رادارت الوطن العربي مركز الطقس للرصد الجوي (مباشر) مركز الطقس للأقمار الصناعيه (مباشر) البرق( مباشر )
العودة   الطقس > المنتديات العامة > المرصد العام
اسم العضو
كلمة المرور

المرصد العام للمواضيع العامة والنقاشات الحرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #9  
قديم 09-18-2012, 12:07 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

التولة: من باب العطف لا الصرف، وهو من أنواع السحر.
حديث رويفع: سنده صحيح.
لعل: حرف ترجي له اسم وخبر.
الناس: أي الذين يحضرونك.
من عقد لحيته: له ثلاث معان:
1) تكبرًا. 2) تشبهًا بالكفار. 3) اعتقادًا.
والذي يهمنا من عقد لحيته لدفع العين.
هل يجوز التشويه من أجل العين؟
لا يجوز؛ لحديث رويفع.
أو تقلد وترا: هذه هي التمائم، وهي لا تجوز.
أو استنجى برجيع دابة أو عظم: هذا كله لا يجوز.
فإن محمدًا بريء منه: هذا الحديث من أحاديث الوعيد، ومذهب السلف فيه إمرارها كما جاءت، ولا يتعرضون لها لا بتفسير ولا بتوضيح إلا وقت الحاجة، كخوفهم أن يُرى مذهب الخوارج فيكفر أصحاب المعاصي.
أثر سعيد بن جبير «من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة»:
كان: الكاف للتشبيه: كأنه أعتق رقبة بالنسبة للأجر لا للإجزاء.
رواه وكيع وله عن إبراهيم: «كانوايكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن».
كراهية السلف تدل على التحريم وهذا قول ابن القيم، والراجح حسب السياق.
إذا قرأ على إنسان فطرفت عينه بسرعة، أو تثاءب بكثرة، أو ارتعش جسمه أو بكى، أو لم يفتح عينيه، فهذا فيه مس من الجن.
أما إن كان يرتاح فالغالب أن فيه العين.
المسألة الثامنة: تعليق القرآن من باب الزينة وكونه منظرًا
فهذا لا يجوز لأنه يخالف مقاصد القرآن. أما تعليقه للذكرى وليس هناك قرائن تدل على أنه للزينة فهذا جائز والقرائن التي تدل أنه للزينة كون الخط الذي كُتب فيه القرآن فيه جمال أو إبداع ونحوه.

باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما
وقول الله تعالى: ]أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى[ [النجم: 19].
عن أبي واقد الليثي، قال: خرجنا مع رسول الله r إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال r: «الله أكبر! إنها السنن، قلتم – والذي نفسي بيده – كما قالت بنو إسرائيل لموسى ]اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ[[الأعراف: 138] لتركبن سنن من كان قبلكم». [رواه الترمذي وصححه].
قال الشارح:
المسألة الأولى في معنى التبرك:
البركة مأخوذة من البركة وهي مجمع الماء، ويمتاز بالكثرة والاستقرار، فهي لغة كثرة الشيء وثبوته.
وشرعا: طلب البركة بفعل أو اعتقاد.
وطلب البركة إما بأمر شرعي، أو بأمر شركي، أو بأمر بدعي:
1- أما التبرك الشركي فينقسم إلى قسمين.
2- تبرك عبادة، وهذا ينقسم أيضًا إلى قسمين.
1- عبادة اعتقادية. 2- عبادة عملية.
أما العبادة الاعتقادية، فهو أن يعتقد بهذا الشيء أنه يعطي البركة، وأنه بركة بذاته، ولو لم يصحب هذا الاعتقاد عمل.
أما العبادة العملية، فهو أن يذبح لها، أو يطلب البركة بالذبح لها، أو دعائها، أو الاعتكاف، أو الطواف ليطلب منها البركة، فهذا كله شرك أكبر.
والدليل قوله تعالى: ]وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[ [الجن: 18] فهو قد صرف شيئًا من العبادات لغير الله، وهذا التبرك يفعله من ابتلى بعبادة غير الله.

ب- تبرك وسيلة وواسطة: وهي أنه يذبح لله عندها، أو أن يصلي لله لكن عندها، فهذا يعتبر تبرك وسيلة.
وضابطه: أن يعمل عندها عمل لله.
ومن تبرك الوسيلة: أن يتمسح بشيء، كمن يتمسح بأعمدة المسجد الحرام أو الكعبة تبركًا، فهذا يدخل تحت الشرك الأصغر.
2- التبرك البدعي: وذلك كتقبيل المصحف تبركًا لا تعظيمًا، أما التعظيم فقد أجازه بعض الفقهاء، وذُكر عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه رواه عبد الله بن أحمد في المسند 1/ رقم الأثر 110.
اعتقاد بعض الناس أنه إذا تزوج ليلة الجمعة أو عقد فإنه أبرك، فهذا من البدع، وكذلك العقد في المساجد تبركا من البدع.
النوع الثالث: التبرك المشروع:
وهو أن هناك أسبابًا مشروعة لحصول الخير والبركة، وهذا عدة أنواع:
1- التبرك بالذات، كالتبرك بأبعاض الرسول، وهذا خاص في رسول الله (في حياته).
2- أقوال وأفعال إذا جاء بها العبد حصل له خير وبركة، كقراءة القرآن، والشهادة فهي سبب للمغفرة.
3- هناك بعض الأمكنة مباركة فيطلب الخير بالذهاب إليها، فهذا من التبرك في الأمكنة، كالصلاة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى، فهذه تضاعف فيها الحسنات.
4- أزمنة مباركة، فتحري هذه الأزمنة وعمل الخير فيها مشروع، كرمضان، وعشر ذي الحجة، وشهر الله المحرم، ويوم الجمعة.
5- أطعمة مباركة، مثل العسل، وزمزم فشربه رجاء الصحة والعافية والشفاء من أمراض معينة هذا جائز. ومثله الحبة السوداء.
وهل يجوز نقل زمزم؟
نعم يجوز نقله، وهناك اعتقاد عند العوام أنه إذا نقل ذهبت مادته، وهذا غير صحيح.

هذه بعض الأشياء الشرعية التي ثبت أن فيها بركة. هناك من الناس من يقصد الصلاة في مساجد فيها أناس مقبورون كمسجد زيد وغير ذلك، فهذه من باب التبركات الشركية، وسيأتي بيان هذه المسألة في باب من عبد الله عند قبر رجل صالح.
مسألة: تتبع آثار النبي r المكانية هل هي جائزة؟
إذا كان ذلك من باب التبرك فهو غير جائز وهو من باب البدعة، وأما ما فعله النبي r من باب "الجبلة" فقد كان ابن عمر يفعل ذلك من شدة المتابعة والاقتداء، وأنكر عليه الصحابة ذلك. وممن أنكر تتبع آثار الأنبياء عمر بن الخطاب، وهذا مثل من يذهب إلى غار حراء، أو غار ثور ويجلسون فيه.
وهل يدخل فيه زيارة الأماكن الأثرية؟
أما زيارة الأماكن الأثرية التي تعود إلى الرسول r والصحابة فالراجح أنها لا تجوز سدًا للذريعة، كالذهاب إلى أماكن الغزوات؛ إلا ما استثنى كأحد وقباء، فإن النبي كان يزوروه، وقد تكلم في هذه المسألة ابن باز رحمه الله في رسالة صغيرة موجودة في مجموع الفتاوى ردًا على محمد أحمد جمال.
باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما:
كالبقعة والزاوية والمشاهد والمواطئ والآثار وغيرها، وكذلك التبرك بثياب الصالحين وأدواتهم وآثارهم وعرقهم. أما التبرك بآثارهم فيجب التشديد فيه؛ لأنه يؤدي إلى تعظيمهم وعبادتهم.
وذهب بعض العلماء إلى أنه من الشرك الأصغر (أي التبرك بآثار الصالحين).
وذهب ابن حجر والشوكاني إلى جوازه، مستدلين بتبرك الصحابة بالرسول r وهذا قياس مع الفارق وهو قول ضعيف.
مسألة:
هذه من بركاتك يا فلان، أو فلان كله بركة، أو تباركت علينا يا فلان
فما حكم هذه الألفاظ؟
هذه الألفاظ على قسمين:
"هذه من بركاتك يا فلان أو بركات فلان" فهذه جائزة، ويدل عليه حديث أسيد بن

حضير في البخاري (ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر)، وحديث عائشة الذي رواه أبو داود: (ما رأيت امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية). فيجوز مثل هذا، ولأن الله أخبر أن بعض الناس مبارك، كالصالحين كما في حديث الجليس الصالح، (إما أن يحذيك أو تبتاع منه).
ولكن ينبغي أن لا يكون فيها مبالغة كـ (زارتنا البركة).
أما كلمة (كله بركة) ففيها مبالغة، فالإنسان ليس كله مباركا. وأما كلمة (تباركت علينا يا فلان أو قوله تباركت) فلا يجوز، لأن تبارك من خصائص الله عز وجل أشار إلى ذلك ابن القيم في البدائع.
أيضًا إذا نزل المطر عند مجيء شخص لا يجوز أن يقول هذه من بركات فلان؛ لأن سبب نزول المطر هو الله وحده.
وقوله تعالى: أفرأيتم: المشهور من تفسيرها: أخبروني، وهو تفسير باللازم وليس تفسير بالمطابق، وهو تفسير صحيح.
اللات: صنم يعبد من دون الله، وهو حجر، وأصله رجل كان يلت السويق للحاج فمات فدفن، ومع طول الزمان عُبدت الحجارة التي عند قبره.
العزى: شجر يعبد من دون الله.
مناة: حجر يعبد من دون الله.
وكانوا يعتقدون أن هذه الآلة عندها بركة ذاتية، أو تعطي البركة أو تشفع في الحصول على البركة، فهم يتبركون عندها تبركاً شركيًا، فهذا دليل النوع الأول.
حديث أبي واقد الليثي:
حنين: غزوة حنين.
حدثاء عهد بكفر: كلمة قالها من باب الاعتذار. وهذا العهد هو الذي جعلهم لم يكفروا حينما طلبوا ما طلب بنو إسرائيل، وهذا أقرب الأقوال وعند المصنف في المسائل أن المانع أنهم لم يفعلوا.
فالمانع من تكفيرهم: حداثة عهدهم أو عدم الفعل أو كلاهما.
وللمشركين: اللام إما للملك أو الاختصاص.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 09-18-2012, 12:07 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

الملك: الكتاب لزيد، والاختصاص: اللجام للفرس، وهي هنا من باب الاختصاص.
يعكفون: الاعتكاف: طول المكث، هدف اعتكافهم: رجاء البركة ورجاء الخير أي يتبركون بالاعتكاف، وهذا تبرك عبادة عملية.
ينوطون: يعلقون، وتعلق الأسلحة يختلف باختلاف النية.
وما هي البركة التي يرجونها من تعليق أسلحتهم عليها؟ هي بركة القوة، وذكر ابن إسحاق أنهم يأتونها كل سنة، فهو تبرك حولي.
اجعل: الجعل قسمان:
جعل شرعي: ]جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ....[ [المائدة: 97] الآية.
جعل قدري ]وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا[ [الأعراف: 189] وفي هذا الحديث جعل شرعي.
كما: الكاف للتشبيه.
الله أكبر: فيه التكبير عند التعجب والاستنكار.
والذي نفسي بيده: أقسم النبي أن قولهم مثل قول بني إسرائيل، ورواه أيضًا أحمد وأبو يعلى وابن أبي شيبة، وهو كما قال الترمذي.
ومثل التبرك كمن يبدأ الخطبة أو الكلمة بـ (باسم الوطن، باسم الملك)، "أنا أكبر من الله، وأنجس من الكلب، وأطهر من الكعبة". هذا دارج على ألسنة الصغار، واللفظة الأخيرة فيها تبرك بالكعبة.
ينبغي ترك لفظة "واعزاه" أو "واعزيلي" وغيرها مما يشابهها من الألفاظ التي يقولها العوام قال تعالى: ]أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى[ [النجم: 19]. وقلنا ينبغي، وإلا لو كان لها معنى لغوي أو عرفي صحيح فلا مانع.
مسألة: من التبرك المذموم تجد الناس إذا نزل المطر واختلط بالأرض يدهنون به أجسادهم ووجوههم على وجه البركة. وهذا غير ما فعله الرسول r إذا نزل المطر تعرض له وقال أنه حديث عهد بربه.
ومن الناس من يتعرض للماء النازل من ميزان الكعبة، أو الماء المغسول به الكعبة ونحوه يتبرك بذلك فهذا من البدع. ومثله التبرك بكساء الكعبة ولباسها.

باب ما جاء في الذبح لغير الله
وقول الله تعالى: ]قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ[ [الأنعام: 162، 163] الآية، وقوله: ]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[ [الكوثر: 2].
عن علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله r بأربع كلمات: «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثًا، لعن الله من غير منار الأرض» [رواه مسلم].
وعن طارق بن شهاب، أن رسول الله r قال: «دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب» قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟! قال: «مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا، فقالوا لأحدهما قرب قال: ليس عندي شيء أقرب قالوا له: قرب ولو ذبابًا، فقرب ذبابًا، فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة» [رواه أحمد].
قال الشارح:
المصنف هنا لم يذكر الحكم في الترجمة، وليس ذلك لأن الأمر فيه خلاف فالحكم واضح.
أما الذبح لغير الله، فالذبح ينقسم إلى قسمين:
1- ذبح عادة. 2- ذبح عبادة.
ذبح العادة كالذبح للأكل، فهذا عادة باعتبار الأصل؛ لأنه مباح، والمباح تجري فيه الأحكام الخمسة. فإن قصد فيه إكرام الضيف فهو مستحب، وإن قصد النفقة على العيال فهو واجب، وهذا لم يقصده المؤلف. وسمي ذبح عادة لأنه لم يقصد به التقرب ولا الثواب أو التعظيم.
والثاني: ذبح عبادة كذبحها للصدقة والإهداء، والجامع لذلك: أن يذبحها تقربًا لله. وهذا القسم -أي الذبح- صدقة مستحبة، وأما الهدي فهو واجب، والأضحية سنة على

قول الجمهور، وهذا كله تقربًا لله.
وأما الذبح تقربًا لغير الله فهذا من الشرك الأكبر. وهذا هو مقصود المؤلف.
تقربًا: إما أن ترجو منه نفعًا كجلب خير أو دفع ضرر، ومن صوره: كالذبح للجن تقربًا إليهم، أو تخلصًا من شرهم، أو لكي يساعدونه، فهذا من الشرك الأكبر.
ومثل ذلك: ما يفعله بعض الناس إذا أراد أن يقيم بيتًا يذبح عند عتبات البيت دفعًا لأضرار الجن وأذاهم، وكذلك من يحفر بئرًا، وكذلك الذبح للسلطان تقربًا إليه أو تعظيمًا عند طلعته.
أما الذبح ضيافة له فهذا جائز.
مثال ثالث: الذبح لأصحاب القبور والأضرحة، فهذا من الشرك الأكبر.
مثال رابع: الذبح في مولد النبي أو ولي من الأولياء تعظيمًا لصاحب المولد، فهذه كلها صور شركية.
وهل ينقسم الذبح إلى شرك أكبر وإلى شرك أصغر؟
لا. الذبح ليس فيها شرك أصغر، لأن الذبح عبادة وتأله والعبادة تألهًا ليس فيها شرك أصغر.
وذكر بعض المشايخ أن الذبح لطلعة السلطان أنه من الشرك الأصغر، وقال أنه قد ذكره الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وهذا ليس بصحيح بل هو مما أهل به لغير الله كما قال صاحب تيسير الحميد ونقل الإجماع عليه من علماء بخارى.
القسم الثاني: أن يذبح ولا يذكر اسم الله عند الذبح، فيقول: باسم الشعب أو باسم المليك أو باسم المسيح، فهو لم يذكر اسم الله وذكر اسم غيره، وكذلك إذا ذكر اسم الله ومعه اسم غيره فهذا من الشرك الأكبر.
إذا ترك التسمية متعمدًا فالجمهور يرون أن ذبيحته حرام، وأما إذا تركها ناسيًا فالجمهور يرون الجواز.
الذبح: إزهاق الروح بقطع الودجين.
اللام: للتعليل.

