التاريخ
في العدد الجديد من مجلة "العلوم الطبيعية" الألمانية الصادر بتاريخ الثاني والعشرين من ديسمبر 1938 مقال للعالم أوتو هان، مدير "معهد القيصر فيلهلم للكيمياء" في برلين عرض فيه نتائج الأبحاث التي توصل إليها، والتي لم يكن يدرك أهميتها آنذاك سوى نفر قليل من العلماء .
أهم معلومة علمية وردت في مقال أوتو هان تكلمت على إمكانية الانشطار الذري وعلى إمكانية الاستفادة من الطاقة الذرية. وكانت هذه النتائج قبل نشرها أقرب منها إلى الخيال. وإن كان العلماء في أنحاء العالم تعاملوا في كل مختبراتهم مع هذه الظاهرة ، منذ أن اكتُشف الإشعاع الإصطناعي على أيدي الزوجي الفرنسي جوليوـ كوري والإيطالي أنريكو فيرمي.
العالم الألماني أوتو هان أجرى أبحاثه مع زميليه ليزه مايتنر وفريتس شتراسمان في مختبر بحىّ داليم في برلين. وبنتيجة الأبحاث والتجارب على الأشعة الإصطناعية التي أجروها في منتصف الثلاثينيات توصلوا إلى أنهم اكتشفوا عنصراً أثقل من اليورانيوم. وقد أطلق العلماء الألمان على العنصر الجديد الذي اكتشفوه لقب "ترانس يورانيوم" أى "اليورانيوم المتردد". وذهبوا إلى الاعتقاد بأن هذا العنصر الجديد يحتوي على عدد من الألكترونات يدور حول النواة يفوق العدد الموجود فعلاً في ذرة اليورانيوم. في بداية ديسمبر 1938 تلقوا رسالة من الثنائي جوليو ـ كوري من باريس تفيد بأنهما اكتشفا أيضا العنصر ذاته.
وبمواصلة الأبحاث توصل العلماء الألمان إلى أن الأمر لا يتعلق بعنصر أثقل من اليورانيوم وإنما إلى حقيقة مذهلة أخرى: أثناء إجراء التجربة انشطر اليورانيوم ذاته إلى عنصرين: الباريوم ووزنه الذري 137 والكريبتون ووزنه الذري 82. وكانت هذه أول مرة في التاريخ ترصد فيها عملية الإنشطار الذري عمليا.
وكان التعاون بين الكيميائي الخبير في الأشعة أوتو هان وبين الفيزيائية ليزه مايتنر مثاليا ومتكاملا. وهى بسبب جذورها اليهودية اضطرت إلى الهجرة من ألمانيا عام 1938. وقد أخبرت العالم الدانمركي نيلز بور اعتقادها بأن الانشطار يصاحبه انطلاق طاقة كبيرة. وعندما اكتشف أوتو هان مبدأ الانشطار وأعلنه، لم يكن أحد قد فكّر بعد في استغلال ذلك لصنع القنبلة الذرية. لكن الاكتشاف العلمي جعل الأمر ممكنا. ومع الاكتشاف الأول توصل أوتو هان إلى اكتشاف آخر، هو التفاعل الذري المتسلسل. وهذا أدى بدوره إلى صنع القنبلة الذرية.
وفي نهاية الحرب العالمية الثانية أسرت قوات الحلفاء العالم أوتو هان. وبعد إطلاق سراحه نال عام 1946 جائزة نوبل للكيمياء.
وقد ذكر العالم الألماني كارل فريدريش فون فايتسيكر أن أوتو هان أصيب بالذهول والأسى عندما علم أن القنبلة الذرية قد ألقيت على هيروشيما عام 1945. لم تكن القنبلة من صنعه. صنعها الأمكريكيون بإشراف العالم أوبنهايمر. لكن نظريات أوتو هان ساهمت في جعل صنع القنابل الذرية أمراً ممكنا.
غير أنه في عام 1957 وقع أوتو هان بالاشتراك مع سبعة عشر عالما عالميا، من بينهم ماكس بورن وفيرنر هايزنبيرغ وكارل فريدريش فون فايتسيكر ما أطلق عليه "بيان غوتنغن" الذي عارض بحدة موضوع التسلح النووي. وظل أوتو هان معارضا شديدا للتسلح النووي حتى وفاته في غوتنغن عام 1968 عن تسعة وثمانين عاما.