم محبة الله ورسوله على ما سواهما.
ورسوله: يقصد به أوامره ونواهيه.
سواهما: هل يقصد به كل شيء ما عدا الله ورسوله؟ لا. وإنما المقصود ما تُباح محبته وهي المحبة الطبيعية.
وقلنا ذلك من قوله "أحب"؛ لأن الأمور الطبيعية تُحب، أما المحرمة فلا تُحب، وموضع التقديم: عند التعارض.
الثاني: أن يُحب المرء لا يحبه إلا الله:
المرء: أل فيه للعهد: أي من قام به موجب المحبة وهو المؤمن.
لا يُحبه إلا الله: لا يُحبه من أجل الدنيا أو غير ذلك؛ بل تكون محبة خالصة لله عز وجل.
مراتب محبة الأشخاص:
المرتبة الأولى: المحبة الخالصة، بأن لا يُحبه إلا لله، وهذا هو المقصود في الحديث؛ لأن فيه نفيًا وإثباتًا، والنفي والإثبات من أقوى أساليب الحصر.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 09-18-2012, 12:23 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

المرتبة الثانية: أن يحبه لله وللمنافع والمصالح التي يحصلها من ورائه، وهذه المصالح والمنافع مباحة ليست محرمة وهذه المرتبة جائزة؛ إلا أنها لها مراتب: أحيانًا يكون حب الله أكثر، وأحيانًا تكون محبة المنافع أكثر، وأحيانًا تتساوى.
المرتبة الثالثة: أن يُحبه للمصالح فقط، وهذه لا تجوز لما يأتي في آخر الباب من حديث ابن عباس، وقد صار: «عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يُجدي على أهله شيئًا».
وأكمل هذه المراتب المرتبة الأولى: أن يُحبه محبة خالصة.
أما الكافر فلا تجوز محبته، ومحبته دائرة بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر.
هل تدخل المرأة في قوله "المرء" أم لا؟
الأصل: العموم فلو أحب امرأة من أجل ما فيها من إيمان وصدق لدخل في هذا الباب.
الثالث: أن يكره الكفر كرهًا شديدًا ككره من كره الإلقاء في النار.
وصور كراهية الكفر أربع:
الأولى: أن يكره الكفر، وهذا ضروري ولازم لقوله r: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله ...» الحديث. وهذه غير مرادة في الحديث، وذهابها يُذهب أصل الإيمان.
الثانية: أن يكره الكفر أشد من الإلقاء في النار، وهذه المرتبة يدلُ عليها الحديث بقياس الأولى.
وجاء عند البخاري في الأدب المفرد «أن يقذف في النار أحبُ إليه».
الثالثة: أن يكره الكفر كراهية مساوية لكرهه أن يقذف في النار، وهذا ما يدل عليه الحديث.
الرابعة: أن يكره الكفر ولكن كراهية أقل من كراهية الإلقاء في النار، فتكون كراهية الإلقاء أشد، مما يؤدي إلى أن يُوافق على الكفر أحيانًا.
وقوله في الحديث: «أن يعود في الكفر» هذا للكافر الأصلي الذي أسلم، خرج من الكفر فيكره أن يعود له.

وبالنسبة للمسلم الأصلي: يكره الكفر لا العودة إليه.
ومتى تكون الحلاوة في هذه المسألة؟ إذا كانت كراهيته للكفر مساوية لكرهه الإلقاء في النار، فإذا كانت أشد فالحلاوة أشد.
مسألة: هل الضرب والقتل مثل كراهية الإلقاء في النار؟
يكون مثله، ولذا عقد البخاري في صحيحه بابًا بعنوان «من اختار الضرب أو القتل أو الهوان على الكفر» لكن الضرب المبرح غير المحتمل.
يعود في الكفر: أل في الكفر يقصد به الكفر الأكبر.
بعد إذ أنقذه الله منه: نسب الإنقاذ إلى الله، فلما كان الله هو الذي أنقذه فما يقابله يكون من باب الشكر.
الكراهية هنا: هي البغض في القلب.
مسألة: إذا كانت محبة الله ورسوله مساوية لما سواهما؟
هذه من الشرك.
ولكن لو كانت محبة الله أكثر؛ إلا أنه يترك الواجب أحيانًا من أجل محبوب، فهذه من الشرك الأصغر.
وكونه يُحب المرء محبة خالصة هذه توجب حلاوة الإيمان، وأما غيرها فهي جائزة. أن يُلقى في النار: النار المعروفة في الدنيا.
يُلقى: مبني للمجهول.
وفي رواية: لا يجد حلاوة الإيمان حتى ... إلى آخره. هذه رواية البخاري.
وعن ابن عباس قال: «من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك، وقد صار عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يُجدي على أهله شيئًا». رواه ابن جرير.
هذا موقوف، والموقوف هو: قول الصحابي.
والموقوف هذا ضعيف؛ لأن مداره على ليث بن أبي سليم.
قال الحافظ: صدوق تغير. ولم تتميز أحاديثه.

لكن يُغني عنه ما رواه أبو أمامة مرفوعًا «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» [رواه أبو داود].
شرح حديث أبي أمامة:-
أحب لله: هذه مرت علينا ومرت بأسلوب أقوى، فيه نفي وإثبات، فهذا الحديث دليل على جواز أن يُحبه لله مع المصالح الجائزة.
وأبغض لله: البغض هو: معنى في القلب يؤدي إلى البعد والمحاربة لكن له آثار على الجوارح.
والبغض لله: يكون للأشخاص، والأماكن، والأعمال.
مسألة: حكم بغض المسلم؟
فيه تفصيل: إن كان لأسباب دنيوية فهذا حكمه بحسب الأسباب، فإن أبغضته لأنه اعتدى عليك أو ظلمك فهذا بُغض طبيعي، إذا قام في قلب الإنسان لا يُؤاخذ عليه ما لم يكن له آثار على الجوارح، بأن تظلمه كما ظلمك. أما دليل عدم المؤاخذة: قوله r «عُفي لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم».
أما لو أخذت حقك منه عن طريق السلطان فهذا لا مانع فيه ]وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا[ [الشورى: 40].
وأما إن كان البغض لإسلامه فهذا حرام ولا يجوز؛ لأنه بغض للإسلام.
أما لو أبغضته لأنه لم يعطيك شيئًا من المباح كالقرض فهذا لا يجوز. مع ملاحظة أن أصل محبته لكونه مسلمًا موجود، لكن الجهة هنا منفكة باعتبار الأعمال، ولذا لو ذهب عنه وصف الإسلام لحدث بغض آخر.
وقال ابن عباس في قوله: ]وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ[ [البقرة: 166] قال: المودة.
هذا أيضًا موقوف على ابن عباس، وفي نفس الوقت تفسير صحابي، وتفسير الصحابي له حكم الرفع إذا لم يكن معروفًا بالأخذ من الإسرائيليات، وليس الحكم مما للاجتهاد فيه مجال. وهذا الموقوف صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقوله: بهم: أي الكفار.
الأسباب: فسرها ابن عباس بالمودة، وهذا من باب التفسير بالمثال؛ لأن اللفظ عام

والتفسير خاص. وإلا فالذي يتقطع بينهم أشياء كثيرة كالعبادة، والتوسل، والشفاعة.
هذا الأثر يدل على أن المحبة المبنية على غير الله لا تنفع، ويدل على أن المحبة من أجل الدنيا مذمومة قال تعالى: ]الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ[ [الزخرف: 67].