]قُلْ إِنَّ صَلَاتِي[ [الأنعام: 162] الخطاب: للرسول r وإلى كل من يصح له الخطاب.
الصلاة: أي: الشرعية المعروفة.
نسكي: أي: ذبحي، كما جاء عن سعيد بن جبير ومجاهد ]فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ[ [البقرة: 196].
محياي: أي أعمال حياتي.
مماتي: ما أموت عليه من الإيمان.
وهذه الآية تدل على وجوب الإخلاص في الذبح، وأن يكون لله سبحانه وتعالى. وقوله: ]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[ [الكوثر: 2] وهذه الآية تدل على أن النحر عبادة؛ لأن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، وهنا أمر بها فهو يحبها لأنها عبادة، فالنحر عبادة فإن صُرف لله فهو عبادة شرعية، وإن صُرف لغير الله فهو شرك أكبر.
وعن علي رضي الله عنه قال: حدثني الرسول r بأربع كلمات: أي بأربع جمل.
الأولى: لعن الله من ذبح لغير الله.
اللعن: هو الطرد والإبعاد، ولعن الله: أي: طرد الله، فهو من الله طردّ وإبعاد، ومن الخلق دعاء.
من: موصولية.
واللام: للتعليل.
لغير الله: أي: تقربًا وتعظيمًا، فهذا ملعون مطرود من رحمة الله.
واللعن ينقسم إلى قسمين:
1-لعن أكبر، كما في الذبح.
2- لعن أصغر، كالمثال الثاني، لعن الوالدين والأكبر: طرد من الرحمة. والأصغر: طرد عن كمال الرحمة.
لعن والديه: إما بالمباشرة، كأن يواجه والديه باللعن، أو بالتسبب، كأن يعلن والدي رجل آخر.
لعن الله من آوى محدثًا: آوى: ضم وحمى.

مُحدثًا: المقصود به حدث الدين، كالهارب من الحدود، فهو كل من توجه عليه حق له أو للخلق ثم وجد من يحميه فهو ملعون، وهذا من كبائر الذنوب.
لعن الله من غير منار الأرض: منار: هي العلامات التي تفصل ما بين الناس، فتغييرها من كبائر الذنوب.
وهذا الحديث يدل على أن الذابح لغير الله ملعون لعنًا أكبر مخرجًا عن الملة.
حديث طارق بن شهاب: رواه أحمد، وذهب بعض العلماء إلى تضعيفه؛ والإمام أحمد رواه في كتاب الزهد فهذا الانتقاد الأول.
طارق بن شهاب: قالوا إنه بالاتفاق لم يسمع من رسول الله r، فقد اختلف في صحبته.
وقيل الحديث صحيح؛ لأنه قد رواه ابن أبي شيبة من غير طريق الأعمش، من طريق مخارق عن طارق بن شهاب.
ومخارق هذا أخرج له البخاري والترمذي وعده ابن حبان في الثقات.
أما طارق بن شهاب فقد أثبت ابن حجر أنه رأى الرسول r، فإذا ثبتت صحبته لم تشكل علينا قضية السماع؛ لأن الصحابة عدول.
في: سببية بمعنى الباء.
صنم: ما عبد من دون الله على هيئة إنسان.
الوثن: ما عبد من دون الله على غير هيئة إنسان فالأشجار أوثان. وقضية الصنم والوثن مثل الإسلام والإيمان، فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
لا يجوزه أحد حتى: انتهاء الغاية.
يقرب: هذه أهم كلمة في الحديث.
إذا قام في قلب الإنسان جواز التقريب فقد أشرك سواء فعل التقريب، أو لم يفعله، فإذا فعل على وجه التقريب فقد جمع كل السيئتين، والكفر يتفاوت كما قال تعالى ]إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ[ [التوبة: 37].
فقرب ذبابًا: طواعية لا إكراهًا.
فدخل النار: أي فمات فدخل النار.

لماذا نقول إنه غير مكره؟ لأن الله أخبر أنه دخل النار والله ليس بظلام للعبيد، ولو كان مكرهًا لكان عذرا في عدم دخول النار.
مسألة: وقد يقال لماذا عوقب؟
فالجواب:
1- إما أن يقال إنه في شريعة من قبلنا لا يعذرون بالكفر بالإكراه.
2- أو يقال إن لديه طواعية، وعدم ممانعة، وإن كانت الصورة صورة إكراه.
دخوله النار هل هو عقبة أو خلود؟ ظاهره الخلود.
وأل في النار والجنة: للعهد.
مسألة: من أمثلة الذبح لغير الله أيضًا: مثل لو أمره الساحر أن يذبح ولا يسمي. مثلاً. أو يذبح للجن. أو كبشًا صفته كذا. ومثل ذبح الاسترضاء وهو ذبح القاتل لولي المقتول أمامه لكي يرضى. ومثل ذبح الصلح وهو أن يذبح أمامه لكي يصالحه. ومثل الذبح لدفع العين. أو ذبح لكي يسلم البيت الجديد.
مسألة: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رد على أخيه سليمان لما قال أن الذبح لغير الله شرك أصغر وبين أنه أكبر.

باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
وقول الله تعالى: ]لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا[ [التوبة: 108] الآية.
عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي r فقال: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» قالوا: لا. قال: «فهل كان فيها عيد من أعيادهم» قالوا: لا. فقال رسول الله r: «أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» [رواه أبو داود، وإسناده على شرطهما].
قال الشارح:
أراد المصنف هنا أن أماكن المعصية أو أماكن الشرك لا يتعبد لله فيها، وأنه غير جائز. لا يذبح: لا ناهية، وقيل نافية.
بمكان: الباء ظرفية بمعنى في والدليل ]لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا[ [التوبة: 108] فلا: ناهية والدليل نزل في مسجد الضرار، وهو ليس خاصًا به، وإنما العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وهنا تدخل في العموم المعنوي.
فالصلاة في الكنائس لا تجوز لهذه الآية، وورد حديث عن عمر: «لا تدخلوا على الكفار في معابدهم فإن السخطة تنزل عليهم» والمسألة خلافية.
الصلاة في مساجد الرافضة: لا تجوز من هذا الباب؛ لأن مساجدهم أماكن شرك.
إذا كانت بيوتًا معدة للزنا أو لشرب الخمر فلا يجوز التعبد لله فيها. وهل يدخل في ذلك البنوك الربوية؟ نعم؛ لأنها أماكن معصية فلا يتعبد لله فيها، والصلاة فيها صحيحة مع الإثم.
هل النوادي من هذا الباب؟
أما النوادي فمن رأى أنها أقيمت من أجل هذا الغرض فيجعلها من هذا الباب وهو الصحيح، ومن رأى أنها أقيمت على أساس مباح ولكنه طرأ عليه الشر وغلب عليها فهذه أخف باعتبار التعبد فيها لكن لا تجوز أيضًا لأن العبرة بالأعم الغالب. أما التلفزيون فالراجح أنه من مساجد الضرار ويحرم وأشد من ذلك ما يسمى بالفضائيات

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 09-18-2012, 12:09 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

فهي أشد من مساجد الضرار لذا الخروج فيها داخل في قوله تعالى ]لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا[ علمًا أن فيه مفسدة أخرى وهي إعطاء الشرعية لها بخروج الدعاة فيها مما يؤدي إلى مفاسد.
إذا ذبح لله في أماكن الشرك: فهو شرك أصغر، والذبيحة صحيحة.
وعن ثابت بن الضحاك:
نذر: النذر لغة: الإلزام، شرعًا: إلزام المكلف نفسه طاعة ليست واجبة، وستأتي أحكامه إن شاء الله.
ببوانة: الباء بمعنى في.
هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية؟
هذا السؤال الذي سأله النبي r الرجل حتى يتصور المسألة.
وثن: يشمل الصنم.
الجاهلية هل هي نسبة زمن أو نسبة حال؟
ليس لها زمن معين، وإنما هي باعتبار الحال. هذه إنما هي جهل أو جهالة كقول النبي لأبي ذر: «أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية».
قالوا: لا: يمكن أن يكون قاله واحد والبقية وافقوا، والموافق ينسب له الفعل، كما قال تعالى: ]فَعَقَرُوهَا[ والعاقر واحد.
النحر للإبل: والذبح لغيرها، والنحر: أن تضرب في الوهدة وهي قائمة.
يعبد: يذل ويخضع له بالطاعة.
فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟
عيد: مأخوذ من العود وهو التكرار وقال أبو العباس «اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه المعتاد».
والعيد الشرعي: ما حوى عبادة وعادة.
عبادة: كالصلاة والنسك. عادة: التزين باللباس والزينة، وما يحصل فيه من اللعب المأذون فيه لمن ينتفع باللعب عادة كالجواري الصغار، ومثاله ما يحدث في عيد الفطر

وعيد الأضحى.
والأعياد تنقسم إلى قسمين:
1- أعياد مكانية. 2- أعياد زمانية.
والأعياد المكانية قسمان باعتبار:
أ- أعياد مكانية شرعية.
ب- أعياد مكانية بدعية.
والأعياد المكانية: هي ما يتكرر العود إليها، فالشرعية: كالحرم والمسجد النبوي ومنى وعرفات ومزدلفة.
وأما الأعياد المكانية البدعية: تكرير العود إلى المكان بقصد القربة والطاعة، كمن يذهب كل جمعة إلى قبر النبي r، أو تكرار الذهاب إلى غار حراء، وتكرار المجيء إلى قبور الأولياء بقصد الطاعة والقربة لا بقصد الزيارة الشرعية.
الأعياد الزمانية: فهو ما يعود على وجه الزمن مع التقرب إلى الله فيه، فيُهتم به ويعظم.
وهو قسمان:
1- شرعي. 2- بدعي.
1- أما الشرعي كالجمعة، وعيد الفطر، والأضحى، ورمضان، وعشر ذي الحجة، والأيام البيض.
2- أما البدعي: الاهتمام بيوم معين كصيام النصف من شعبان، وكالأعياد الوطنية، فهو من البدع، ولا يذهب الحكم تسميتها بيوم الوطن.
مسألة: وهل الأسابيع من الأعياد الزمانية؟
أما أسابيع المساجد فنعم؛ لأنه تعمل فيه عبادات وطاعات، وكذلك يوم الأم فهو يقع فيه شيء من العبادة. أما الأسابيع الأخرى، كأسبوع الشجرة، وأسبوع المرور، فهي ممنوعة من جهة التشبه.
بدعة المولد بدعة زمانية.
فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟

إما زماني أو مكاني، وهنا يقصد المكاني، أي: هل هذا المكان يتكرر المجيء إليه؟
قال رسول الله r «أوف بنذرك» ويفهم منه أنه لو كان فيها عيدٌ أو وثن لمنعه النبي من أن يتعبد في هذا المكان، وهذا الشاهد من الحديث.
رواه أبو داود وإسناده على شرطهما: ورواه الطبراني وصححه ابن حجر في تلخيص الحبير، وصححه الألباني.
ولا فيما لا يملك ابن آدم: كأن تنذر أن تُعتق عبد فلان.

باب من الشرك النذر لغير الله
وقول الله تعالى: ]يُوفُونَ بِالنَّذْرِ[ [الدهر: 7]، وقوله: ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ[ [البقرة: 270].
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله r قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه».
قال الشارح:
من: تبعيضية.
الشرك: يقصد به الأكبر.
النذر: مصدر، وهو ما يأتي ثالثًا في تصريف الفعل نذر ينذر نذرًا.
لغة: الإلزام، شرعًا: إلزام المكلف نفسه طاعة غير لازمة تعظيمًا للمنذور له. ما هي صورة النذر لغير الله؟ (واللام للقصد، ويقصد به نذر التقرب والتعظيم والتذلل).
أن يقول للولي الفلاني: له نذر علي، أو للقبر. أو قال: إن شفى الله مريضي فلفلان الولي أو قبر فلان كذا من الغنم أو العجل أو الزيت، فهذه صورة شركية؛ لأنه قصد بالنذر غير الله.
ومثله لو قال: إن نجح ابني فللولي الفلاني كذا من المال. فهذا من النذر لغير الله أيضًا. أو قال: إن وجدت ابني الضائع فللولي الفلاني كذا من المال.
نذر الشرك هل فيه كفارة، وهل كفارته كفارة يمين؟
كفارة اليمين لا تكفره، وإنما كفارته التوبة إلى الله.
وقال تعالى: ]يُوفُونَ بِالنَّذْرِ[ [الإنسان: 7] هنا مدح الله تعالى من يوفي بالنذر.
وقال تعالى: ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ[ [البقرة: 270] الله هنا جازى الناذرين.
فدل على أن النذر عبادة؛ لأن الله يحب الوفاء به ويجازي بالنذر، فيدل على أن النذر عبادة، فالشرك فيه شرك أكبر.

