رادارت الوطن العربي مركز الطقس للرصد الجوي (مباشر) مركز الطقس للأقمار الصناعيه (مباشر) البرق( مباشر )
العودة   الطقس > المنتديات العامة > المرصد العام
اسم العضو
كلمة المرور

المرصد العام للمواضيع العامة والنقاشات الحرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 09-18-2012, 12:33 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

باب قول الله تعالى
]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[ [النساء: 60] الآيات. وقوله: ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ[ [البقرة: 11]، وقوله: ]وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا[ [الأعراف: 56] الآية. وقوله: ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ[ [المائدة: 50] الآية.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله r قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» قال النووي: حديث صحيح، رويناه في كتاب "الحجة" بإسناد صحيح.
وقال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة؛ فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد -لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة- وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود -لعلمه أنهم يأخذون الرشوة- فاتفقا أن يأتيا كاهنًا في جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ[ الآية.
وقيل: نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي r، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة. فقال للذي لم يرض برسول الله r: أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله.
قال الشارح:
المسألة الأولى: موضوع هذا الباب.
هو الحكم والتحاكم إلى غير ما أنزل الله.
المسألة الثانية: علاقة هذا الباب بكتاب التوحيد.
لأن التحاكم والحكم ينافي توحيد الربوبية.
المسألة الثالثة: شرح الترجمة:

ألم: الاستفهام إنكاري.
تر: بمعنى تعلم.
إلى الذين يزعمون: أخبر عن إيمانهم بأنه زعم.
بما أنزل إليك: أي من الكتاب، ومثله السنة فحكمها مثل حكم الكتاب في وجوب الاتباع.
يريدون أن يتحاكموا: بمعنى يرغبون ويميلون، وهذه الكلمة لها دلالة عظيمة في فهم الآية، فمن أحب أو رغب في التحاكم إلى الطاغوت فهو ممن يزعم أنه آمن.
الطاغوت: صيغة مبالغة من الطغيان، وعرفه ابن القيم «كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع».
المسألة الرابعة: حكم التحاكم أو الحكم بغير ما أنزل الله؟
ينقسم إلى قسمين:
الأول: الشرك الأكبر وهو ستة أنواع:
1- أن يجحد حكم الله.
2- أن يحكم أو يتحاكم بغير ما أنزل الله على أنه أحسن من حكم الله.
3- أن يعتقد أنه مثل حكم الله.
4- أن يعتقد أنه يجوز التحاكم أو الحكم بغير ما أنزل الله.
5- وضع محاكم قانونية، أو وضع تشريعات تُخالف الشرع، وهذا خاص بالحاكم.
6- التحاكم إلى الأعراف والسلوم عند التنازع والخصومات، كما يفعل بعض أهل القبائل من التحاكم إلى رؤساء عشائرهم، وهذا خاص بالتحاكم.
القسم الثاني: كفر أصغر فهو كفر دون كفر، وهو أن يتحاكم أو يحكم في قضية معينة بما يُخالف الشرع من غير قانون أو تشريع أو عرف مع أنه يعرف أنه مخطئ وآثم.
وقولنا: القضية المعينة خرج بها لو كان هذا ديدنه، أو يغلب عليه الحكم بغير ما أنزل الله ولو كان اعتقاده سليمًا وخرج القضايا العامة التي تشمل الناس أو أكثرهم.
مثال ذلك: لو أن قاضيًا عرض عليه سارق فحكم بأن السرقة حرام وعاقب السارق بالقطع، وهذا هو الغالب على أفعاله، لكن قد يعرض عليه سارق معين فنظرًا للصداقة

التي بينهما أو لمنفعة ولنحو ذلك يترك الحكم عليه بالقطع، ويلتمس له المعاذير كي يفلت من العقوبة، فيكون حكمه بأن السرقة حرام وحكمه بالقطع لأغلب السراق، فهذا يدل على أن اعتقاده سليم، وحكمه على هذا السارق المعين بعدم القطع يعتبر كفرًا دون كفر بشرط أن يعترف أنه مخطئ ولم يحكم بناء على قانون أو نظام أو تعميم ونحوه.
وقد أمروا أن يكفروا به: أمروا: مبني للمجهول، والآمر هو: الله ورسوله.
يكفروا به: أي الطاغوت.
والكفر بالطاغوت مرَّ علينا في تفسير التوحيد. أي قلبًا ولسانًا وجوارحًا.
ويريد الشيطان: أل للعموم، شيطان الإنس والجن.
المسألة الخامسة: متى لا يكفر من تحاكم أو حكم بغير ما أنزل الله؟
إذا اجتمعت فيه شروط:
1- أن يكون اعتقاده سليمًا، يرى وجوب التحاكم ويشعر أنه عاصٍ.
2- أن يكون في المسائل القليلة، أما إن كان ديدنه التحاكم أو الحكم بغير الشرعية فهذا يكفر.
3- أن لا يكون عن قانون أو عرف أو تعميم.
4- أن يكون في القضية المعينة وليس عامًا.
والإنسان إذا توفر فيه شيئًان: إرادة جازمة، وقدرة كاملة، تحقق الفعل بإذن الله، وإن لم يتحقق الفعل فلضعف الإرادة أو وجود العجز.
المسألة السادسة: إذا أكره على التحاكم على القوانين فهل يكفر؟
الجواب: لا يكفر بشرطين:
1- أن يعتقد بطلان ما تحاكم إليه، ويكون قلبه مطمئنًا بالإيمان.
2- أن يكون الإكراه ملجئًا.
وقوله تعالى: ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ[ [البقرة: 11].
الإفساد في الأرض ينقسم إلى قسمين:
1- إفساد حسي، كهدم البيوت والتخريب.

2- إفساد معنوني، ويكون بالمعاصي أو الكفر، ويكون بالحكم أو التحاكم إلى غير ما أنزل الله.
مناسبة الآية: أن التحاكم إلى غير ما أنزل الله من أكبر الفساد في الأرض.
وقوله تعالى: ]وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا[ [الأعراف: 56].
هذه الآية بنفس معنى الآية التي قبلها.
وقوله تعالى: ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ[ [المائدة: 50].
الهمزة: هنا للتوبيخ.
الجاهلية: نسبة حال، مأخوذة من الجهل والجهالة.
والجاهلية: هي ما خالف الشرع باعتبار الأحكام، وهي مأخوذة من الجهالة، وهي المخالفة مع العلم أو عدم العلم وهو الجهل.
عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به».
الحكم على الحديث: المصنف نقل تصحيح النووي.
والقول الثاني: أنه ضعيف؛ وممن ضعّف الحديث ابن رجب في جامع العلوم؛ إلا أن ضعفه غير شديد، ويعضده قوله تعالى: ]فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ...[ [النساء: 65].
لا يؤمن: لا: نافية.
يؤمن: الأصل في النفي أن يُحمل على نفي الوجود، فإن تعذر فيحمل على نفي الوجود الشرعي وهو الصحة، فإن تعذر فيُحمل على نفي الكمال الواجب، وهنا يُحمل على نفي الكمال الواجب.
لا يؤمن: إيمانًا كاملاً كما قال الشارح ابن قاسم، ويدل عليه حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن».
والزاني ليس هواه في هذه المسألة تبعًا لما جاء به الرسول r، كقوله تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[ [النساء: 48].
أما إن كان كارهًا لما جاء به الرسول؛ فهذا يكفر، ولذا من نواقض الإسلام بغض ما جاء به الرسول.

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 09-18-2012, 02:24 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

قول الشعبي: ذكر المصنف هذا القول بأنه سبب نزول الآية الأولى.
رواه ابن جرير وابن المنذر؛ إلا أن هذا السبب ضعيف الإسناد؛ لأن فيه انقطاعًا.
السبب الثاني: قال المصنف: وقيل نزلت في رجلين.
قيل: صيغة تمريض.
والقول الثاني أضعف من القول الأول؛ بل حكى بعض أهل العلم أنه موضوع؛ لأنه من طريق الكلبي وهو كذّاب، والشارح ابن قاسم قَبِل هذه الرواية على أنها سبب نزول وقال: إنها مشهورة متداولة تغني عن الإسناد.
ولكن الصحيح في سبب نزول هذه الآية ما أخرجه الطبراني والواحدي عن ابن عباس: أنا أبا بردة الأسلمي الكاهن كان يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه نفر من المسلمين فنزلت هذه الآية. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
لو قال قائل: إن النفر من المسلمين الذين تحاكموا إلى الكاهن ظاهره أنهم كفروا بالتحاكم مرة؟
الجواب: ليس الكفر لأنه مرة هنا، ولكن لأنهم فعلوا التحاكم مختارين، كما قال تعالى: ]يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا[ [النساء: 60] والإرادة دليل الاختيار.
ومن رغب وأحب الطاغوت وتحاكم إليه فإنه يكفر.
مسائل:
الأولى: التحاكم إلى الهيئات الدولية "كمحكمة العدل الدولية" أو "هيئة الأمم" أو غيرها من المحاكم الإقليمية.
فحكم التحاكم إليها كما مر علينا في حكم التحاكم إلى غير ما أنزل الله، فالتحاكم إليها مختارًا كفر أكبر مخرج من الدين.
الثانية: التحاكم إلى الغرفة التجارية والمحاكم المرورية ومكتب العمل والعمال.
أما نظام العمل والعمال فقد انتقده بعض العلماء كالشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى، ويذكر أن الشيخ ابن حميد له رسالة فيه. ومن الانتقادات على هذا النظام: أن دية المهندس أكثر من دية العامل، وهذا يُخالف صراحة شرع الله إلى غير ذلك؛ خصوصًا في مسائل الديات، فإذا كانت كذلك فالتحاكم إليها كما مر علينا مختارًا عالمًا

فإنه كفر اكبر.
أما الغرفة التجارية فقد تكلم فيها الشيخ ابن إبراهيم في الفتاوى في جزء القضاء، وأنكر هذه الغرفة، واعتبرها محكمة ينظر في أنظمتها، أما حكمها فباعتبار الواضع لهذه القوانين فإنه يكفر بمجرد الوضع، وأما المتحاكم إليها مختارًا عالمًا فإنه يكفر كفر ردة.
الحقوق المدنية: الذي أعرف عنها أنها تهتم بالصلح بين المتخاصمين، فإذا تخاصم اثنان حاولوا إجراء الصلح بينهما، وإن كان هناك شروط ألزموا بها لأنها جهة تنفيذية، فهذا جائز؛ بشرط ألا يخالف هذا الصلح الشرع، كما جاء في حديث الترمذي: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً» بشرط ألا يمنعوا من أراد الإحالة إلى الشرع، وينبغي أن يكون العاملون عليها ممن يعرف الصلح الشرعي وشروطه.
الثالثة: الرفع إلى المحاكم غير الشرعية.
لو حصل للمسلم خصومة في دار الكفر فهل يجوز أن يترافع إلى المحاكم الوضعية؟
الجواب: لا يجوز لقوله تعالى: ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ[ [المائدة: 50] وقوله: ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ [المائدة: 44].
فإن كان حقه قليلاً فلو تركه لله عوضه الله خيرًا منه، وإن كان فيه كثرة فتصالحا هو وخصمه دون الرفع فهذا هو الواجب، وأما إن تعذرت المصالحة وكان حقه كبيرًا وعليه ضرر في تركه، فهذا لا يجوز أيضًا لأن الضرورة لا تبيح الكفر ولا تبيح التحاكم إلى الكفر. إنما يؤذن للمكره وليس للمضطر وبينهما فرق. ولم يأت في القرآن فعل الكفر إلا للمكره ]إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ[ أما الضرورة فتبيح بعض المحرمات كالميتة ونحوها ولا تبيح الكفر.
وهذا الحكم مبني إذا كان وقوع المسألة في ديار الكفر، وإذا كانت الديار أهلها مسلمون ومحاكمها وضعية، فتزيد أمرًا رابعًا عما سبق وهو: أن يجعلوا محكمًا أهلاً للقضاء يحكم بينهم، ولا يذهب إلى المحاكم الوضعية الكفرية.
الرابعة: لو أن خصمه رفع الخصومة إلى محكمة غير إسلامية ثم أُلزم بالمثول إلى هذه المحكمة.

فهذا يجري عليه ما يجري على المكره إن وصل إلى حد الإكراه جاز له إذا كان قلبه مبغضًا وكارهًا.
الخامسة: حكم الأنظمة الإدارية التي تُخالف الشرع؟
هذه لا يجوز الحكم بها أو التحاكم عليها أو التحاكم إليها والمطاوع فيها يكفر، مع العلم.
السادسة: حكم واضع القانون، وميزة واضع القانون أنه لا يلزم أن يحكم أو يتحاكم بل يضع فقط؟
حكمه: أنه كفر أكبر بدون تردد؛ لأن ما وضع القانون إلا وهو يرى أنه أحسن أو يجوز أو مثل وهذا كاف في تكفيره، ولأنه رأى أن له حق التشريع ]أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ[ [الشورى: 21]. وحديث أبي داود: «إن الله الحكم وإليه الحكم» ومناط الحكم العمل فبمجرد وضعه للقانون يكفر كفر ردة بغض النظر عن اعتقاده أو قوله.
مسألة: ما حكم التحاكم بالنسبة للمحاكم العسكرية والمرورية التي تخالف الشرع؟
من تحاكم إليها عالمًا مختارًا فإنه يكفر كفر ردة.
مسألة: لو أُكره القاضي أن يحكم بالقوانين بين متخاصمين. فهل يعذر بالإكراه؟
الجواب: لا. لأن هذا إكراه متعد. والرخصة جاءت في قصة عمار في قول الكفر له هو وليس متعد لغيره. بل الإجماع لو أُكره على قتل غيره ونحوه لم يجز لأن الإكراه تعد إلى نفس أخرى.
مسألة: لو قال قائل إن الدول اليوم إذا تحاكمت إلى المحاكم القانونية الإقليمية أو الدولية وهي مكرهة في ذلك أو مضطرة فما الحكم؟
أما دعوى الإكراه فليست صحيحة، وإذا لم تصح دعوى الإكراه فدعوى الاضطرار أولى لأنها أقل، والسبب: أنه لا يتصور الإكراه في الطائفة الممتنعة قال تعالى: ]وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ إنما الإكراه في حق الفرد والمستضعف، ولذا فهذه الدعوى باطلة ويكون الحكم أن التحاكم كفر وردة.

باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات
وقول الله تعالى: ]وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ[ [الرعد: 30] الآية.
وفي صحيح البخاري قال علي: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟».
وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: أنه رأى رجلاً انتفض – لما سمع حديثًا عن النبي r في الصفات، استنكارًا لذلك – فقال: «ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه» انتهى.
ولما سمعت قريش رسول الله r يذكر: «الرحمن» أنكروا ذلك. فأنزل الله فيهم: ]وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ[.
قال الشارح:
هذا الباب له علاقة بتوحيد الأسماء والصفات وحكم إنكارها.
من: موصولية بمعنى الذي.
جحد: بمعنى أنكر.
شيئًا: نكرة فتكون عامة.
المسألة الأولى:
أراد المصنف رحمه الله أن يبين حكم من أنكر شيئًا من أسماء الله عز وجل وصفاته وليس من جهل شيئًا منها.
المسألة الثانية: ما حكم من أنكر شيئًا من الأسماء والصفات؟ «وليس جهل شيئًا منها».
ينقسم إلى عدة أقسام:
القسم الأول: إنكار جحود وتكذيب، وهو أن يكذب باسم أو صفة، كأن يقول: ليس لله اسم، أو ليس من أسمائه الرحيم وهذا كفر بالإجماع؛ لأنه مُكذبّ بالقرآن.
القسم الثاني: إنكار تأويل، وهو أن يثبت الأسماء والصفات كما جاءت في القرآن والسنة، ولكن يؤولها بأن يصرفها عن ظاهرها المراد.

