2-1- الغلاف الجوي ( الهواء):
يمثل الغلاف الجوي محيطا عظيما من الهواء يناهز ارتفاعه حوالي 10000 كم (1) وترى دراسات أخرى أنه يصل حتى 30000 كم (2)، ومن الأكيد أنه لا يوجد هواء بعد ارتفاع 32000 كم لأنه عند ذلك الارتفاع تتفوق قوة الطرد المركزية المتولدة من دوران الأرض حول نفسها على الجاذبية الأرضية(3). لكن مؤخراً بينت قياسات الأقمار الصناعية أن ارتفاع الغلاف الجوي يصل إلى نحو 64400 كم فوق سطح البحر(4)، وذلك بعد اكتشاف بعض ذرات غازية من الغلاف الجوي موجودة عند هذا الارتفاع. ومع ذلك فإن حوالي 99.99997 % من الغلاف الجوي يقع دون ارتفاع 100 كم، ويزيد حجمه عن 5 ×2110 م3. وتقدر كتلته بحوالي 5.14×1510 كيلوغرام (5).
يغلف الغلاف الجوي سطح كوكب الأرض مالئا فراغاته وفراغات الأجسام والمواد الأخرى الموجودة عليه كلها مهما كانت كبيرة أو صغيرة أو دقيقة. ويعد الغلاف الجوي جزءا لا يتجزأ من الأرض نفسها, ويرتبط بها بقوة جاذبيتها. وعلى الرغم من أننا نحن البشر والمخلوقات الحية الأخرى نعيش على سطح الأرض قابعين في قعر هذا المحيط الهوائي العظيم، معتمدين عليه في استمرار حياتنا, لا نشعر عادة بوجوده, لأننا لا نستطيع رؤيته ولا تذوقه ولا شمه. مع ذلك يشكل الغلاف الجوي جسما ماديا يمكن تتحسسه والشعور بوجوده حين نتحرك خلاله راكبين دراجة أو سيارة أو قطارا. كما يشعرنا الغلاف الجوي بوجوده وبقوته أحيانا، حين يهب الهواء من حولنا منعشا نفوسنا لافحا وجوهنا محركا ثيابنا ومحركا أغصان الأشجار وأوراقها, حانيا رؤوسها, ومداعبا ستائر النوافذ, وجاعلا الأعلام خفاقة في السماء, أوحين تهب الرياح محملة بالغبار والأوراق والأتربة والرمال المتطايرة من حولنا. وأحيانا يزيد الغلاف الجوي من تأكيد وجوده, عندما تثور العواصف القوية العاتية مزمجرة مطبقة على الناس وممتلكاتهم مقتلعة الأشجار وسقوف المنازل وأعمدة الهاتف والكهرباء, مدحرجة السيارات, قاذفة بالناس والحيوانات فوق سطح الأرض. إذن يشكل الغلاف الجوي جسما ماديا يمكن تتحسسه والشعور بوجوده لكنه لا يرى.
تدل الدراسات(3، 6) أن الأرض وجدت منذ 4.5 بليون (جيجا) سنة وتكًًًًًًًًًًًًوََََََََََن لها في الوقت نفسه غلاف جوي بدائي، مؤلفا أساسيا من بخار الماء. وبحوالي 3.3 بليون سنة مضت تكاثف بخار الماء مشكلا المحيطات والبحيرات والأنهار. وبدأ غلاف جوي جديد بالتشكل من الغازات المنطلقة عبر شقوق القشرة الأرضية والبراكين من الغازات المحتجزة ومن المواد الثقيلة المنصهرة في باطن الأرض. ويعتقد أنه كان مؤلفا من حوالي 80% بخار الماء (H2O) و12% من ثاني أكسيد الكربون (CO2) و6% من ثاني أكسيد الكبريت (SO2). وقد دخل معظم غاز ثاني الكربون في تركيب الصخور الكلسية والدلومتية.
ومع أن الأكسجين لم يظهر كغاز في الغلاف الجوي، لكن الدلائل تشير أنه كان موجودا منذ 1.9 بليون سنة خلت في مركبات فلزات الصخور الملونة باللون الأحمر والبني الناتجة عن أكسدة الحديد. لكن ما زال غير مؤكد كيف ظهر الأكسجين في الغلاف الجوي ومتى.
والحقيقة يوجد عدة آليات يمكن أن يكون الأكسجين قد وجد بواسطتها في الغلاف الجوي. فقد يكون قد تشكل عن التفكك الضوئي لجزيئات بخار الماء الناتج عن البراكين بوساطة الأشعة الشمسية (SR):
2H2O + (SR) → 2H2 + O2
أو تشكل عن طريق عمليات التمثيل الضوئي التي يشارك فيها كل من الماء وثاني أكسيد الكربون والأشعة الشمسية الضوئية (LSR)، المنتجة للهيدروكربونات (CH2O)، الجارية في بعض البكتيريات، منذ ثلاثة بلايين سنة قبل الآن، وأوراق النباتات، منذ بليونين سنة قبل الآن، التي كانت تعيش وتنمو كلها في المياه عند أعماق تتراوح بين 3-10م بعيدا عن متناول الأشعة الشمسية فوق البنفسجية المدمرة للحياة العضوية النباتية والحيوانية:
H2O + CO2 + (LSR) → (CH2O
ويعتقد أنه بحوالي 1.6 بليون ) + O2
سنة مضت كان تركيز الأكسجين في الغلاف الجوي يعادل حوالي 1% من تركيزه الحالي لأن معظم الأكسجين المتولد وقتئذ كان يدخل في عمليات أكسدة الحديد أو ينحل في مياه البحر. ومع تزايد المساحات النباتية وصل تركيز الأكسجين في الغلاف الجوي الى حوالي 10% من تركيزه الحالي قبل بليون سنة. وبتزايد تركيز الأكسجين تأمنت الحماية الكافية للحياة العضوية من الأشعة فوق البنفسجية، فازدهرت وترعرعت وساهمت بتزايد تركيز الأكسجين الى أن وصل الى مستوى كاف لظهور حياة نباتية على اليابسة حوالي 400 مليون سنة قبل الآن، ووصل لتركيزه الحالي في الغلاف الجوي منذ 300 مليون سنة قبل الآن.