يوفون بالنذر: أي بما وجب عليهم من أصل الشرع، أو بما أوجبوه على أنفسهم لأن الموفي يمدح.
هل ابتداء النذر ممدوح؟
النذر ابتداءً على أقسام:
نذر شرك: وهذا لا يمدح الإنسان عليه مقصودًا.
نذر طاعة: وينقسم إلى قسمين:
أ- نذر طاعة خالصة لله عز وجل غير معلق بشيء مثل «لله علي أن أصوم ثلاثة أيام، أو أن أحج، أو أعتكف، فهذا يجب الوفاء به وليس فيه كفارة يمين».
ب- نذر طاعة: أن تُعلق الطاعة بحصول مرغوب للإنسان، وهذا يسمى نذر المجازاة، ويسمى نذر المعاوضة، ويسمى نذر التعليق.
مثاله: أن تقول: إن نجحت فلله علي أن أصوم ثلاثة أيام. سمي مجازاة؛ لأنه كأنك تجازي بالنجاح بصيام هذه الثلاثة أيام.
أما الوفاء بنذر الطاعة بقسميه فواجب، ويمدح الإنسان بالوفاء به. وأما ابتداؤه ففيه خلاف، والمشهور أنه يكره ابتداؤه، واختار ابن تيمية أنه يحرم الابتداء به مستدلاً بحديث (إنما يستخرج به من البخيل)، وهذا ذم وهو يقتضي التحريم، وباعتبار الواقع: فكثير من الناس ينذر ولا يفي، ويعرض نفسه للعقوبة.
مسألة: لو نذر طاعة فيها كلفة ومشقة فما الحكم؟
مثل لو قال: «لله علي أن أصوم يومًا وأترك يومًا، أو أصوم أربعة أشهر متوالية وهكذا». إذا كان نذر الطاعة فيه شيء من المشقة فالراجح أنه مع المشقة لا يلزم الوفاء، مستدلاً بعمومات الأدلة ]وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[ [الحج: 78] ]لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[ [البقرة: 286].
وهل يكفر جبرًا للنقص؟ نعم.
قال تعالى ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ[ [البقرة: 270] أي يجازي عليه، وليس هذا من التأويل، ونحن نثبت العلم لله، ولكن ذكره هنا مُرتبًا عليه الجزاء مع أن الآية من آيات الصفات ويثبت فيها العلم لله مع ذكر المجازاة على النذر.
قال في الصحيح: أي البخاري.
اصطلاح المصنف: إذا ذكر المصنف الحديث وقال في الصحيح فهو: في أحد الصحيحين إما البخاري أو مسلم.
من نذر: من شرطية، وجوابها: فليطعه.
وألفاظ الشرط من ألفاظ العموم: فيدخل فيه المسلم والكافر. والكافر مخاطب بفروع الشريعة، قال تعالى: ]مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[ [المدثر: 42، 43]، وقال تعالى: ]وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ...[ فصلت: 6، 7].
ويدل عليه حديث عمر «إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام، فقال r: أوف بنذرك»، لكن الكافر لا يصح منه لو أداه وقت كفره.
من نذر أن يطيع الله: هذا نذر الطاعة ويدخل فيه المعلق.
ما الحكم لو نذر طاعة مخالفة، كمن قال: لله علي أن أصوم الدهر؟ هذا نذر معصية وليست بطاعة.
ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه: هذا هو النوع الثالث: نذر المعصية، ويحرم فيه الوفاء، وفيه كفارة يمين.
القسم الرابع: نذر المباح، مثاله: لله علي أن ألبس هذا الثوب أو أن آكل هذا الطعام، فهذا فيه تخيير، فهو مخير بين الوفاء والكفارة.
القسم الخامس: نذر اللجاج والغضب: وهو أن يقصد من النذر المنع أو الحث، مثاله: إن كنت صادقًا فلله علي كذا، أو إذا تركت هذا الأمر فلله علي كذا، وهذا حكمه كالمباح إما أن يفي به أو يُكفر.
القسم السادس: النذر المطلق أن يقول: (لله علي) ويسكت، أو (علي نذر) ويسكت، فهذا فيه كفارة يمين.
وكفارة اليمين إما:
1- عتق رقبة مسلمة سليمة من العيوب قادرة على العمل.
2- أو يطعم عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع.

3- أو يكسو عشرة مساكين، وكسوتهم: أن يعطيهم ما يُجزي في الصلاة، فالرجل ثوبٌ، والمرأة يغطيها خمار. فإذا لم يستطع أحد الثلاثة ينتقل إلى:
4- الصيام ثلاثة أيام متتابعات، وهذا على قراءة ابن مسعود، وهو مذهب الحنابلة. وهل يجزي أن يطعم مسكين عشر مرات؟ لا.
وهل كل مسكين يطعم ولو لم يبلغ؟ نعم.
وهل يُجزي أن يُغديهم أو يعشيهم؟ عند الحنابلة لا يجزئ إلا إذا ناولهم بيده – أي لا بد من التمليك -، ويرى ابن تيمية أنه جائز.
ومن القضايا المعاصرة في النذر لغير الله ما يُسمى بصندوق النذور الموجود عند القبور المعظمة، فإذا نذر نذرًا لصاحب القبر جعله في ذلك الصندوق وهذا من الشرك الأكبر.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رد على أخيه سليمان في مفيد المستفيد لما قال إن النذر شرك أصغر بل بين أنه أكبر.

باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
وقول الله تعالى: ]وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[ [الجن: 6].
وعن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك» [رواه مسلم].
قال الشارح:
من: للتبعيض.
الاستعاذة: لغة: الالتجاء والاعتصام مأخوذة من العوذ، فتكون هي: طلب الالتجاء والاعتصام، لوجود السين التي تفيد الاستدعاء، شرعًا: الالتجاء والاعتصام بالله سبحانه وتعالى.
تنقسم الاستعاذة إلى أقسام:
القسم الأول: الاستعاذة والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا حكمه: شرك أكبر.
مثاله: الاستعاذة والاستغاثة بالأموات، أو بالرسول لقضاء الحجة وكشف الغمة، أو الاستغاثة بالغائب لكشف البلاء أو دفعه، وما أشبه ذلك. وله صورتان:
1- مثلاً يا رسول الله أغثني.
2- يا رسول الله أو يا فلان (المقبور) ادع الله لي أن يغيثني.
القسم الثاني: الاستعاذة والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه مع الاعتماد على المخلوق، وهذا يعتبر شركًا أصغر، وهنا سبب كونه شرك هل لكونه استعاذ أو استغاث أو لأنه اعتمد؟
الثاني: لأنه اعتمد، ولذا فجعل هذا القسم في باب التوكل أنسب، وهذه هي الصورة الأولى.
الصورة الثانية: أن يستعيذ بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق بصيغة: أستعيذ بالله

وبك، أو أستغيث بالله وبك، فهذا يعتبر شركًا أصغر، والسبب الصيغة.
القسم الثالث: الاستعاذة والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه مع الاعتماد على الله بصيغة جائزة، وهذا حكمه جائز، وهو ما يسمى بالاستجارة.
مسألة: ما حكم الاستعاذة بميت؟
وهذه يمكن إدخالها في القسم الأول.
سؤال الميت قسمان:
1- أن يستعاذ بالميت فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا من القسم الأول، فهو شرك أكبر بالإجماع.
2- أن يُستعاذ بالميت في أشياء يقدر عليها غيره، ولكن الميت هنا لا يقدر عليه، فهو شرك أكبر.
مثل لو قال: يا فلان -يريد الميت- أنقذني من اللص -أو يا فلان- يريد الميت -ادع الله أن ينقذني من اللص.
أما سؤال الميت سؤال المخاطب كأن تقول: "ماذا تتمنون؟"، أو "ماذا فعل بكم؟": هذه جاءت عن بعض السلف أنهم كانوا يفعلون ذلك من باب العبرة لا من باب الاستخبار، فهذه أمور جاءت بعض الآثار عليها، فهي باعتبار الأصل جائزة، لكن هل تُشرع أو ينبغي أن يفعلها الإنسان؟
الأقرب أنه لا ينبغي وأن يقتصر على ما كان يفعله r من السلام عليهم والدعاء لهم.
ما حكم الاستعاذة بالعاجز الحي فيما يقدره الإنسان؟ هذا يعتبر من السفه ونقص العقل.
ما حكم الاستعاذة بالغائب؟
أما الاستعاذة به فيما يقدر عليه هذا جائز إذا كان يسمع كما في الهاتف، أما إذا كان غائبًا عنك في مكان ولا يسمع، فهذا من جنس الاستعاذة بالأموات فيما يقدره الأحياء. وهو من الشرك الأكبر.
والغائب إما أن يكون غائبًا زمانًا أو مكانًا.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 09-18-2012, 12:10 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

الزماني: هو الذي قد مات. المكاني: هو من كان في مكان آخر.
ما حكم قول القائل "وامعتصماه" أو "يا رسول الله لو كنت حاضرًا ورأيت..." أو "أين أنت يا صلاح الدين"؟
هذه الألفاظ لا يقصد بها النداء الحقيقي.
فإن قصد بها النداء الحقيقي واعتقد أنه يسمعه وينفعه، فهذا لا شك أنه من الشرك الأكبر. أما إذا كان لا يقصد بها النداء وقصد بها استثارة الهمم، فلا ينبغي استعمال هذه الألفاظ الموهمة التي يمنع منها سدًا للذريعة ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا[ [البقرة: 104]. وللشيخ عبد الله (أبابطين) كلام حولها لو قيلت من باب الشعار في الحرب بالجواز راجح تأسيس التقديس تأليف أبابطين ص152.
حكم الاستعاذة والاستغاثة بالكفار؟
هذه المسألة بحثها الفقهاء تحت باب الاستعانة بالكفار، وقال r: «ارجع فلن نستعين بمشرك» لذا فلا يجوز الاستعانة بهم.
الاستعاذة: تكون قبل وقوع الشيء أو الشر، فقبل وقوع المخوف تستعيذ، فهي هرب من شيء تخافه لم يقع.
أما الاستغاثة: فهي طلب رفع شيء مضى أو وقع، فنداء الغريق والحريق استغاثة. إذا خاف الإنسان من شيء مخوف هل يستحب أن يستعيذ أو يسن تركه؟ هذه المسألة متعلقة بتحقيق التوحيد، أما الجواز فجائزة.
وقوله تعالى: ]وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[ [الجن: 6]. هذه الآية تدل على أن الاستعاذة بالجن من أعمال الجاهلية.
ما حكم الاستعاذة والاستغاثة بالجن؟ لا يجوز، وعلاقته بالتوحيد أنه يعتبر شركًا أكبر؛ حتى ولو كانوا يقدرون على هذا الشيء كما في هذه الآية.
مسألة: يقول بعض العوام للأطفال: "خذوه" للجن. وهذه لا تجوز.
1- لأن فيها ترويع للمسلم. 2- أن فيها مشابهة لأعمال الجاهلية.
ويقول بعض العوام إذا ضاع له شيء: «يا إبليس فك الكيس ما هو حقي حق الناس».

فهذه مثل الكلمة الأولى، ويخشى أن يكون فيها اعتقاد.
ما حكم مخاطبة الجن؟
المخاطبة قسمان:
1- أن تكون مخاطبة عن حضور معلوم بأحدى القرائن، كمخاطبة المصروع، ومثل ما جاء في الحديث الصحيح أن أبا هريرة حاور الشيطان، فهذا جائز.
2- أما إذا لم يكن عن حضور ولا قرائن، فلا شك أنه يحرم، كقولهم «أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه» وهذا من جنس فعل المشركين، وقال r: «من تشبه بقوم فهو منهم» وهو من الشرك الأكبر.
خولة بنت حكيم: سيأتي حكم التسمية "بحكيم".
فقال: الفاء للتعقيب، أي يكون محل الذكر بعد النزول، وإن نزل ونسيه يقضيه ما دام نازلا.
وقال: يقصد به قول القلب واللسان.
أعوذ: ألتجئ.
هنا استعاذ بصفة من صفات الله وهي الكلمات، والاستعاذة بالصفة كالسؤال بالصفة، وهذا جائز، والممنوع سؤال الصفة.
كلمات الله: من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، والجهمية والمعتزلة والأشاعرة يجعلونه من باب إضافة الخلق إلى الخالق.
من شر ما خلق: ولم يقل مما خلق. والمعنى من شر كل مخلوق فيه شر؛ لأن هناك مخلوقات لا شر فيها.
لم يضره: نفى الضر، ولكنه لم ينف الإصابة، فقد يصيبه شيء ولكنه لا يضره، إلا إن تخلف شيء بسبب الاعتقاد.
حتى: لانتهاء الغاية.
مسألة: بعض الصغار عند الخوف أو إذا فاجأه شيء قال (يا أمه) وبلغة العوام (يمّه). وهنا لا يريد الاستغاثة إنما هي تعبير عن الخوف فقط ولحديث: «إنما الأعمال بالنيات». وهي مثل كلمة لا أم لك ليست دعاء إنما هي كلمة تذمرّ ومثل تربت يداك ليست على حقيقتها وهكذا وهذه مثلها.

باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره
وقوله تعالى: ]وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ[ [يونس: 106، 107]. الآيتان. وقوله: ]فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ[ [العنكبوت: 17] الآية. وقوله: ]وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ[ [الأحقاف: 5] الآية. وقوله: ]أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[ [النمل: 62].
وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي r منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغث برسول الله r من هذا المنافق. فقال النبي r : «إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله عز وجل».
قال الشارح:
أقسامه مثل أقسام الاستعاذة تماما وقد سبقت فراجعها.
يستغيث: طلب الغوث، وهو طلب إزالة الشيء.
أو يدعو: من عطف العام على الخاص.
هناك من عباد القبور من يستدل ببعض الأدلة:
«يا عباد الله أعينوني»، «يا عباد الله أجيبوا».
والأول: حديث منقطع، رواه الطبراني.
والثاني: قال ابن عدي: إنه حديث منكر.
هناك حديث آخر مرفوع «إن لله خلقًا خلقهم لحوائج الناس...».
قال ابن عدي: حديث ضعيف جدًا، بل إن فيه رجلاً متهمًا بالوضع.
ولا تدع: يشمل الاستغاثة والاستعاذة.
لا ينفعك ولا يضرك: بذاته ولا بالشفاعة.
الظالمين: أل للعموم. الظلم يقصد به الأكبر؛ لأنه شرك.
وقال تعالى: ]فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ[ [العنكبوت: 17].
الشاهد منه: ]اعْبُدُوهُ[.

