اﻻسْتِسْقَاء طَلَبْ السُّقْيَا، عندَ تَأَخُّر المَطَرْ، وحُصُول القَحْطْ والجَدْبْ، يُشْرَع للمُسْلِمينْ أنْ يَخْرُجُوا؛ لِيَطْلُبُوا من الله -جلَّ وعﻼ- أنْ يَسْقِيَهُمْ، يُشْرَعْ لهُم ذلك؛ لكنْ اﻻسْتِسْقَاء طَلَب ودُعاءْ؛ فليَحْرِصْ كُلّ مُسلِم؛ أنْ يكُون مُجَاب الدَّعْوَة؛ لِيَنْكَشِفَ ما بِهِ، أمَّا أنْ يُزَاوِلْ المَعاصِي والمُنْكَرَاتْ، وتَكْثُرُ عندَهُ موانِعْ قبُول الدُّعاء، وﻻ يَبْذُلُ من أسْبَابِ القَبُولِ شيْئاً، هذا اﻷمَلُ فيهِ ضَعِيفْ، وإنْ كانَ الرَّبُّ -جلَّ وعﻼ- أكْرَمُ اﻷكرمِينْ، وأَجْوَدُ اﻷجْوَدِينْ؛ لكنْ يَبْقَى أنَّهُ أمَرَنا بِبَذْلِ اﻷسْبَابْ، وكَلَّفَنا باجْتِنَابْ المَوانِعْ التِّي تمنَعْ من قَبُول الدُّعاء، جاء في سُنَنْ ابن ماجه بِسَنَدٍ ﻻ بأسَ بِهِ حَسَنْ منْ حَدِيثْ ابن عُمر أنَّ رسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمْ-:((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ المِكْيَال والمِيزَانَ؛ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينْ، وشِدَّة المَؤُونَة وجَوْر السُّلْطَانِ عَلَيْهِم, ولَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاء))فهل اسْتَشْعَر التُّجَّار مثل هذا الخَبَر؟!((ولَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاء))ومعَ اﻷسَفْ إنَّ كثيراً من النَّاس يَتَصَوَّر أنَّهُ ليسَ بِحَاجة إلى مطر! الذِّينَ يَحْتاجُون المَطَرْ يَسْتَسْقُونْ! منْ أهلِ البَوادِي والمَزَارِع وغيرِهِم! هذا خطأ، هذا خَلَلْ، وما يُشَاعْ ويُذَاعْ ويُعْلَنْ منْ نَقْصٍ في المِيَاه الجَوْفِيَّة أَمْرٌ مُخِيفْ، فَﻼ بُدَّ من بَذْلِ اﻷسْبَابْ الحِسِيَّة والمَعْنَوِيَّة؛ لِتَدَارِكِ الوَضْع، وإﻻَّ هُم يَذْكُرُون في تَقَارِيرِهِم أَشْيَاءْ مُذْهِلَة، ومع ذلك ومع كَثْرَة ما يَسْمَع النَّاس تَجِد اﻹسراف الشَّديد في الماء، وقد نُهِينا عن اﻹسراف، إسْرَافْ شَديد في المَاء، وعلى النَّاس جميعاً أنْ يَقْتَصِدُوا في جَمِيع أُمُورِهِم؛ بحيث ﻻ يُضَيِّقُون على أَنْفُسِهِم وﻻ على منْ تَحْتِ أَيْدِيهِمِ، ويَحْفَظُوا هذهِ الثَّرَواتْ، يعني المَاء كَوْنُهُ بِأَرْخَصِ اﻷثْمَانْ، هل يعني هذا أنَّهُ غير مَتْعُوبٍ عليه؟!! مَتْعُوب عليه؛ لكن منْ نِعَم الله -جلَّ وعﻼ- أنَّهُ كُلَّمَا كانتْ الحَاجَة إلى الشَّيْءِ أشَدّ؛ كانَ ثَمَنُهُ أقلّ؛ رِفْقاً بالنَّاس؛ ولِذا تجدُون يعني أرْخَصْ ما يُباع من الكُتُب الضَّرُوريَّات ﻷهلِ العلم وطُﻼَّبِ العِلْم، فَتَجِدْ على سَبِيل المِثَال، ولَيْسَت المَسْألَة مُقَايَسَة باﻷقيام أو مُقَدَّرَة باﻷَثْمَانْ المُصحف، أَرْخَصْ ما يُبَاع المُصْحَفْ، ثُمَّ شُف حاجَة عَامَّة النَّاس مَثﻼً إلى رِياض الصَّالِحينْ، أو إلى تفسِيرْ ابن كثير، أو إلى صحيح البُخاري مِنْ أَرْخَصْ ما يُبَاعْ، وكُلّ ما يَحْتَاجُهُ عُمُومُ النَّاسْ تَجِدُهُ أَرْخَصْ شَيْءْ، منْ أَرْخَصْ اﻷُمُور المَاء، والمِلْح والتَّمر، أُمُور ضَرُورِيَّة؛ لكنْ تعال إلى اﻷُمُور التِّي ﻻ يَحْتَاجُها عَامَّة النَّاسْ الكماليَّاتْ أغلى الكُتُب كُتب الرَّحﻼت والذِّكْرَيات، هذهِ أغْلَى الكُتُب، ثُمَّ انْظُر إلى مَا فِي أسْواق النَّاس منْ السِّلَع التِّي تُبَاع تَجِدْ الكَمَالِيَّات بِأَغْلَى اﻷثْمَانْ والضَّرُورِيَّاتْ رَخِيصَة -وللهِ الحمد-، وهذا من لُطْفِ الله -جلَّ وعﻼ-؛ ﻷنَّ الضَّرُورِيَّاتْ يَحْتَاجُها النَّاس كُلُّهُمْ، بِخِﻼف الكماليَّات، فﻼ بُدَّ من اسْتِشْعار هذا، ﻻ بُدَّ أنْ نَعْرِفْ أنَّنَا بِحَاجَةٍ مَاسَّة إلى المَاءْ، وأنَّهُ ﻻ يُمكن أنْ يَعِيش أَحَد بِدُونِ مَاء{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[اﻷنْبِيَاء/30]، وعلى كُلِّ إنْسَانْ أنْ يُؤَدِّيَ ما عليهِ، يَسْعَى بِصَﻼحِهِ وصَﻼح نَفْسِهِ، وصَﻼح من تحت يَدِهِ، يَحْرِصْ على اﻻقْتِصَادْ في المَاء، وﻻ بُدَّ من هذا، التُّجَّار أيضاً عليهم أنْ يُساهِمُوا فِي رَفْعِ الشِّدَّة بأدَاءِ الزَّكَاة((ولَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاء))والبَلد فيهِ خَيْرَات وللهِ الحَمْد، وفيهِ أموال ولو أُدِّيت الزَّكَاةُ بِدِقَّة احْتِمَال أنْ ﻻ يُوجَدْ فَقِير في البَلَدْ، يمكن ما يُوجَد فقير في البَلَد لو أُدِّيَتْ الزَّكَاة على الوَجْه المَطْلُوب، واللهُ المُسْتَعَانْ. أيْضاً على النَّاسْ أنْ يَنْصَحُوا،((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ المِكْيَال والمِيزَانَ؛ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينْ، وشِدَّة المَؤُونَة))هذا منْ النُّصْحْ للمُسْلِمينْ؟! هذا من الغِشِّ لَهُم،((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ المِكْيَال والمِيزَانَ))يعني تَصَوَّر قبل سِنِينْ يمكن قبل عِشْرِينْ سَنَة وُجِد جَزَّار فيهِ حَبْل يَرْبِط بِهِ كِفَّة المِيزَانْ بإصْبَع رِجْلِهِ؛ فإذا وَضعْ قِطْعَة من اللَّحم جَرَّ الحَبْل! فرَجَحَتْ!!! هذا على خَطَرٍ عظيم نَسْأَلْ الله العَافِيَة((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ المِكْيَال والمِيزَانَ)){وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}[المُطَفِّفِينْ/1]وَيْلْ: وَادٍ في جَهَنَّم نَسْأَلْ الله العَافِيَة، جَاء في وَصْفِهِ انَّهُ لو سُيِّرَتْ فيهِ جِبَالُ الدُّنْيَا لَذَابَتْ!{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}[المُطَفِّفِينْ/1]، وهذا يَرْبط كِفَّة المِيزَانْ بحبل، فإذا وَضَع قِطْعة جَرَّ الحَبْل! فَرَجَحَتْ الكِفَّة نَسْأَلُ الله السَّﻼمة العَافِيَة،((إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينْ))ويُﻼحظ على مِثْل هذا أنَّهُ يَعِيشُ فَقِيراً! يعيش فَقِير مثل هذا! وهذا وَاقِع هذا الرَّجُلْ إلى أنْ ماتْ! نَسْأَلُ الله السَّﻼمة العَافِيَة، مَسْأَلَة الغِشّ مُشْكِلة أيْضاً((مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنَّا))، وفي رِواية:((مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا))،((مَنْ غَشَّنا))يعني غَشَّ المُسْلِمِينْ، و((مَنْ غَشَّ))يَشْمَل المُسْلِمينْ وغير المُسْلِمينْ،((إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينْ، وشِدَّة المَؤُونَة))كثِير من النَّاسْ يَعِيشْ في ضِيقْ، وعِنْدَهُ الدُّخُول العَظِيمَة! عِنْدَهُ رَاتِبْ كثيرْ؛ لكنْ نَقَصْ، يقول أنَا ما نَقَصْتْ ﻻ مِكْيَال وﻻ مِيزَان! أنت طَفَّفْتْ في وَظِيفَتِكْ، ما أَدَّيْت العَمَل على الوَجْه المَطْلُوب، مَا أعْطَيْتْ العَمَلْ حَقَّهُ؛ فَتُبْتَلَى بالدُّيُونْ وهذا نُوع من شِدَّة المَؤُونة، كَوْن الرَّاتب إذا جَاءْ ﻻ يَسْتَمِر ﻻ يُوم وﻻ يُومين هذهِ شِدَّة المَؤُونة، على كُلِّ حَال، على كُلِّ إنْسَانْ أنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ، وأنْ يُقدِّم ما يَكُونُ فيهِ فَرَجْ لَهُ ولِغَيْرِهِ.