ماهي تلك اللحظة التي تفصل مابين الروح والجسد فيصير الجسد روحاً ؟
لحظة تقرر فيها انك ستترك خلفك سرباً من الذكريات والحكايا والكلمات .
كل شيء صار جاهزاً . درس التفاصيل بدقة وحب , الطريق لم تكن طويلة هي ذاتها التي كان يقطعها ذهاباً و إياباً , البيوت المتعانقة بوصال قلًّ نظيره , يدق الباب ويفر هارباً هذه المرة سيقف ثابتاً كجبل " الجبال أوتاد الأرض " حجارة الطريق الحواجز المزروعة بين مفرق وثان , الوجوه , الأصحاب , الرفاق , المظاهرات , الإعتصامات ستغدو كانت وكان .
حقيبته الغالية , كتبه وأقلامه التي كان يضيِّعها فتوبخه الوالدة لذلك قبل سنوات قليلة .
مرة وحين كان صغيراً حلم بفرشاة وعلبة ألوان ليرسم كوخاً ومدخنة وغيمة و شمساً فوق تلال تغيب وقطيعاً وفلاحاً وبيارة و كرماً .
أراد أن يرسم نهراً وجسراً وأشجار وورد وبعض الأقحوان , حديقة يلعب فيها الصغار وأرجوحة وحصاناً خشبياً ودالية تتسلق جداراً متهادياً و جدّةٌ تطرز شالاً تتدثر به في لياليها القارسة وأمهات وجارات على شرفات بيوت عاتمة ينتظرن غائباً لن يعود , وحارة و مدرسة تشرَّع أبوابها وشارعاً ورفاقاً و بالونات حمراء ... بيضاء ... خضراء.
لم يكن يومها ماهراً بالرسم مزق ما رسم وفكر بشيء أجمل و أوسع , غني .. فتي يحبه نقياً بهياً يستفيق مع العصافير يلحق بركب السيارات ويعود معفراً يشرب شايه وينام باكراً يركض حافياً في حقول الفراشات يتخذ الأرض بساطاً ويغني بعلو صوته " العتابا والميجنا " .
قرر أخيراً أن يرسم كوخاً ومدخنة وغيمة وشمساً ونهراً وجسراً وبيارة وكرماً , لكن و قبل
أن يبدأ أتوا ليسرقوا الفرشاة وعلبة الألوان , ومن يومها ترك الرسم جانباً ومضى .
9/9/2006