وقال تعالى: ]وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ[ [الأحقاف: 5].
ومن أضل: أي لا أحد.
يدعو: سواء كان دعاء مسألة أو دعاء عبادة.
]أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ...[ [النمل: 62].
أمن يجيب: أي لا أحد.
وروى الطبراني: وهذا الحديث فيه ابن لهيعة، وهو رجل ضاعت كتبه واختلط.
فالحديث ضعيف، ورواه أحمد، ولكن فيه نفس الرجل.

باب قول الله تعالى
]أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ[ [الأعراف: 191].
وقوله: ]وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ[ [فاطر: 13] الآية.
وفي الصحيح عن أنس قال: شج النبي r يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال: «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم»؟ فنزلت: ]لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ[ [آل عمران: 128]، وفيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله r يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: «اللهم العن فلانًا وفلانًا» بعدما يقول: «سمع الله لمن حمد، ربنا ولك الحمد» فأنزل الله تعالى: ]لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ[ [آل عمران: 128] الآية، وفي رواية: يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو والحارث ابن هشام، فنزلت ]لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ[ وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله r حين أنزل عليه: ]وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[ [الشعراء: 214] قال: «يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله r لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد سليني من المال ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا».
قال الشارح:
هذا الباب عقده المصنف ليذكر أدلة وبراهين عقلية تدل على بطلان الشرك وعبادة غير الله وخصوصًا عبادة الرسول بالذات؛ لأن هناك من يستغيث بالرسول ويدعوه، فبين المصنف أن الرسول لا ينفع ولا يغني عن أحد شيئًا، فإذا كان كذلك فكيف يعبد؟
الكلام: باعتبار الأصل فهو صفة ذات، وأما باعتبار الآحاد فهو صفة فعل متعلق بالمشيئة.
وأما المعطلة من الجهمية والمعتزلة: فهم ينفون الكلام والقول عن الله سبحانه وتعالى، وأن الكلام مخلوق، وأما الأشاعرة: فيثبتون ما يسمى بالكلام النفسي.

الله: هو المألوه المعبود.
تعالى: صفة فعل، علو ذات وقدر وقهر.
الآية الأولى:
الآية دلت على بطلان عبادة غير الله، لأن الله ذكر صفات من يعبدونه من دون الله، فذكر صفتين كلتيهما تدلان على بطلان عبادته.
1- أنه مخلوق والمخلوق لا يكون شريكًا، وهذا عقلاً.
2- لا يستطيعون لهم نصرًا؛ بل ولا ينصر نفسه. ومن كان عاجزًا عن النصر فكيف يُعبد؟
أيشركون: الاستفهام إنكاري، كيف تجعلون لله شريكًا عاجزًا؟
الآية الثانية:
في الآية دليل عقلي على بطلان عبادة غير الله، فذكر حال المدعو أنه لا يملك حتى أقل الأشياء، حتى القطمير، وهو: قشرة نواة التمرة لا يملكونها ملك استقلال، ولا يمكنهم التصرف فيها، والذي لا يملك لا يُعبد.
]وَالَّذِينَ تَدْعُونَ[ هل هو دعاء مسألة أو دعاء عبادة؟ كلاهما دعاء العبادة والمسألة، كسؤالهم ما لا يقدر عليه إلا الله.
فيشمل "سؤالهم مطلقًا وهم أموات".
الحديث: متفق عليه عن أنس.
الشجة: هي الجرح يكون في الرأس والوجه، والشج: هو الشق، وهو هنا في الوجه.
يوم أحد: سمي اليوم بالمكان، وهذه التسمية جائزة أن تسمى بعض الوقائع بأحداثها كالأحزاب، وأماكنها كبدر وأحد، فهذا جائز إذا لم يكن في الاسم سب أو تنقص، كاليوم الأسود، ويوم النكسة، وهذا من باب سب الأيام وسيأتي إن شاء الله.
يوم أحد: هل يجوز تعظيمه؟
لا. لا يعظم ولا يحزن عليه لوقوع المصيبة.
كسرت رباعتيه: هي ما بعد الثنية.

والرسول r وقعت له حوادث خاصة كتساقط بعض الأسنان وشج الوجه.
فقال: «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم» حيث فعلوا أشياء لم يفعلها غالب الكفار.
فنزلت: الفاء سببية.
وقوله: نزلت: فيه إثبات العلو لله عز وجل.
ليس لك: اللام في "لك" تفيد الاختصاص والتصرف.
من الأمر: أي أمر الله، وهو أمر التصرف والحكم، فأل للعهد، أي أمر الربوبية، فنفت الأمر المطلق، وهذا موضوع الشاهد من الحديث للباب. فإذا كان أمر الربوبية والتصرف ليس للنبي r فكيف يُعبد ويذبح له وغير ذلك؟
الحديث الثاني:
سمع: يدل أنه r جهر بالقنوت، وهذا الحكم حتى في الصلاة السرية.
إذا رفع رأسه من الركوع: هذا موضع القنوت.
والقنوت يكون بعد الرفع من الركوع بعدما يرفع رأسه، ويرفع ظهره: بدلالة اللزوم.
وهل يجوز القنوت قبل الركوع؟ نعم ثبت عن النبي r أنه قنت قبل الركوع. وأيهما أفضل؟ يجوز هذا ويجوز هذا، والأغلب أن يكون بعد الركوع، ويكون في الركعة الأخيرة.
وهذا فيه استحباب القنوت عند النوازل.
ومن الذي يقنت؟
1- القنوت يكون للإمام، ذكره الحنابلة.
2- كل إمام جماعة، وهو الراجح ]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[ [الأحزاب: 21].
3- كل مصل له أن يقنت، وهو قول ابن تيمية.
مسألة: وفيه قضية معاصرة وهي أنه درج بعض المعاصرين على منع القنوت إلا بإذن الإمام هذا قول مرجوح مسيس يخدم الحكام وهو خلاف عمل الصحابة فقد جاء عن خمسة من الصحابة أنهم قنتوا بعد وفاة رسول الله r وهم ليسوا أئمة ولا نوابا للإمام كأمثال أبي هريرة والبراء ومعاوية في الشام.

اللعن: الطرد والإبعاد من رحمة الله، ومن المخلوق الدعاء.
حكم الدعاء على الكافر؟
أما على وجه العموم فهذا لا خلاف فيه ]أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[ [هود: 18]. أما لعن الكافر المعين، المصنف وغيره قالوا: يجوز لعن الكافر وهو الراجح فقد دعا النبي r على رعل وذكوان ولعنهم شهرا وصح عن رسول الله r أنه لعن أبا جهل وعقبة والوليد ونفرا من أئمة قريش.
حكم الدعاء لهم؟
ذكر أهل العلم أن الدعاء للكافر على قسمين:
1- الدعاء له بالهداية، وهذا جائز «اللهم اهد دوسًا» في غير المحارب وإنما فيمن دلت القرائن على قبوله ورغبته في الإسلام.
وجاء في السير «اللهم اهد أحب العمرين إليك».
2- الدعاء له بالرحمة والمغفرة والجنة، لا يجوز ]مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى[ [التوبة: 113] وجاء في الصحيح أن النبي r استأذن الله أن يدعو لأمه فأبى.
لذا من الخطأ ما يقع في الجرائد من قول "المرحوم" إذا مات نصراني.
دعاؤه: هل الكافر له أن يدعو الله؟
قال تعالى: ]أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ[ [النمل: 62] وقال r: «اتق دعوة المظلوم».
وفي الحديث جواز ذكر المدعو لهم أو عليهم بأسمائهم في الصلاة، أما قوله r: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس». فهذا إذا كان على وجه المخاطبة.
مسألة: ما حكم لعن المعين؟
لعن المعين جائز بشرطين، وكذلك تبديع المعين وتفسيقه وتنفيقه:
1- وجود الأسباب: أن يقوم فيه الكفر أو الفسق أو البدعة أو النفاق.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 09-18-2012, 12:11 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

2- انتفاء المانع: كالجهل والإكراه ونحو ذلك.
هل يجوز التبديع والتفسيق باعتبار الهوى؟
لا يجوز، وإنما المعتبر ما كان من جانب الشرع.
التأويل هل هو مانع أو غير مانع؟
إذا كان التأويل له حظ من النظر ومعتبر عند أهل السنة والجماعة في غير الشرك الأكبر والمسائل الظاهرة فهذا مانع، فتأويل الأشاعرة مانع من التكفير، لكنه غير مانع من التبديع والتفسيق، أما الجهمية فهم كفار بإجماع السلف.
ربنا ولك الحمد: لها أربع صور:
1- ربنا لك الحمد. 2- ربنا ولك الحمد.
3- اللهم ربنا ولك الحمد. 4- اللهم ربنا لك الحمد.
فأنزل: الفاء سببية.
صفوان: هؤلاء؛ لأنهم رؤساء الكفار يوم أحد.
هل استجاب الله دعاءه؟
هؤلاء الثلاثة تاب الله عليهم فأسلموا.
سب الكفار الأموات: جاء حديث عن النبي r: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» "أل" في الأموات الأقرب أنها للعهد، ويقصد بها أموات المسلمين وذلك قوله تعالى: ]لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ[ [المائدة: 78] وقوله تعالى: ]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[ [المسد: 1] وكذلك لعن الله فرعون.
فسب الأموات غير جائز إذا كانوا مسلمين، ومع الكفر يجوز.
وأما بالنسبة للمسلمين فيجوز عند الحاجة، كبيان حاله وجرحه وغير ذلك ويستثنى في سب الأموات فيما لو سب الكافر الميت يقصد بهذا السب قريبه المسلم الحي فهذا لا يجوز لأنه توصل بسبب الكافر الميت من أجل أذية قريبه المسلم الحي فإن سبب الحديث «لا تسبوا الأموات» أن بعضهم كان يسب أبا جهل إذا رأى ابنه عكرمة لكي يؤذي عكرمة فمنع من أجل ذلك، أما لو سب الكافر الميت لمقاصد حسنة فلا مانع فقد دل على ذلك أدلة أخرى.

حين: ظرف زمان.
قام: قيام خاص، يقصد به الدعوة والإنذار.
حين أنزل عليه: أصبح قيامه تطبيقًا لقوله تعالى ]أُنْذِرَ[.
يا معشر قريش: هذه كلمة جامعة، وعند البخاري يا بني عبد مناف، والظاهر أن الرسول r عمّ وخصّ.
لا: نافية شيئًا: نكرة، فنفى رسول الله الغناء عن أحد شيئًا، فإذا كان كذلك لماذا يذبح له، أو يستغاث به، أو يستعاذ به؟ وهذا محل الشاهد.
داود بن جرجيس([1]) المبتدع قال:إن في الحديث محذوفًا وهو إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله وقد رد عليه (أبا بطين) رحمه الله.
سليني من مالي ما شئت: هذا هو الذي قدر عليه r، أما دفع عذاب الله ورفعه عنها فهذا لا يستطيع عليه r.
مالي: أي الذي أملكه.



باب قول الله تعالى
]حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ[ [سبأ: 23].
وفي (الصحيح) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله: كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك. حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع – ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض – وصفه سفيان بكفه فحرقها وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء».
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة – أو قال رعدة – شديدة خوفًا من الله عز وجل. فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدًا. فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل».
قال الشارح:
هذا الباب مثل الباب الذي قبله يبين بطلان الشرك بالله وعبادة غير الله. وهو معقود في عبادة الملائكة خاصة، وهؤلاء الملائكة يخافون ويفزعون، فالذي يخاف ويفزع لا يصلح أن يكون معبودًا.
ويدل أيضًا على بطلان عبادة الصالحين، إذا كان هذا حال الملائكة فحال غيرهم من باب أولى.

والباب الذي بعده قريب من نفس الفكرة.
الآية:
فزع: أزيل وفرغت قلوبهم من الفزع.
عن: حرف جر يدل على المجاوزة، حتى إذا جاوز الفزع قلوبهم.
من هم الذين فزع عن قلوبهم؟ المسألة خلافية بين علماء التفسير.
اختار ابن جرير وابن كثير على أن الضمير يعود على الملائكة، وذكر بعضهم أن الضمير يعود على المشركين، وهذا اختاره السعدي في تفسيره، ومال إليه بعض المفسرين، وروي عن بعض السلف، وذلك بدلالة السياق والراجح الأول.
قال تعالى في أول الآيات: ]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ[ [سبأ: 22] أي: أيها المشركون، فقول ابن جرير وابن كثير أقرب؛ لأنه يسنده حديث النبي r، وهو اختيار المصنف.
ما هو سبب فزع الملائكة؟ يأتي في الحديث.
قلوبهم: يدل على أن الملائكة لهم قلوب، وذكر الله أن لهم أجنحة، وأن الملائكة تفزع.
قالوا: قال بعضهم لبعض.
ماذا قال ربكم؟ استفهام.
الحق: مفعول به لفعل محذوف، قال: القول الحق.
وهل سمعوا ما قال الله أم هي كلمة إجمالية؟
الظاهر الثاني مع أنهم سمعوا كلام الله لكن يفزعون ويصعقون.
العلي: في ذاته، وهو عليٌ ذاتًا وقدرًا وقهرًا.
الكبير: اسم، والله هو الكبير الذي لا أكبر منه.
في الصحيح: الحديث في البخاري.
قضى: هنا المراد به القضاء الكوني؛ لأن سياق الحديث يدل على أنه قبل البعثة، فيكون قضاءً قدريًا كونيًا.

