وهو يقرأ القرآن حينما قال: «لو علمت لحبرته لك تحبيرًا»، فهل هذا من باب الرياء؟
لا. ليس من باب الرياء .ويُستفاد منه أنه يجوز إتقان العمل المتعدي نفعه لمصلحة السامع أو المستفيد إذا كان العامل مخلصًا. مثل لو تشرح درسًا علميًا ولما علمت أن بعض الناس يستمع فقلت: لو علمت لفصلت وشرحت؛ بخلاف الصلاة فإن نفعها قاصر غير متعدي.
المسألة الرابعة عشرة: لو ترك القراءة الجيدة وغيرها من الأعمال مخافة العين فهل هو من الرياء؟
تحتاج إلى بحث. والذي يبدو لي أنه ليس من الرياء إن كان هنا قرائن للخوف من العين، وإن كان مجرد وهم فهذا لا يجوز؛ لأنه من السفه.
المسألة الخامسة عشرة: ما حكم لو ترك إخبار الناس مقدار حفظه من القرآن أو السنة مخافة العين؟
هذا جائز ]إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ[ [البقرة: 271] لكن لا يخبر بخلاف الواقع.
المسألة السادسة عشرة: لو ترك المعصية من أجل الناس هل هو من الرياء!
أما ترك المعاصي فواجب ولكنه لا يُثاب على هذا الترك، فإنه ما قصد به وجه الله، كما لو ترك المعصية عجزًا. جاء في حديث عمر: «إنما الأعمال بالنيات».
المسألة السابعة عشرة: هل هناك علاج للرياء؟
أما علاج الرياء:
1- أن يترك النظر والاهتمام بالناس لا فعلاً ولا تركًا، ويعوّد نفسه على أن تكون عبادته واحدة في بيته وعند الناس.
2- بالنسبة للأذكار، فقد جاء حديث أبي بكر «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلمه، وأستغفرك مما لا أعلمه».
شرح الآية:
قل: الخطاب للرسول r.
إنما: أداة حصر.
أنا بشر: هنا نفى عنه الألوهية.
مثلكم: أي مثلكم في البشرية.
يُوحى إليّ: الوحي: لغة: الإعلام بصوت خفي. شرعًا: ما يعلم به النبي أو الرسول من خير الله تعالى.
إنما إلهكم: أي خالقكم ومعبودكم.
الشاهد: ]وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[.
لا: ناهية.
مناسبة الآية: أن العمل المخلوط بالرياء ليس صالحًا، وهذا مما يعضد أن ترك العمل من أجل الناس رياء، لأن الترك عمل صالح.
عن أبي هريرة مرفوعًا: قال الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» [رواه مسلم].
مرفوعًا: الرفع هنا حقيقي.
قال الله تعالى: هذا يسمى حديثًا قدسيًا.
أنا أغنى الشركاء: أي لا يقبل من الأعمال إلا الخالص منها، وهذا دليل على كمال غناه.
الشرك: أل للعموم: الشرك الأصغر والأكبر.
من: نكرة في سياق الشرط. فهل تعم؟
لا. المقصود به من عمل عملاً من الأعمال الصالحة، لحديث شداد بن أوس: «من صلى يرآى فقد أشرك ...» فأصبح خاصًا بأعمال الطاعات لكنه عام في جميع الطاعات، فهو عام في الأفراد خاص بالجنس.
عمل عملاً: هل ابتدأ العمل يريد الناس أو طرأ عليه هذا الطارئ؟ كلاهما.
فيه: أي أثناء العمل، فخرج ما كان بعد العمل؛ لأنه لا يكون من باب الرياء وإنما هو من باب السمعة إذا تحدث به يريد المدح.
تركته: هل الترك هنا للعمل أم العامل؟
أما إن كان في الشرك الأصغر فالترك للعمل، وإن كان في الأكبر فإنه يدخل العامل
في العمل.
وعلى هذا يكون الترك هنا: أي لم أجازه على العمل الذي أشرك فيه، فيترك إثابته عليه.
مسألة: ومن معاني "تركته": أن عمله يكون باطلاً, على ذلك فيلزم الإعادة إن كان في الواجبات والفرائض.
مسألة: هل يحبط العمل كله أو بعضه؟
إن كان ينبني بعضه على بعض فإنه يبطل كله، كما لو صلى أربع ركعات فراءى في اثنتين وأخلص في اثنتين، أما إذا أمكن التجزئة فما قارنه الرياء يبطل، كما لو تصدق بمائة ريال أخلص بنصفها ورآى في النصف الآخر.
وعن أبي سعيد مرفوعا: «ألا أخركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى. قال: الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل» [رواه أحمد].
مرفوعًا: حقيقة.
ألا: أداة عرض وتنبيه.
بما: ما موصولية.
عليكم: الكاف في عليكم يعود إلى الصحابة، ويدخل فيه جميع المؤمنين.
وفائدة الخطاب: أن هذا الرياء الذي ذكر في الحديث غالبًا ما يصيب الصالحين، وهو ما يسمى بالشرك الخفي.
المسيح: أل للعهد، أي المسيح المعهود.
هل هي بمعنى اسم الفاعل؟ أو بمعنى اسم المفعول؟ كلاهما. فإنه ممسوح العين اليمنى، ومعنى كونه ماسح: أنه يتجول في الأرض فيمسحها إلا مكة والمدينة.
الدجال: صيغة مبالغة من الدجل.
وتعريفه هو: رجل مموه من علامات الساعة يفتن الناس.
أما زمنه: فقبل نزول عيسى عليه الصلاة والسلام.
وهل هو موجود أو غير موجود؟
المسألة فيها قولان:
1- أنه غير موجود وإنما يخلقه الله فيما بعد، واستدلوا بقوله r: «إنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد».
2- أنه موجود، كما جاء في صحيح مسلم من حديث تميم الداري أنه كلمه في حديث الجساسة المعروف.
هل هو من بني آدم؟ فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه من بني آدم.
القول الثاني: أنه شيطان من الجن.
القول الثالث: أن أباه من بني آدم وأمه من الجن.
والذي تطمئن إليه النفس القول الأول أنه من بني آدم.
قالوا: بلى: قال الشرك الخفي: ويأتي المقصود بالشرك الخفي، ولكن سمي خفيًا باعتبار المكان؛ لأنه عمل قلب يخفى. ثم ضرب الرسول r مثالاً يبين طبيعة الشرك الخفي الذي خافه على المؤمنين فقال: يقوم الرجل ...
يقوم الرجل: هذا باعتبار الغالب ولذا فتدخل النساء هنا.
فيصلي: يدل على أنه أراد الله أولاً ثم طرأ عليه الشرك؛ لأن تزيين الصلاة هو تحسين بعض صفاتها، كالطمأنينة ورفع اليدين وطول القيام، وهذا أشد شيء على الصالحين، ولذا ليس على الصالح الخوف أن يبدأ العمل لغير الله، وإنما الخوف عليه طرء الرياء.
صلاته: من باب المثال وإلا تدخل جميع العبادات.
لما: اللام للتعليل أي: علة التزيين هو ما يرى، وهذا هو الباعث على الرياء.
رواه أحمد وابن ماجه، والحديث حسن.
لم يذكر هنا بطلان العمل، ولكنه معروف من حديث أبي هريرة السابق.
وهذا الحديث يدل على أن الرياء من الشرك الخفي، وعلى أن الرياء الطارئ هو ما يُخاف على الصالحين منه.
مناسبة الحديث: أن الرياء يعتبر من الشرك.