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 09-18-2012, 02:32 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

وهذا أنواع:
الأول: أن يكون له مساغ في اللغة العربية، كتأويل اليد بالنعمة، فهذا يعتبر ضلالاً وابتداعًا. ويشترط في هذا النوع: عدم التنقص لله بهذا التأويل ويكفر إن عاند. وهذا ضمن قاعدة المسائل الخفية كمسائل الصفات فلا بد من إقامة الحجة وإزالة الشبهة. فإن عاند بعد ذلك فيكفر.
الثاني: ألا يكون له مساغ في اللغة العربية، كما لو فسر يد الله بالسماء أو الأرض، فهذا حقيقة التكذيب، فلذلك حكمه كفر أكبر كالقسم الأول.
المسألة الثالثة: طوائف الجحود بأسماء الله وصفاته.
الطائفة الأولى: الأشاعرة، وجحودهم جزئي؛ حيث أنهم يثبتون الأسماء ويثبتون بعض الصفات، ويجحدون البعض الآخر، فيثبتون سبع صفات وهي: الحياة، العلم، القدرة، الإرادة، الكلام، السمع، البصر.
وحكم هذه الطائفة: هي من الطوائف المبتدعة التي يحكم عليها بالضلال؛ إلا أنهم لا يخرجون من الإسلام، وجحودهم جحود تأويل له مساغ، والحكم عليهم بالضلال وعدم إخراجهم من الإسلام قول الجمهور وذهب بعض أهل العلم في تكفيرهم كابن حزم في الفصل والدستي وابن الجوزي وابن عبد الهادي المتأخر.
الطائفة الثانية: المعتزلة: وهؤلاء يثبتون الأسماء وينفون الصفات، وهؤلاء في حكمهم قولان:
1- تكفيرهم. 2- عدم تكفيرهم.
أما غلاتهم الذين ينكرون العلم فهؤلاء كفار، وهذا حكم المعتزلة الخالصة.
وهناك طوائف أخرى دخلت في الاعتزال في باب الأسماء والصفات، كالخوارج المتأخرين والرافضة والزيدية، أما الروافض فهم كفار؛ لأنهم جمعوا مكفرات كالاستغاثة بغير الله.
وأما الزيدية والخوارج: فهم من أهل البدع، ويحكم عليهم بالضلال إذا لم يكن عندهم إلا الاعتزال في باب الأسماء والصفات، أما إن قام فيهم ناقض فإنه يحكم

عليهم بالكفر.
الطائفة الثالثة: الجهمية: وهم ينكرون الأسماء والصفات.
وهم كفار بإجماع السلف نقل الإجماع اللالكائي في شرح السنة وابن القيم في النونية. والقول بأن في تكفيرهم خلاف هو قول محدث فهمه بعض المعاصرين من بعض إطلاقات ابن تيمية وهو فهم غير صحيح.
قال ابن المبارك: إنا نحكي قول اليهود ولا نحكي قول الجهمية.
علمًا بأن اصطلاح الجهمية عند المتقدمين – كأمثال الإمام أحمد – يختلف عن اصطلاح الجهمية عند المتأخرين كابن تيمية وابن القيم، فالمتقدمون عندهم الجهمية اسم يجمع الجهمية والمعتزلة بالاصطلاح الخاص. ولذا فالإمام أحمد في كتابه «الرد على الجهمية» يقصد في كتابه أيضًا المعتزلة.
المسألة الرابعة: شرح الآية:
هم: يقصد به قريش.
الرحمن: أي اسم الرحمن لا بالمسمى وهو الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى: ]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[ [الزخرف: 87].
مناسبة الآية: أن من أنكر اسمًا من أسماء الله إنكار تكذيب فإنه يكفر، وهذه الآية تصلح دليلاً للقسم الأول الذي حكم بتكفيره، ولمن أول تأويلاً غير سائغ.
وفي صحيح البخاري قال علي: «حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله» ذكره البخاري في كتاب العلم.
قال علي بن أبي طالب: هذا من الموقوف.
حدثوا: الحديث يُطلق ويُراد به الكلام سواءً كان في العقائد أو الأحكام.
الناس: الأصل أنها للعموم.
بما يعرفون: أي يمكنهم أن يعرفوه، فنستطيع أن تبلغه عقولهم؛ لا أنه الشيء المعروف عندهم، فهذا لا حاجة به للحديث فهو تحصيل حاصل.
وذكر ابن حجر ضابطًا: أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد. إلا أنه ينبغي التنبيه أنه ليس المعنى أنهم لا يُحدثون بتوحيد الأسماء والصفات

وما يجب اعتقاده، كما يأتي في الحديث الذي بعده أن ابن عباس كان يُحدث العوام بالأسماء والصفات، ولكن مثل التوسع في باب الأسماء والصفات، كأن يُقال: إن الله ينزل، ثم يذكرون حالة العرش عند النزول مما ينبغي عدم ذكره، هذا مجرد مثال.
وفي باب الأحكام أن يترك ذكر أحاديث الرجاء عند العصاة أو أحاديث التخويف عند شديدي الخوف، أو من يخشى عليهم من القنوط.
أتريدون: الاستفهام للإنكار؛ لأنه سوف يئول إلى أن يُكذب الله ورسوله.
وهل من ذلك العمل بالسنة إذا لم يعرفها الناس واستنكروها؟ كأن يكون هناك سنن قد اندرست، وقد يؤدي العمل بها إلى نفور عند العامة وكثرة كلامهم؟
المسألة فيها تفصيل:
أما إن كان الشخص لديه قبول عند الناس، كأن يكون من العلماء ومن طلبة العلم المشهورين فهؤلاء عليهم أن يهتموا بإحياء السنن والحرص عليها وتطبيقها بالقول والعمل؛ لأن الفتنة في حقهم لا تحصل نظرًا لمكانتهم.
أما إن كان من غير الصنف السابق كالشباب ونحوهم، فهذا يتأنى في تطبيقها إن أدى إلى كلام؛ إلا إن دعّم فعله بأن هذا هو ما أفتى به العلماء، وأنهم يطبقون ويعملون بها، فلا مانع؛ لأنه تقل الفتنة به.
وهذا بالنسبة للسنن المهجورة مثل سنية السترة في الصلاة، وسنية رفع اليدين في التكبير. ورفع الصوت في التكبيرات المطلقة في عشر ذي الحجة وأمثال ذلك. وهذا غير العبادات التي جاءت بصيغ متعددة فهنا يترك الناس على ما اعتادوا من الصيغة الجائزة.
وقد روي عن الإمام أحمد أنه كان يترك بعض المسائل من باب تأليف الناس، ويستدل بحديث البخاري «لولا أن قومك حديث عهد...» هذا بالنسبة للسنن المهجورة.
تخريج أثر ابن عباس: ذكره ابن أبي حاتم في السنة وهو صحيح، ورواه عبد الرزاق في المصنف.
عن ابن عباس: هذا موقوف.
انتفض: أي اهتز جسمه إنكارًا لا تعظيمًا.