الأمر: القدري.
والأمر المقضي هنا قال القرطبي: مثل قضاء الله أن هذا العام يكون فيه كذا وكذا في السماء.
ضربت الملائكة بأجنحتها: إثبات الجناح للملائكة. وأل في الملائكة للعموم. خَضعانًا: ويجوز خُضعانًا: وهو مفعول لأجله، وقيل إنه حال: حالة كونهم خاضعين.
كأنه سلسلة: يحتمل في ضمير كأنه أمور هي:
1- صوت الرب: فتكون الكاف للتشبيه تعالى الله عن ذلك.
2- ضرب الملائكة: فيكون صوت ضرب الملائكة أجنحتها مثل صوت السلسلة.
3- الفزع الذي يحصل في قلوب الملائكة مثل الفزع الذي يحصل حين جر السلسلة على حصاة ملساء.
4- كأن السماع، فيكون تشبيه السماع بالسماع.
أما الاحتمال الأول فهو مشكل ولا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول: ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[ [الشورى: 11] فصوت الله لا يُشبّه.
وأما الاحتمال الثاني والثالث فكلاهما محتمل، وعادة الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور، وأما الاحتمال الرابع فقد اختاره بعض أهل العلم وهو تشبيه السماع بالسماع، لحديث أبي داود.
«إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة» وهذا الاختيار مثل مسألة تشبيه الرؤية بالرؤية في حديث «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر...» الحديث وهو الراجح.
صفوان: حجر أملس.
ينفذهم ذلك: يمضي في الملائكة هذا الصوت حتى يبلغ فيهم كل مبلغ. الحديث يبين لنا سبب بالفزع: وهو سماع الملائكة كلام الله.
وظاهره: أن الفزع يشمل جميع أهل السماوات.
فيسمعها: يعود على الأمر المقضي.
ومصدر سماعه: من الملائكة، أيُّ الملائكة؟ ملائكة العنان، وهو السحاب كما جاء

في البخاري.
زمن السمع للجن: الله أعلم أنه قبل البعثة.
لأن مسترقي السمع كانوا كثيرًا قبل النبوة، أما لما بُعث النبي r فلم يكونوا يسمعون. والنبي r أخبر عما كان قبل البعثة.
والسماع على أحوال ثلاث:
1- كثير قبل البعثة.
2- لا يوجد استماع أثناء البعثة.
3- قليل بعد البعثة.
ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض: هل هو مُدْرَج أم لا؟
الأصل أنه غير مدرج إلا إن ثبت ذلك.
بعضه على بعض: أي متراكبين.
بددّ: فرّق.
فيسمع الكلمة: أل للعهد الذكري: أي الكلمة المذكورة.
فيلقيها إلى من تحته: الظاهر أنها بدون نقص أو زيادة.
على لسان الساحر: هذا يدل على سرعة استجابة الساحر حتى تخرج من لسانه.
أو: للتنويع.
فربما أدركه الشهاب: الشهاب هو جزء من النجم؛ لأن النجم لو نزل على الأرض أحرقها.
الكذب: هو الإخبار بخلاف الواقع.
مائة كذبة: بفتح الكاف، وهذا للمبالغة.
قبول النفوس للباطل، كيف يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمائة؟!
تصديق الساحر: من الكفر وسيأتي إن شاء الله.
الشاهد من الحديث: أن الملائكة تخضع وتفزع فكيف تعبد ويستغاث بها وهي كذلك؟ وإذا كانت الملائكة كذلك فالصالحون من باب أولى.
حديث النواس بن سمعان: رواه ابن جرير من طريق الوليد بن مسلم، وهو يروي

عن نعيم بن حماد، وقد اختلفوا فيه، وأهل التحقيق على أنه ضعيف، وقد ضعف الألباني الحديث في تخريج السنة.

باب الشفاعة
وقول الله تعالى: ]وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ[ [الأنعام: 51]. وقوله: ]قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا[ [الزمر: 44] وقوله: ]مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ[ [البقرة: 255] وقوله: ]وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى[ [النجم: 26] وقوله: ]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ[ [سبأ: 22] الآيتين.
قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفي أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال تعالى: ]وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى[ [الأنبياء: 28] فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي r أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولاً، ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفع.
وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله.
وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود. فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بين النبي r أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه.
قال الشارح:
المسألة الأولى: في تعريف الشفاعة:
الشفاعة: مصدر شفع يشفع شفاعة مأخوذة من الشفع: وهو ضم الواحد إلى الواحد، وهو ضد الوتر.
وأما التعريف الاصطلاحي: طلب الخير للغير، فإذا طلبت له خيرًا أو أن يُدفع عنه

شر فهذه هي الشفاعة.
المسألة الثانية:
هذا الباب يعتبر من الأبواب المهمة في كتاب التوحيد؛ لأن التعلق في مفهوم الشفاعة كان من أسباب وقوع الشرك، خصوصًا بين من يقول لا إله إلا الله، وقولنا بمفهوم الشفاعة: أي المفهوم الخاطئ.
والمصنف عانى كثيرًا من هذه المسألة، ولذا ألف كتابًا أسماه (كشف الشبهات)، ومعظم هذه الشبهات تنطلق من الشفاعة والتوسل.
فالمصنف اهتم بهذا الباب لأنه من الشرك، وأراد إقامة الحجة على أن من طلب شفاعة أحد دون الله فهذا من الشرك الأكبر.
المسألة الثالثة: أقسام الشفاعة:
1- شفاعة منفية.
2- شفاعة مثبتة.
أما الشفاعة المنفية: فهي التي تُطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وسميت منفية لأنه جاء نفيها في القرآن، وذكر المصنف بعض الآيات في هذا الباب.
الشفاعة المثبتة: وهي التي تُطلب من الله، وهذه لا تكون إلا لأهل التوحيد.
ما هي شروطها؟ شرطان:
1- الإذن للشافع أن يشفع.
2- رضاه عن المشفوع له.
المسألة الرابعة: ما حكم طلب الشفاعة من الحي القادر؟
1- إن طلبت منه أمرًا مباحًا يقدر عليه فهذا فيه مساعدة، دل عليه قوله تعالى: ]مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا[ [النساء: 85].
2- وإذا طلبت منه ما لا يقدر عليه لوجود مانع من العجز والضعف ويقدره غيره، فهذا يعتبر من باب السفه.
3- أن تطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا من الشرك الأكبر.


([1]) ومن الردود على هذا المبتدع ابن جرجيس: يقال وكذلك الرسول r قال لفاطمة: لا أغني عنك من الله شيئًا مع أنها تقول لا إله إلا الله، فانتقض تقديره بالحذف.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 09-18-2012, 12:12 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

المسألة الخامسة: بعض الشبهات التي يتعلق بها عُبّاد القبور، ويعتقدون أنها تبيح لهم طلب الشفاعة من المقبورين والصالحين.
الأولى: استدلوا بحديث عثمان بن حنيف في التشفع بالرسول r، والحديث هو ما يعرف بحديث الضرير أو الأعمى، وهو أن رجلاً جاء إلى النبي r فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال الرسول r: «إن شئت دعوت لك فبرئت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، فطلب منه الدعاء، فقال له: توضأ ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد r».
والرد على الحديث من جهتين:
1- من جهة السند: ضعيف فيه عيسى بن أبي عيسى، قال الحافظ: والأكثرون على تضعيفه.
2- أن يقال: (أن قوله أتوجه إليك بنبيك محمد) المقصود فيه دعاء نبيك محمد؛ لأنه في أول الحديث قال: إن شئت دعوت لك، وطلب منه أن يدعو ليستجيب الله لدعاء النبي r.
فالمُسشفَع به هو دعاء النبي r، وليس ذات النبي r.
الثانية: حديث رواه الطبراني «يا عباد الله أعينوني، يا عباد الله احبسوا» والحديث منكر ومنقطع. قال ابن عدي: «وفي إسناده معروف بن حسان وهو منكر».
الثالثة: قوله تعالى: ]وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا[ [النساء: 64] ففيها أن الرسول يملك الاستغفار، والآية في حياته r، أما بعد موته فلا، وما كان الصحابة ولا التابعون يفعلون ذلك.
الرابعة: يستدلون بحديث رواه الطبراني «إن الله خلقا خلقهم لحوائج الناس يُفزع إليهم» قال ابن عدي في الكامل: هذا حديث ضعيف جدًا فيه رجل مشهور بالوضع.
الخامسة: قالوا أن الاستشفاع بالأنبياء يجوز؛ لأنكم تقولون إن الاستشفاع بالحي جائز، والأنبياء أحياء، فنحن نستشفع بأحياء، فإذا كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فالأنبياء فمن باب أولى.

الجواب على هذه الشبهة:
1- أن الله أخبر في القرآن أنهم ماتوا وانقطعت أعمالهم ]إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ[ [الزمر: 30]، والنبي r قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...» فليس له عمل بعد الموت.
2- أن الله منعك أن تسألها من غيره.
أما كونهم أحياء فنعم، ولكنها حياة برزخية غير هذه الحياة.
السادسة: أن طلب الشفاعة ليس شركًا بدليل أن إبراهيم عرض عليه الشفاعة جبريلُ، ولو كانت شركًا ما عرضها.
فنقول: جبريل حيٌّ قادر عرض على إبراهيم ما يقدره، ونحن نتكلم عن الاستشفاع بالأموات، ومجيء القبور وسؤالها.
السابعة: أن الرسول r أعطي الشفاعة – ويسوقون لك حديث الشفاعة العظمى -، ونحن نطلب منه ما يقدره.
الجواب عليهم:
1- أن الرسول r أعطيها يوم القيامة.
2- اطلب الشفاعة من الذي أعطاها الرسول، وليس من الرسول.
]قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا[ [الزمر: 44] مُلكًا واستحقاقًا، وقوله تعالى: ]مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا[ [النساء: 85] ففيه الحثُ على الشفاعة للغير لمن كان يقدرها في الدنيا.
«راجع كشف الشبهات والدر السنية في الجواب على عباد القبور».
المسألة السادسة: أقسام الناس في الشفاعة:
1- منهم من يثبتها إثباتًا مطلقًا، وأن الأولياء يشفعون، فيجِّوز طلبها منهم، وهؤلاء عباد القبور والصوفية.
2- من ينكر بعض الشفاعات، كالخوارج والمعتزلة، فإنهم ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر.
3- أهل السنة والجماعة، فهم يثبتون الشفاعة المثبتة وينفون المنفية.

الآيات:
أنذر: هو الإعلام المقترن بالتخويف به.
به: أي القرآن.
الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم. هذا إنذار خاص خص به هؤلاء؛ لأنهم منتفعون بالقرآن.
يحشروا: الحشر هو الجمع، وشرعًا: هو جمع الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد.
إلى ربهم: إلى خالقهم ومعبودهم.
وفي الآية نفي الشفاعة، ويقصد بها الشفاعة التي لا تجوز.
]قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا[ [الزمر: 44].
اللام في لله: للملك والاستحقاق، فهي ملك لله وعطاء من الله. إذن فكيف تطلب من غير الله، وممن لا يملكها كالأولياء والصالحين؟!
]مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ[ [البقرة: 255].
هذا فيه ذكر شرط الإذن في الشفاعة، وهو أحد شروطها، والاستفهام للإنكار.
]وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا...[ [النجم: 26]:
هذا فيه الشرط الثاني من شروط الشفاعة الشرعية وهو الرضى، وهذه الآية نفت شفاعة الملائكة والصالحين. إذن فكيف تُطلب من غير الله؟
]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ[ [سبأ: 22].
هذه الآية نفت أربعة أشياء كما قال ابن تيمية:
1- لا يملكون مثقال ذرة: نفت الملك.
2- وما لكم فيهما من شرك: نفت الشراكة.
3- وما له منهم من ظهير: وليسوا أيضًا معينين.
4- ولا تنفع الشفاعة: نفى أن يكونوا شفعاء.
لماذا نفى الله هذه الأربعة؟
لأن من تطلب منه الشفاعة فلا بد أن يكون مالكًا لأحد هذه الخصال الأربع.

قال أبو العباس: هو ابن تيمية، وهذا هو المشهور من كنيته.
وهو ليس له ابن، وهذا أمر جائز – التكني دون أن يكون له ولد -.
وقولنا: أبو العباس، أو ابن تيمية أفضل من قولنا (شيخ الإسلام) ويأتي إن شاء الله في أبواب لاحقة.
«من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه».
من: شرطية.
قال: يقصد به قول اللسان والقلب.
خالصًا: حال.
هل يكفي أن يقولها خالصًا من قلبه دون التصديق بالرسول والإتيان بالأعمال الأخرى؟
لا يكفي، فيجب أن يكون عاملاً بمقتضاها، ومقتضاها ما ذكرنا.

باب قول الله تعالى
]إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ[ [القصص: 56].
وفي الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله r وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له: «يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله» فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي r، فأعادا فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبي r: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله عز وجل ]مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ[ [التوبة: 113] الآية. وأنزل الله في أبي طالب: ]إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ[ [القصص: 56].
قال الشارح:
المسألة الأولى:
قصد المؤلف رحمه الله من إيراد هذا الباب أن يبين أن الرسول لا يملك هداية أحد، هداية توفيق وقبول، ولا يملك الاستغفار لغير الموحدين.
وكذلك غيره من الأولياء والصالحين الذين يُدعون من دون الله من باب قياس الأولى. فإذا كان الرسول r لا يملك أن يستغفر لأحد أو يهدي أحدًا، فالصالحون من باب أولى، ففيه الرد على عُبّاد القبور، وإذا كانت هذه فكرة الباب، فإنه قد سبق أن ذكرها المصنف في باب ]أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ[ [الأعراف: 191] فإنه عرض لنفس الفكرة.
المسألة الثانية: في شرح الترجمة:
إنك لا: لا: نافية، والمنفي عدم الهداية، فكيف نجمع بينها وبين قوله تعالى: ]وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ [الشورى: 52]؟
قبل أن نذكر الجمع هناك قاعدة «إذا تعارضت النصوص بالنسبة لطالب العلم فهي تتعارض باعتبار نظره لا باعتبار الواقع».

فما هو العمل؟
الجمع لأن الجمع فيه إعمال للنصين بقدر الإمكان. قال تعالى: ]وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ[ [الحشر: 7].
والجمع له عدة طرق:
1- أن يحمل أحد النصين على شخص والآخر على شخص، كقوله r: «ليس من البر الصيام في السفر»، وثبت من فعله أنه صام في السفر، فيحمل عدم الصيام على العاجز، والذي يصوم هو القادر.
2- أن تحمل هذه على حالة، وهذه على حالة.
3- العام والخاص، فيعمل بالعام ويخرج منه أحد أفراده بالدليل الثاني.
ومثله المطلق والمقيد، فيعمل بالمطلق؛ إلا في الجانب الذي فيه التقييد.
فإذا تعذر الجمع بهذه الطرق، فإننا نلجأ إلى النسخ، فيؤخذ أحد النصين ويترك الآخر بشرطين:
1- أن يتعذر الجمع بوجه من الوجوه.
2- أن يعلم المتقدم من المتأخر.
فإذا لم نعرف التاريخ انتقلنا إلى الترجيح، والترجيح تأخر عن النسخ، ونتيجته باعتبار الواقع مثل النسخ، فأنت تترك نصًا وتأخذ الآخر، وكذا في النسخ معك حجة أقوى؛ لأنك تركت أحد النصين.
وجوه الترجيح كثيرة:
1- أن يكون أحد الحديثين أصح من الآخر، فيؤخذ ما كان أقوى باعتبار السند من الثاني.
2- أو يكون أحدهما صاحب القصة والآخر راويًا عنه، كقصة زواج ميمونة وقولها أن النبي تزوجها وهو حلال، فرُجَّح على قول ابن عباس أنه تزوجها وهو حرام.
ثم بعد ذلك يتوقف.
قوله r: ]إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ[ [القصص: 56]، وقوله r: ]وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ [الشورى: 52] فهنا نجمع ونحمل الهداية المثبتة على هداية البيان والإرشاد.

