رادارت الوطن العربي مركز الطقس للرصد الجوي (مباشر) مركز الطقس للأقمار الصناعيه (مباشر) البرق( مباشر )
العودة   الطقس > المنتديات العامة > المرصد العام
اسم العضو
كلمة المرور

المرصد العام للمواضيع العامة والنقاشات الحرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #17  
قديم 09-18-2012, 12:15 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

إن كانت هذه الأنوار وضعت للشارع وجاء النور للمقبرة من غير قصد فلا بأس، أما إذا كانت موضوعة على المقابر فلا تجوز.
وعند الحاجة يؤتى بأنوار تضيء المكان ثم تزال ولا تتعدى وقت الحاجة.

باب ما جاء في حماية المصطفى r
جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك
وقول الله تعالى: ]لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ الآية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» [رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات].
وعن علي بن الحسين: أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي r، فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله r قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم» [رواه في المختارة].
قال الشارح:
هذا الباب نفس فكرة الأبواب التي قبله، والمصنف من نصحه للأمة يعيد هذه القضية ويكررها.
المصطفى: من صفات النبي r، ومعناها: الاختيار. قال r «واصطفاني من بني هاشم، وقال: أنا خيار من خيار».
جناب: أي جانب.
فحمى النبي r جميع أنواع التوحيد الثلاثة.
وقول الله تعالى ]لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ[ [التوبة: 128].
اللام: موطئة للقسم.
وقد: للتحقيق.
جاءكم: الكاف يقصد بها العموم، أي جاءكم أيها المخلوقون، وقيل يقصد بها المؤمنون.

من أنفسكم: جاءت قراءة ]مِنْ أَنْفُسِكُمْ[ أي نفيسًا.
والقراءة الأولى: أي من جنسكم أيها الأنس، أو يا معشر قريش، أو العرب.
مناسبة الآية للباب: تدل على حرص النبي r على أمته، ومن حرصه أنه يسد كل طرق الشرك.
ما عنتم: أي ما يشق عليكم.
حديث أبي هريرة:
لا تجعلوا بيوتكم قبورًا: لها معنيان:
1- لا تخلوها من الصلاة بحيث تعطلوها من السنن والنوافل.
2- لا تدفنوا فيها موتاكم.
وكلا المعنيين حق. وقد يرد علينا دفن الرسول r في بيته، ولكن هذا خاص في الرسول r لدليل «ما من نبي إلا دفن حيث قُبض».
وأما صاحباه: فيقال فيه أيضًا أنه خاص بهما، ودليله أن النبي r كان دائمًا يقول: «جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر»، وذكر ابن القيم أنه صح عن النبي r «أنه خرج بين أبي بكر وعمر وقال هكذا نبعث».
ولا تجعلوا قبري عيدًا:
لا: ناهية، والنهي يقتضي التحريم، والتحريم هنا إما لكونه من الشرك الأكبر، أو لكونه من الشرك الأصغر، أو من الكبائر. على حسب الصور التي سنذكرها الآن.
عيدًا: أي لا تعتادوا المجيء إلى قبره من غير سبب وهذا على قول الجمهور. والقيد "من غير سبب" مهم.
ولذلك فالمجيء إلى قبر الرسول r ينقسم إلى قسمين:
1- مباح.
2- بدعي.
أما القسم البدعي فله عدة صور:
أ- شد الرحل لزيارة قبر النبي r، فهذا من اتخاذه عيدًا، وهو لا يجوز، ويدل عليه قوله r: «لا تُشد الرحال إلا لثلاثة مساجد»، وهذا يؤخذ من مفهوم المخالفة.

وهل على هذا يقال: لا تشد الرحال إلى زيارة أخيك؟
هذا النهي مخصوص فيما إذا كان يقصد المكان للتعبد، وأما إذا كان غيره فجائز، كزيارة الأقارب مثلاً، والممنوع الشد إلى أماكن على وجه التعبد.
ب- اعتياد زيارة قبر النبي r بزمن مخصوص، كأن يزوره كل جمعة، أو كل فجر، أو كل عيد، وهذا من البدع ولا يجوز، وهو داخل في النهي.
ج- أن يزور قبر النبي r كلما دخل المسجد، فهذا من اتخاذه عيدًا، وهذا لا يجوز.
وهل هناك فرق بين الأفقي والمقيم؟
الأفقي: هو من يأتي من خارج المدينة من غير أهلها.
وهذا عام فلا فرق بين الأفقي وغيره، فإذا جاء الأفقي وسلم أول قدومه، فإن تكراره بعد من اتخاذه عيدًا.
د- تكرار زيارة أهل المدينة لقبر الرسول r.
هـ- زيارة قبر النبي r للدعاء عنده، وهذا من اتخاذه عيدًا، يدل عليه حديث علي بن الحسين، وهذا من البدع، وهو من الشرك الأصغر.
و- أن يدعو الرسول r، وهذا من البدع، وهو من الشرك الأكبر.
ز- المجيء إلى قبره لمجرد الصلاة عليه فقط، أي قول: اللهم صلِّ على محمد.
2- مجيء مباح: هو المجيء إلى قبر النبي r عند القدوم إلى المدينة للسلام عليه، سواءً كان القادم أفقيًا أو مقيمًا. وهذا عند الجمهور، وبعضهم يجعله مستحبًا فهذه الصورة الوحيدة الجائزة، ويشترط أن يكون قدومه لغير شد رحل إلى القبر، ولا يكون قدومه من مسافة قصر، وبعد السلام الأول لا يكرر.
والصحيح عندي أنه خلاف هدي الصحابة ولم يكونوا يفعلونه أن يأتوا إلى قبر النبي r ولم يفعله إلا ابن عمر على خلاف طريقة من قبله هذا بالنسبة للمجيء إلى القبر. أما الآن فلا يمكن المجيء إلى القبر إنما الحجرة. وهذا لم يفعله حتى ابن عمر. ولذا السلام من وراء الحجرة ليس عليه أمر الصحابة كلهم ولذا نرى أنه بعد غلق الحجرة وعدم التمكن من الدخول فلا ينبغي المجيء وزال حتى حكم الإباحة فمن جاء للسلام أو الصلاة عليه من وراء الحجرة فهذا ليس عليه هدي الصحابة بل ولا على

طريقة حتى ابن عمر، وإن أطبق الناس على هذا فليس العبرة بعمل الناس المخالف لهدي الصحابة كلهم بل يرد لحديث «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
وهل يسن السلام عند الخروج؟
لا. بل هو من البدع، فالسلف لم يكونوا يفعلون ذلك بل حتى ابن عمر ما كان يفعل ذلك.
ما حكم قول القائل زرت قبر النبي r؟
هذه اللفظة كرهها الإمام مالك، وهذا في حق من زاره الزيارة المباحة.
وسبب كراهة مالك: سدًّا للذريعة، ولئلا يُفهم من هذه الكلمة معنى فاسد.
ما هي الصفة المباحة للسلام على قول الجمهور؟
1- أن يكون قادمًا من سفر.
2- أن يأتي إلى القبر ويسلم عليه موجهًا وجهه إلى القبر؛ لأن المؤمنين يدفنون إلى القبلة.
3- تُسلم عليه السلام المعروف كسلام الحي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وقال بعض أهل العلم: وتنوه بفضله، كأن تقول: بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة. ولا يرفع يديه عند السلام بل مجرد التلفظ، ولا يقف؛ بل يمضي ويسلم على أبي بكر وعمر.
والسلام لا بد أن يكون عند القبر لا من وراء البيت، كما هو الآن وسمينا ذلك زيارة مباحة ولم نقل زيارة شرعية أو مستحبة؛ لأنه ليس فيه إلا فعل ابن عمر مع خلاف غيره له، ولا يمكن أن يسمى فعل صحابي مع خلاف غيره له أنه مستحب أو شرعي بل غاية ما يقال فيه الإباحة.
وصلوا علي: صلوا: صيغة أمر والأمر يقتضي الوجوب.
والأمر: طلب الفعل على وجه الاستعلاء.
وهل يقصد به هنا الوجوب؟ الجمهور على أن الصلاة عليه r سنة وليست بواجب وعند الحنابلة إلا في الصلاة، كما هو اختيار المذهب، فإنها واجبة، وأما في خارجها فهي سنة. والصارف هنا هو ما مر معنا في كتاب التوحيد مثل قول ابن مسعود: من

أراد أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتمه ولم يذكر الصلاة عليه، ومثل قوله r: في حديث أبي هريرة: «يا فاطمة بنت محمد ...» ولم يذكر الصلاة.
وذهب إلى الوجوب خارج الصلاة ابن بطة من الحنابلة والصحيح أن الصلاة عليه في الصلاة واجبة أما خارجها فهي سنة.
أفضل صيغة للصلاة على النبي: ما جاء في صيغة الصلاة الإبراهيمية، ويُجزئ أي صيغة وردت في السنة.
وهل يجمع بين الصلاة والتسليم في خارج الصلاة؟
الأولى الجمع؛ لأنه أكمل.
صلوا: الأصل اللغوي في الصلاة هو الدعاء.
والمجيء عند قبر النبي للصلاة عليه فقط فهو من اتخاذه عيدًا.
فإن صلاتكم تبلغني: هنا مسائل.
ما هي وسائل بلوغ الصلاة؟
الوسيلة هي الملائكة، فهي التي تُبلغ، لحديث «إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام» والصلاة مثله، وما جاء في حديث ابن مسعود: «إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام» [رواه أحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].
مسألة: زمن العرض:
هو يوم الجمعة، كما جاء عند أبي داود بسند صحيح «فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ»، وجاء عند البيهقي من حديث أبي أمامة قال r: «فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة» قال المنذري: إسناده حسن، وضعفه الألباني في الجامع، فدل هنا على أن الصلاة تبلغ النبي r إذا لم تكن عند قبره.
رواه أبو داود بسند حسن ورواته ثقات: الحديث صحيح، رواه أيضًا أحمد، وحسنه ابن تيمية، والحافظ ابن حجر.
وهل الحسن حكم أبي داود أو حكم المصنف؟
حكم المصنف أو نقله.
ثقات: جمع ثقة وهو: العدل الضابط.

وعن علي بن الحسين: هذا يسمى "زين العابدين"، وهو من علماء التابعين وأفضلهم.
رأى: أبصر.
فرجة: الكوة في الجدار، وهي أقرب ما تكون بالنافذة.
فيدخل فيها: إذا كانت كوة بمعنى النافذة، فإن الدخول لبعض الجسم إلا إذا كانت واسعة.
فيها: الظاهر أنه منها.
فيدعو: يدعو الله، وهذه صورة من صور اتخاذ قبر الرسول r عيدًا.
وقلنا: يدعو الله؛ لأنه الغالب في هذا الزمان لقربه بعهد النبوة.
ويدعو الله هنا؛ لأنه يعتقد أن فيه معنى من معاني التبرك.
فنهاه: نهي السلف يحمل على التحريم على قول لابن القيم.
أحدثكم: يُحتمل أنه أحدثك، أو أن يكون مخاطبًا لجماعة حالة الإنكار، أو أنه أسلوب من أساليب الدعوة.
الحديث: ما رفع إلى النبي r من قول أو فعل أو تقدير أو صفة خَلقية أو خُلقية.
قبري عيدًا: أضاف النبي r القبر إليه وهو لم يُمت.
هل النبي r حيٌ في قبره؟
نعم الأنبياء كلهم أحياء في قبورهم، لكنها حياة برزخية، كما جاء في حديث أنس عند البيهقي وأبي يعلى بسند صحيح. قال r: «الأنبياء أحياء يُصلون في قبورهم».
تسليمكم: ذكر هنا التسليم وأخبر أنه يبلغه، وصح عنه r في الحديث: «ما من أحد يُسّلم عليّ إلا ردّ الله علي روحي حتى أرد عليه السلام». رواه البيهقي وأحمد بسند صحيح، وظاهر الحديث أنه يسمع إذا سلم عليه عند القبر.
والجمع بين الأحاديث أن نقول: إن التسليم نوعان:
1- تسليم مسموع: وهو تسليم التحية الذي يُلقى على الرسول r عند قبره، وهذا أشار إليه ابن عبد الهادي في كتابه المنكي، وهذا التسليم يسمعه الرسول ويكافئ عليه بالرد عند القبر لا من وراء الحجرة.
2- تسليم معروض: وهو كل تسليم ليس عند قبره.

أما الصلاة فلا تنقسم، ولكن لو صلى وسلم عند قبره فإن الصلاة تكون مثل السلام.
جزاء التسليم: هذا على حسب التسليم، فإن كان التسليم مسموعًا فيكافئه الرسول r بالرد، وأما التسليم المبلغ المعروض فجزاؤه من الله «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا».
رواه في المختارة: صاحب المختارة هو الضياء المقدسي.
قال ابن تيمية: هي أعلى رتبة من مستدرك الحاكم اختارها الضياء المقدسي فيما زاده على الصحيحين.
مسألة:
في حديث علي بن الحسين، وفيه: «وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم» وهذا فيه شيء ملفت للنظر وهو قوله (وصلوا علي) ثم قال (فإن تسليمكم) والأصل أن يقال: «وصلوا علي فإن صلاتكم» وليس تسليمكم أو يقال «وسلموا علي فإن تسليمكم» وهذا فيه إشكال والجواب:
1- إما أن يقال إن الحديث فيه حذف ويكون «وصلوا علي وسلموا فإن صلاتكم وتسليمكم يبلغني».
2- أو يقال أصل الحديث «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني» فحصل الخطأ فقال تسليمكم بدل صلاتكم وهذا يؤيده الحديث الذي قبله فإنه ذكر الصلاة فقط ولم يذكر التسليم.
3- أو يقال إن قوله «فإن تسليمكم» هي بحسب اللفظ تسليم ويقصد بها الصلاة لكن لما كان كثيرًا ما تقترن الصلاة بالسلام جعلت كالكلمة الواحدة.
وأقرب الاحتمالات في ذلك القول الثاني ويؤيد ذلك ما رواه سعيد بن منصور في سننه بسنده إلى الحسن بن الحسن بن علي وفيه «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني» وأيضًا حديث أبي هريرة الذي معنا في الباب «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني».
ولكن مع هذا الترجيح نظرًا لألفاظ الأحاديث إلا أنه يبقى إشكال وهو: كيف يُرشَد إلى الصلاة عند القبر مع أن الصلاة في كل مكان وإنما الأنسب إذا ذكر القبر أن يذكر السلام لأن السلام هو الأنسب عند القبر لا الصلاة والمعروف أنه يجاء إلى قبر النبي r

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 09-18-2012, 12:16 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

على: للاستعلاء.
منصورة: صفة للطائفة.
لا يضرهم: ضرر عقيدة لا ضرر بدن وأيضًا لا يضرهم ضرر استئصال.
من خذلهم: هذا يدل أن لهم خاذل.
من خالفهم: هذا يدل أن لهم مخالف.

باب ما جاء في السحر
وقول الله تعالى: ]وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[ [البقرة: 102] وقوله: ]يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ[ [النساء: 51].
قال عمر: (الجبت): السحر، (والطاغوت): الشيطان. وقال جابر: الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
وعن جندب مرفوعًا: (حد الساحر ضربه بالسيف) رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف.
وفي (صحيح البخاري) عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
وصح عن حفصة رضي الله عنها: أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت، وكذلك صح عن جندب. قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي r.
قال الشارح:
المسألة الأولى: تعريف السحر.
السحر لغة: ما خفي ولطف سببه، ولذا سمي آخر الليل سحرًا لأنه خفي. وتسمى الرئة سحرًا لأنها خفية.
التعريف الشرعي: فالسحر هو رُقى، وعزائم، وتعاويذ، وأدوية، وعقاقير تؤثر على القلب والبدن بإذن الله.

الشرح: تؤثر في القلب، أي: في الحب والبغض، فيحب ما كان يبغضه، ويبغض ما كان يحبه.
وعلى البدن: بالمرض والضعف ومن البدن البصر والسمع والقوى (جمع قوة).
وقولنا بإذن الله: يقصد به الإذن القدري.
والإذن ينقسم إلى قسمين:
إذن قدري كوني: وهو هذا، قال تعالى: ]وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[ [البقرة: 102].
إذن شرعي: وهذا هو المتعلق بمحبة الله، فهو الذي يحبه، قال تعالى: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا[ [الحج: 39].
وقولنا: عزائم ورقى: لما جاء في الحديث الذي رواه النسائي أن النبي r قال: «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر».
وقولنا: يؤثر: لقوله تعالى: ]فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ[ [البقرة: 102] وقال تعالى: ]يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى[ [طه: 66].
وسمي الساحر بهذا الاسم: لأنه يعمل أشياء خفية وأسبابًا خفية تؤثر.
المسألة الثانية: أنواع السحر:
أنواع السحر تختلف باختلاف الاعتبارات.
القسم الأول: باعتبار الوسائل وعمل الساحر تنقسم إلى قسمين:
1- سحر الطلاسم، وبالعقد، وبالرقى، وبالتعاويذ.
الطلاسم: الكتابة المبهمة.
الرقى: الكلمات مع النفث.
التعاويذ: بأن يذكر أسماء جن.
2- سحر بالأدوية والعقاقير: وهو أن يستخدم أدوية معينة تكون سببًا في سحر هذا الرجل.
القسم الثاني: باعتبار المحل والمكان ينقسم إلى خمسة أقسام:
1- على القلب: وذلك بالحب والبغض، وما يسمى بالصرف والعطف.

