ومشيئة المخلوق مخلوقة، والله هو الخالق لها. وهي للعبد كسبًا وفعلاً يؤاخذ عليه بها.
ولذا قلنا: ما خلق الله فيه.
والمعتزلة يقولون: مشيئة العبد مخلوقة، ولكن الخالق لها هو العبد.
وعكسهم الجبرية: فليس للعبد عندهم فعل ولا اختيار.
المسألة الثالثة: حكم قول: «ما شاء الله وشئت».
تنقسم إلى قسمين:
الأول: أن يعتقد أن مشيئة العبد مثل مشيئة الله بالتصرف، فهذا شرك أكبر قال تعالى: ]إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[ [الشعراء: 98].
الثاني: أن يعتقد أنها أقل من مشيئة الله لكن عطفها على مشيئة الله بالواو، فهذا شرك أصغر، وهذا هو المقصود في هذا الباب، ويدل عليه أحاديث الباب.
سبب كونه شرك أصغر: لأن الواو تقتضي العطف أو المساواة بالمشيئة، ومعروف أن مشيئة المخلوق رتبتها بعد مشيئة الله.
الحديث الأول:
قتيلة: هذه صحابية.
أتى: إتيان عيب وقدح لا من باب النصيحة.
قال إنكم: الخطاب للمسلمين، وأكد ذلك بـ"أن" مما يدل على أن اليهود يعرفون الشرك، فليس عندهم جهل لكن عندهم عناد.
وانتقد المسلمين بمسألتين كلتيهما من الشرك:
الأولى: التسوية بين الله والمخلوق في لفظ المشيئة.
الثانية: الحلف بغير الله.
فأمرهم: الأمر" طلب الفعل على وجه الاستعلاء.
إذا أرادوا أن يحلفوا: أي إذا حلفوا.
الشاهد: «وأن يقولوا ما شاء الله وشئت».
ووافقه النبي r على أن قول ما شاء الله وشئت أنه من الشرك، ولكنه هنا من
الشرك الأصغر لأمرين:
1- نظرًا لاعتقاد الصحابة.
2- قوله r في الحديث الثالث: كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم، ولو كان من الشرك الأكبر لما تردد r لأن الشرك الأكبر معروف النهي عنه.
قول: «ما شاء الله ثم شئت»:
هذه أحدى الصور، وصورها ثلاثة:
أكملها أن يقول: ما شاء الله وحده، وهذه جاءت في الحديث الثاني والثالث.
الصورة الثانية: أن يقول: ما شاء الله ثم شئت، وهذه هي الصيغة الواجبة لقوله: «فأمرهم أن يقولوا ما شاء الله ثم شئت».
الصورة الثالثة: ما شاء الله وشئت وهذه حرام.
مناسبة الحديث: قول ما شاء الله وشئت إذا لم يكن فيها اعتقاد أنه مساوٍ لله فإنه من الشرك الأصغر.
رواه النسائي وصححه: وهذا حكم على الحديث بالصحة.
وله: أي النسائي.
ما شاء الله وشئت: عطف بالواو.
أجعلتني لله ندًا: مثيلاً ومساويًا لله، وهذا من باب الإنكار على هذا القائل.
وأرشده النبي r هنا إلى أفضل الصيغ وهي أن يقول «ما شاء الله وحده».
وجه مناسبة الحديث: أن قول: ما شاء الله وشئت من جعل لله ندًا، لكنه ليس أكبر لقوله في الحديث بعده: كان يمنعني كذا وكذا، وبالنظر أيضًا إلى حال الصحابة فما كانوا يسوون بين الله وخلقه في المشيئة، فيكون من باب شرك الألفاظ.
الحديث الثاني:
رأيت: هذه رؤيا منامية لقوله في آخر الحديث «كأني ...».
إنكم لأنتم القوم: هذا فيه إشكال؛ لأنه أسلوب مدح، لمنه لم يقصد المدح هنا لوجود مانع يمنع من مدحهم، ومعنى الكلام: لولا أنكم تقولون: عزيرٌ ابن الله لنعم القوم أنتم.
النصارى: سماهم نصارى، وهذا اسمهم في الكتاب والسنة، ومن الخطأ تسميتهم مسيحيين.
فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت: فيه جواز الإخبار بالرؤيا.
ثم أتيت النبي r فأخبرته: فيه اعتناء الرسول r بالرؤيا لأنها من أقسام الوحي.
فحمد الله: أي خطب الناس وحمد الله: أي قال: الحمد لله.
الثناء: تكرار المحامد والأسماء والصفات.
أما بعد: هذه كلمة تُقال إذا أراد أن يدخل في الموضوع.
كان يمنعني كذا وكذا: جاء عند أحمد: كان يمنعني الحياء.
والحياء المانع هنا: ليس الحياء المانع من الحق ولكن الحياء من الله؛ لأنه لم يؤمر بشيء، فكان يكرهها في نفسه، ولكن كان يستحيي من الله أن يتقدم وينهى عنها قبل أن يأمره الله، فلما جاءت الرؤيا تقرر عنده النهي؛ لأن الرؤيا كانت من الوحي حيث أقره النبي r عليه.
أن أنهاكم: أي أحرّم عليكم.
فلا تقولوا: لا: ناهية والنهي يقتضي التحريم.
ما شاء الله وشاء محمد: يدل على أن هذه الصيغة محرمة، ولم يذكر هنا الصلاة والسلام مما يؤيد القول بعدم الوجوب.
ولكن: للاستدراك.
قولوا: ظاهر الأمر أن صيغة «ما شاء الله وحده» واجبة، وليس كذلك؛ بل الأمر هنا للاستحباب.
والصارف هو: حديث قتيلة: «فأمرهم أن يقولوا ما شاء الله ثم شئت».
مناسبة الحديث: أن قول ما شاء الله وشاء فلان أو محمد من الشرك الأصغر.
باب من سب الدهر فقد آذى الله
وقول الله تعالى: ]وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ[ [الجاثية: 24] الآية.
في الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي r قال: «قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار» وفي رواية: «لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر».
قال الشارح:
المسألة الأولى:
هذا الباب يتعلق بتوحيد الربوبية وتعظيم الله سبحانه وتعالى. وهذا هو الباب الخامس.
المسألة الثانية: شرح الترجمة:
السب: هو الشتم والتقبيح وهو غير اللعن، وإن كان اصطلاح العوام أن السب هو اللعن.
مثال السب: أن يقول: قبّحه الله، أو يذكر فيه صفات قبيحة.
الدهر: يقصد به الزمان والليل والنهار.
فقد: الفاء واقعة في جواب الشرط.
آذى الله: أي أن السب يؤذي الله عز وجل لكن لا يضره، وهناك فرق بين الأذية والضرر. فهم يؤذون ولكن لا يضرون. قال تعالى ]لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى[ [آل عمران: 111]، ]إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[ [الأحزاب: 57] ومن سمع ما يكره فإنه يتأذى به.
المسألة الثالثة: لماذا مسبة الدهر أذية لله؟
لأنه يُنافي تعظيم الله، وفيه اعتراض على الله فيما أوجد في الدهر من الحوادث.
المسألة الرابعة: حكم سب الدهر؟
ينقسم إلى ثلاثة أقسام: