بسم الله الرحمن الرحيم
رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيدنا أبو إدريس الخولاني أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسود العنسي رجل أدعى النبوة وزعم أنه ينزل عليه القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب إليه فقال له بعد أن سمعه ، أتؤمن أني نبي الله؟ قال: لا أسمع ، قال: أتؤمن أن محمداً رسول الله؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله ، فكررها عليه عدة مرات وكلما قال له أتؤمن بي؟ قال: لا أسمع ، فإذا قال له أتؤمن بمحمد رسول الله كرر الشهادتين
فجمع له الحطب وألقوه في النار ولكنه بفضل الله حدث له ما حدث مع إبراهيم الخليل فقد خرج من النار ولم تضره بشئ ولم تحرق إلا حباله حتى ثيابه لم تحرقها النار فقال له قومه - قوم الأسود له - : إن أبقيت هذا الرجل بين ظهرانينا فتن به قومك فأخرجه من هنا
فخرج إلى المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لحق بالرفيق الأعلى لكنه كان قد أنبأ اصحابه بذلك فخرج سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر لاستقباله وأحاطوا به واعتنقوه ، وقال سيدنا عمر رضي الله عنه: {الحمد لله الذي أحياني حتى شهدت شبيه الخليل إبراهيم عليه السلام في أمة محمد صلى الله عليه وسلم}
فكل مؤمن يذكر الله ويتوكل على مولاه فله نصيب وافر من معونة الله وتوفيق الله في كل أمر ينتابه في هذه الحياة لأن الله قال في كتابه عز شأنه:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق
أي كافيه ، يكفيه كل هم وكل عناء وكل بلاء وكان بعد ذلك هذا الأمر مع كل بلاء
فإن الله ابتلى سيدنا إبراهيم بعدم الإنجاب وهو خليل الله وصفي الله حتى وصل سن الثمانين وهنا هيأ الله له الإنجاب من السيدة هاجر عليها السلام فأنجبت منه سيدنا إسماعيل فابتلاه الله وأمره أن يأخذ هاجر وابنها إلى المكان الذي هيأه الله ليبني فيه بيتاً لله
وهنا أوصيكم بألا تستمعوا إلى الروايات اليهودية والإسرائيلية في هذه القصة فقد قيل في ذلك ولا نزال نسمع ذلك أن السيدة سارة عليها السلام غارت من هاجر لما ولدت إسماعيل فقطعت أذنها وأمرته أن يأخذها وابنها ويلقيها في الصحراء ، كيف ذلك؟ وقد بشرها الله على لسان ملائكة الله بأنها ستلد اسحق وإنها ستعيش حتى تشاهد من اسحق ويعقوب {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} هود71
وهي صديقة لله وقد أجرى الله على أيديها المعجزات عندما دخلت مصر مع إبراهيم وأخذوها إلى قصر الملك وكانت بارعة الجمال ، وكلما أراد أن يمد يده إليها شلت يده في الحال ، فيستعطفها ويعدها ألا يعود إلى مسِّها فتدعو له الله ، فيفك الله يده في الحال
فإذا هم بمسها شلت يده مرة ثانية وكرر هذا الأمر ثلاث مرات حتى قال فرعون: إنها شيطانة اخرجوها من أمامي واعطوها كذا وكذا من الجواري ، وكذا وكذا من الأغنام ، وكذا وكذا من المال ، ومن جملة ما أعطاها كانت السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام
كيف لهذه المرأة التقية النقية أن تغار من زوجة زوجها وهي التي زوجتها وإنما الأمر كما قال الله على لسان خليل الله عندما أخذ ابنه وولده ووضعه في هذه الصحراء ولم يكن فيها ماء ولا زرع ولا ضرع ماذا قال في الدعاء؟ {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} إبراهيم37
ولم يكن هناك في هذا الوقت بيت لكنه يعلم علم اليقين أن إسماعيل هو الذي سيعاونه في بناء البيت ، وقد قالت السيدة هاجر: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فسكت ، قالت: أالله أمرك بهذا؟ قال: نعم ، قالت: إذاً لن يضيعنا ، إذاً هناك أمر من الله يتم تنفيذه على يد خليل الله إبراهيم وابنه وهو بناء بيت الله ودعوة الخلائق أجمعين للحج إلى بيت الله
إذا كان إبراهيم عندما أخذ إسماعيل إلى البيت ينفذ أمر الله وكان الله هو الذي أمره ولذلك تولاه فكان هذا الغلام الرضيع يرقد على الأرض ولما نفد ما كان معه من الماء والزاد وأخذت تذهب مرات إلى الصفا مرة وتصعد وتتطلع هل من قادم وكذا على المروة مرة ، فإذا بها تجد طيوراً بجوار ابنها فذهبت إليهم مسرعة خائفة عليه
فوجدت الماء قد نبع من تحت قدميه فأخذت تضم الماء وتقول زمي زمي لأن هذا الماء كان واسعاً وخافت أن يخرج منه طوفان المنطقة كلها ، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيـلَ لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْناً مَعِيناً }{1}
فأمرهم الله بالسكن هناك وأرسل لهم الساكنين وهيأ لهم سبيلهم لأنهم ذهبوا طاعة لأمر الله وتنفيذاً لمشيئة الله ، قال صلى الله عليه وسلم: {إِذا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلاَهُ ، وَإِذَا أَحَبَّهُ الْحُبَّ الْبَالِغَ اقْتَنَاهُ}{2}
{1} رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن ابن عباس
{2} رواه الطبراني في الكبير عن أبي
عتبة الخولاني