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 09-18-2012, 02:32 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

وسبب هذه الانتفاضة: لما سمع أحاديث في الصفات.
لما: يقصد بها التعليل.
في الصفات: وهذا فيه جواز ذكر الصفات عند العوام.
استنكارًا: أي لمعنى هذه الصفات.
ما فرق هؤلاء: أي لماذا يخافون ويفزعون؟
يجدون رقة عند محكمه: أي: محكم القرآن.
والمحكم هو: المتضح المعنى.
ويهلكون عن متشابهه:
المتشابه: ما خفي معناه.
أما المتشابه في باب الأسماء والصفات فهو جهل الكيفية، وأما المعنى فهو معروف.
مناسبة هذا الحديث: أن من أنكر شيئًا من الصفات فإنه من الهالكين.
سبب نزول الآية:
رواه ابن جرير بسند ضعيف، وفيه إرسال أيضًا.
مسألة: عرفنا حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات أو كذب بذلك فما حكم من جهل شيئًا من الأسماء والصفات؟
الجواب: إن كانت الأسماء والصفات ليست من المسائل الخفية مثل الحياة لله وصفة الوجود وصفة القدرة والألوهية أو الرزق ونحو ذلك فهذا كفر أكبر ولا يعذر بالجهل.
وإن كان الجهل لشيء من الأسماء والصفات التي هي في حكم المسائل الخفية فهذا يعذر بالجهل مثل صفة النزول والرؤية لله وصفة اليدين لله وهكذا.

باب قول الله تعالى
]يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا[ [النحل: 83].
قال مجاهد ما معناه: هو قول الرجل: هذا مالي، ورثته عن آبائي.
وقال عون بن عبد الله: يقولون: لولا فلان لم يكن كذا.
وقال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا.
وقال أبو العباس – بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: «إن الله تعالى قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ...» الحديث، وقد تقدم – وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره، ويشرك به.
قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقًا، ونحو ذلك مما هو جارٍ على ألسنة كثير.
قال الشارح:
المسألة الأولى:
هذا الباب والذي بعده في حكم إضافة النعم إلى غير الله.
المسألة الثانية: عنوان الباب:
«حكم إضافة النعم إلى غير الله».
المسألة الثالثة: أقسام إضافة النعم إلى غير الله.
النوع الأول: إضافة إنكار وجحود: وهو أن ينسبها إلى غير الله إيجادًا وخلقًا، وهذا كفر أكبر، قال تعالى: ]هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ[ [فاطر: 3].
النوع الثاني: نكران ترك وعدم القيام بالطاعة، وهذا ما يسمى بكفر النعمة، وهذا القسم محرم، وما ورد في النصوص بتسميته كفرًا ولم يبلغ الكفر الأكبر فهذا يسمى كفر نعمة، وأما ما كان من باب المعاصي والكبائر فهذا من باب المحرمات.
النوع الثالث: نكران تناسي لله سبحانه وتعالى: وهو أن يضيفها لأسبابها الشرعية والقدرية متناسيًا فضل الله عند الشكر والثناء. أما هذا فحكمه من الشرك الأصغر في الأقوال.

مثال ذلك: «على النوع الثالث» أن يضيف الشفاء إلى مهارة الطبيب، ولا يذكر فضل الله عليه بالشفاء.
وكقولهم: كانت الريح طيبة فحصلت السلامة، كما يأت تكملة ذلك في كلام أبي العباس ابن تيمية.
المسألة الرابعة: نسبة الأشياء إلى الأسباب على أقسام:
الأول: أن ينسبها إلى غير أسبابها الشرعية أو القدرية، كنسبة الشفاء إلى التمائم، ومر علينا جزء كبير في باب «لبس الحلقة والخيط» كاعتقاد أن الشبكة سبب الألفة بين الزوجين، أو يضع المصحف في السيارة لدفع العين، وهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون من الأكبر، لو نسب إيجاد الولد إلى المقبورين فهذا من الشرك الأكبر، وعليه يحمل قول ابن قتيبة «هذا بشفاعة آلهتنا».
الثاني: نسبتها إلى أسبابها الشرعية أو القدرية، فالصلاة سبب لانشراح الصدر، والأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة، وهذه أمثلة للأسباب الشرعية.
أما أمثلة الأسباب القدرية، كالعلاج سبب للشفاء، والبيع سبب للرزق، وقوة الجيش سبب للنصر، وحراسة الكلاب سبب لطرد اللصوص ... إلى غير ذلك، فهذه نسبتها إلى أسبابها جائز لكن بشروط:
الأول: أن يجعل رتبتها بعد رتبة فضل الله، فيقول: لولا الله ثم العلاج ما حصل الشفاء، ولولا الله ثم قوة الجيش لما حصل النصر، وهذا شرط في باب الثناء والمدح، فإذا قاله ثناءً ومدحًا فتشترط "ثم".
أما إن كان في باب الإخبار فلا يشترط ذلك، كما قال r في حق عمه: «لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» الحديث، فهذا قاله إخبارًا، ومثله قوله r: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر ...» البخاري.
المسألة الخامسة: شرح الترجمة:
أما قوله: ]يعرفون[ فيقصد بالمعرفة هنا: العلم أي: يعملون، والضمير يعود إلى كفار قريش.
نعمة الله: نعمة: مضاف وهي مفرد، والمفرد المضاف يعم، أي: يعرفون أن جميع

رد مع اقتباس
  #45  
قديم 09-18-2012, 02:35 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

النعم من الله تعالى.
وإضافتها إلى الله إضافة الصفة إلى الموصوف.
ثم ينكرونها: إما إنكار جحود، أو إنكار تناسي، وهذا كله حاصل.
ثم إن المصنف رحمه الله ذكر ثلاثة تفاسير للآية – بعضها من التابعين، وبعضها من غيرهم.
بدأ بتفسير مجاهد للآية، وتفسير التابعي ليس في قوة تفسير الصحابي إذ الغالب على تفاسير الصحابة أن لها حكم الرفع، وتفسير مجاهد هنا من باب التفسير بالمثال.
قال مجاهد ما معناه: هنا المصنف ذكر كلام مجاهد بالمعنى، ورواية الكلام بالمعنى يجوز لمن يعرف الألفاظ؛ بشرط ألا يعود على المعنى بالنقص أو التحريف.
وذكر الشارح لفظ كلام مجاهد أنه قال: «هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها، والسرابيل من الحديد والثياب، يعرف هذا كفار قريش ثم ينكرونه بأن يقولوا: هذا كان لآبائنا فورثونا إياه» رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وعلى ذلك فإن قول القائل: هذا مالي ورثني إياه أبي؛ فإنه من نكران النعمة.
لكن في أي الأبواب: باب الخبر أم باب الشكر والثناء؟
أما في باب الخبر فيجوز، ومنه قوله r: «يا فاطمة سليني من مالي ما شئت ...» وقال تعالى: ]وَرِثَهُ أَبَوَاهُ[ [النساء: 11]، فلو سألك شخص من أين لك هذا المال؟ فقلت: ورثته من أبي، فهذا جائز.
أما في باب الشكر والثناء فلا بد أن يقول هذا من فضل الله ثم ورثته من أبي، وعليه يُحمل قول مجاهد.
وقوله قول الرجل: هذا لا يخرج قول المرأة فالباب واحد.
مناسبة كلام مجاهد: أن من نسب النعم إلى غير الله فقط مثنيًا شاكرًا، فإنه مما يُنافي كمال التوحيد الواجب.
التفسير الثاني: قول عون بن عبد الله، وهو من التابعين.
والتابعي: من رأى الصحابي ومات على ذلك.
وهم ثلاثة طبقات:

1- من رأى الكثير من الصحابة وهذا من كبارهم.
2- من رأى النفر والنفرين والثلاثة وهذا من صغارهم.
3- ما بين ذلك وهذا من أوساطهم.
«لولا فلان لم يكن كذا»:
هذا نوع من أنواع نكران النعم، وهو الخاص بلفظ "لولا"، وفي هذه الصيغة أضاف النعمة إلى غير الله، وهذا أيضًا قاله على وجه الثناء والشكر، وأما هذا اللفظ فإنه من الألفاظ الشركية، وهو من باب الشرك الأصغر؛ لأنه لم يوحد الله بالنعم.
لولا فلان: يشترط أن يكون فلان المقصود سببًا شرعيًا أو قدريًا.
التفسير الثالث: تفسير ابن قتيبة:
يقولون: الضمير يعود إلى الكفار، كما قال الشارح ابن قاسم، ويقصدون بذلك النعم من الرزق وغيره سواءً كان في باب الخبر إن سُئِلوا، أو كان في باب الإنشاء.
بشفاعة: الباء سببية.
آلهتنا: جمع إله أي: معبوداتنا.
وكلامهم هذا هو شرك مطلقًا، ولا يُقال هنا خبر أو إنشاء؛ لأن الشفاعة ليست سببًا شرعيًا ولا قدريًا. فهنا جمعوا بين أمرين:
1- الشرك الأكبر.
2- نسبة النعم إلى غير أسبابها، والنسبة هنا نسبة جحود.
قال أبو العباس: هذه كنيته، ولم يتزوج وإنما هذا من باب الكنية.
وتسميته أبي العباس أولى عندي من قول "شيخ الإسلام"؛ لأن الأخير فيه عموم، ويأتينا مزيد بحث في باب «التسمي بقاضي القضاة».
الشاهد: هو تعليق أبي العباس على الحديث حيث قال: «وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره، ويشرك به».
وهذا ما يسمى بنكران التناسي ونكران الإضافة، فمن أضاف النعم إلى غير الله فقط مثنيًا شاكرًا فهذا لا يجوز.
وقد بين أبو العباس حكمه وأنه من الشرك.

لكن من أي الشرك؟ المسألة فيها تفصيل:
إن أضاف النعم إلى المخلوق واعتقد بأنه فاعل لها ومُوجِد، فهذا من الشرك الأكبر في توحيد الربوبية.
وأن أضافها إلى المخلوق على أنها سبب والله الفاعل، فهذا من الشرك الأصغر إن كانت سببًا، وإن لم تكن سببًا لا من جهة القدر ولا الشرع، فهذا من الأصغر لكنه جمع بين شرك أصغر مضاعف فهو زيادة في الشرك.
ثم ضرب أبو العباس أمثلة لمسألة إضافة النعم إلى غير الله:
المثال الأول: «كانت الريح طيبة فحصلت لنا السلامة» فنسب حصول السلامة إلى الريح ثناءً وشكرًا وبيان منزلة.
المثال الثاني: «كان الملاح حاذقًا فنجونا من الغرق» فنسب النجاة إلى حذاقة الملاح.
ومن الأمثلة الحديثة: «لولا أن قائد السيارة أو الطائرة منتبهًا لحصل لنا حادث».
ومنه: «لولا جدُّهُ ومثابرته في التجارة ما حصل الربح».
أو: «كانت المذاكرة قوية فحصل النجاح».
أو: «كان الجيش متدربًا فحصل النصر». ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير.
قوله: "ألسنة": أفادنا على أن المسألة ليس فيها اعتقاد في القلب، وإنما قالها على وجه العادة وجريان اللسان.
كثير: هذا من دقة الألفاظ، فإن التعبير بكثير أولى من التعبير بالعموم.
وتجد أن بعض التجار ونحوهم إذا وصل إلى مرحلة من الغنى كبيرة، وسئُل عن قصة حياته التجارية أو كتب مذكرات عن حياته التجارية يذكر جهده ومثابرته وحرصه حتى وصل إلى ما وصل إليه، ولا ينسب ذلك لفضل الله، وهذا من الشرك في النعم؛ لأنه تناسى فضل الله.

باب قول الله تعالى
]فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ [البقرة: 22].
قال ابن عباس في الآية: الأنداد: هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل؛ وهو أن تقول: والله، وحياتك يا فلان وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلانًا هذا كله به شرك. رواه ابن أبي حاتم.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله r قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم.
وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا.
وعن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي r قال: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان» رواه أبو داود بسند صحيح.
وجاء عن إبراهيم النخعي: أنه يكره أن يقول: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله ثم بك. قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا: لولا الله وفلان.
قال الشارح:
هذا الباب شبيه جدًا بالباب الذي قبله، إلا أن فيه زيادات مما يتعلق بالحلف بغير الله.
الثاني: مما يتعلق بالتسوية في المشيئة.
الثالث: مما يتعلق بالتسوية في صيغة الاستعاذة.
بالإضافة إلى كلمة: "لولا" إذا قيلت في الثناء.
والجامع لهذه الأمور الأربعة أنها شرك في الألفاظ.
المسألة الأولى: هذا الباب والذي قبله يتعلق بتوحيد الربوبية، وأنه يجب إفراد الله عز وجل بالنعم والمشيئة والتعظيم.

المسألة الثانية: شرح الترجمة:
لا: ناهية، والقاعدة أن النهي يقتضي التحريم.
أندادًا: جمع ند. أي: لا تجعلوا له نظيرًا أو مثيلاً.
وأنتم: الواو حالية، والجملة بعدها في محل نصب حال.
قال ابن عباس في الآية -أي في معنى الآية- وهذا يُسمى تفسير صحابي، وتفسير الصحابي له حكم الرفع إذا لم يكن معروفًا بالأخذ عن الإسرائيليات.
المسألة الثالثة: وصف هذا الشرك بأنه خفي، وسبب خفائه لعسرة التخلص منه. ولكن الأقرب أن يُقال إنه خفي؛ لأن الانتباه له والتحرز منه عسير لا التخلص منه.
الشرك الخفي هل هو قسيم الشرك الأكبر والأصغر أو أنه قسم؟
المسألة خلافية:
القول الأول: أنه قسيم، وعلى ذلك فيقسمون الشرك إلى ثلاثة أقسام أكبر، وأصغر، وخفي، وهذا اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
القول الثاني: أنه قسم، وعلى ذلك فالشرك قسمان: أصغر، وأكبر، فالشرك الأكبر قسمان أيضًا: ظاهر وخفي، والأصغر قسمان أيضًا: ظاهر وخفي، وهذا أقرب أنه قسم لا قسيم. وعلى كل حال لا مشاحة في الاصطلاح.
قد يقول قائل: كيف الشرك الأكبر يكون خفيًا؟
نقول: يعتبر خفيًا من باب المكان، فشرك القلوب يعتبر خفيًا.
أخفى من دبيب النمل: اختار النمل لشدة خفائه.
صفاة سوداء: أي الحجر الأملس.
في ظلمة الليل: هذا أشد خفاءً في كون النمل لا يُسمع ولا يُرى.
وضرب ابن عباس أربعة أمثلة للشرك الخفي.
المثال الأول: يتعلق بالحلف، وضرب له مثلاً بقوله: «والله وحياتك يا فلانة»([1]) والحلف بغير الله من جعل الند لله، ويأتي تفصيل الحلف في الحديث الثاني.

المثال الثاني: لولا كليبة هذا، وهذا من نسبة الشيء إلى سببه الشرعي أو القدري، ولكن مع تناسي المنعم إذا قاله شاكرًا مثنيًا.
ووجه الشرك في هذا اللفظ: لأنه نسب السلامة من اللصوص إلى انتباه الكليبة. «ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص» نسب السلامة من اللصوص إلى انتباه البط.
وإنما الواجب أن يقول: لولا الله ثم كليبة هذا، ولولا الله ثم البط لأتى اللصوص، فذكُر كلمة "ثم" هنا واجب.
مسألة: هل في كل شيء يقال: لولا الله ثم كذا؟
هذا فيه تفصيل:
1- أما في باب المصائب فلا يقال: «لولا الله ثم السرعة لما انقلبنا».
2- في باب المعايب فلا يقال: «لولا الله ثم تخاذلنا ما انهزمنا» والدليل قوله r: «والشر ليس إليك».
3- ما يتنزه الله عنه لا يقال فيها «لولا الله ثم كذا» فيما يتنزه الله عنه.
4- في باب الإخبار فإنه لا يلزم، كما جاء في الحديث: «لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار».
5- باب الثناء والشكر فهذا يجب.
المثال الثالث: وقول الرجل لصاحبه: «ما شاء الله وشئت» وهذا من الشرك؛ لأنه ساوى مع الله في المشيئة، ويأتي باب مستقل لهذه المسألة.
المثال الرابع: «لولا الله وفلان».
وهذا من الشرك، لأنه جعل المخلوق مساويًا للخالق في السببية، وهو غير كلمة «لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص» لأن هذه فيها نسبة مع التناسي.
وقوله «لولا الله وفلان» فيها مساواة في السببية.
لا تجعل فيها فلانًا: لا: ناهية تدل على أن هذا اللفظ محرم.
لا تجعل فيها فلانًا: هذا ليس في كل الحالات، وإنما في الحالة التي فيها الواو، أما لو جعل فيها فلانًا مع ثم فهذا يجوز.
هذا كله به شرك: هذا حكم ابن عباس على الألفاظ السابقة.


([1]) في بعض النسخ يا فلان.

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 09-18-2012, 02:36 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

وهل هو أصغر أم أكبر؟
كلمة شرك إذا جاءت منكرة فإنها تُحمل على الأصغر، فهذه الألفاظ شرك أصغر ما لم يضم إليها اعتقادًا أو ترتقي إلى الأكبر في الألوهية أو الربوبية ونحوه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» [رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم].
قال: عن عمر: والصواب أنه ابن عمر.
من: شرطية دالة على العموم؛ لكن يُستثنى الجاهل والناسي والمكره.
تعريف الحلف: تأكيد الشيء بمعظم.
وقوله بغير الله: كأن يحلف بالمخلوقات.
مثال ذلك: كأن يقول: "والنبي" "والكعبة" أو "بشرفي"، فهذا من الحلف بغير الله.
ومن الألفاظ المعاصرة: ما يجري على ألسنة الأطفال من قولهم "بصلاتي"، "بعبادتي"، "بأمي وأبي".
وهل منها أن يقول: قسمًا بآيات الله؟ فهذه فيها تفصيل حسب المراد من الآيات: إن كان يقصد من الآيات القرآن فهذا يجوز؛ لأن القرآن كلام الله، وهو الجاري على ألسنة الناس اليوم، وإن كان يقصد بالآيات الآيات الكونية كالشمس والقمر، فهذا لا يجوز.
الحلف بصيغة "بذمتي":
إن كان يقصد أن "الباء" بمعنى "في" أي: في ذمتي عهد لك أن أصدق أو أفي، فهذا يجوز للحديث «ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك»، وإن كان يقصد الحلف، كما لو قيل له: احلف: فقال: بذمتي، فهذا لا يجوز.
ومنها لفظ "بالأمانة" ففيها تفصيل"
إن أراد بقوله "بالأمانة" يُريد أخبرني بالحقيقة بدون كذب ولا زيادة ولا نقص وتكون الباء للمصاحبة: أي أخبرني خبرًا تصاحبه الأمانة، فهذا جائز. وإن قصد اليمين فلا يجوز؛ لحديث «من حلف بالأمانة فليس منا» [رواه أحمد وأبو داود]، ولحديث ابن عمر في الباب.
إلا أنه ينبغي التنزه عن الألفاظ الموهمة التي في ظاهرها تشابه الشرك فيترك "بذمتي"، "وبالأمانة"؛ لقوله تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا[ [البقرة: 104]؛ ولحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، ولحديث النعمان «وبينهما أمور

متشابهات... فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام».
"أي الحق" أو "أيم الله" هذه تجوز؛ لأنها من الحلف بالله فأصلها "يمين الله"([1])
لعمر الحق" أو "لعمر الله" فهذه تجوز؛ لأن العمر يقصد به الحياة ([2]).
أما "لعمري" أو "لعمرك" فلا يجوز إن قصد بها اليمين. فإن لم يقصد بها اليمين فتجوز وتكون مثل كلمة تربت يداك ولا أمّ لك ونحوها مما لا يراد حقيقتها. وعليه يُحمل الآثار التي جاءت في لعمري.
كلمة "بوجهي" أو "بوجهك" هذه لا تجوز، وهي من الحلف بغير الله، وإن قصد أنها بمعنى الذمة فتجوز؛ وينبغي تركها لأنها من الألفاظ الملتبسة.
أحيانًا يأتي قَسَمٌ عند العسكريين والكشافة هذا نصه: «أعد بشرفي أن أبذل جهدي وأن أقوم بالواجب نحو الله والوطن والمليك» وهذا لا يجوز لسببين:
1- فيه حلف بغير الله.
2- فيه مساواة بين الله والوطن والمليك، وهذا لا يجوز وهو من الشرك وقد يكون أكبرًا وقد يكون أصغرًا حسب ألفاظ القسم.
فقد كفر: هذه الصيغة هل تدل على الكفر الأكبر أو الكفر الأصغر؟ المشهور عند أهل العلم أن "قد" إذا دخلت على الكفر فإنها تدل على الكفر الأكبر، وتكون في قوة الألف واللام أي: في قوة الكفر؛ لقوله r: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» إلا أن هذه القاعدة ليست مطردة في كل الأحاديث. أما الحلف هنا فحكمه من الشرك الأصغر إذا لم يقترن به اعتقاد مساواة لله.
والدليل على أنه في الأصغر دلالة الاقتران من أثر ابن عباس السابق، فإنه قرنه بأشياء من الشرك الأصغر، والقول بأنه من الأصغر هو قول الجمهور.
وقوله: «أو أشرك»: أي فقد أشرك، والحديث حسنه الترمذي وصححه الحاكم.
مناسبة الحديث: يدل على أن من حلف بغير الله فقد اتخذه ندًا.
قضية معاصرة: ومن ذلك القسم على احترام الدستور عند الدخول للبرلمان، وهذا إن

أقسم عالما فيما في الدستور مختارًا فهذا كفر أكبر.
مسألة: ما ثبت في بعض الأحاديث من حلف الصحابة بغير الله مثل قوله: «أفلح وأبيه إن صدق» فإنه من الحلف بغير الله.
الإجابة عن ذلك: أجاب العلماء عن ذلك بخمس إجابات أحسنها وأسلمها القول بالنسخ.
لماذا حُمل على النسخ؟ لسببين:
1- تعذر الجمع جمعًا صحيحًا.
2- أن الحلف كان موجودًا في الجاهلية.
واعتاد بعض الصحابة على ما كانوا يقولونه في جاهليتهم، ثم جاء الإسلام بالتوحيد وإفراد الله بالتعظيم في اليمين فكان النهي عن الحلف بغير الله، فيكون آخر الأمرين التوحيد، ويكون هذا الكلام بمنزلة المتقدم والمتأخر لا سيما وأنه يعارض الأحاديث التي فيها تحريم الحلف بغير الله.
قال ابن مسعود «لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا».
هذا يسمى موقوفًا اصطلاحًا.
لأن أحلف بالله: هذا فيه الحلف بالله.
كاذبًا: حال منصوبة، فاجتمع هنا حسنة وسيئة: الحسنة الحلف بالله، والسيئة الكذب.
أحب إليّ من أن أحلف بغيره: هذه سيئة أعظم لأنه شرك.
صادقًا: حسنة.
وهذا الأثر يدل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، فهو أعظم من الزنى والكذب وشرب الخمر، علمًا بأن بعض الناس يظن أن الشرك الأصغر أخف من الكبائر، وهذا غير صحيح.
الأثر أخرجه الطبراني وهو صحيح.
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي r قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» [رواه أبو داود بسند صحيح].