فالهداية المنفية هي هداية التوفيق والقبول والإيمان بالقلب.
وقوله: ]إِنَّكَ لَا تَهْدِي[ فالمثبت هنا هو هداية الإرشاد والدلالة، فالرسول r يملك أن يدل ويرشد، ولكن لا يملك أن يدخل الإيمان في القلب. وقال تعالى: ]وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[ [الرعد: 7].
من: موصولية بمعنى الذي.
وقوله: ]أَحْبَبْتَ[ أي: أحببته يا محمد.
ولكن هل هو الذي تحب ذاته وعينه أو أحببت هدايته؟
قولان للعلماء:
فالأول: من أحبه لعينه وذاته، وهذا يترك سؤالاً، وهو: هل يجوز محبة الكافر؟
نقول: إنها محبة طبيعية كما يحب قريبه مثل أبيه وأمه.
والثاني: من أحببت هدايته، وهذا أقرب وذكره الشنقيطي في التفسير؛ لأن السياق يدل عليه، والقصد كذلك، فالنبي r حرص على هدايته وزاره.
في الصحيح: لما حضرت أبا طالب الوفاة، ما المقصود بحضور الوفاة؟ هل المقصود مقدمات الموت وأعراضه، أو الغرغرة وهي النزع؟
الأقرب أن المقصود مقدمات الموت وأعراضه؛ لأن الثاني يعارض، وقوله: ]وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ[ [النساء: 18].
ولما كان لقوله r فائدة؛ لأن التوبة عند حضور الوفاة غير مقبولة.
والجمع بينهما أن نقول: إن حضور الموت في الآية يقصد به النزع والغرغرة.
أما الحديث: فيقصد به أعراض الموت.
ولماذا لا نقول: إن حضور الموت في الحديث على بابه، وأن هذا خاص بأبي طالب، كما أنه خص بتخفيف العذاب؟ الجواب أن يقال: الأصل عدم الخصوصية.
جاءه: أي زاره. فيدل على جواز زيارة الكافر وعيادته بقيود:
أن لا يحبه بقلبه، فلا تكون الزيارة من أجل الأنس والمحبة.
ويجوز إذا كان من أجل الدعوة وترجو إسلامه، فيخرج إذا يئسنا من شخص، أو

غلب على الظن عدم إسلامه فغير جائز.
عبد الله بن أبي أمية: هذا أسلم، أبو جهل: هو فرعون هذه الأمة.
يا عم: يجوز أن يقال للكافر يا عم، ومثلها يا أبي ويا أمي.
والنسب لا ينقطع بالكفر، وإنما تنقطع المودة والمحبة، وينقطع الميراث.
قل: فعل أمر. وهل هو للإلزام، أو للإرشاد؟
الأصل في الأوامر أنها للإلزام، وهنا يرد علينا قوله تعالى: ]لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ[ [البقرة: 256] ولذا فإن الأظهر أن الأمر للإرشاد.
قول: «لا إله إلا الله» هل ينتفع الإنسان بها، أم لا بد من العمل بمقتضاها؟
الثاني، ولكن إن لم يبق برهة بعد قوله لا إله إلا الله فهذا يدخل في الإسلام.
أما إذا بقي فلا بد من العمل.
فهذه الكلمة يستحب أن تقال للكافر عند حضور الوفاة والمسلم من باب أولى.
كلمة: بدل من لا إله إلا الله.
أحاَج: أجعلها حجة أي يوم القيامة. وأشهد بها أنك أسلمت، وهذا يدل على مدى اهتمام الرسول r وحرصه على هداية أبي طالب، ويدل أيضًا أنه إذا وُجد كافر يهتم بالمسلمين ويناصرهم فيحرص على دعوته أكثر من غيره.
عند الله: أي يوم القيامة، فأجعلها حجة.
فقالا له: الضمير يعود على عبد الله بن أبي أمية وأبي جهل.
أترغب: استفهام إنكاري.
وما هي ملة عبد المطلب؟ هي الشرك بالألوهية، وهي تضاد لا إله إلا الله المدعو بها أبا طالب.
فأعاد عليه: يدل على جواز التكرار، وهذه إعادة، والإعادة غير الابتداء.
فأعادا: أي أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية.
هو على ملة: هذا من كلام الراوي أخذًا باعتبار تصريح أبي طالب، وهو تصرف من الراوي استقباحًا للقول، مع أن حكاية الكفر ليست بكفر، ولكن فعل هذا تأدبًا.
لأستغفرن: اللام موطئة للقسم والنون للتوكيد.

الاستغفار مأخوذ من: المغفر، وهو لباس يستر الرأس.
والمغفرة هي: الستر والتجاوز.
ما لم أنه عنك: قيده الرسول r.
ما كان r: خبر بمعنى النهي، وفيه دليل على تحريم الاستغفار للمشركين، ويدل على تحريم موالاتهم.
والدعاء على الكافر: تقدم.
المشركين: المشرك على قسمين:
1- مشرك شركًا أصليًا، وهذا لا يجوز أن يستغفر له الرسول ولا أحد من المسلمين.
2- مشرك شركًا طارئًا، وهذا لا يجوز أيضًا، وهذا هو المسلم إذا ارتد بوجود خصلة من خصال الشرك الأكبر.
تخفيف العذاب عن أبي طالب ثابت، أما الرحمة والمغفرة فهي منفية عنه.

باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم
وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
وقول الله عز وجل: ]يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ[ [النساء: 171].
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: ]وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا[ [نوح: 23] قال: «هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم، عبدت».
وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
وعن عمر أن رسول الله r قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» [أخرجاه].
وقال: قال رسول الله r: «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو».
ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله r قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا.
قال الشارح:
المسألة الأولى: تعريف الغلو:
لغة: مجاوزة الحد، مأخوذ من غلا القدر إذا زاد.
وأما شرعًا: فهو مجاوزة الحد مدحًا أو قدحًا.
المسألة الثانية: أقسام الغلو:
أولاً: باعتبار الحكم ينقسم إلى قسمين:
1- غلو عبادة: وهذا يعتبر شركًا أكبر، وضابطه: هو أن يجعل للمخلوق شيئًا من حقوق الله تعالى، مثل: الدعاء والذبح والتصرف في الكون، أو مشابهة الله في

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 09-18-2012, 12:13 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

الأسماء والصفات.
2- غلو وسيلة: وهذا باعتبار الحكم دائر بين الشرك الأصغر أو الكبائر، وضابطه: أن ترفع المخلوق فوق منزلته التي جعلها الله له، لكن دون الأول أي: دون العبادة.
كالصلاة لله عند القبور فهذا غلوٌ، ويعتبر من الشرك الأصغر، وكذبحه لله عند القبور، ومثل التعصب للصالحين، ومثل مدحهم المدح الزائد بالألفاظ.
ثانيًا: باعتبار المحل أو الموضوع.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام:-
1- إما في العقيدة.
2- أو في العبادات.
3- أو في العادات.
1- غلو العقيدة: مثل غلو المعطلة في التنزيه، حتى أنهم غلو وأنكروا صفات الله. وكغلو الخوارج حتى كفروا بالمعصية، وكغلو النصارى حتى جعلوا عيسى ابن مريم إلهًا، وكغلو الروافض في آل البيت، وكغلو المشبهة في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه، وكغلو اليهود حتى جعلوا عيسى ولد بغي، وهذا غلو في باب القدح.
2- غلو عبادات: وهو أن يرى أن الإخلال في شيء من العبادات يعتبر كفرًا، كما فعل الخوارج الذين يكفرون بالمعصية، أو يغلو في السنن فيجعلها مثل الواجبات، فيجعل تركها مما يحرم ويعاقب الإنسان عليه، وينكر على من يتركها.
3- الغلو في العادات: هناك من يغلو في العادات؛ حيث يتمسك بالعادات المخالفة للشرع ويتعمق فيها، كبعض العادات في الزواج والعزاء وغير ذلك.
وأما إذا كانت العادات غير مخالفة للشرع فالاستمرار عليها جائز؛ بل إنه يستحب للإنسان أن يفعل ما اعتاده قومه.
المسألة الثالثة: تحليل الترجمة:
السبب لغة: ما يتوصل به إلى غيره.
السبب اصطلاحًا: ما يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم، كدخول الوقت بالنسبة للصلاة.

والسبب المستقل: هو الذي لزم من عدمه العدم، أما إذا لم يكن كذلك فقد يقع سببًا آخر، كمثل الزواج سبب للإرث، ولكن لو لم يقع الزواج لأمكن أن يرث بأسباب أخرى.
الكفر لغة: الستر والتغطية، وسمي الزُّراع كفارًا؛ لأنهم يغطون الحب، كما قال تعالى: ]يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ[ [الفتح: 29].
شرعًا: جحد ما جاء به الرسول r أو بعضه، أو تركه بعض الأشياء المخصوصة وهو قول أو فعل أو اعتقاد يُخرج من الملة.
الصالحين: جمع صالح، وهو الذي فعل الواجبات وترك المحرمات، فترك خوارم الدين وخوارم المروءة.
المصنف جعل من عواقب الغلو أمرين:
1- الكفر.
2- ترك الدين، وهذا أعم من الكفر؛ لأن الكفر ترك بعض الدين.
أهل الكتاب: اليهود والنصارى ومن تبعهم وسار على منهجهم.
لا تغلوا: أي لا تتجاوزوا الحد في دينكم.
الدين: يقصد به العمل، أي لا تتجاوزوا الحد في أعمالكم وعبادتكم، كما قيل: «كما تدين تدان» أي: كما تعمل تجزى، أما النصارى فغلوا في عيسى حتى جعلوه إلهًا، واليهود غلوا في عزير حتى جعلوه ابنًا لله.
مناسبة الآية: تحذير هذه الأمة أن تعمل مع نبيها أو مع صالحيها كما فعلت اليهود والنصارى؛ حيث غلوا في ذلك.
في الصحيح: الحديث في البخاري.
وهذا يسمى تفسير صحابي، وتفسير الصحابي له حكم الرفع، فيكون مرفوعًا حكمًا. ذكر ابن عباس قصة أول شرك وقع في الأرض، وأول كفر وقع في الأرض، وأول تغيير للدين وقع في الأرض.
فذكر ابن عباس القصة، وابن عباس ذكر مرحلتين لوقوع الشرك على وجه الاختصار

وإلا فإنه وقع في ثلاثة مراحل أو ثلاثة أجيال.
قال ابن القيم:
لما ماتوا عكفوا على قبورهم: هذه المرحلة الأولى، فالقصة أول ما ابتدأت ببدعة وهي العكوف عند القبور، وهذا الذي كان يفعله الجيل الأول. ولم يقع الشرك إلى الآن؛ لأنهم لم يكونوا يعبدونهم، وإنما دافعهم التنشيط على العبادة.
والعكوف: هو طول المكث.
ثم: للترتيب والتراخي، فانتهى الجيل الأول وجاء الجيل الثاني، وكان انحرافه في التصوير والتماثيل. قال: ثم صوروا تماثيلهم وسموها بأسمائهم: حتى تكون أقرب للذهن، وهنا زادوا في البدعة فارتكبوا أمرًا محرمًا آخر، وكان قصدهم التأسي والذكرى، ولكن لم ينفعهم قصدهم الحسن.
ثم طال عليهم الأمد: هذا هو الجيل الثالث.
عودة إلى كلام ابن عباس:
أسماء رجال: ليخرج النساء.
من قوم نوح: كانوا قبل نوح بجيلين، فنوح بعث في الجيل الثالث.
فلما هلكوا: الواو في هلكوا تعود إلى الجيل الأول المبتدع.
أوحى إليهم: وحي الشيطان الوسوسة وحديث النفس.
الشيطان: مأخوذ من شطن إذا بعد، ومن الشاطئ وهو: البعيد عن وسط البحر. وهل سمي شيطانًا لأنه بعيد عن رحمة الله؟ أو لأنه مبعد عن رحمة الله؟ كلا الأمرين.
والشيطان: علم على متمردي الإنس، وعلم على متمردي الجن.
ويقصد به هنا: مردة الجن.
أنصابًا: أي تماثيل.
حتى إذا هلك أولئك: أي الجيل الثاني.
ونُسي العلم: أل للعهد، فهم لم ينسوا كل العلوم.
ما هو العلم الذي نسي؟ هل هو مقصود الجيل الثاني أو علم التوحيد؟

المقصود به علم التوحيد، وأن التماثيل محرمة، والبدع محرمة، والعكوف على التماثيل محرمة.
ومن آفات العلم: النسيان، وعدم العمل، وعدم الدعوة والتذكير.
وفي رواية عند البخاري «فلما نسخ العلم» وهذا يدلنا على أهمية علم التوحيد، فهو لما نسي هنا عبد غير الله سبحانه وتعالى.
عُبدت: خُضع لها بأنواع الطاعات فأصبحت يذبح لها وينذر لها.
وتفيدنا هذه القصة: أن الغلو في الصالحين سبب للكفر، وقد لا يقع الكفر في أزمان متقاربة؛ بل قد يمتد تدريجيًا إلى أجيال متعددة.
كان بين آدم ونوح عشرة قرون:
القرن هل يعرف بالكمية أو بالكيفية؟ يعرف بالكيفية، فالقرن هم الجماعة المقترنين بصفات معينة، فهؤلاء يسمون قرنًا.
وأمة محمد r اعتيد اعتبار قرنها بأنه كل (100 سنة)؛ لأن أعمارها ما بين الستين والسبعين.
حديث عمر:
لا تطروني: الإطراء هو: الغلو والمبالغة في المدح.
كما: هل المقصود بها التشبيه أو التعليل؟
على مذهب البوصيري أن الكاف للتشبيه، أي: لا تطروني كإطراء النصارى، ولذا قال: دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم.
والصحيح أن الكاف للتعليل، أي: لا تطروني فيؤدي إطراؤكم لي أن تكونوا مثل النصارى، وعلى ذلك فلا تمدحوا النبي r مدحًا زائدًا. ولذا قال «إنما أنا عبد».
النصارى: في هذا رد على من يسميهم المسيحيين.
إنما أنا عبد: أي لست إلهًا.
في هذا الحديث: تحريم إطراء الرسول، ومدحه المدح الزائد عن منزلته، فيؤدي هذا الغلو فيه إلى رفعه فوق منزلته.
حديث «إياكم والغلو» هو حديث ابن عباس، رواه أحمد والترمذي، وصححه ابن

تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم.
إياكم: للتحذير.
الغلو: مجاوزة الحد في الاعتقاد والعمل والعادة.
وإنما أهلك: بين r أن الغلو سبب للهلاك.
وهل هو هلاك دين أو بدن؟ كلاهما.
البدن يناله من العذاب على هذا الغلو، وهلاك الدين معروف.
هنا حصر الهلاك في الغلو، وجاءت أحاديث أخرى في حصر الهلاك بغير ذلك. فهلاك الدين سببه الغلو. هذا الذي يحمل عليه الحديث.
«إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه... الحديث». وهذا فيه: هلاك الحقوق وانتهاكها يكون بالتفريق بين الشريف والوضيع.
وكذلك تُحمل الأحاديث الأخرى: كل حديث بحسبه.
حديث ابن مسعود:
المتنطعون: المتعمقون. والتعمق إما أن يكون تعمق ألفاظ، ويكون هذا بالفخر والتشدق والتفيهق.
وتعمق العادات: كمن يتنطع في بعض العادات المخالفة للشريعة.
وتعمق العبادات: كما مر.
وهذا الحديث فيه: أن التنطع سبب للهلاك.
الأمور المباحة: إن تركت تدينا فهذا من باب التنطع، وأما إذا تركت من باب الزهد وتربية النفس فتجوز إذا كان الأمر يحتمل ذلك.

باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله
عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده
في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله r كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور. فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله» فهؤلاء جمعوا بين فتنتين، فتنة القبور، وفتنة التماثيل.
ولهما عنها قالت: «لما نُزل برسول الله r طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال – وهو كذلك - : «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا» [أخرجاه].
ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي r قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك».
فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن – وهو في السياق – من فعله، والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يُبْنَ مسجد، وهو معنى قولها: خشي أن يتخذ مسجدًا، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا، كما قال r: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا». ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد» [رواه أبو حاتم في صحيحه].
قال الشارح:

المسألة الأولى: تصوير مسألة «عبد الله عند قبر رجل صالح».
المسألة لها عدة صور: والعبادة فيها كلها لله.
1- الصلاة عند القبور أو القبر.
2- الصلاة في مسجد فيه قبر أو قبور.
3- الصلاة في مسجد مبني على القبر أو القبور.
ويمكن تحويل هذه الصور الثلاث إلى ست باعتبار القبر أو القبور.
4- الصلاة في مسجد حوله مقبرة.
المسألة الثانية: تحليل الترجمة:
التغليظ: أي التحريم وهذا الذي قصده المؤلف، وهذا واضح من الحديث الأول من قوله r «أولئك شرار الخلق».
وفي الحديث الثاني: قال r: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». وقوله r في الحديث الثالث: «فإني أنهاكم عن ذلك».
فذكر المؤلف ما يقارب من خمس صور من صور التغليظ.
فيمن: من موصولية بمعنى الذي.
عبد الله: تذلل وخضع لله بنوع من أنواع الطاعة.
وكونه "عبد الله" أعم من كونه صلى لله، لأن الصلاة بعض العبادة، وإن كانت الأحاديث كلها في الصلاة، ولكن يندرج فيها الذبح لله عند القبور، وقراءة القرآن عند القبور.
عند قبر: بالإفراد، فما بالك لو كانت أكثر من قبر لكان التغليظ أشد.
صالح: من أتى بالواجبات وترك المحرمات وخوارم المروءة.
كيف: للإنكار. المروءة: فعل ما يجمله ويزينه، وترك ما يدنسه ويشينه.
وهذا الباب سوف نجعله في الحديث عن الصلاة عند القبور، أما باقي العبادات فسبق أن تكلمنا عنه.
المسألة الثالثة: ما علاقة عبادة الله عند القبور بالتوحيد؟
هي منقصة للتوحيد، وفاعلها ناقص التوحيد، وعلاقتها بالشرك أنها من الشرك الأصغر.

المسألة الرابعة: ما حكم الصلاة في الصور السابقة؟
الصورة الأولى: الصلاة عند القبور أو القبر: هذه لا تجوز ولا تصح الصلاة في أي جهة كان القبر سواء كان عن يمينه أو شماله أو أمامه أو خلفه، بشرط أن يكون منسوبًا إليه فيقال: «صلى عند قبر».
الأدلة:
حديث أبي مرثد في مسلم عن النبي r «لا تصلوا إلى القبور» وجاء في الحديث الآخر: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام».
معنى كلمة لا تصح في باب العبادات: لا تبرأ به الذمة ولا يسقط به الطلب.
عدم الصحة في باب المعاملات: ما لا يترتب عليه أثر.
فالصلاة عند القبر لا تصح، ومن الطبيعي أنها لا تجوز.
وهل هذا عام في كل صلاة؟
ظاهر حديث أبي مرثد أنه عام في كل صلاة، ولكنه مخصوص «إلا صلاة الجنازة»، لفعل النبي r حينما صلى على المرأة السوداء "أي صلاة الجنازة". ومذهب الفقهاء أنه يمتد إلى شهر؛ لفعل النبي r حيث صلى على قبر أم سعد بعد ما قدم من سفر وقد مضى شهر "رواه الترمذي".
الصورة الثانية: الصلاة في مسجد مبني على قبر أو قبور، فالسابق هنا القبر والطارئ هو المسجد.
والصلاة في هذا المسجد لا تصح، لأنه مقبرة، ويدل عليه عموم الحديث السابق. وفي هذه الصورة يجب هدم المسجد، فهو شبيه بمسجد الضرار، والأموات قد سبقوا إلى هذا المكان، ومن سبق إلى شيء فهو أحق به، وهذا زاحمهم.
الصورة الثالثة: أن يصلي في مسجد فيه قبر، فهنا المسجد هو السابق.
أما في هذه الصورة: فالصلاة فيها مسألة خلافية:
القول الأول: أن الصلاة لا تصح؛ للأحاديث السابقة حديث أبي مرثد وغيره.
القول الثاني: تصح مع الإثم والنقصان؛ وهذا هو المذهب.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 09-18-2012, 12:14 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

وإن كانت المسألة ينبغي التشديد فيها فالقول الأول أقوى، وفي هذه الصورة لا فرق بين أن يكون القبر عن يمينك أو شمالك أو أمامك أو خلفك، وهذا القبر يجب نبشه، ولو أوصى صاحب المسجد فهذه وصية جائرة، فينبش ويدفن في مقابر المسلمين. والمنع لعموم حديث «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» في إحدى الصور.
مسألة: ما الحكم لو كان القبر في غرفة مستقلة؟ لا فرق.
1- إما أن تكون هذه الغرفة التي فيها القبر لا يدخل منها ولا يخرج إلا من طريق المسجد، فهذه حكمها حكم المسجد سواء.
2- أن تكون الغرفة لها بابان، باب من جهة المسجد، وباب من غير جهة المسجد والسور واحد، فهذه أيضًا لا تصح، ويجري فيها الخلاف.
3- أن يدخل ويخرج إليها من خارج المسجد، فهذه إما أن يكون سورها وسور المسجد واحد وهذه حرام، ولكنها أخف من الصورتين السابقتين، أو أن يكون سورها غير سور المسجد فهذه بالنسبة لصحة الصلاة تصح الصلاة في المسجد؛ لكن الواجب أن تبعد عن المسجد بمقدار ممر، بشرط ألا تكون في قبلة المسجد. ولذلك ينبغي التنبه لمن يذهب إلى مساجد فيها قبور ويصلي فيها.
مسألة: إذا كانت المقبرة في قبلة المسجد فما الحكم؟
إن كان سور المقبرة ملتصق بسور المسجد فيمنع من ذلك، أما إن كانت غير ملتصقة وبينها ممر فهذا جائز.
مسألة: اتفقنا أن الطارئ يزال سواء من المساجد المبنية على القبور أو القبور المبنية على المساجد، فمن يقوم بهدمها؟ يقوم بهدم المساجد أولياء الأمور.
وإذا كان هناك جماعة لهم شوكة ومنعة فهل لهم إزالتها؟
إذا كانوا في غير بلاد إسلام وخلا فعلهم من المفاسد فيجوز لهم هدم ذلك. وأما إن كانوا في بلاد الإسلام فعليهم مناصحة أولياء الأمور.
واختار بعض أهل العلم: أنه إذا كان الإمام ضعيفًا وهناك من له شوكة ومنعة فله أن يغير بدون إذن الإمام الضعيف، كما فعل ابن تيمية في بعض تغييراته، وإذا امتنع ولي الأمر من التغيير فلأهل المنعة والشوكة التغيير إذا أمنت المفاسد.

في الصحيح: صحيح البخاري ومسلم، وهو حديث متفق عليه.
الكنيسة: هي معبد النصارى، وقوله "رأتها": أي رأت الكنيسة ولكن هل رأتها عن دخول أو مرور؟
غير واضح ذلك في الحديث.
ما حكم دخول الكنيسة؟
أما دخول الكنيسة فلا يخلو من ثلاث حالات:
1- أن يدخلها للتعبد والصلاة.
2- أن يدخلها للفرجة والمصلحة الدنيوية (للدنيا).
3- أن يدخلها للدعوة.
وفي الصورة الأولى: لا يصح دخوله، ويحرم قال تعالى: ]لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا[ [التوبة: 108] وقال عمر: «لا تدخلوا على المشركين في معابدهم فالسخطة تنزل عليهم»، ولأنها مأوى الشياطين، وقول عمر: رواه البيهقي بسند صحيح.
وأما الدخول للفرجة والمصالح الدنيوية فيحرم، ويشمله حديث عمر موقوفًا عليه، رواه البيهقي.
«لا تدخلوا على المشركين في معابدهم» وسدًا لذريعة التشبه بهم ومحبتهم، وأما إن دخلها للدعوة، فيجوز إذا أمن على نفسه، ولم يكن هناك مفسدة.
أولئك: بالكسر؛ لأنه خطاب لأم سلمة.
أو العبد: شك من الراوي.
بنوا على قبره مسجدًا: هذه أشد الصور.
أولئك شرار الخلق: هذا وعيد وتهديد، وشرار جمع شرير، وهذا تغليظ.
بنوا على قبره مسجدًا: أي مكان سجود الصلاة.
ولهما: الضمير يعود على مشتهر وهو هنا البخاري ومسلم مثل قوله تعالى ]سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ[ [الإسراء: 1] الضمير في ]عَبْدِه[ يعود على مشتهر.
نُزل: مبني للمجهول، والمقصود به نزول ملك الموت لقبض روحه r.
طفق: أي أخذ.

خميصة: كساء له أعلام.
على وجهه فإذا اغتم: أي من شدة معالجة الموت.
فقال وهو كذلك: أي على تلك الحالة، فيدل على أن الرسول r قال هذا القول في آخر حياته.
لعنة: تقدم أن اللعن قسمان: لعن أكبر، ولعن أصغر، وهو الطرد والإبعاد من الله، ومن المخلوق: الدعاء بالطرد والإبعاد.
وهل يجوز لعن اليهود والنصارى؟ نعم ... للعن الرسول r لهم.
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد: جملة تعليلية، فعلة اللعن اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد.
قبور: ليس هناك فرق بين القبر والقبور في الحكم، فالعدد هنا لا مفهوم له.
مساجد: صور اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، له صورتان:-
الأولى: أن تبنى المساجد على القبور.
الثانية: الصلاة عندها، فإن الصلاة عندها من اتخذها مساجد، ولو لم تكن هناك بناية.
يحذّر ما صنعوا: قال بعض أهل العلم: إنه مدرج من كلام عائشة، أي: يحذر الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
واللعن هنا داعيه هو التحريم والتحذير من فعلهم.
ولولا ذلك: أي تحذير النبي r.
لأُبرز قبره: وهذا أحد الأسباب في أن النبي r دفن في بيته، فذلك خشية أن يبنى عليه مسجد، أو يتخذ قبره موضعًا للسجود، السبب الثاني: ما جاء في حديث «ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض».
لأُبرز: أي لأصبح بارزًا، وهل يقصد البروز هنا بروز ارتفاع أو بروز مكان؟
المقصود بروز المكان، أي لولا تحذيره لدفن في البقيع، ثم جاء هذا الحديث فعضد وقوى أنه يدفن في البيت.
إشكال في قبر النبي r وكونه في المسجد؟
يجاب على هذا بأربعة أجوبة:

1- أن مسجد الرسول لم يبنَ على القبور، فإن النبي r هو الذي بناه، وأخبر عنه سبحانه وتعالى بأنه أول مسجد أسس على التقوى.
2- أن النبي r لم يدفن في المسجد كما يفعل هؤلاء.
3- أن إدخال بيوت النبي r في المسجد ليس باتفاق العلماء، بل هو خطأ من رجل لا يعتبر من العلماء، وهو الوليد بن عبد الملك فهو الذي أدخل قبره في المسجد، وأنكر عليه العلماء منهم سعيد بن المسيب، وكان ذلك في سنة 94هـ. والوليد ليس ممن يُقتدى به خصوصًا مع إنكار العلماء عليه، علمًا بأنهم وضعوا احتياطًا في قبره r، حيث بنوا عليه ثلاثة جدران فلا يكون المصلي مستقبلاً له. مع أن هذا لا يغني إذ العمل من أصله خطأ. والمسجد النبوي ليس حجة لأحد ممن يفعل ذلك من إدخال القبور في المساجد.
لماذا لا تمنع الصلاة في المسجد النبوي؟
لا تمنع، بل بإجماع المسلمين أنهم يصلون من ذلك العهد فكيف نقول لا تجوز مع هذا التواتر على صحة الصلاة في المسجد النبوي وثبوت الفضل.
ونقول: إن الصلاة فيه كما أخبر r أنها تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد؛ إلا المسجد الحرام.
إلا أننا نقول: أن من صلى في المسجد النبوي بقصد بركة القبر، أو لأن القبر فيه، فهذا لا تصح صلاته. فأصبحت صحة الصلاة لا تعود على المكان، وإنما تعود على الاعتقاد والنية.
من تقصد أن يصلي خلف حجرة النبي r؟
هو مثل من قصد الصلاة عند القبر في الحكم وقد سبق.
خُشي بالفتح يكون الفاعل الرسول r، وجاءت بضم الخاء فيكون الفاعل الصحابة.
قال المصنف في هذا الحديث (أخرجاه) بعد أن قال (ولهما) ويمكن أن يكون هذا من باب التأكيد.
مسألة: ما حكم الدفن في البيوت؟
لا يجوز، لقوله r: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»، ومن معاني الحديث: أي لا تدفنوا