2- سحر البدن: وذلك بإضعافه شيئًا فشيئًا حتى يهلك، أو إمراضه حتى تختل صحته.
3- سحر الدماغ: وهو ما يؤدي إلى تصور أشياء على غير حقيقتها، ومنه المجنون والمعتوه.
4- سحر على الشهوة: وذلك بتبريدها أو تأججها.
5- سحر العين: وهو أن يُخيل إليه الأشياء على خلاف ما هي عليه، قال تعالى: ]يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى[ [طه: 66].
القسم الثالث: باعتبار المسحور إلى قسمين:
1- سحر حقيقي: وهو ما يؤثر على القلب والعقل، قال تعالى: ]وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[ [البقرة: 102]، وقال تعالى: ]فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ[ [البقرة: 102].
2- سحر تخييلي: بأن يُخيل إليه أشياء، وهذا ليس له حقيقة، وهو سحر سحرة فرعون، قال تعالى: ]يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى[ [طه: 66].
المسألة الثالثة: حكم السحر:
أما حكم السحر فهو كفر أكبر يدل عليه الآية الأولى: ]وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[ [البقرة: 102] وقوله: ]يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ[ [البقرة: 102] فإذا كان المعلم للسحر كافر فما تعلمه فهو كفر. قال تعالى: ]حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ[ [البقرة: 102] ويدل عليه أيضًا الآية الثانية ]يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ[ [النساء: 50].
وهذا الذي قلنا بأنه كفر: هو سحر الرقى والتعاويذ، والطلاسم أي السحر الشيطاني.
وأما سحر الأدوية والعقاقير فإنه وقع الخلاف في حكمه:
فالقول الأول: على أنه كفر؛ لعموم الأدلة التي ذكرناها قبل، ونزيد هنا حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «اجتنبوا السبع الموبقات فذكر السحر».
الثاني: وذهبت الشافعية والحنابلة إلى أنه ليس بكفر مخرج من الدين؛ لأنه ليس فيه استخدام للشياطين. والأقرب الأول. لأن سحر سحرة فرعون كان بالشعوذة حيث

استغلوا خاصية الزئبق وحشوا العصى به فكانت تتحرك لذلك. وقد ذكره ابن كثير والقرطبي والشوكاني وصديق خان في تفاسيرهم. وابن حزم في الفصل (5/6)، كل أولئك من المفسرين ذكروا أن سحر سحرة فرعون بالشعوذة وليس بالشياطين حيث استغلوا خاصية الزئبق. وخالف ابن القيم فقال سحر سحرة فرعون سحر شيطاني.
المسألة الرابعة: حكم الساحر:
حكم الساحر يجري فيه الخلاف السابق:
1- فالقول الأول: على أنه كافر للآية الأولى والثانية. والسحر الشيطان كفر وفاعله كافر، أما سحر العقاقير فيأتي بعد قليل.
2- وقول الشافعية والحنابلة بالفرق، فإن كان سحره سحر بالطلاسم والرقى كفر، وإن كان سحره أدوية فلا يكفر.
والأقرب: أن الساحر سحر شيطاني كافر. أما سحر الأدوية والشعوذة والعجائب ففيه تفصيل وهو من المسائل الخفية. فلا بد من إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
حكم تعلم السحر الشيطاني؟
حكم تعلمه: كفر، قال تعالى: ]وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ[ [البقرة: 102]، وقال تعالى: ]وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ[ [البقرة: 105]. فتعلمه وتعليمه كله كفر وكذلك استعماله.
ما حكم سحر الشعوذة والعجائب الذي ليس من الشياطين؟
الجواب: حكم تعلمه وتعليمه واستعماله كفر لكنه من المسائل الخفية فيقال تعلمه واستعماله كفر أما المتعلم والمستعمل فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة وتزول الشبهة.
المسألة الخامسة: مذهب أهل السنة والجماعة في السحر:
يثبتون السحر بنوعيه: 1- السحر الحقيق. 2- السحر التخييلي.
وأن السحر يؤثر كما قال تعالى في كتابه، فأثبت أنه يفرق، ويضر، ويثبتون سحر التخييل لكنه لا يقلب الحقائق، فالعصا تُرى في العين أنها حية ولكن في الواقع والحقيقة أنها عصا.
وأما المعتزلة: فينكرون السحر، ولا يثبتون له حقيقة، وإنما هو تخييل للآية ]يُخيل إليه

من سحرهم أنها تسعى[ [طه: 66] ويرد عليهم بأن ما أثبتوه هو أحد نوعي السحر.
المسألة السادسة: كيف يعمل الساحر – وهو بشرٌ – هذه الأعمال التي ليست بمقدور البشر؟ فالسحر عمل من؟ هل هو عمل الساحر أو عمل الشيطان؟
نقول: السحر هو من الساحر ابتداءً، ومن الشيطان العمل والتنفيذ، فيكون العمل المؤثر تخييل الحقائق إنما هو من الشيطان، فالشيطان هو الذي يدخل في الإنسان ويبرد شهوته مثلاً، أو يقبح وجه امرأته في عينيه.
وكذلك الجني يدخل في الإنسان، ولا تقل كيف يدخل، فإن هذا له نظير؛ كما أن الماء يجري في الأغصان ولا يرى فكذلك.
المسألة السابعة: حكم إتيان السحر:
هذا فيه تفصيل لأنه على أحوال، وكل حالة لها حكم:
الأولى: أن يأتي إليه وهو يعتقد أنه يعلم الغيب، أو يسأله عن المغيبات، فهذا كفر أكبر لقوه تعالى: ]قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[ [النمل: 65]. ولقوله r: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه الأربعة. والساحر حكمه حكم الكاهن وحكم العراف.
الثانية: أن يذهب وينفذ ما قال وما طُلب منه من الذبح لغير الله أو الاستغاثة بالجن، فهذا كفر أكبر أيضًا قال تعالى: ]وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[ [الجن: 18]، وقال: ]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[ [المؤمنون: 117].
الثالثة: أن يأتي إليه ولا يعتقد علمه بالغيب ولا طاعته في الشرك، وإنما يأتي إليه لحل سحر فيه. وهذا بشرط: 1- ألا يصدقه بغيب.
2- ولا يذبح أو يستغيث بغير الله أو أي شرك.
3- وأن يعتقد بطلان السحر والسحرة ويكفر بهم.
وإنما أتى إليه ضرورة لحل السحر.
وهذا وقع فيه خلاف: فالمذهب يرون أنه يجوز ضرورة، ولكن هذا القول في غاية الضعف؛ بل إنه لا يجوز، وأي ضرورة تُحل مثل هذا؟ والصحيح أن هذا لا يجوز؛ بل

هو حرام ومن المهلكات، ولكن لا نقول بأنه يكفر كفرًا يخرجه من الدين لوجود الخلاف.
الرابعة: أن يأتي لمجرد الفرجة والترفه وهو لا يصدقهم بالغيب ولا يذبح أو يفعل شركًا، ويعتقد بطلان السحر والسحرة، ولكن من باب الترفه والفرجة، فهذا يعتبر حرامًا ومن كبائر الذنوب، ويدل عليه حديث حفصة عند مسلم أنها قالت: قال رسول الله r: «من أتى عرافًا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين».
ولحديث أبي هريرة حديث الباب «اجتنبوا السبع الموبقات» وذكر منها "السحر" ومثل ذلك حضور ما يسمى بالألعاب البهلوانية، والحضور عند السحرة للفرجة كل هذا من هذا الباب.
المسألة الثامنة: ما هي العلاقة بين الساحر والجني؟
هي علاقة معاوضة وعبودية، فهي من الساحر استغاثة وتذلل وخضوع، ومقابل ذلك يقوم الجني بعمل شيء من الخدمات لهذا الساحر، فهو إذن اتفاق وعقد بين طرفين، من الأول: العبادة، ومن الثاني: التسلط والتنفيذ.
المسألة التاسعة: هل سحر النبي r؟
الجواب: نعم، كما جاء في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها.
ومن سحره؟ سحره رجل يهودي اسمه لبيد.
كيف سحره وهو رسول؟
الرسول r بشر كبقية البشر تعتريه الأمراض وهذا منها، علمًا بأن السحر لم يؤثر على رسالته ولا تبليغه؛ بل أثر على حياته الزوجية نوعًا ما، فكان يُخيل إليه أنه أتى الشيء ولم يأته، وما علم به إلا أقرب الناس إليه وأخصهم به زوجته عائشة.
ما هي الطريقة التي سحر بها لبيد الرسول r؟
الطريقة: أخذ لبيد شعرة من رأسه هو وأسنان من المشط مع وتر معقود، وعقده باثني عشرة عقدة ووضعه في بئر.
كيف انجلى السحر عن الرسول r؟
حينما شعر الرسول r بالأعراض في جسمه كان يكثر من الدعاء، كما ذكرت عائشة في البخاري، وهذه هي أول خطوات المسحور، وهي اللجوء إلى الله سبحانه، ثم بعد

ذلك أطلعه الله على السحر ومن سحره، بواسطة ملكين سمع الرسول r حديثهما.
أرسل الرسول r من يستخرج السحر ويكسره فبطل السحر.
المسألة العاشرة: ما الحكم لو تعلم السحر من أجل أن يتقيه؟
هذا حرام ولا يجوز، فإن كان في أثناء تعليمه شرك أو كفر فقد كفر.
المسألة الحادية عشرة: ما حكم تعلم ما يسمى بالكيمياء؟
الكيمياء قديمًا لها معنى يختلف معناها في العصر الحديث، وقديمًا كانت عبارة عن علم تمويه ودجل أشبه بالسحر، ولذلك تكلموا عليها العلماء فحرموا الاشتغال بهذا العلم.
أما في الوقت الحاضر فهو معرفة مكونات بعض العناصر، وهو يختلف عن المعنى القديم لكن تعلم الكيمياء المعاصر اليوم ومثله الأحياء والجلوجيا وغيره من العلوم الدنيوية على أحوال:
1- إن كان فيها شيء يخالف الشريعة وهو كفر مثل أن يقول إن الشمس ثابتة ولا تجري أو أن الأرض والشمس تكونت عبر ملايين السنين وأمثال ذلك، فهذا يحرم تعلمه ومن رضي به أو صدقه ينبه ويعلم فإن لم يقبل كفر؛ لأنه مكذب للقرآن.
2- أن يكون فيها شيء من المحرمات دون الكفر فهذه تعلمها محرم، أما تعلم لغة غير المسلمين لعموم المسلمين فهذا لا يجوز ولها مفاسد ومضار، وإنما هي من دروس التخصص التي ينتدب لها فئة صالحة.
3- ألا يكون فيها شيء يخالف الشريعة فهذا يجوز تعلمه لطائفة من المسلمين، أما أن يعلم جميع الطلاب وفي كل المراحل لهذه المواد الدنيوية فهذه طريقة جاهلية علمانية مخالفة للشرع وهذا الحكم عام في جميع العلوم الدنيوية، فإن إطلاق تعلمها على جميع أبناء المسلمين لكل من دخل مرحلة الثانوية مثلاً فهذه طريقة علمانية.
وإنما الطريقة الإسلامية في العلوم الدنيوية ألا تفرض على جميع أبناء المسلمين لا في المرحلة المتوسطة ولا الثانوية وإنما ينتدب لها أناس مخصوصون باختيار الإمام أو العلماء على قدر الحاجة وعلى قدر حاجة ونفع المسلمين يتعلمون هذه العلوم الدنيوية بعد أن يكونوا قد أتقنوا العلوم الشرعية، هذا بالنسبة للرجل، أما بالنسبة للنساء فلا حاجة لمثل

هذه العلوم إنما هذه طريقة بني علمان ومن قلدهم الذين يريدون للمرأة الفساد والإفساد لتعلمها علوما لا تحتاجها.
وإنما الطريقة الإسلامية في التعليم أن تكون المرحلة الابتدائية والمتوسطة وهي ما بعد التمييز من بعد السنة السابعة إلى البلوغ فهذه يكون التدريس فيها للعلوم الشرعية من التوحيد والفقه والتفسير والحديث والقرآن وعلومه واللغة والحساب وأمثال ذلك من علوم الآلة المتممة للعلوم الشرعية، وتكون نسبة مواد الآلة 30% ونسبة 70% علوم شرعية، وهذا للرجال والنساء في مدارس غير مختلطة، وتزيد النساء دراسة الخياطة والطبخ وما تحتاجه في البيت وما يتعلق بالأمومة ثم بعد البلوغ تنتهي دراسة البنات وتعود إلى بيتها إلا بعض النساء تؤهل بطريقة شرعية لكي تدرس بني جنسها، وأما الرجال فينتخب منهم الصالح والمؤهل فيدرس ما يحتاجه المسلمون في العلوم التطبيقية كالطب والهندسة والميكانيكا وصناعة الأسلحة والصناعات والاختراعات، بشرط تنقيتها مما يخالف الشرع، وبقية الطلاب في الأعمال الحرة والتجارة وجزء لأعمال الدولة المسلمة لخدمة المسلمين، وقسم يؤهل لتدريس أبناء المسلمين وقسم يتفرغ ويعد للجهاد في سبيل الله.
علمًا بأن الطريقة الإسلامية في الإشراف على التعليم عمومًا للمرأة والرجل يكون بيد العلماء ولا دخل للمفسدين والعلمانيين فيه.
والقاعدة في ذلك أن كل المواد الدنيوية غير المواد الشرعية أو ما كان متمما لها كل هذه المواد الدنيوية هي مواد تخصص لا تُفرض على جميع أبناء المسلمين، إنما يتخصص فيها طائفة منتخبة بعد إنهاء الدراسة الشرعية.
أما التعليم السائد اليوم فهو على الطريقة الغربية الاستعمارية، فلا نفع فيه إنما يُخرج الطالب قليل الدين أو عادمه، معظمًا للغرب وللعلمانيين، يُعدّ للدنيا فقط، مزاحمًا للمواد الشرعية بل مفضلاً عليها.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: وقول الله تعالى: ]وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[ [البقرة: 102].
علموا: تعود على اليهود، وهذا يدل على أنهم علموا بتحريم السحر، فهذا فيه

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 09-18-2012, 12:17 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

التعنت والتكبر.
اشتراه: أي السحر.
وقوله: "اشتراه" قرينة واضحة في الرضى والمحبة، وهذا يفيد اعتقادهم، وأنهم راضون بالسحر والسحرة لكن الحكم معلق بالفعل لا بالاعتقاد.
ماله في الآخرة من خلاق: المنفي هنا مطلق النصيب، وهذا دليل على كفر من اعتقد السحر أو رغب فيه أو رضي به أو فعله، والمؤمن ولو كان عاصيًا فله في الآخرة نصيب، وهذا فيه دليل على أن الرضى بالسحر كفر ومثله فعله.
وقوله: ]يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ[ [النساء: 30].
يؤمنون: الإيمان: التصديق، وهو ليس تصديقًا مجردًا؛ بل مقرونًا بالاطمئنان، فيصدقون ويطمئنون.
والواو في ]يُؤْمِنُونَ[ تعود على اليهود.
بالجبت والطاغوت: أي بالسحر وبالساحر.
وقال عمر: "الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان".
هذا يعتبر موقوفًا، لأنه قول صحابي، وهنا عمر فسر الجبت بالسحر، وهذا تعريف بالمثال أو تفسير الشيء ببعض أفراده. وهذه أحد الأقوال في تفسير الجبت.
والطاغوت: الشيطان: وهذا احد الأقوال في تفسير الطاغوت.
الشيطان: الألف واللام تدل على العموم، فكل متشيطن بما يكفر به فهو طاغوت من الإنس ومن الجن.
وقال جابر: «الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد».
الكاهن: سيأتي بباب مستقل. وهو الذي يخبر بالمغيبات أو ما في الضمير. الشيطان: الألف واللام للعهد، ويقصد به شيطان الكاهن.
ينزل عليه: نزول تعليم وإخبار.
في كل حي: أي قبيلة.
وفسر جابر الطاغوت بالكاهن، وهو أحد الأقوال في تفسير الطاغوت.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «اجتنبوا السبع الموبقات».

اجتنبوا: أي ابتعدوا بمعنى: أن تكونوا في جانب، وهذه الأمور في جانب.
السبع: هذا ليس للحصر، فالموبقات أكثر من سبع، ولكن من باب التعليم، لذا فمن السنة تقريب العلوم والأشياء بالتقسيم والتوضيح.
اجتنبوا: أمر، والأمر يدل على الوجوب.
الموبقات: المهلكات.
والهلاك في هذا الحديث على قسمين:
1- الهلاك المطلق: وهو الإتيان بمكفر، وهو في هذا الحديث يشمل الأول والثاني: الشرك والسحر.
2- مطلق الهلاك: وهو الإتيان بكبيرة، وهي الخمس الباقية. والهلاك في هذا الحديث إما أن يهلك إيمان العبد كله فلا يبقى معه شيء من الإيمان، وإما أن يكون هلاك يجتمع معه أصل الإيمان، ولكنه يهلك كمال الإيمان الواجب، وهو في الخمسة الباقية.
الشرك بالله: أن تجعل له ندًا.
وهل يشمل هذا الشرك الأكبر أو الأصغر؟
يشمل الجميع، ولكن مع الشرك الأصغر لا يهلك الإيمان كله؛ وإنما يهلك كماله الواجب.
الله: الخالق المعبود.
السحر: الألف واللام للعموم، وهذا على أحد الأقوال أي: جميع أنواع السحر.
قتل النفس التي حرم الله: التي حرم الله صفة للنفس، فأصبحت اللام في النفس للعهد.
والأنفس المعصومة أربعة هي:
1- نفس المؤمن. 2- نفس المستأمن.
3- نفس الذمي. 4- نفس المعاهد.
خرج به: الحربي، والمرتد، والناقض للعهد أو الأمان.
إلا بالحق: أي إلا أن يوجد سبب شرعي يوجب القتل، والأسباب التي توجب

القتل مثل:
الزنا للمحصن، ومن قتل نفسًا معصومة والردة والنقض للعهد وأمثال ذلك.
الربا: هو الزيادة بأموال مخصوصة أو النسأ فيها – أي التأخير -، والربا من كبائر الذنوب، ولعن الرسول r فيه خمسة:
1- الأكل. 2- الموكل. 3- الكاتب. 4- 5- الشاهدان.
وأكل الربا باعتبار الغالب، وإلا فعلى المذهب حتى المائعات يحدث فيها الربا، فالمائعات مكيلة.
"توضأ النبي r بالمد، واغتسل بالصاع" فهذا الحديث يدل على أن المائعات تُكال.
أكل مال اليتيم: هذا هو المهلك الخامس.
اليتيم: هو من مات أبوه ولم يبلغ. ولا تدخل الأم، ففاقد الأم لا يسمى يتيمًا.
وأكل مال اليتيم من كبائر الذنوب.
التولي: هو الهروب.
يوم الزحف: وقت المعركة.
فإنه من الموبقات؛ إلا ما استثنى:
1- مُتحرفًا لقتال. 2- متحيزًا إلى فئة.
قذف المحصنات:
القذف: هو رمي الإنسان بالزنى أو اللواط بألفاظ مخصوصة.
المحصنات: هي الحرائر، وأما الأمة فلا يسمى قذفًا، وفيه التعزير.
المؤمنات: أخرج الكافرات، فلو قذفت لم يعتبر قذفًا شرعيًا، وفيه التعزير فقط في الذمية.
الغافلات: أي عن الزنى.
والحديث متفق عليه.
وعن جندب مرفوعًا "حد الساحر ضربه بالسيف" رواه الترمذي، وقال الصحيح أنه موقوف.
جندب: هو ابن كعب، وهو غير جندب البجلي، قاله الحافظ ابن حجر.

هنا الرفع حقيقي، أي: قال رسول الله r.
حد الساحر: حد الشيء: منتهاه، ويقصد به هنا العقوبة.
هذا ما استدل به الشافعية حيث قالوا: "حد الساحر"، ولا يلزم من الحد الكفر.
المسألة الثانية عشرة: وعقوبته هذه هل هي من باب الردة أو من باب الحد؟
المسألة خلافية على قولين:
1- أنه يقتل حدًا. 2- أنه يقتل ردة.
ونقول إن كان سحره سحر الشياطين فهذا يقتل ردة بالإجماع،وإن كان سحره ليس عن طريق الشياطين ففيه الخلاف السابق، والراجح أن يقتل ردة.
والفرق بينهما أنه إن قلنا يقتل ردة فلا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن قلنا حدًا صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين.
المسألة الثالثة عشرة: هل يجب قتله؟
وذهب بعض أهل العلم أن للإمام قتله، ولكنه لا يجب، فإن رأى قتله قَتَله، وإن تركه فله ذلك. استدلوا:
1- بأن الرسول r لم يقتل لبيدًا.
2- بأن سحرة فرعون لم يُذكر أنهم قُتلوا.
والأقرب أنه يقتل.
وأما سحرة فرعون، فإن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه ثم هم تابوا.
وأما لبيد، فقال النبي r كما في البخاري: «إني كرهت أن أثير على الناس شرًا» فإما أن يقال: أن العقوبة قبل نزول الحكم، أو أنه حق للشخص كالقذف وله أن يسقطه.
المسألة الرابعة عشرة: هل يستتاب الساحر؟
ظاهر حديث جندب وفعل عمر أن الساحر لا يستتاب؛ بل يُقتل بمجرد سحره، ويدل عليه قوله r: «من بدل دينه فاقتلوه»، ولأن شره عظيم، ولأنه قد يُخفي سحره ويتوب خوفًا، فلا يدرأ سحره التوبةُ، وهذا بعد وصول أمره إلى السلطان.

والصحيح أنه موقوف، والحديث فيه إسماعيل بن موسى.
وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال فقتلنا ثلاث سواحر».
أن اقتلوا: ظاهره عدم الاستتابة، وهنا الظاهر أن قتله كفرًا لا حدًا.
وصح عن حفصة أنها «أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت» كذا قال المصنف، والحديث رواه مالك وهو منقطع.
جارية لها: اللام للملك.
وكذا صح عن جندب: وهو الحديث الذي مرّ علينا.
قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي r.
إن تاب الساحر قبل أن يقدر عليه فتقبل توبته، لقوله تعالى: ]إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ والدليل القياس.
المسألة الخامسة عشرة:
الألعاب البهلوانية من السحر التخييلي، من جنس سحر سحرة فرعون، كالذي يطعن نفسه بخنجر من باب الحيلة أو يدخل النار وقد دهن جسمه بعازل أو يقف على عصى صغير وأمثال ذلك، كل هذا من الشعوذة.
المسألة السادسة عشرة: ما يتعلق بهاروت وماروت:
لقوله تعالى: ]يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ[ [البقرة: 102] وهاروت وماروت الصحيح أنهما ملكان أنزلهما الله عز وجل لامتحان عباده، ففعلا ما أمرا به وكلفا به امتحانًا للعباد. ولله أن يمتحن عباده بما شاء وكيف شاء، أما ما قيل أنهما ملكان مُسخا وغيرها من الأكاذيب، كما جاء في كتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور" للسمرقندي؛ فهو باطل.
المسألة السابعة عشرة: علامات يُعرف فيها الساحر:
يُعرف الساحر بأنه أحيانًا يدعي معرفة الأمراض بغير أسبابها المعتادة، وأحيانًا يطلب أشياء من المريض كبعض ملابسه أو شعره، وأحيانًا يسأل عن اسم أم المريض، وسبب سؤاله عن الأم لأن الساحر والشيطان منكوسي الفطرة فيعرفون الشخص بأمه.

المسألة الثامنة عشرة: من الذي يتولى عقاب الساحر؟
الذي يتولى ذلك الحاكم والعلماء ومن بيده سلطة التنفيذ وإن كان الحاكم أعرض عن ذلك أو كان ضعيفًا فعلى العلماء وأهل الشوكة أن يقيموا الحدود وقد مرت علينا هذه المسألة، ويجب على الرعية الإبلاغ عن المشعوذين والسحرة.
المسألة التاسعة عشرة:
إذا ثبت أنه قتل بسحره نفسًا معصومة حكمه يقتل. ذكرت هذه المسألة في زاد المستقنع باب الجنايات، فاجتمع فيه موجبان:
1- موجب القصاص. 2- موجب الردة.
حكم ما يفعله بعض الناس من الاجتماع على رجل ورفعه بأصابعهم؟
هذا إن كان من يفعله يستعين بالشياطين فإنه سحر، وأما إن كانوا لا يستعينون بالشياطين إن صح ذلك فهو محرم؛ لأنه تشبه بفعل السحرة، وسدًا للذريعة.

باب بيان شيء من أنواع السحر
قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف عن حيان بن العلاء، حدثنا قطن ابن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي r قال: «إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت».
قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط بالأرض والجبت، قال: الحسن: رنة الشيطان. إسناده جيد ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه، المسند منه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r «من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» [رواه أبو داود] وإسناده صحيح.
وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وكل إليه».
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: «ألا هل أنبئكم ما العضة؟ هي النميمة، القالة بين الناس» [رواه مسلم]. ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله r قال: «إن من البيان لسحرًا».
قال الشارح:
أراد المصنف أن يذكر هنا شيئًا من أنواع السحر، فذكر هنا ستة أنواع من أنواع السحر، والمصنف لم يُرِد الاستيعاب فقال: بيان شيء.
وهي من أنواع السحر إما أكبر أو عملاً، فهو إما سحر أكبر مخرج من الملة، أو سحر عملي قد يخرج من الملة وقد لا يخرج من الملة.
قال المصنف: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف عن حيان بن العلاء، حدثنا قطن بن قبيصة، عن أبيه أنه سمع رسول الله r قال: «إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت»:

ذكره للسند هنا على غير عادته، ويمكن أن يُقال أنه أراد أن يُحكم القارئ على السند من خلال معرفة الرجال، ولكي يخرج من العهدة.
والمصنف قال في آخره: وإسناده جيد.
تخريج الحديث: قال المصنف إسناده جيد، والأقرب أنه حكم على الحديث، والحديث حسنه النووي، وذهب بعض أهل العلم إلى تضعيفه؛ بسب الاضطراب في شيخ عوف.
إن العيافة: كما قال عوف هي: زجر الطير، ومعناه: أي أنهم يرسلون الطير إذا أراد أحدهم سفرًا أو زواجًا أو تجارة، فيطير الطير، فإن اتجه في طيرانه جهة اليمين فإنهم يتفاءلون، ويمضي في السفر أو الزواج أو التجارة، وإن اتجه جهة الشمال فإنهم يتركون السفر.
وتعريفها اللغوي: مصدر من عاف يعيف. وشرعًا: التطير بالطيور وبالطيور خاصة؛ لأنه سوف يأتينا عطف الطيرة على العيافة.
والطرق: هو كما قال عوف: الخط يخط بالأرض، فيأتون إلى الرمال يستفتونه في السفر أو التجارة.
وطريقته: أنه يخط في الأرض خطوطًا بسرعة غير معروفة العدد، ثم يبدأ بمحو هذه الخطوط على خطين خطين، فإن لم يبق إلا خط واحد فإنه يتشاءم ويترك السفر والتجارة، وإن بقي خطان فإنه يتفاءل ويمضي.
وأحيانًا يستعمل الحجارة بدل الخطوط، أو الأوراق، فيدخل فيه أي وسيلة تستخدم لمعرفة المستقبل.
والطيرة: الواو عاطفة، والعطف يقتضي المغايرة، فلا بد إذًا من التفريق بين الطيرة والعيافة.
فإذا قلنا: إن العيافة هي التطير بالطيور، فالطيرة هي التطير بالمسموعات والمعلومات والمرئيات غير الطيور.
المسموعات: أنه يُريد سفرًا، فيسمع رجلاً يقول: يا خاسر! فيرجع.
المرئيات: كأن يقابله رجل أعرج أو مشلول أول ما يخرج لطلب الرزق، فيتشاءم

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 09-18-2012, 12:18 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

ويرجع.
المعلوم: كالتشاؤم بالشهور.
من الجبت: من تبعيضية. والجبت: اسم جامع لكل معبود أو متبوع أو مطاع، فهو بمعنى الطاغوت عند الإطلاق، ويُراد به هنا السحر.
وفي هذا الحديث ذكر المصنف ثلاثة أنواع من أنواع السحر.
1- العيافة. 2- الطرق. 3- الطيرة.
ما وجه كونها من السحر؟
وجه كونها من السحر؛ لأنها دجل وشعوذة وليس لها حقيقة، وكذلك السحر دجل وشعوذة، فاجتمعا في باب الدجل والشعوذة، ولأنه تعلق بأمور خفية، والسحر كذلك.
وقوله: الخط يخط بالأرض: هذا على وجه الكهانة، وليس كل خط بالأرض من السحر، وإنما هو ما كان على هذا الوجه، وإلا فلو خط في الأرض للتعليم أو لغير ذلك جاز.
قال الحسن: هو الحسن البصري من أئمة التابعين وعلمائهم، وهذا القول مقطوع: وهو قول التابعي.
رنة الشيطان: قال بعض الشراح إن هذه الكلمة فيها تصحيف. وصحة الكلمة "إنه الشيطان" فيكون الحسن قد فسر الجبت بالشيطان. لكن الذي مشى عليه صاحب تيسير العزيز الحميد وصاحب فتح المجيد على كلمة "رنة" فقط.
ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسند منه: أي أنهم لم يذكروا تفسير عوف؛ بل ذكروا الحديث.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» [رواه أبو داود، وإسناده صحيح].
من: شرطية، وهي عامة باعتبار المعنى، فتشمل كل من اقتبس سواءً كان مسلمًا أم كافرًا.
اقتبس: أي تعلم.
شعبة: قطعة أو طائفة.

من النجوم: يقصد به علم النجوم أي من علمه، ويقصد به أيضًا ما يسمى بـ"علم التأثير" وهو: الاستدلال بالنجوم وسيرها على الحوادث الأرضية من قحط وزلازل ونصر وهزيمة.
وأما تعلم النجوم لمعرفة القبلة والزمان وأوقات الزرع ونحو ذلك، فهذا يسمى علم التسيير، وهذا أجازه أحمد وإسحاق، واستدلوا بقوله تعالى: ]وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ[ [النحل: 16].
فقد اقتبس: هذا جواب الشرط.
زاد ما زاد: أي كلما زاد في التعلم زاد في السحر.
وهنا ذكر المصنف النوع الرابع من أنواع السحر وهو التنجيم.
ووجه كونه من السحر: لأنه من التمويه والدجل، وكذلك السحر.
رواه أبو داود بإسناد صحيح: وقد صححه النووي والذهبي.
ولأن التنجيم استدلال بأشياء خفية، والسحر كذلك.
وللنسائي من حديث أبي هريرة «من عقد عقدة، ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وُكل إليه».
هذا الحديث وقع الخلاف في تصحيحه، فذكر بعض أهل العلم أنه ضعيف، وجاء عن المنذري أن الحديث فيه انقطاع، وحسن الحديث ابن مفلح في الآداب.
عقد: بمعنى لفَّ.
عقدة ثم: ثم للترتيب.
والحديث صوّرَ صورة من صور السحر.
وطريقته: أن يعقد عقُدة ثم ينفث، ثم يعقد عقدة أخرى ثم ينفث، وهكذا فيجعلون النفث بعد العقد، ومع النفث يستغيث ويدعو الجني ويذكر ما يريده من الضرر بالمسحور.
فقد سحر: جواب الشرط.
أشرك: أي شركًا أكبر؛ لأن سحر النفث والرقى والتعاويذ من الشرك الأكبر.
وهنا ذكر المصنف النوع الخامس من أنواع السحر وهو: سحر العقد والتعاويذ.

ومن تعلق شيئًا: التعلق إما أن يكون تعلق القلب أو تعلق العمل.
وشيئًا: نكرة في سياق الشرط، فتعم أي تعلق.
وُكل إليه: فإن تعلق قلبه بالله فقد فاز، وأما إن تعلق قلبه بغير الله فإن مآله ومصيره الخسران.
وعن ابن مسعود، أن رسول الله r قال: «ألا هل أنبئكم ما العضة؟ هي النميمة القالة بين الناس» [رواه مسلم].
ألا: حرف تنبيه وإثارة.
أنبئكم: بمعنى أخبركم.
العضة: بسكون الضاد.
وهي تطلق على السحر والكذب والبهتان، ثم فسرها فقال r «هي النميمة» والنميمة: هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد.
القالة: الفاشية بين الناس، والألف واللام في الناس للعموم "المسلم والكافر".
وهنا ذكر المصنف النوع السادس من أنواع السحر وهو النميمة.
والنميمة سحر عملي غير مخرج من لملة وإنما هو من كبائر الذنوب؛ لأن عمل النميمة ونتيجتها مثل عمل ونتيجة السحر، وهو تفريق الناس، وتغيير القلوب، وصرف الإنسان عن بعض الأشخاص.
هل يُقال للنمام ساحر؟ لا.
هل حكم النمام مثل حكم الساحر؟ لا أيضًا، ولذلك النميمة سحر عملي فقط غير مخرج من الملة.
ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: «إن من البيان لسحرا».
ولهما: أي البخاري ومسلم.
والحديث عند البخاري من حديث ابن عمر، وعند مسلم من حديث عمار.
إنّ من: من: تبعيضية أي بعض البيان.
فالبيان ينقسم إلى أقسام:-
1- منه ما هو سحر.

2- ومنه ما ليس بسحر.
3- بيان الإنسان عما في نفسه والتعبير للناس، وهذا يشترك فيه كل الناس، فكل الناس أعطوا من البيان ما يفصح عن مقاصدهم. قال تعالى: ]خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ[ [الرحمن: 3، 4].
4- بيان بمعنى الفصاحة والبلاغة، وهذه تنقسم إلى قسمين:
1- بيان قلب وتمويه، فيقلب الباطل إلى حق، وهذا هو السحر المقصود بالحديث، ووجه كونه كذلك لأن السحر يقلب الحقائق، كما قال تعالى: ]يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى[ [طه: 66].
2- فصاحة وبلاغة لبيان الحق وتوضيحه، وهذا لا يسمى سحرًا بالمعنى الشرعي، وإن كان يسمى سحرًا بالمعنى اللغوي.
المصنف ذكر أنواعًا ستة من أنواع السحر، وسنذكر غير ذلك:
1- الألعاب البهلوانية وهي: إيهام الناظر أن هناك شيئًا يتحرك وليس كذلك.
2- صب الرصاص وهو: أن يأتي الساحر فيصب ماءً أو رصاصًا في إناء فيظهر فيه وجه الذي سحره.
3- تحضير الأرواح وهو: عبارة عن استحضار جني يُدعى بأدعية وتعاويذ ينقل من خلالها الأخبار.
4- التنويم المغناطيسي وهو: بعضه سحر وبعضه ظلم واعتداء، فجاء عن بعض أهل العلم من المعاصرين أن التنويم المغناطيسي سحر، وهو تسليط الجني على الإنسي ليتكلم بلسانه، وهذا من السحر، وبعض التنويم المغناطيسي استخلاص بعض الأسرار، فيقومون بوسائل معينة تؤدي إلى تنويم الشخص، ثم بعد ذلك يسألونه أسئلة فيُجيب عليها وهذا ظلم واعتداء. والنائم مرفوع عنه القلم كما جاء في الحديث، فكيف يؤخذ منه؟!!
والتنويم المغناطيسي: هو تنويم الإنسان بغير إرادته بوسائل، كتسليط الإضاءة عليه. وإذا كان في التنويم المغناطيسي جن يتكلمون فهذا من السحر.
هل يجوز تسمية بعض الأشياء الجاذبة أو الجذابة سحرًا؟ وإذا أعجبك كلام أحد هل

تقول إنه سحر؟
أما من الناحية اللغوية فجائز، وهذا الذي يسمى السحر الحلال إذا لم يكن فيه نصر للباطل، لذلك ذكر ابن عبد البر عن عمر بن عبد العزيز أنه جاءه رجل فطلب مسألة فأحسن في الكلام، فقال عمر: إنه السحر الحلال، وذكر شيئًا من ذلك ابن القيم في "النونية".

باب ما جاء في الكهان ونحوهم
روى مسلم في صحيحه، عن بعض أزواج النبي r عن النبي r قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يومًا».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي r قال: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد r» رواه أبو داود.
وللأربعة، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، عن أبي هريرة: «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -r-» ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفًا.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه : «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تُكهن له أو سحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -r»[رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: "ومن أتى..."إلخ.
قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك وقيل: هو الكاهن والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.
وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق.
وقال ابن عباس في قوم يكتبون (أبا جاد) وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق.
قال الشارح:
المسألة الأولى: تعريف الكهان:
الكهان جمع كاهن: وله تعريفان.

1- تعريف بالاجتماع مع العراف.
2- تعريف بالاستقلال.
والكاهن بتعريفه العام: من يدعي معرفة المغيبات ويخبر عنها.
والخاص: الكاهن هو الذي يخبر عما في المستقبل عن طريق الجن والشياطين.
وقولنا "المغيبات" أوسع من قولنا "المستقبل".
ونحوهم: مثل المنجم والرمّال والعرّاف والعائف.
المسألة الثانية: ما هي مصادر الكاهن في الإخبار عن المغيبات؟
له ثلاث مصادر:
المصدر الأول: عن طريق مسترقي السمع، وهذا مرّ في باب ]حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ[ [سبأ: 23]، وهؤلاء يخبرون عن الغيب الذي لم يقع في الأرض، من الوحي العام الذي يُراد إيقاعه في الأرض كهزيمة ونصر وقحط.
المصدر الثاني: قرينة من الجن أو رئيه من الجن، وهذا يخبره بالوقائع التي تقع في الأرض، ولكنها غابت عن الآخرين، وهذا ما يُسمى بالغيب النسبي، ويدل عليه ما رواه البخاري أن عمر بن الخطاب سأل رجلاً وكان كاهنًا قبل أن يُسلم فقال له: ما أعجب ما جاءت به جنيتك؟ ... الحديث.
وكما جاء عند البيهقي بسند جيد من حديث عائشة قالت: أول ما جاء خبر الرسول r حينما بُعث إلى المدينة، أن امرأة من أهل المدينة كان لها تابع، فجاء في صورة طائر ووقع على حائطها، فقالت المرأة: انزل تخبرنا ونخبرك. فقال: «إنه بُعث بمكة نبي».
المصدر الثالث: عن طريق الحدس والتخمينات، فيخبر حدسًا وتخمينًا.
المسألة الثالثة: هل كل من يُخبر عن الِياء الغائبة يُسمى كاهنًا؟
لا. فيها تفصيل:
من أخبر بما يُدرك عن طريق الحس كالإخبار عن الكسوف والخسوف ليست من الكهانة؛ لأنها تُدرك بالحساب.
- الإخبار عن الأمور الباطنية – معرفة ما في باطن الأرض من المياه، ليس من

الكهانة إذا عُرف بالآلات المحدثة؛ إلا إذا كانت عن طريق الجن.
كما لو أخبر الطبيب عن نوع المرض بالوسائل الحديثة، ومنها الفراسة، فليست من الكهانة "اتقوا فراسة المؤمن". وعمر كان يتفرس في بعض الرجال، وأخبر مرة عن رجل أنه كاهن، فهذه من باب الفراسة وليست من باب الكهانة.
ما هو الموقف من الإخبار عن الكسوف والخسوف؟
يُجعل كأحاديث بني إسرائيل لا تُصدق ولا تُكذب ولا يُجزم بوقوعها، وإن من استعد لها وتوضأ فإنه يعتبر مصدقًا لذلك، فلا يفعل شيئًا حتى يقع، ويُنكر على من فعل ذلك، فإن هذا من التصديق.
ما يسمى بالمَرَّي:
هو من يستدل على السرقة بوسائل معروفة كآثار القوم وغير ذلك، واستبشر النبي r عندما قال مجزز المدلجي لما رأى أقدام زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الأقدام لمن بعض. فلس هذا من الكهانة، فإنه يستدل على السرقة بالأثر الحسي، أما لو استدل على السرقة بآثار غير مرئية ولا حسية فهذه كهانة أو عرافة.
المسألة الرابعة: أقسام الغيب:
1- غيب المستقبل مما لم يسمعه مسترقي السمع أو الغيب المطلق، وهذا لا يعلمه إلا الله ]قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[ [النمل: 65] وهذا لا يعلمه حتى الجن قال تعالى: ]فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ[ [سبأ: 14] وقال تعالى: ]عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ[ [الأنعام: 73].
2- غيب الماضي ويسمى الغيب النسبي، وهو ما وقع في الماضي وغاب عنك، فهو بالنسبة لك غيب نسبي، وهذا أكثر مما يحدث عنه الكهان، ,هو الغيب النسبي.
3- وغيب المستقبل مما لم يحدث وفي طريقه للحدوث مما سمعه مسترقي السمع.
المسألة الخامسة: المقارنة بين تعريف الكاهن وتعريف غيره:
فهناك أشخاص يشتركون مع الكاهن في الإخبار عن المغيبات ولكن يختلفون في الوسيلة.
فمن أخبر عن الغيب بطريق الجن، فهذا كاهن.

