أنه قال لابنه: فيه تعليم الابن للعقائد والأحكام، وأن مسئولية ذلك تقع على الأب قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[ [التحريم: 6].
كيفية الإيمان بالقدر؟ أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
ثم قال: سمعت رسول الله r: فيه استحباب ذكر الحكم مع دليله.
قوله "أول": ليست أولية مطلقة، فالصحيح أن العرش خلق قبل القلم وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم، ويدل عليه قوله تعالى: ]هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ[ [هود: 7] وحديث البخاري: «كان الله ولا شيء قبله» وفي رواية: «ولا شيء معه، وكان عرشه على الماء».
القلم: الألف واللام للعهد، ويقصد به القلم العام. وهناك قلم خاص وهو قلم التكليف، وهو يكتب على من ظهرت عليه إحدى علامات البلوغ، كما جاء في الحديث «رفع القلم عن ثلاثة».
وما ذكره عبادة بن الصامت إحدى مراتب القدر وهو مرتبة الكتابة، والقدر أربعة مراتب:
الأولى: العلم. الثانية: الكتابة.
الثالثة: المشيئة. الرابعة: الخلق والإيجاد.
فقال له: اكتب: هذا أمر.
فتكلم القلم وقال: ربي وماذا أكتب.
مقادير: جمع مقدار، والمقصود أن يكتب كل شيء إلى يوم القيامة.
وهناك كتابات أخرى غير هذه الكتابة؛ إلا أنها تستند إلى هذه الكتابة، كلها كتابات نسخ ونقل من اللوح المحفوظ مثل:
1- الكتابة العمرية: وهي أن الملائكة تكتب إذا تخلق الجنين ونفخ فيه الروح، تكتب رزقه وأجله وعمله والشقاوة والسعادة، كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في الصحيح.
2- الكتابة السنوية: وهي ما يكتب في ليلة القدر، وهو ما قدره الله مما يكون في هذه السنة. قال تعالى: ]فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ[ [الدخان: 4].
3- كتابة يومية: وهو سوق المقادير إلى المواقيت التي قدرت لها، وهو التطبيق العملي والواقعي للكتابة السنوية. قال تعالى: ]كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ[ [الرحمن: 29].
كل شيء: شيء نكرة فيدل على أن كل شيء مكتوب.
حتى: لانتهاء الغاية حتى تقوم الساعة.
وهل له مفهوم مخالفة بمعنى أن ما بعد الساعة غير مكتوب؟
أما أن الله علمه وشاءه فهذا لا إشكال فيه، وأما الكتابة فتحتاج إلى تأمل.
يا بني سمعت رسول الله r: هذا دليل آخر، ففيه ذكر أكثر من دليل للمسألة الواحدة.
الحديث الثاني: أتيت أبي بن كعب، فقلت: في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي، فقال: «لو أنفقت مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار».
في نفسي شيء من القدر: هذا فيه عرض الشبهات على العلماء وطلب كشفها.
من القدر: "أل" هل هي للعموم؟ بالنظر إلى حاله يدل على أنه في بعض مراتب القدر؛ خصوصًا ما يتعلق ببعض أفعال العباد.
فأتيت عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت:
فيه جواز استفتاء عدد من العلماء في المسألة الواحدة إذا كان من باب التوثيق وإزالة ما في النفس، حتى يطمئن إلى الحكم الشرعي. أما إن عدّد للبحث عن الأسهل، أو ما يوافق هواه فهذا لا يجوز.
وفيه أنه يستحب للطالب أن ينوع المشايخ في المسائل العلمية، سواء باعتبار الكتاب أو باعتبار نوع العلم، وهذا يغفل عنه بعض الشباب وطلبة العلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة» [أخرجاه].
ولهما عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله r قال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله».
ولهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت رسول الله r يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم».
ولهما عنه مرفوعًا: «من صوّر صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ».
ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي عليّ: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله r؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته».
قال الشارح:
المسألة الأولى: علاقة هذا الباب بكتاب التوحيد:
أن المصور شابه الله بفعله لأن الله هو المصور، وهو المتفرد بالخلق والتصوير، فإذا عمل المصور صورة فقد جعل نفسه ندًا لله تعالى، وهو متعلق بتوحيد الربوبية قال تعالى: ]أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ[ [الأعراف: 54]، وقال تعالى: ]صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ[ [غافر: 64] ومتعلق بباب الأسماء والصفات خصوصًا اسم المصور فلا بد من إفراد الله بهذا الاسم.
المسألة الثانية: شرح الترجمة:
قوله باب ما جاء في المصورين.
المصورين: جمع مصور، وهو الذي عمل الصورة.
التصوير لغة: التخليق والتكوين والتجسيم والتشكيل، قال تعالى: ]هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ[ [آل عمران: 6].
اصطلاحًا: التخليق والتكوين والتجسيم والتشكيل لما فيه روح، هذا هو المحرم.
المصنف لم يذكر في الترجمة الحكم، وقوله «ما جاء في المصورين». أي: من الوعيد.
المسألة الثالثة: حكم المصورين:
على أقسام:
القسم الأول: أن يكون المصور يقصد بالصورة مضاهاة خلق الله، وهذا شرك أكبر في الربوبية وفي الأسماء والصفات؛ لأنه اعتقد مماثلة لله في الخلق والتصوير. قال تعالى: ]هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا[ [مريم: 65]، وهذا استفهام بمعنى النفي، وقال: ]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[ [الإخلاص: 4]،وقال تعالى: ]فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ[ [النحل: 74]، وقال: ]فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا[ [البقرة: 22] أما من السنة فالحديث الأول في الباب، والحديث الثاني: وهو حديث عائشة.
«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي»، والثاني: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله».
ولحديث عمر: «إنما الأعمال بالنيات»، وهذا القسم لا فرق بين ذوات الأرواح وغيرها، فلو رسم رجلا جبلاً مضاهئًا خلق الله فقد كفر كفرًا أكبر.
القسم الثاني: ألا يقصد المضاهاة لكن يصنع التماثيل من الأصنام والأوثان لكي تعبد ويسجد لها من دون الله، وهذا حكمه شرك أكبر في باب الألوهية؛ لأنه رضي بعبادة غير الله وساعد عليها، فيكون ساهم في الشرك قال تعالى: ]وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[ [المائدة: 2].
القسم الثالث: ألا يقصد المضاهاة، ولا يصنع الصور التي تعبد من دون الله، ولكن صوّر من باب العبث والنزهة، أو من باب التجارة والكسب، أو من باب الهواية، فهذا حكمه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب، وحكم المصور هنا فاسق، ويدل عليه الحديث الثالث والرابع والخامس في الباب.
بغض النظر عن نية الفاعل حتى ولو كانت نيته حسنة، كأن يتخذ هذه الصورة وسيلة للدعوة إلى الله أو للتعليم العادي.