باب قول الله تعالى:
]إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [آل عمران: 175].
وقوله: ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ[ [التوبة: 18] الآية. وقوله: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ[ [العنكبوت: 10] الآية.
عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا: «إن من ضعف اليقين: أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره».
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله r قال: «من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» [رواه ابن حبان في صحيحه].
قال الشارح:
هذا الباب يسمى باب الخوف، وقد تحدث فيه المصنف عن حكم الخوف وعلاقته بالتوحيد، ولا زال المصنف يتكلم بما يتعلق بأعمال القلوب.
والخوف هو العمل الثاني من أعمال القلوب.
المسألة الأولى: لماذا ذكر المصنف باب الخوف بعد باب المحبة؟
لأن العبادة مرتكزة عليهما، فالغالب في الطاعات والأوامر أنها تفعل محبة، وفي النواهي والمعاصي أن تُترك خوفًا، وقد يكون الحامل على الجميع المحبة أو الخوف.
المسألة الثانية: تعريف الخوف:
وصف قائم بالقلب يؤدي إلى فعل الأوامر وترك النواهي.
المسألة الثالثة: هل يغلب جانب الخوف أم جانب المحبة؟
فيه ثلاثة أقوال أوسطها التفصيل بحسب الأحوال أو الأوقات، فمع الطاعة يغلب جانب الرجاء، ومع المعصية يغلب جانب الخوف، وفي الصحة يغلب جانب الخوف،

وفي المرض يغلب جانب الرجاء.
والقول الثاني: يغلب جانب الرجاء.
والقول الثالث: يغلب جانب الخوف.
المسألة الرابعة: ما هو الخوف النافع؟
هو ما ردك عن المعاصي والمحرمات ومن باب أولى الكفريات والشركيات.
أما الخوف الذي يرد عن المكروهات هذا لا يَرد؛ لأن فعل المكروهات ليس فيه خوف، والخوف يتعلق بما تُعاقب عليه، والمكروهات لا عقاب فيها.
المسألة الخامسة: أقسام الخوف وعلاقته بالتوحيد:
الأول: خوف السر، وهو أن يخاف من المخلوق كما يخاف من الله، كمن يخاف من الوثن والطواغيت.
وهو أنواع:
أ- أن يخاف ممن لا يملك أصلاً ولا يؤثر، كالخوف من الجمادات كالوثن وغيره ممن لا يملك شيئًا.
ب- أن يخاف من الأموات.
وهذان النوعان ليس فيهما قيد «فيما لا يقدر عليه إلا الله»، فمجرد الخوف هذا شرك أكبر.
ج- أن يخاف من الأحياء ([1])، وهذا فيه شرط وهو: أن يخافهم أن يصيبوه فيما لا يقدر عليه إلا الله.
مثاله: كأن يخاف من المخلوق أن يقطع نسله، أو يخاف من المخلوق أن يدخله النار، أو أن يقطع رزقه، أو أن يصيبه بأمراض.
د- الخوف من الجن، وهذا مقيد بما قيد به الذي قبله، وجميع الأنواع الأربعة حكمها واحد وهو: شرك أكبر، ويدل على هذا القسم عموم الآية الأولى.
الثاني: أن يترك ما يجب عليه أو يفعل ما يحرم عليه خوفًا من المخلوق فيما يقدر

عليه المخلوق، وهذا القسم يعتبر من الشرك الأصغر؛ لكن بشرط أن يكون من غير إكراه، أما لو أكرهه إكراهًا ملجئًا بشيء لا يحتمله فترك الواجب أو فعل المحرم، فهذا جائز في الأصل.
أمثلة هذا القسم:
أن يحلق لحيته خوفًا من انتقادات الناس، أو يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حماية لعرضه من الكلام. وهذا القسم متفش بين الناس وخصوصًا ترك الأمر والنهي، وهذا لا يجوز أي: أن يترك الأمر والنهي خوفًا على منصب أو عرض.
وهذا القسم من أهل العلم من ذهب إلى التحريم.
والقول الثاني: أنه من باب الشرك الأصغر، وهذا أقرب، لما روى الإمام أحمد «أن الله يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر ألا تغيره؟ فيقول: رب خشية الناس، فيقول الله: إياي كنت أحق أن تخشى» فهذا وجه كونه من الأصغر، وهذا الدليل منسحب أيضًا على ما قلنا في باب المحبة. والحديث «تعس عبد الدينار» فسماه عبدًا وهذا في الخوف والمحبة.
الثالث: الخوف الطبيعي، كالخوف من الحيوانات المفترسة أو من اللصوص، وهذا جائز في الأصل.
قال تعالى: ]فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ[ [القصص: 21].
المسألة السادسة: شرح الترجمة:
قول الله تعالى: ]إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [آل عمران: 175].
إنما: أداة حصر. الشيطان: قيل إنه علم على إبليس.
وقيل إنه عام، فيكون اسمًا عامًا لمن وصف بالشيطنة، ويدخل تحته أنواع:
1- إبليس.
2- كل مؤذ من الجن.
3- كل مؤذ من الإنس.
بدليل قوله: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ


([1]) المقصود بالأحياء هم عامة الإنس.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 09-18-2012, 12:23 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا[ [الأنعام: 112].
يخوف أولياءه: يخوفكم بأوليائه.
فلا: لا: ناهية.
تخافوهم: نهى عن خوفهم، والنهي يقتضي التحريم، وهذا يشمل القسم الأول والثاني من الخوف بالنسبة لعموم ألفاظ الآية. أما بالنسبة لسبب الآية فهي للقسم الثاني.
وخافون: هذا أمر فيه وجوب إخلاص الخوف لله سبحانه وتعالى.
إن: شرطية.
كنتم: فعل الشرط، وجوابه محذوف.
تقديره: إن كنتم مؤمنين فخافون.
والتخويف الذي حصل من الشيطان في الآية، هو قوله: ]إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[ [آل عمران: 173].
نوع التخويف هنا: تهديد بالكلام ليصدهم عما يجب من الجهاد الواجب وهي نزلت في غزوة حمراء الأسد، وأراد أن يوقع في قلوبهم ذلك. وهذا التخويف غير سائغ لأنْ يصد؛ فهو تهديد بالكلام وهو لا يضر، فدل على أن الخوف الغير ملجئ من الشرك أن تضمن ترك ما يجب أو فعل ما يحرم.
الآية الثانية: ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ[ [التوبة: 18].
إنما: أداه حصر.
يعمر: سواء كانت عمارة حسية بالبناية أو عمارة معنوية بالطاعة.
مساجد الله: الإضافة بتقدير اللام.
من: اسم موصول في محل رفع فاعل.
آمن بالله: ربوبية، وألوهية، وأسماء وصفات.
ولم يخش إلا الله: هذا هو الشاهد.
لم: حرف نفي.

إلا: إثبات.
فالأسلوب أسلوب حصر، والخشية نوع من الخوف ولكنه أخص منه.
الآية الثالثة: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ[ [العنكبوت: 10].
من: تبعيضية.
من يقول آمنا: أي بلسانه وبقلبه هذا هو الظاهر، لكن الإيمان الموجود أصل الإيمان لا كماله؛ لأنه أثبت له الذم فدل على أن إيمانه ناقص.
أوذي: تعرض للأذية.
في الله: أي بسب الله أي: لأنه مؤمن.
فتنة الناس: المقصود أذيتهم ومحنتهم وعراقيلهم.
كعذاب الله: الكاف للتشبيه، شبه الفتنة بعذاب الله، فكما أن عذاب الله يصد كانت فتنة الناس تصده، ففعل المعصية خوف الأذية، وتركَ الواجب خوف الأذية.
المسألة السابعة: هل كل أذية معتبرة أم لا؟
الأذية مراتب:
الأولى: أذية شديدة غير محتملة وهو الإكراه، وهذه يجوز أن يترك الواجب ويفعل المحرم بشرط ألا يكون بفعله للمحرم تعديًا على الغير، والدليل قصة عمار قال تعالى: ]مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ[ [النحل: 106].
وهذا الذي يسمى الإكراه الملجئ، وهو باعتبار الأصل جائز لكن يختلف باختلاف الأشخاص، كأن يكون شخصًا يقتدى به كالعالم وطالب العلم، وبين أن يكون شخصًا لا يقتدى به، ومرت هذه المسألة في الباب الأول.
الثانية: أذية محتملة وفيها مشقة.
الثالثة: أذية قليلة محتملة، كأذية الكلام والشتم.
الرابعة: الوهم والجبن، فيكون عند الشخص تصورات ذهنية لا حقيقة لها.
الخامسة: الضرورة وهذه تبيح أشياء مخصوصة كالميتة لمن خاف الموت أو كشف العورة لضرورة المرض ونحو ذلك.

والنوع الثاني والثالث والرابع لا يجوز أن يترك من أجلها واجبًا أو يفعل محرمًا.
مسائل في الإكراه:
المسألة الأولى: الفصل من الوظيفة هل هو عذر في ترك ما يجب عليه؟
ليس عذرًا في ترك ما يجب إن وجب عليه هذا الأمر.
ومثلها لو خوََّف بقطع الرزق.
المسألة الثانية:
الخوف من الشياطين كالخوف من الإنس، فإذا خاف الإنسان منهم ما يقدرونه وانعقدت القرائن، فهذا كالخوف من الإنسان فيما يقدره، وإن خافهم فيما لا يقدرونه فهذا من الشرك الأكبر. لقوله تعالى: ]وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ... الآية[ وقد سبقت.
المسألة الثالثة: الخوف من العاجز:
يعتبر من الحمق والسفه.
المسألة الرابعة: التهديد هل هو عذر؟
إن كان من قادر، وهدد بما لا يُحتمل، فهذا يجوز وإلا فلا.
المسألة الخامسة: الخوف من الميت؟
هذه مرت علينا، وهي من باب الشرك الأكبر، وهي كالخوف من الجمادات.
مناسبة الآية الثالثة: فيها مدح وثناء لمن خاف الله سبحانه وتعالى.
وأما الآية الثانية: ففيها تحريم ترك ما يجب خوفًا من الناس بلا عذر.
مسألة: إذا خاف إنسان من موقفه أمام الناس للكلام؟
الخوف من الموقف([1]) من الخوف الطبيعي، لكن إن ترك ما يجب من أجله فهذا يدخل في القسم الثاني، وهو من الشرك الأصغر.
مسألة: لو ترك الإنسان ما يجب عليه هل هو من باب الخوف الشركي؟
لا يعتبر من هذا الباب؛ لأن ترك ما يجب له أسباب كثيرة، بعضها يجوز وبعضها لا يجوز.

فالأول: لو ترك ما يجب عليه خوفًا من الناس بلا عذر فهذا لا يجوز، وهو المقصود هنا.
الثاني: أن يكون الدافع المصلحة، فيترك ما يجب عليه من باب المصلحة؛ لأنه إن فعل ما يجب يترتب عليه مفسدة أكبر، فهذا يجوز؛ لكن قد يقع خلاف في هل هو مصلحة أم لا؟
مثال ذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، فإن تركه الإنسان في قضية معينة لأنه يؤدي إلى مفاسد أكبر من ذلك، فهنا يترك الإنكار ويقال: ترك ما يجب، وهذا من باب التنـزل وإلا الإنكار مع المفاسد ليس واجبًا.
الثالث: قد يكون مداراة، والمداراة أن يترك الإنكار مثلاً فترة معينة حتى يأتي الوقت المناسب فينكر عليه، ويدل عليه حديث رواه أبو داود وعبد الرزاق «أن رجلاً زنا فرُجم، فقال أحد الصحابة: انظر إلى هذا قد ستره الله ويأتي يفضح نفسه حتى يُرجم كالكلب». وكان النبي r يسمع هذا. قال الراوي: فسار النبي r ساعة، فإذا بجيفة حمار فقال: «أين فلان ابن فلان ... ثم قال له: «انزل وكل من هذه الجيفة»، ثم قال بعد ذلك: إنك أكلت من أخيك أعظم من هذه» الشاهد: أن النبي r أنكر عليه فيما بعد.
الرابع: أن يترك ما يجب عليه كسلاً لا خوفًا من الناس، وهذا محرم.
حديث أبي سعيد مرفوعًا، وهذا الحديث ضعيف جدًا فيه محمد بن مروان متهم بالكذب.
رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي.
حديث عائشة:
من التمس أي: طلب.
رضي الله أي: أسباب رضى الله. بدلالة السياق. وإلا فنحن نثبت الرضى لله صفة من صفاته.
بسخط الناس: الباء للعوض، فيكون معنى ذلك أنه فعل ما يرضي الله عوضًا عن سخط الناس.
قوله: بسخط الناس أي: ولو بسخط الناس.

الناس: الألف واللام فيما يبدو للعهد، ويقصد بهم الناس الذين يسخطون بفعل الطاعات لا كل الناس؛ لأن من الناس من لا يسخط بأسباب رضى الله.
رضي الله عنه: فيه إثبات الرضى لله، وأن الله رضي عنه، وأما المجازاة فهي من مقتضيات وآثار الرضى.
رضي الله عنه: هنا من باب إضافة الصفة للموصوف، فيكون جازاه الله بجزاءين:
1- إن الله رضي عنه. 2- رضي الناس عنه.
وقلنا جازاه من باب آثار الرضى وإلا فالمجازاة ليست هي الصفة بل من آثارها مع إثبات صفة الرضى لله.
وأرضى عنه الناس: الناس هنا هم الناس هناك.
ما معنى رضى الناس؟
هل هو بمعنى المحبة أي: حبوه، أو يقصد به الرضى القلبي؟
لا. لا يقصد به هذا وإنما جاء عند الترمذي قوله: «كفاه مئونة الناس»، وقال في رواية: «عاد حامده ذامًا» هذا في السخط، فيكون الرضى عاد ذامه حامدًا، فيكون الرضى بالمقابل.
وبالجمع بين الروايات يكون الرضى هنا بمعنى يعطونه ويفعلون به فعل الراضي.
قال: ومن التمس أي: طلب. رضى الناس: الناس هنا بابها واحد.
بسخط الله: الباء: للعوض، فإن الله يعاقبه بعقابين فيكون عوقب بنقيض قصده.
العقاب الأول: أن يسخط الله عليه.
العقاب الثاني: سخط الناس عليه.
وسخط الناس يقصد به ذمهم له وأذيتهم له.
مناسبة هذا الحديث: وجوب تقديم رضى الله على رضى المخلوق، والوعيد لمن خاف الناس فآثرهم على رضى الله.
الحديث رواه ابن حبان وحكم عليه بالصحة وهو كما قال.


([1]) الموقف مثل ما ينتاب الإنسان من الشعور والقلق والرجفان لو قام يتكلم أمام الناس ونحو ذلك.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 09-18-2012, 12:24 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

باب قول الله تعالى:
]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة: 23]
وقوله: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ[ [الأنفال: 2] الآية، وقوله ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[ [الأنفال: 64]، وقوله: ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[ [الطلاق: 3].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل». قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد r حين قالوا له: ]إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[ [آل عمران: 173] [رواه البخاري والنسائي].
قال الشارح:
هذا الباب هو باب التوكل، ويعتبر الباب الثالث في أعمال القلوب التي ذكرها المصنف.
المسألة الأولى: تعريف التوكل:
التوكل لغة: التفويض والاعتماد. أما شرعًا: فهو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة: 23].
وينقسم التوكل إلى أقسام:
القسم الأول: الاعتماد على المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، كالاعتماد عليه في الشفاء والسلامة والحفظ والرزق والنسل. وهذا حكمه: شرك أكبر، ودليله الآية الأولى ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة: 23]، وقوله تعالى: ]فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ [البقرة: 22]، وقوله تعالى: ]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[ [المؤمنون: 117]. فالتوكل من الدعاء؛ من دعاء العبادة.
القسم الثاني: الاعتماد على المخلوق فيما يقدر عليه المخلوق، وهي مسألة الاعتماد

على الأسباب، فهذا يعتبر من الشرك الأصغر إذا اعتمد إنسان على مخلوق أو اعتمد على الأسباب، فهذا من الشرك الأصغر.
أمثلة:
1- كالذي يعتمد على طبيب في حصول الشفاء، فيُعالج عند طبيب معين لمهارته ويعتمد ويثق بالشفاء.
2- الاعتماد على كثرة الجيش وقوة الجيش لحصول النصر.
3- اعتماد الطالب على المذاكرة في النجاح.
4- الاعتماد على السلطان والوظيفة في حصول الرزق.
5- الاعتماد على حذق سائق السيارة أو الطائرة للسلامة من الحوادث.
مسألة: ضابط الاعتماد على الأسباب:
الاعتماد على الأسباب يعرف بالآثار والعلامات واطمئنانه وثقته.
هذه علامة الاعتماد، ومثلها الثقة بالسبب، والثقة في ترتب المسبب أي حصول النتيجة. كل هذه علامات على الاعتماد.
أما الدليل على أنه شرك أصغر فهو الآية الأولى ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا[ [المائدة: 23].
وجه الدلالة: أن في الآية أسلوب حصر وهو تقديم ما حقه التأخير، وأما من السنة فحديث «من تعلق تميمة فقد أشرك» رواه أحمد.
والحديث وإن كان في التميمة، فإنّ تعلق قلبه بالسبب يدل على مسألتنا بالعموم المعنوي، وهو ما يسمى بقياس الشبه.
القسم الثالث: ما يسمى بالوكالة الجائزة أو الاستنابة.
وتعريف الوكالة هي: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
القسم الرابع: الاعتماد على الأموات والغائبين، فهذا شرك أكبر.
قد يقول قائل: لماذا لا تدخلوه في القسم الأول؟ نقول: القسم الأول وضعنا فيه قيد وهو فيما لا يقدر عليه إلا الله، فقد يكون هذا القسم -الاعتماد على الأموات- في شيء يقدرون عليه لو كانوا أحياء.

مسألة: ما حكم الألفاظ الآتية:
توكلت عليك، أو متكل عليك؟ هذا حسب ما مر علينا أن فيه خلافًا.
1- فمنهم من أجاز هذا القول وهو الغالب في المعاصرين.
2- والقول الثاني: عدم جواز هذه اللفظ، وهذا هو الأقرب، وعليه تُهجر هذه الألفاظ وتُترك، ويدل عليه قوله: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا[ [المائدة: 23] بدلالة الحصر. وممن منع هذاه اللفظة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- وبعضهم منعها إن قال توكلت على الله وعليك أو متكل على الله وعليك ويكون سبب المنع لأنه جمع بينها بالواو مثل كلمة لولا الله وفلان وفي هذه الصورة الأخيرة وهي قول: توكلت على الله وعليك لا شك أنها من الشرك الأصغر ويأتي تفصيل ذلك في باب ]فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا[ لكن كلامنا عن جملة «توكلت عليك» أو «متكل عليك» فقط إذا جاءت مفردة وفيها الخلاف السابق.
مسألة: هل لو عطف يزول المحظور؟
كأن يقول: «توكلت على الله ثم عليك».
الجواب: لا يزول المانع؛ لأن المؤاخذة في اللفظ نفسه سواءً أفرده أو عطفه.
مسألة: الاعتماد على النفس، ومسألة الثقة بالنفس؟
أما الاعتماد على النفس فهذا لا يجوز، وهو من باب الاعتماد على الأسباب «من باب القسم الثاني»، ويدل عليه الآية ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا[ [المائدة: 23] أي: اعتمدوا على الله ولا تعتمدوا على غيره.
مسألة: ما حكم استعمال الألفاظ التي تدل على الاعتماد على النفس مثل قول القائل: اعتمد على نفسك أو يجب أن تثق بنفسك؟
هذه لا تجوز، ومر بنا أن الاعتماد على النفس لا يجوز، والتلفظ كذلك لا يجوز، ولما روى الإمام أحمد مرفوعًا من دعاء النبي r أنه قال: «ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين... الحديث».
مسألة الثقة بالنفس؟
إذا كانت بمعنى الاعتماد على النفس فلا تجوز، وأما لفظة الثقة في نفسها ففيه