لا تقولوا: لا: ناهية.
ما شاء الله وشاء فلان: هذا اللفظ محرم، والسبب لأنه ساوى بين الله وفلان في المشيئة، وهو من الشرك الأصغر.
ولكن: للاستدراك.
قولوا: هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فصيغة «ما شاء الله ثم شئت» واجبة، وأكمل منها «ما شاء الله وحده».
رواه أبو داود بسند صحيح:
قوله: بسند صحيح: هذا حكم المصنف، وبعض أهل العلم يعبرون بقولهم حديث صحيح، وهذا أسلم. والحكم على السند يُشعر بالحكم على المتن.
مسألة: «ما شاء الله وشئت» تأتي في باب مستقل.
وجاء عن إبراهيم النخعي «أنه يكره أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله ثم بك. قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا لولا الله وفلان».
إبراهيم النخعي: من أتباع التابعين، وهو من تلامذة تلامذة عبد الله بن مسعود.
يكره: كراهية السلف المتقدمين تُحمل على التحريم على قول لبعض أهل العلم؛ بخلاف كراهية المتأخرين، وهنا كره صيغتين وأعطى البديل عنهما:
الصيغة الأولى: أعوذ بالله وبك. وهذه لا تجوز، وعلاقتها بالتوحيد أنها من الشرك الأصغر.
ويجوز: هذا فيه إشكال؛ بل إنه يجب؛ إلا أن يقصد بـ"يجوز" أنه ليس فيه تحريم.
سبب تحريم الصيغة الأولى: لأنه ساوى بين الله وغيره في التعوذ، ولذلك لما جعل رتبة فلان أقل من رتبة الله جاز، هذا إذا كان فلان يُستعاذ به، أما إن كان لا يجوز الاستعاذة به فهذا يُحمل تغليظًا على تغليظ، كأن يكون فلان ميتًا، وإن كان فلان عاجزًا فيكون من السفه.
الصيغة الثانية الجائزة: قوله: «لولا الله ثم فلان».
هذه جائزة بشرط أن يكون فلان سببًا صحيحًا.
الصيغة الثانية المحرمة: «لولا الله وفلان».


([1]) لأنه أقسم بصفة من صفات الله، لأنه اختصار يمين الله.

([2]) والحق هو الله.

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 09-18-2012, 02:37 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

لا: ناهية والنهي يقتضي التحريم.
علاقته بالتوحيد: أنها من الشرك الأصغر.
فلان: هذا سبب صحيح.
سبب التحريم: التسوية بين الله وفلان بالواو.
ولهذا فيكون قد مرّ معنا صيغتان في "لولا" محرمة.
الأولى: «لولا الله وفلان» هذه لا تجوز لا خبرًا ولا إنشاءً.
الثانية: قول: «لولا فلان» هذه محرمة في باب دون باب، فهي جائزة خبرًا محرمة إنشاءً. أي: مدحًا وثناءً.
روى الأثر عبد الرزاق وابن أبي الدنيا.
مناسبة الأثر: أن مثل هذه الصيغ المحرمة من جعلِ ندٍ لله.

باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله r قال: «لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض. ومن لم يرض فليس من الله» [رواه ابن ماجه بسند حسن].
قال الشارح:
المسألة الأولى:
هذا الباب له تعلق بتوحيد الربوبية، والمصنف جمع أبوابًا تتعلق بتوحيد الربوبية، وهذا هو الباب الثالث منها. وجمع الأشياء المتقاربة هذا جيد في التصنيف.
المسألة الثانية: شرح الترجمة:
يقصد بالترجمة أن من لم يقنع إذا حُلف له بالله، فإنه قد ارتكب فعلاً محرمًا لا يجوز لما جاء فيه من الوعيد.
المسألة الثالثة: ما حكم عدم الرضى والقناعة باليمين؟
فيه تفصيل:
القسم الأول: في باب الدعاوى والمحاكم والخصومات، فهنا يجب القناعة بيمين الحالف بغض النظر عن الحالف هل هو عدل أم فاسق؟ هل هو مسلم أم كافر ذمي؟ فلو اختصمت أنت ورجل وليس عندك بينة فليس لك إلا يمين خصمك، فيجب عليك القناعة.
لكن ما معنى القناعة هنا؟ هي ليست القناعة القلبية، وإنما بمعنى عدم الإنكار وعدم الرفض وعدم تجديد القضية، أما في داخل قلبك فلو لم تقنع داخليًا فلا بأس، والدليل عموم قوله r «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»، من: عامة، كذلك اليهود في عصر النبي r كانوا يحلفون في الخصومات، كما حدث في مسألة القسامة.
القسم الثاني: باب الاعتذار والتهم التي لا خصومة فيها.
ففيها تفصيل باعتبار الشخص كالتالي:

أ- إن كان الشخص عدلاً ومعروفًا بالصدق أو يترجح صدقه، فهذا يجب قبول يمينه واعتذاره لنص حديث الباب «ومن حُلف له بالله فليرض».
ب- أن يكون الشخص معروفًا بالكذب أو يترجح كذبه، فهذا لا يجب قبول يمينه في التهم والاعتذارات، والدليل قوله تعالى: ]إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا[ [الحجرات: 6]. وهذه الآية تخصص عموم حديث الباب "من حلف" إلا الكاذب، ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: ]إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ... وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ[ [المنافقون: 1]، وقوله تعالى: ]اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً[ [المنافقون: 2].
ج- مجهول الحال، وهو الذي لا يُعرف بعدالة ولا كذب، فهذا إن نظرنا إلى عموم الحديث فإنه يدخل، وإن نظرنا إلى مفهوم الآية مفهوم المخالفة فيدخل أيضًا، وإن نظرنا إلى العلة فإنه لا يدخل إذ المقصود يمين العدل، فهي التي تُقبل، وهذا محل إشكال وتوقف.
د- يمين الكافر في الاعتذارات والتهم: لا تُقبل لمفهوم الآية ]إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ[ [الحجرات: 6] وهو مفهوم الموافقة أو مفهوم أولوي أو قياس الأولى.
هـ- مستور الحال، ويقصد بالحال الحالة الباطنية، وهو ما يسمى عند الفقهاء بظاهر العدالة.
فالعدالة قسمان:
1- العدالة في الظاهر والباطن، وضابطه: حكم المخالط له بالعدالة، والمخالط: كالزوج والأم والمسافر معه والشريك في التجارة.
2- عدالة ظاهرية: وهو تعديل غير المخالط، كمن تصلي معه في مسجد الحي. فمستور الحال تُقبل يمينه لعموم الحديث؛ إلا أنه في جميع هذه المسائل تُقبل ما لم يخالف اليقين وهو الرؤية، كأن رأيته يفعل شيئًا ثم اعتذر لك باليمين، فهذا لا يجب قبول يمينه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: «لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حُلف بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله» [رواه ابن ماجة بسند حسن].