الموتى من بيوتكم؛ بل يدفن مع المسلمين في مقابرهم.
«قبل أن يموت بخمس» أي: بخمس ليال، وهذا حديث جندب، وهو غير حديث عائشة، فيدل على أن الرسول r كرر هذا الأمر وأعاد عليه.
خليل: الخليل: هو المحبوب غاية الحب.
اتخذني خليلا: إثبات المحبة لله عز وجل.
أمتي: أمة الإجابة.
ألا: حرف تنبيه واستفتاح.
لا تتخذوا: لا: ناهية، والنهي يقتضي التحريم.
فإني أنهاكم عن ذلك: هذا نهي مرة أخرى.
فقد نهى عنه في آخر حياته: هذا من كلام أبي العباس ابن تيمية.
والصلاة عندها من ذلك: هذه صورة من صور الاتخاذ.
وإن لم يبن مسجد: الصورة الثانية: أن يُبنى مسجد، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا، هذا لغة.
أما المسجد اصطلاحًا: فهو المكان المعد للصلوات الخمس إعدادًا عامًا، ولا يلزم أن يكون فيه إمام راتب، فعلى هذا فالمساجد التي على الطرقات وفي الأرياف تعتبر مساجد لها أحكام المساجد. وأما المساجد في المدارس فهي مصليات؛ لأنه لا يصلي فيها إلا بعض الصلوات. هذا أولاً.
ثانيًا: أنها لم تُعد إعدادًا عامًا، فليس لها التحية، ويجوز دخول الحائض والجنب لها، ويجوز فيها البيع والشراء.
أما مصلى العيد فيعتبر مسجدًا، لأن الرسول r أمر الحُيّض باعتزال مصلى العيد، فدل على كونه مسجدًا.
وهل يشترط في المسجد الوقفية؟
الظاهر أنه لا يشترط، فلو أن جماعة مسجد أرادوا تجديد وتوسيع مسجدهم فاستعاروا أرضًا يصلون فيها تلك المدة صح وأخذت حكم المسجد.
جُعلت: هذا هو الجعل الشرعي، ومنه قوله تعالى ]جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ



الْحَرَامَ[ [المائدة: 97] وقوله: r]وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ[ [الزخرف: 28].
الأرض: أل: هل هي للعموم أو العهد؟
فقهاء الحنابلة يجعلونها للعهد، أي: التراب.
والقول الثاني: للعموم، فكل الأرض يتطهر بها، الجبال والأحجار وغير ذلك.
مسجدًا: هذا يحتاج إلى تخصيص؛ لأن في الأرض حشوشًا وحمامات وأماكن نجسة وغير ذلك.
حديث ابن مسعود: المرفوع قسمان: حقيقي وحكمي.
من شرار الناس: هذا من التغليظ.

باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين
يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله
روى مالك في الموطأ: أن رسول الله r قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: ]أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى[ [النجم: 19] قال: كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره، وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: كان يلت السويق للحاج.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله r زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» [رواه أهل السنن].
قال الشارح:
هذا الباب شبيه بالباب الذي قبله، وبالنظر إلى عناوين البابين فإن هذا الباب يتحدث عن الغلو في القبور، والذي قبله يتحدث عن الغلو في الصالحين، وأن الغلو في قبور الصالحين هنا يجعلها أوثانًا، وهناك الغلو في الصالحين يجعلهم آلهة.
المسألة الأولى: تحليل الترجمة:
الغلو: سبق أن تحدثنا عن معنى الغلو.
في قبور: ليس هناك فرق بين القبر والقبور.
الصالحين: جمع صالح، والصالح هو الذي قام بحقوق الله وحقوق العباد. وهل كلمة الصالح مرادفة لكلمة المؤمن؟
لا. هي هنا يقصد بها أخص من كلمة المؤمن.
والمؤلف رحمه الله من محبته للأمة ونصحه لها كرر التحذير من الغلو في الصالحين في ثلاثة أبواب متتابعة، ولأن طبيعة العصر الذي نشأ فيه المؤلف فيها مظاهر من الغلو في قبور الصالحين أو ذواتهم.
يصيرها: يحولها.

أوثانًا: الوثن له تعريفان:
1- تعريف مع الإفراد. 2- تعريف مع الجمع مع كلمة الصنم.
التعريف العام مع الإفراد، فإن الوثن: ما عبد من دون الله على أي هيئة كانت.
وأما الوثن بالمعنى الخاص – وهو مع الجمع مع الصنم – فإن الوثن يطلق على: ما عبد من دون الله على غير هيئة إنسان.
تُعبد: يُخضع لها ويتذلل.
وقوله تُعبد: قيد لبيان الواقع، فليس هناك أوثان لا تعبد، وهذا مثل قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ[ [البقرة: 21].
معنى الترجمة: أننا إذا تجاوزنا الحدود الشرعية في القبور فإنها تتحول إلى أوثان تعبد من دون الله.
وهذا يثير سؤالاً: ما هي الحدود الشرعية للقبور؟
أن يكون قبرًا عاديًا مسنمًا بمقدار شبر، ليس عليه بنيان؛ سواء كان البنيان قبة أو مسجدًا، وليس عليه شيء من مظاهر التعظيم ولا الكتابة، فقد ورد النهي عنها، ولا يُجصص.
معنى الأحاديث:
ما رواه مالك: وهو رواه مرسلاً، والمرسل: ما منه الصحابي سقط. أو: ما رفعه التابعي، ووصله الإمام أحمد رحمه الله في المسند عن أبي هريرة بسند صحيح.
اللهم: بمعنى يا ألله، حذفت الياء وعوضت عنها الميم فأصبحت اللهم.
لا تجعل: لا: ناهية ولكن لا يقصد به حقيقة النهي، فإنه وإن كان صيغته صيغة نهي، فإنه يسمى دعاء؛ لأنه طلب من الأسفل إلى الأعلى.
وثنا: الوثن لا يلزم منه قيد الرضى؛ بخلاف الطاغوت فهو من عبد من دون الله وهو راض، فالشجر تسمى أوثانًا ولا يتصور منها الرضى.
وهنا سأل الرسول r الله ألا يكون قبره وثنًا يعبد.
ذكر ابن القيم ووافقه غيره من العلماء أن الله استجاب دعاءه، ولذلك فقبر النبي r ليس وثنًا يُعبد، وليس فيه شيءٌ من مظاهر الوثنية، فلا يطاف حول قبره، ولا يذبح

عند قبره، ولا يتمسح بقبره، فقد حفظه الله.
وهناك فرق بين اتخاذ قبر الرسول وثنًا وبين اتخاذ الرسول إلهًا، فإن الأخير قد وقع، فهناك من عبد الرسول واستغاث به. أما قبر الرسول r فمحفوظ، فلا يستطيع أحد أن يطوف به، ولو طاف من وراء الحجرات فلا يسمى طوافًا بالقبر.
اشتد غضب الله: هذه الجملة جملة تحذيرية وتعليلية في نفس الوقت.
غضب الله: غضب مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه. والإضافة نوعان:
1- إضافة الصفة إلى الموصوف.
2- إضافة المخلوق للخالق.
ضابط إضافة المخلوق للخالق: أن يكون المضاف عينًا قائمًا بنفسه، مثل: بيت الله، وكعبة الله، وخليل الله، وكلمة الله، وقد تكون هذه الإضافة للتشريف، كما في بيت الله، وربما تكون لغير ذلك، مثل "هذا خلق الله".
أما إذا كان المضاف معنى لا يقوم بنفسه؛ فإنه من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. مثل الغضب هنا: والغضب: 1- صفة من صفات الله.
2- وهي من صفات الأفعال، فهي صفة فعل متعلقة بالمشيئة.
أما المعطلة من الجهمية والأشاعرة فيفسرون الغضب بالانتقام، وهذا من الانحراف. فالانتقام من لازم الغضب ومن آثاره وليس هو الغضب.
أنبيائهم: جمع نبي.
إما مسجد البناية أو مكان السجود.
مناسبة الحديث: أن الغلو في قبور الأنبياء يجعلها أوثانًا، ولذلك تعوذ الرسول من أن يكون قبره على نفس المصير.
ولابن جرير: إمام من أئمة التفسير.
سفيان: هو الثوري.
منصور: هو ابن المعتمر.

مجاهد: من كبار التابعين، وإذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، ويعتبر من فضلاء تلاميذ ابن عباس.
وهذا التفسير تفسير تابعي، وهو يسمى في المصطلح مقطوعًا.
أفرأيتم: أخبروني، وهذا من باب تفسير اللازم؛ لأن السؤال عن الرؤية وليس عن الخبر، والمقصود هنا ما بعد الرؤية.
يلت: أي يخلط.
لهم: جاءت مبهمة، وجاء في أثر ابن عباس أنهم الحجاج.
السويق: هو الشعير إذا حمس وطحن وخلط بالتمر فيسمى سويقًا.
واللام في لهم: إما للتمليك وإما للإباحة.
فمات: الفاء ليست سببية، وإنما لمجرد العطف.
والموت: هو مفارقة الروح للجسد.
فعكفوا: اهتموا بقبره؛ لأنه صالح وغلوا في قبره حتى أصبح وثنًا يسمى وثن اللات.
والعكوف: هو الملازمة وهو طول المكث.
وهل مكثهم عند قبره هكذا أو معه اعتقاد؟
مكثهم معه اعتقاد إما للبركة أو رجاء الشفاعة، ولذا تحول إلى إله يُعبد من دون الله ولكن الحكم معلق بالفعل لا بالاعتقاد.
مناسبة الأثر: أنهم غلو في قبر رجل صالح حتى أصبح وثنًا.
وكذا: الكاف للتشبيه.
عن ابن عباس: هذا يسمى موقوفًا، وهذا رواه البخاري في التفسير.
والحاج: صفة لمن حج بيت الله، وهذه الكلمة عند بعض البلدان أصبحت علمًا على كل شخص، فأصبحت ترادف كلمة شخص.
وهل يجوز الإطلاق على الشخص كلمة حاج؟
هذه اللفظة أتت من الأعاجم. وهذه من الكذب، فليس كل شخص قد حج، فقد تكون إخبارًا بخلاف الواقع. وأيضًا ففيها تزكية "الراكب كثير والحاج قليل". لكن

إن قصد منها مجرد العلمية فهذا جائز.
وقول ابن عباس: يسمى تفسير صحابي، وتفسير الصحابي له حكم الرفع بشرطين:
1- ألا يُعرف بالأخذ من الإسرائيليات.
2- ألا يكون تفسيره مما يقبل الاجتهاد.
فيكون مرفوعًا حكمًا.
حديث ابن عباس:
قال: رواه أهل السنن: وضعف بعض أهل العلم الحديث، وبعضهم صححه وقبله، كالترمذي وابن تيمية. وهو الراجح.
لعن: هو الطرد والإبعاد، وهو هنا دعاء لأنه من الرسول r.
واللعن قسمان كما سبق.
زائرات: جمع زائرة، وهي التي تخرج قاصدة المقبرة.
وهذا الحديث يدل على: تحريم زيارة النساء للقبور، وهذه مسألة خلافية على قولين:
1- الجواز: واستدلوا بأدلة منها حديث عائشة «أنها زارت أخاها عبد الرحمن» رواه الحاكم ووافقه الذهبي. فُسئلت فقالت: «نُهي عن زيارة القبور ثم أُمر بزيارتها» واستدلوا بعموم قوله r: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها».
واستدلوا بحديث المرأة التي مر عليها النبي r وهي جالسة تبكي عند قبر فقال لها: «اتق الله واصبري» فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي.
2- تحريم الزيارة: وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية وجماعة. واستدلوا بحديث الباب، وفي لفظ عند أحمد «زوارات القبور»، وذكروا حديث أم عطية قال: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» وهذا استدلال بالقياس على أن الاتباع أخف من الزيارة.
والأقرب هو: القول الثاني، وهو أنها تحرم على النساء.
والرد على أدلة القول الأول:
زوروها: صيغة للمذكر فلا تشمل الإناث، وأما فعل عائشة، فهو فعل صحابي،

فيعتذر لها ولا يحتج بفعلها، وأما قولها «وأُمر بزيارتها» هذا أيضًا للرجال، وأيضًا باعتبار المعنى، فالمرأة ضعيفة وعاطفية فلا تتحمل.
وهل هذا في كل القبور؟
الحنابلة قالوا: إلا في قبر الرسول r، فيستحب للنساء كما يستحب للرجال.
والأقرب أنه لا فرق بين قبر الرسول r وقبر غيره.
المسألة الثانية:
جاء عند أحمد (زوارات) وهي صيغة مبالغة تقصد التي تُكثر الزيارة.
فهل النهي متعلق بالمتكرر أو بالمرة الواحدة؟
نقول: إن رواية الإمام أحمد لا تخصص (الزائرات)؛ بل اللعن واقع مع الزيارة الواحدة، فإذا كررت الزيارة كثر اللعن.
المسألة الثالثة: قوله (زائرات)
أخرج المارّات، وهي التي تمر من عند المقبرة ولم تقصد الزيارة، وعليه يحمل إرشاد النبي r لعائشة كما في الصحيح قولي: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ...» الحديث، ولا يجوز لها أن تقف.
وهنا لعن الرسول r زائرات القبور، وهل كل من فعلت هذا الفعل تُلعن؟
إذا عُلم من الزائرة العلم بالحكم وتعمدت ذلك، فإنها تُلعن بلعن الرسول r، إلا من فعلت ذلك متأولة.
والمتخذين: أي ولعن رسول الله r المتخذين.
عليها: أي القبور. وهنا صورة واحدة للاتخاذ، وهي البناء عليها.
السرج: جمع سراج وهو معروف.
والسرج هنا هل هي موضوعة للرؤية أو موضوعة للتعظيم؟
هنا موضوعة للتعظيم، فاستحق الواضع اللعن.
وهل يجوز وضعها من باب الزينة أو العلامة؟
لا. لا يجوز ذلك.
وهل منها الكشافات التي توضع في المقابر؟

رد مع اقتباس
إضافة رد
 
ضع تعليق بحسابك في الفيس بوك


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع



الساعة الآن 07:44 PM.
 

Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

   

تصميم المنافع لتقنية المعلومات