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 09-18-2012, 12:26 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

تفصيل: فإن كانت الثقة بمعنى الاعتماد على النفس فهذه لا تجوز، وأما إن كان بمعنى أن الإنسان عنده قدرة وليس بخائف وعنده تجربة، فهذا يجوز. ومثله قولنا: «رجل موثوق ورجل ثقة» فهذه فيها تفصيل.
فإن كان ثقة بمعنى: يعتمد عليه، فهذا لا يجوز.
وأما إن كان معنى ثقة بمعنى: أنه لا يخون، أو أمين، أو يجتهد بالقيام بالمهمات فهذا جائز.
قوله: "تعالى": هنا ثناء على الله سبحانه، ويستحب إذا ذكر اسم الله تعالى أن يثنى عليه بـ "تعالى" و "عز وجل" و "سبحانه" ذكر هذا النووي في مقدمة مسلم.
قوله: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا[ [المائدة: 23] أي: أفردوا الله بالتوكل وأفردوا الله بالاعتماد.
]إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [البقرة: 91] يدل على أن الإيمان مرتبط بالتوكل، ويدل بالمفهوم مفهوم المخالفة أن من لم يتوكل على الله فليس بمؤمن بدلالة المفهوم، لكن هل الإيمان المنفي أصله أو كماله الواجب؟
حسب الاعتقاد: إن كان الشرك الأكبر فالمنفي أصل الإيمان، وإن كان الشرك الأصغر فالمنفي كماله الواجب.
مسألة: يمر علينا في بعض الأحاديث أنه يعتمد على كذا، كما في صفة صلاة النبي r«وكان يعتمد على ركبتيه» وفي بعض الأحاديث «كان يعتمد على قوس أو عصا إذا خطب» فهل هذا مثل مسألة الثقة بالنفس؟
لا ليس مثلها؛ لأن هذا في معنى الاتكاء والاستناد، وهذا هو المقصود في اعتمد، فهو اعتماد جوارح، والذي عندنا في الباب هو اعتماد القلب.
الآية الثانية:
وقوله تعالى: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[ [الأنفال: 2].
إنما: أداة حصر، وهذا أسلوب ثاني من أساليب الحصر.
المؤمنون: أي: والمسلمون، وهذا مدح وثناء.

وجلت: أي خافت.
وعلى ربهم يتوكلون: هذا هو الشاهد.
وهنا أيضًا حصر توكلهم على الله؛ لأنه قدم ما حقه التأخير.
مناسبة الآية: فيه المدح والثناء على من أفرد الله بالتوكل وأنه من صفات المؤمنين.
الآية الثالثة:
قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ[ [الأنفال: 64].
يا أيها النبي: هذا نداء للنبي.
النبي: من أُوحي إليه وأُمر بالتبليغ وكان على شرع من قبله. والنبي أعم من الرسول.
حسبك: كافيك الله.
ومن اتبعك: الواو عاطفة، والمعنى حسبك الله وحسب أتباعك الله.
وتفسيرها: بـ «حسبك الله وحسبك أتباعك من المؤمنين» تفسير ضعيف. وسبب بالضعف: لأن المؤمنين ليسوا حسبًا للرسول.
مناسبة الآية: أن الله هو الكافي والمعتمد، فيجب التوكل عليه.
الآية الرابعة:
قوله تعالى: ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[ [الطلاق: 3].
يتوكل: يعتمد.
حسبه: كافيه.
مناسبة الآية: أن الاعتماد على الله كاف، ومعنى كفاية الله أي: الله يكفيه من الضرر، أما الأذى فقد يصل إليه ولكنه لا يضره، قال تعالى: ]لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى[ [آل عمران: 111].
حديث ابن عباس:
هذا الحديث له حكم الرفع؛ لأن الإخبار عن قول إبراهيم لا يؤخذ بالرأي.
حسبنا الله: أي كافينا.
ونعم الوكيل: أي نعم المعتمد.
إبراهيم عليه السلام: هذه عادة المؤلفين، وهي التسليم على الأنبياء، والأفضل الجمع

بين التسليم والصلاة.
النار: يقصد بها النار التي أوقدت لإبراهيم، وهي غير النار الأخروية.
]الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا[ [آل عمران: 173].
أي: فلم يخشوا الناس، وإنما زادوا اعتمادًا على الله سبحانه وتعالى.
وقالوا: فيه استحباب هذا القول عند المصائب والكرب.
وكان من كفاية الله لهم أن تراجع أبو سفيان ولم يحصل بينهم قتال، وهذا في «حمراء الأسد».
مناسبة الحديث: هذا الحديث فيه الاعتماد على الله سبحانه.

باب قول الله تعالى:
]أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[ [الأعراف: 99]، وقوله: ]وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ[ [الحجر: 56].
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله r سئل عن الكبائر، فقال: «الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله».
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» رواه عبد الرزاق.
قال الشارح:
موضوع هذا الباب: حكم الأمن من مكر الله، والمصنف جعل هذا الباب بعد باب التوكل، ولو كان بعد باب الخوف لكان أنسب؛ لأن هذا الباب ألصق بباب الخوف لسببين:
السبب الأول: أن شدة الخوف تؤدي إلى القنوط واليأس، والقنوط تعرض له المؤلف.
السبب الثاني: أن عدم الخوف يؤدي إلى الأمن من مكر الله، وعلى ذلك فعدم وجود الخوف مشكلة وزيادته مشكلة.
المسألة الأولى:
المكر: هو التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر.
وأما مكر الله: فله تفسيران.
التفسير الأول: باعتبار أنها إضافة الصفة إلى الموصوف، وبهذا الاعتبار يكون مكر الله: صفة قائمة بالله تقتضي الإيقاع بالعدو من حيث لا يشعر، وهي بهذا من الصفات الفعلية التي تتعلق بالمشيئة، وهي من الصفات التي تطلق على الله بالتقييد، فيُقال: يمكر الله بالماكرين. وهذا التفسير هو تفسير أهل السنة والجماعة.
وأما المعطلة كالأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والجهمية فإنهم لا يثبتون صفة المكر.
التفسير الثاني: باعتبار أنها إضافة المخلوق إلى الخالق، ويقصد بها هنا: استدراج العاصين بالنعم.
والأقرب التفسير الأول أنها من آيات الصفات؛ لأن هذا هو الأصل.

المسألة الثانية: كيف يوصف الله بالمكر والمكر مذموم؟
إذا كان المكر في محله فهو مدح، وإن كان المكر في غير محله فهو مذموم، والموصوف به الله هو المكر في محله، والمستحقين له هم الماكرون.
المسألة الثالثة: حكم الأمن من مكر الله وعلاقته بالتوحيد:
حكمه: محرم وينافي كمال التوحيد الواجب، والدليل على ذلك الآية الأولى.
الآية الأولى:
]أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[ [الأعراف: 99].
أفأمنوا: الاستفهام هنا يقصد به الإنكار، والواو تعود على أهل القرى، وهي القرى التي عصت الله مع وجود النعم عليها.
مكر الله: هنا بالمعنى الأول من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، ومر علينا قبل قليل أن مكر الله وصف قائم في ذات الله يقتضي الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر.
فلا يأمن: دليل على أنه لا يجوز الأمن من مكر الله.
القوم: فاعل يأمن.
الخاسرون: هذه صفة وعقوبة الآمن من مكر الله أنه خاسر، وجاءت الخسارة هنا بالألف واللام، فهل هي الخسارة المطلقة أو مطلق الخسارة؟
الأصل في هذا التعبير أنه للاستغراق، وعلى ذلك تكون الخسارة المطلقة، ولذلك قال الشارح ابن قاسم: أنه ينافي التوحيد، لكن هذا يُحمل على أنهم أتوا بشيء فيه شرك أو كفر، فإن كان عدم الخوف من مكر الله يتضمن الاستخفاف بالله وأن الله لا يقدر، فهذه خسارة مطلقة، وإن كان عدم الخوف كما يحصل من المسلمين من فعل المعاصي وهم في نعم، فهذا ينافي كماله الواجب، فيكون مطلق الخسارة، ولذلك يجب على الإنسان أن يخاف من الله سبحانه وتعالى خصوصًا إذا أنعم الله عليه.
المسألة الرابعة: مواطن الخوف:
الخوف له مواطن يحمل عليها:
1- إذا نظر إلى ذنوبه وكثرتها خاف.
2- إذا نظر إلى شدة عقوبة الله خاف.

3- إذا نظر إلى عدل الله خاف.
4- إذا فعل الطاعة خاف عدم القبول بكونه مقصرًا.
5- عند المصائب والمكاره إذا كان عاصيًا خاف عدم التفريج.
وهذه مواضع للخوف محدودة.
الآية الثانية:
وقوله: ]قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ[ [الحجر: 56].
من: الاستفهام يُراد به هنا النفي.
يقنط: تعريف القنوط: استبعاد الفرج واليأس منه.
والقنوط عند الإطلاق يدخل في تعريفه اليأس، ولذا فالقنوط هنا استبعاد مع قطع.
رحمة ربه: أما بالنسبة لصفة الرحمة فالله موصوف بالرحمة، قال تعالى: ]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[. وهو مذهب أهل السنة والجماعة، لكن "رحمة ربه" هل هي من إضافة المخلوق إلى خالقه والفعل إلى فاعله؟ أم من باب إضافة الصفة إلى الموصوف؟ هنا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
فيكون المعنى: ومن يقنط من رحمة ربه التي اتصف الله بها.
فائدة:
الرحمة على مذهب أهل السنة والجماعة تأتي لمعنيين:
إذا أضيفت إلى الله تأتي بمعنى الصفة القائمة بذات الله، فإن كان المضاف عين قائمة مستقلة كالجنة، فهي من باب إضافة المخلوق إلى خالقه.
وإن كانت بمعنى لا يقوم إلا بالذات، فهي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
مثال ذلك: تأتي بمعنى الصفة القائمة بذات الله كما في يقوله: ]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[، وقد تأتي بمعنى الرحمة المخلوقة كما في الحديث القدسي «أنت الجنة رحمتي».
إلا الضالون: الألف واللام الأصل أنها للاستغراق، فيكون قولنا هنا مثل قولنا في ]الخاسرين[، والآية قالها الملائكة لإبراهيم لما بشروه بغلام.

والشارح ابن قاسم ذكر أن إبراهيم لما ذكروا له البشرى أنه لم يستبعد الفرج، ولكنه قالها على وجه التعجب.
مناسبة الآية: تدل على أن القانط ضال، وهذا ينافي التوحيد أو كماله الواجب.
وعن ابن عباس أن رسول الله r سئُل عن الكبائر فقال: «الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله».
درجة الحديث:
هذا الحديث أختلف فيه، فذهب ابن كثير إلى تضعيفه وقال: في إسناده نظر، والأشبه أنه موقوف.
وانتقدوه لأن في إسناده شبيب بن بشر، وذهب بعض أهل العلم إلى تحسينه منهم العراقي في تخريج الإحياء والألباني في الجامع، والأقرب أنه مقبول، ويعضده الحديث الذي بعده.
سئُل: مبني للمجهول ولا يهمنا تعيينه.
لكبائر: فيها مسائل.
المسألة الأولى: تعريف الكبائر.
الكبائر: جمع كبيرة وهي: كل معصية محرمة متوعد عليها بوعيد.
المسألة الثانية: هل الكبائر تُعرف بالحد أم بالعد؟
لا. هي تُعرف بالحد، فهي كل معصية تُوعّد عليها، وأما العد فعددها كثير.
المسألة الثالثة:
الألف واللام في الكبائر ليست للاستغراق، فليس ما ذكر الرسول r هنا هي الكبائر فقط.
وإنما عد هنا الكبائر المتعلقة بالخوف والرجاء.
فاليأس: كبيرة في باب الخوف وهو شدة الخوف.
والأمن: كبيرة لأنها عدم الخوف.
أما الكبائر التي ذُكرت في الحديث:
الأول: الشرك بالله.