لا تحلفوا: لا: ناهية والنهي يقتضي التحريم، أي لا تؤكدوا الشيء بالحلف بآبائكم.
بآبائكم: خُصّ بالذكر لأنه الغالب في زمن الرسول r ويُقاس عليه مثله.
من حلف: من: شرطية وهي عامة في كل حالة ولكل شخص صغيرًا كان أو كبيرًا.
فليصدق: اللام لام الأمر، فيجب عليه أن يَصدُق.
والصدق: مطابقة الشيء للواقع. بمعنى أنه يجب أن يحلف وهو متيقن أو يغلب على ظنه.
أما الحلف بالله كاذبًا فهذه تسمى اليمين الغموس.
ومن: عامة.
والجملة الأولى باعتبار الحالف فيجب أن يكون صادقًا، والجملة الثانية باعتبار المحلوف له.
من: شرطية عامة، وهل هي عامة في كل شخص؟
مر علينا ما يخصصها، ويقصد إذا كان الحلف عدلاً ظاهرًا أو باطنًا، أما إن كان فاسقًا أو كافرًا فلا يجب الرضى، ويدخل فيها أيضًا باب الدعاوي.
له: تدل على أن اليمين متوجهة لك.
فليرض: اللام لام الأمر، فالرضى واجب.
والرضى يختلف باعتبار الباب، فإن كان في باب الدعاوي فيقصد به الرضى السلبي وهو عدم الإنكار أو الرد لا الرضى القلبي؛ لأنك أحيانًا تعتقد كذبه، وإن كان في باب التهم والاعتذارات فالرضا قلبي وظاهري على حسب التقسيم السابق.
رواه ابن ماجة بسند حسن: وهذا حكم المصنف.
مناسبة الحديث: وجوب قبول يمين العدل في التهم والاعتذارات.
مسألة: التأويل في اليمين، وهو تعليق على قوله «من حلف بالله فليصدق».
تعريف التأويل باليمين: أن يحلف وهو يقصد خلاف ظاهر اللفظ.
مثال ذلك: كأن يطرق عليك أحد الباب ويسأل عن رجل وهو في البيت. فتقول: «والله ليس هاهنا» تشير إلى الجدار. ومثل إنسان يطلب منك قرضًا وأنت لا ترغب في إعطائه فتقول: «والله ليس معي» في أي جيبك، وإن كان يوجد معك مال كثير في

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 09-18-2012, 02:40 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

مكان آخر.
حكمها: فيه تفصيل:
أما في الدعاوي والخصومة فهذا يحرم التأويل فيه باليمين. ويُحمل عليه قوله r: «يمينك على ما يُصدقك به صاحبك»، ويقصد بالصاحب: صاحب الخصومة والحق، وفيه تعليل أيضًا: أنه يؤدي إلى ضياع الحقوق.
أما إذا لم يكن في الخصومة والحقوق فإنه يجوز، كالقرض فإنه لا يجب عليك الإقراض، وكذلك العارية فهي لا تجب عليك، فتجوز التورية فيها، ما دامت لم تجب عليك، أما إذا وجبت عليك فلا تجوز التورية.
الدليل على جواز التورية في الأمور غير الواجبة:
حديث سويد بن حنظلة جاء قوم فأرادوا أن يأخذوه، فقال أحد الصحابة: هو أخي، فتركوه فأخذه r فقال: «أنت أبرُّهم وأصدقهم. صدقت المسلم أخو المسلم» [رواه أحمد وأبو داود].
والقسم الثالث: ما لم يكن ظالمًا.
مسائل في اليمين:
قول المصنف: من حلف بالله: هذا فيه وجوب الحلف بالله أو بصفة من صفاته.
واليمين التي بالله تنقسم إلى قسمين:
1- يمين حقيقة. 2- يمين حكمًا.
فيمين الحقيقة مثل أن يقول: والله وتالله وبالله، أن يأتي بلفظ الجلالة ويسبقه بحروف القسم الثلاثة "الواو، الباء، التاء".
الصيغة الثانية: أن يحذف حرف القسم. كقول: الله لأفعلن كذا، أو لله لأفعلن كذا.
القسم الثاني: اليمين الحُكمية وهي أصناف:
1- أن يذكر لفظ القسم والحلف، كأن يقول: قسمًا لأفعلن كذا، أو حلفت، فهذه في حكم اليمين إن نوى القسم.

2- الحلف بالتزام الواجبات، كأن يقول: إن فعلت كذا فعليّ الحج، أو إذا لم أفعل تصدقت بثلث مالي فهذه حكمها حكم اليمين، وتحلتها تحلة يمين.
3- الحلف بالعتق، فهذه يمين. كأن يقول: لأُعتقن عبدي إن فعلت كذا، أما إن قال: عبدي عتيق إن فعلت كذا فهذا عتق.
4- الحلف بالطلاق، كأن يقول: إن لبست هذا الثوب فامرأتي طالق، فهذا فيه خلاف، واختار أبو العباس وجماعة أنه يمين، والمذهب أنه طلاق.
5- الحلف بالبراءة من الإسلام، كأن يقول: هو يهودي إن فعل كذا، أو هو علماني إن فعل كذا، أو هو بعثي إن فعل كذا.
فهذه تعتبر يمين؛ إلا إذا رضي بهذه الملة فحلف تعظيمًا لها فهو كما قال.
6- الدعاء على النفس، حكمه حكم اليمين. كما لو قال: علي غضب الله وسخطه ألا أدخل هذا البيت.
7- التحريم، كأن يحرم على نفسه شيئًا. كأن يقول: العسل علي حرام إن دخلت هذا البيت، أو غيرها من المباحات، فهذا يمين، إلا تحريم الزوجة فالمذهب أنه ظهار.
8- يمين الإكراه، كأن يحلف عليه أن يجلس يريد إكرامه أو شرب شيء طيب، فاختار أبو العباس أنها ليست يمين لعموم «إنما الأعمال بالنيات»، والقول الثاني: أنها يمين.
وهذه الأيمان الحُكمية إن كانت على مستقبل فهذا هو المقصود، وإن كانت على ماضي فإن كان كاذبًا فهي الغموس.
مسألة: كلمة «الله يعلم» هل هي يمين؟
حسب النية، فإن نوى الحث والمنع فهي يمين وإلا فلا.
مسألة: «أمانة الله» هل هي يمين؟
المذهب أنها يمين، وقول الشافعية أنها ليست بيمين، لأن الأمانة هي فرائض الله وما أوجبه الله.
ومثلها «حق الله» المذهب أنها يمين، والقول الثاني أنها ليست بيمين، لأنه حق الله

وطاعته، والأخير في كلا القولين أقرب.
مسألة: قوله «عهد الله وميثاقه»:
المذهب أنها يمين، والقول الثاني أنها ليست بيمين، لأنها فعل الله كما قال: ]وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ...[ [طه: 115].
قوله: «ومن لم يرض فليس من الله».
هذا وعيد، ومعروف مذهب السلف في أحاديث الوعيد، ويقصد به هنا التغليظ.

باب قول: «ما شاء الله وشئت»
عن قتيلة، أن يهوديًا أتى النبي r فقال: إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي r إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: «ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء ثم شئت» [رواه النسائي وصححه].
وله أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً قال للنبي r: ما شاء الله وشئت، فقال: «أجعلتني لله ندًا؟ ما شاء الله وحده».
ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي r فأخبرته قال: «هل أخبرت بها أحدًا؟ قلت: نعم. قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإن طفيلاً رأى رؤيا، أخبرها بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده».
قال الشارح:
المسألة الأولى:
هذا الباب له علاقة بتوحيد الربوبية والتصرف، وهذا الباب هو الباب الرابع فيما يتعلق بتوحيد الربوبية.
المسألة الثانية: شرح الترجمة:
قوله: «ما شاء الله»: فيه إثبات المشيئة لله.
والمشيئة: وصف قائم في ذات الله وهي صفة لله تعالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد
 
ضع تعليق بحسابك في الفيس بوك


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع



الساعة الآن 12:04 AM.
 

Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

   

تصميم المنافع لتقنية المعلومات