رد مع اقتباس
  #31  
قديم 09-18-2012, 12:27 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

الثاني: اليأس من روح الله.
تعريف اليأس: استبعاد الفرج، وهو سوء ظن بالله تعالى.
وقوله: روح الله مثل قوله: رحمة ربه، وقد مرت.
الثالث: الأمن من مكر الله، مر علينا تعريف الأمن من مكر الله وتعريف مكر الله فليراجع في أول الباب.
مناسبة الحديث: يدل على أن اليأس من روح الله والأمن من مكر الله ينافي كمال التوحيد.
وعن ابن مسعود قال: أكبر الكبائر: «الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» [رواه عبد الرزاق].
قال المصنف في بعض النُسخ ([1]): عن ابن عباس، والصحيح عن ابن مسعود.
ظاهر الحديث أنه موقوف لأنه لم يذكر الرفع إلى النبي r، والموقوف هو قول الصحابي.
أكبر الكبائر: هذا يدل على أن الكبائر تنقسم إلى قسمين:
1- كبائر. 2- أكبر الكبائر.
وبقي قسم ثالث وهو: الصغائر، وهي: كل معصية محرمة لم يذكر لها وعيد خاص، ويُقصد بالوعيد إما حدٌ في الدنيا أو لعن أو غضب أو عذاب أو إخبار بأن الله بريء منه أو ليس منا، فما وجد فيه شيء من هذا الوعيد فهو كبيرة.
وما لم يوجد فيه شيء من هذا الوعيد وإنما وجد فيه التحريم فقط فهي صغيرة، وليس معنى ذلك أنها لا تؤثر أو أنها شيء بسيط. لا. وإنما سميت صغيرة في مقابل النظر إلى الكبيرة.
وهذه الكبائر هي نفس العدد في الحديث السابق إلا أن فيه زيادة القنوط من رحمة الله. ومر معنا تعريف القنوط وحكمه، وبقي:
محل القنوط: محله إذا وقع في الكرب أو في شدة الخوف من الله.

علامة القنوط واليأس: علامته ترك المحاولات: والكسل، وترك الدعاء، كل هذا قرينةٌ على أنه قنط.
والقنوط على قسمين باعتبار محله:
1- ما يتعلق بالأشياء الأخروية، كأن يستبعد أن يغفر الله له، أو أن يستبعد أن يتوب الله عليه، أو يستبعد أن يتوب هو ويقلع عن الذنب.
2- ما يتعلق بالأشياء الدنيوية، كأن يستبعد الغنى، أو أن يستبعد الشفاء من المرض. وكلاهما محرم، والنوع الأول أشد.
مسألة: لو أنكر أو تعجب من أشياء ما جرت بها العادة، كما لو كان كبيرًا في السن واستكثر حصول الولد.
هذا فيه تفصيل:
إن كان ذلك بالنظر إلى نفسه وجريان العادة فهذا جائز، وهو الذي فعله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وأما إن كان بالنظر إلى فعل الله فهذا حرام ولا يجوز.
وقد جاء في الصحيح في قصة أصحاب الغار حينما جرى لهم ما جرى فما استبعدوا الفرج؛ بل دعوا وألحوا حتى فرّج الله لهم.
واليأس من روح الله: هنا عطف اليأس على القنوط، والعطف يقتضي المغايرة، فيفسر القنوط في هذا الحديث بقطع الرجاء، واليأس في هذا الحديث: استبعاد الرجاء لا قطعه.
مناسبة الحديث: فيه تحريم الأمن والقنوط واليأس وأنه يُنافي كمال التوحيد الواجب، ومن فوائد الحديث: أن يتعلق رجاء الإنسان بالله فيكون راجيًا لله سبحانه.
والرجاء له مواطن يُحمد فيها:
1- إذا نظر إلى عفو الله وفضله مع عدم العمل بالمعاصي وإلا أصبح غرورًا.
2- إذا ابتلي بمصيبة فتاب توبة نصوحًا رجا القبول.
3- إذا فعل طاعة ونظر على فضل الله رجا الثواب.
4- عند المكاره والمصائب رجا كشفها.

وهناك مواطن خاطئة:
1- أن يرجو وهو مقيم على المعاصي.
2- أن لا يخاف وهو عاصي مع النعم.
3- أن يخاف خوفًا يؤدي إلى القنوط واليأس.
4- أن يرجو مع التقصير في الطاعة.
درجة الحديث:
المصنف قال: رواه عبد الرزاق. وقال الهيثمي: إسناده صحيح، وصححه ابن كثير.
مسألة: المصنف ذكر ما يتعلق باليأس والقنوط من باب المقابلة مع الأمن من مكر الله، حتى يعيش بينهما فلا يأمن ولا يقنط.

باب من الإيمان الصبر على أقدار الله
وقول الله تعالى: ]وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ[ [التغابن: 11].
قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت».
ولهما عن ابن مسعود مرفوعًا: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية».
وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» وقال النبي r: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» حسنه الترمذي.
قال الشارح:
من: تبعيضية.
مسألة: الإيمان هنا بالمعنى العام، أي: الإيمان والإسلام؛ لأن الصبر على أقدار الله إيمان وإسلام.
المسألة الأولى: تعريف الصبر:
لغة: الكف والحبس.
اصطلاحًا: حبس خاص، وهو: حبس النفس عن الجزع، وحبس النفس واللسان والجوارح.
وهذا الباب ضمن أعمال القلوب التي مرت علينا، وترتيبه الخامس.
على أقدار الله: الأقدار: جمع قدر، والإضافة هنا من باب إضافة المخلوق للخالق، ويقصد بها أقدار الله المؤلمة كالأمراض والأوجاع وجميع المصائب.


([1]) كما في نسخة الشيخ وهي حاشية كتاب التوحيد بشرح ابن القاسم.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 09-18-2012, 12:28 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

المسألة الثانية:
المصنف خص هنا نوعًا من الصبر وهو: الصبر على أقدار الله.
وسبب ذلك: أن الصبر على المصائب هو الذي يتعلق في التوحيد؛ لأن من تمام الاعتراف بربوبية الله ومن تمام توحيد الله بالربوبية الصبر على ما قدر الله وقضى.
المسألة الثالثة: أقسام الصبر: ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: صبر النفس، وهو حبسها عن الجزع، وما يقوم بالقلب من الصفات غير المرضية.
الثاني: حبس اللسان عن التشكي والنياحة.
الثالث: صبر الجوارح عن اللطم والشق.
المسألة الرابعة: هذه الأقسام باعتبار المحل وباعتبار الإنسان نفسه.
وينقسم أيضًا إلى ثلاثة أقسام أخرى:
الأول: الصبر على الطاعة.
الثاني: الصبر عن المعاصي.
الثالث: الصبر على الأقدار المؤلمة.
والقسم الأخير هو الذي عنى المؤلف لأنه الذي يتعلق بالتوحيد.
المسألة الخامسة:
المصنف قال: من الإيمان بالله الصبر ولم يقل الرضى؛ لأن هناك فرقًا بين الصبر والرضى.
الصبر على أقدار الله واجب مطلقًا، أما الرضى بأقدار الله ففيه تفصيل؛ لأن من أقدار الله ما يُرضى به ومنها ما لا يُرضى به.
ويقصد بأقدار الله هنا:
القسم الأول: ما قدره الله من الشرك والكفر، فهذا لا يرضى به قال تعالى: ]وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ[ [الزمر: 7].
القسم الثاني: من أقدار الله: كالطاعات، فهذه يَرضى بها، والرضى بها هنا واجب.

وأما المصائب التي تحدث للإنسان فالرضى بها مستحب، أما الصبر عليها فواجب بقي مرتبة ثالثة وهي الشكر، وهذه هي المسألة الآتية.
المسألة السادسة: موقف الإنسان من المصائب.
له أربعة مواقف:
أما الجزع فمحرم،وأما الصبر فواجب، وأما الرضى فمستحب، ومعناه: طمأنينة القلب وسكونه وهو عمل قلبي.
الرابع: الشكر وهو: الثناء باللسان عند المصيبة، كأن يحمد الله أنه لم يحصل أكبر منها، أو يحمد الله على أنه أنعم عليه بأكثر، أو يحمد الله على أنها لم تكن في دينه. أو مطلق الحمد وهو: عمل متعلق باللسان إذا اجتمع مع الرضى.
المسألة السابعة: أقدار الله هل يقصد بها القضاء أم المقضي؟
هناك فرق بين المعنيين: فقدر الله بمعنى القضاء أو بمعنى أقدار الله التي هي فعله، فهذا كله خير ويرضى به؛ لأنه فعل الله، أما المقضي أو قدر الله بمعنى المفعول، فهذا ينقسم ولا يجب الرضى به كله.
فمثلاً قتل النفس ينُظر إليها باعتبارين:
1- من حيث أن الله كتبه وشاءه نرضى بها.
2- من حيث صدوره من القاتل وأنه باشره فلا نرضى به.
المسألة الثامنة: الصبر على أقدار الله قسمان:
الأول: أقدار لله لا صنع للعباد فيها، كالمرض والبرد وغير ذلك.
الثاني: أقدار من كسب العباد، وهي على قسمين:
القسم الأول: ما يصدر منهم عليك من أذية وضرب بقصد منهم وتعمد، وهل يجب الصبر هنا أم لا؟
لا يجب الصبر.
القسم الثاني: ما يصيبك منهم بغير قصد ولا تعمّد، وهذه لا يجب الصبر عليها لكنها أخف من التي قبلها، أما بالنسبة للآية فقد قال تعالى: ]وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ[ [التغابن: 11].

من يؤمن: فسرها علقمة بأنه يرضى ويسلم، ففسر الإيمان هنا بالرضى والتسليم، وهذا من باب التفسير بالتضمن؛ لأن الرضى بعض الإيمان.
ولماذا لم يقل أن يصبر؟ هو داخل في كلامه؛ لأن الرضى صبر وزيادة.
والمصنف أتى بقول علقمة في تفسير الآية مع أن الباب باب الصبر والآية في الإيمان مما يدل على فقه المؤلف؛ لأن الدليل عام والدعوى خاصة، وهذا مقبول في الاستدلال.
يهد قلبه: الهداية هنا هداية توفيق أي: يزيده إيمانًا وتوفيقًا، ومن هداية الله الرضى والتسليم.
علقمة: من كبار التابعين،وهذا يسمى مقطوعًا لأنه من قول التابعي.
الرجل: هذا من باب الغالب وإلا فالمرأة كذلك.
المصيبة: ما يقع للإنسان مما يكرهه كالمرض ونحو ذلك.
فيعلم: العلم هو الإدراك.
أنها من عند الله: إيجادًا وتقديرًا ومشيئة، وأما من العبد فكسبًا.
فيرضى: الرضى أعلى من الصبر، فيدل على الصبر بالتضمن.
فمعناه: يصبر ويطمئن قلبه ويحمد بلسانه.
ويسلم: الواو للمغايرة، فهل التسليم بمعنى الرضى أم لا؟
هذه مسألة تحتاج إلى بحث؛ إلا إن كان يقصد بالرضى ما يتعلق بالجوارح والتسليم ما يتعلق بالقلب.
مناسبة الآية وتفسير علقمة: يدل على أن الصبر سبب لهداية القلب، وأن من الإيمان الصبر.
مسألة: شكاية المريض هل تنافي الصبر.
فيها تفصيل:
إن كان إخبارًا فهذا جائز، كما جاء في الحديث حينما قالت عائشة: وارأساه، فقال الرسول r: بل أنا وارأساه. وعلامة الإخبار أن يكون مبنيًا على السؤال أو ما يدل على الإخبار، وأما إن كان على وجه التبرم من المصيبة والتأفف منها فهذا يُنافي الصبر، خصوصًا إذا صحبه كلمات تدل على التأوه والتضجر.

مسألة: حكم الأنين:
أما الأنين فقد كرهه الإمام أحمد، وأظنه داخلاً ضمن التقسيم السابق، فإن كان من باب التنفيس عن النفس، فيجوز، وإن كان من باب التشكي فلا يجوز. أي: التسخط والتأفف.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت».
اثنتان: هذا للتقريب وليس للحصر.
الناس: الألف واللام للعموم فتشمل المسلم والكافر.
وهل يخرج الجن؟ بل الجن مكلفون ومخاطبون.
بهم: الباء سببية أي هما سبب كفرهم.
ما المقصود بالكفر في هذا الحديث؟
الكفر إن جاء معرفًا بالألف واللام فيدل على الاستغراق ويحمل على الكفر الأكبر، وأدخل بعض أهل العلم (قد) فهي أيضًا للاستغراق، لحديث «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
وأما الكفر إذا جاء مُنكّرًا بدون الألف واللام فيدل على الكفر الأصغر، يكون المقصود بالكفر في حديث الباب: الكفر الأصغر.
وهل من قامت به يُقال له كافر؟
لا. وإنما يُقال له: قام به شعبة من شُعب الكفر الأصغر، أو خصلة من خصال الكفر الأصغر.
الأولى: الطعن في النسب، هذا مر بنا في باب الاستسقاء بالنجوم.
الثانية: النياحة على الميت، أيضًا سبق بحث هذه المسألة.
الشاهد من الحديث: قوله: النياحة على الميت، فإنها تنافي الصبر، والواجب عند مصيبة الموت أن يصبر.
المناسبة: وجوب الصبر على أقدار الله وأنه من الإيمان، وأن نقصه يُنافي كمال التوحيد الواجب.

رد مع اقتباس
إضافة رد
 
ضع تعليق بحسابك في الفيس بوك


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع



الساعة الآن 05:39 PM.
 

Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

   

تصميم المنافع لتقنية المعلومات