ومن أخبر عن الضالة والمسروق بطُرق خفية، فهذا العرّاف.
من أخبر عن الضالة بالخطوط في الأرض، فهذا يسمى الرمال.
ومن أخبر بالغيب عن طريق النجوم، فهذا يسمى المنجم.
قال المصنف: وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي r عن النبي r قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا».
عن بعض أزواج النبي r:هذه جهالة عين لبعض أزواج النبي r، وجهالة الصحابي لا تضر.
من أتى: من لفظ عموم سواءً كان رجلاً أو امرأة مسلمًا أو كافرًا.
أما الصغير فلا يدخل في الحكم؛ لأنه خرج بحديث «رفع القلم عن ثلاثة وذكر الصبي حتى يبلغ».
من أتى: هذا باعتبار الغالب، وإلا فلو راسله أو هاتفه أو كاتبه لدخل في الحكم.
فسأله: السؤال هنا سؤال لسان فقط مع عدم تصديق القلب ولا اطمئنان؛ بل مع البغض للعراف بالقلب.
سأله عن ماذا؟
سأله عن أمور مباحة كعلاج ونحوه.
شيء: نكرة، ولكن يقصد بها الأشياء التي لا يكفر بسؤالها.
فصدقه: ليست عند مسلم؛ بل هل عند أحمد في المسند.
والوعيد في هذا الحديث مترتب على مجرد السؤال.
مسألة: ما حكم سؤال العراف؟
سؤال العراف ينقسم إلى قسمين:
1- سؤال مجرد ليس معه تصديق لادعائه الغيب، وإنما يسأله أمرًا مباحًا أو علاجًا مباحًا، وهذا حكمه كبيرة من كبائر الذنوب، ويدل عليه الوعيد في الحديث الأول.
2- أن يسأله ويصدقه وهذا أقسام:-
القسم الأول: أن يسأله ويصدقه أنه يعلم الغيب المطلب، فهذا كفر مخرج عن الدين.
القسم الثاني: أن يسأله ويصدقه أنه يعلم غيب المستقبل، فهذا كفر مخرج عن الدين.

القسم الثالث: سؤاله مع التصديق بأنه يعلم الغيب النسبي، فيعلم الضالة والمجهول، وهذا فيه خلاف على ثلاثة أقوال:
1- أنه بهذا التصديق لا يخرجُ من الدين، وإنما هو كفر دون كفر، وهذا رواية عن أحمد.
2- أنه كفر مخرج عن الدين، ويدل على الحديث الثالث في الباب "فقد كفر".
3- التوقف، وهذا هو أشهر الروايات عن الإمام أحمد. فلا يُقال يخرج ولا، لا يخرج، والأقرب: القول الثاني لدلالة الحديث "فقد كفر".
لم تقبل:لم: حرف نفي، والمنفي القبول وليس الصحة، فالصحة صحيحة مجزئة يسقط بها الطلب لكنه لا يُثاب عليها، فلا يلزمه الإعادة إجماعًا، فأصبح النفي نفيًا للثواب، فتكون هذه السيئة قابلت حسنات الصلاة أربعين يومًا فأحبطتها.
صلاة: نكرة في سياق النفي، فتعم جميع الصلوات التي يؤديها في الأربعين.
وغير الصلاة من الأعمال مسكوت عنه في الحديث، فيكون جاريًا على الأصل وهو أن الإنسان يُثاب على عمله ]فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ[ [الزلزلة: 7].
وعن أبي هريرة عن النبي r قال: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» [رواه أبو داود].
من: اسم شرط فيعم جميع المكلفين الذكر والأنثى، ولا يشمل الصغير؛ لأنه مرفوع عنه القلم، وأما الجاهل فإن اعتقد أنه يعلم الغيب فالجهل بهذا ليس بعذر؛ ولكن إن كان في الغيب النسبي فيعذر بالجهل لوجود الخلاف بين العلماء ولأنها مسألة خفية.
الجهل ليس عذرًا في الأمور الظاهرة المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة، أما الأمور الخفية فإنه يُعذر بالجهل فيها.
كاهنًا: هنا بالمعنى العام أي: مُدعيًا للغيب.
فصدقه: أي نسبه إلى الصدق.
وضابط تصديق الكاهن ثلاثة أشياء:
الأول: التصحيح لما قال والموافقة عليه، وهذا تصديق اللسان.
الثاني: الارتياح لما قال والاطمئنان به، وهذا تصديق القلب.

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 09-18-2012, 12:19 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

المسألة الحادية عشرة: حكم تداوي الممسوس؟
حكمه: هو جزء من الكلام عن حكم التداوي عمومًا، فذهب بعض أهل العلم إلى أن التداوي سنة، وهذا قول الجمهور.
والقول الثاني: إذا كان المرض يؤدي بالإنسان عادة إلى الهلاك، فيجب التداوي لقوله تعالى: ]وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[ [البقرة: 195]، وقوله r: «إن لنفسك عليك حقًا».
والقول الثالث: أنه مباح.
المسألة الثانية عشرة: ما حكم أخذ الأجرة على النشرة الشرعية؟
هذه المسألة سبق ذكرها في باب الرقى والتمائم.
المسألة الثالثة عشرة: ما الفرق بين كون الرجل ممسوسًا أو به عين؟
إذا كان مع القراءة يشعر بارتياح فهذا مصاب العين، وإذا كان يتعب أو يشتد عليه حال القراءة فالغالب أن ممسوس؛ لأن الجن يكرهون القرآن.
وعن جابر أن رسول الله r سُئل عن النشرة فقال «هي من عمل الشيطان» رواه أحمد بسند جيد وأبو داود، وقال: سُئل أحمد عنها؟ فقال: «ابن مسعود يكره هذا كله».
الألف واللام في النشرة: للعهد، ويقصد به نشرة الجاهلية.
وكيفية نشرة الجاهلية؟ هي فك السحر بأسحار مختلفة واستخدامات شيطانية.
وعلى ذلك فالنشرة تنقسم إلى قسمين:
الأول: نشرة جاهلية، وهي التي من عمل الشيطان، ويدل عليها الحديث الأول.
القسم الثاني: نشرة شرعية، وهي التي ذكرها المسيب، وأيده ابن القيم على ذلك.
من عمل الشيطان: من: تبعيضية.
الشيطان: الألف واللام هل هي للجنس أم للعهد؟
هي للعهد، ويقصد بها هنا المسلط من الساحر، وإن كانت في غير هذا الحديث تشمل المؤذي من الجن.
وقولنا: الشيطان: هو من شطن إذا بعد، وقد مر.

والشيطان: اسم لم خبث وتمرد من الجن، وكذلك الإنس، فإن زاد في التمرد سمي ماردًا، فإن زاد في التمرد سمي عفريتًا.
رواه أحمد بإسناد جيد: هذا حكم المصنف، وحسنه الحافظ في "الفتح"، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" ورواه أيضًا أبو داود، ورواه الطبراني، والبزار عن أنس:
وقال: أي أبو داود.
أحمد: هو ابن حنبل إمام أهل السنة.
عنها: أي نشرة الجاهلية.
والإمام أحمد قال هذا الكلام لأنه يرى رأي ابن مسعود في المنع منها.
فقال: ابن مسعود يكره ذلك كله:
فيه مسألتان:
1- لم يذكر المصنف هنا الترضي عن الصحابي، وهذا يجوز، ولكن الأفضل الترضي عنهم لفظًا وكتابة.
2- يجوز أن يقول للصحابي «ابن مسعود أو ابن عمر» وليس هذا من سوء الأدب معهم.
يكره: الكراهية عند قدماء السلف بمعنى التحريم على قول لابن القيم، وقيل حسب القرائن.
هذا: أي حل السحر بالسحر الذي هو من عمل الجاهلية.
وللبخاري عن قتادة: قلت لابن المسيب: «رجل به طب أو يُؤخذ عن امرأته أيُحلُّ عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه».
هذا الأثر ذكره البخاري معلقًا مجزومًا به.
والمشهور في المصطلح: أن تعليقات البخاري التي بصيغة الجزم صحيحة، ولكن ليست على شرطه.
عن قتادة: هو قتادة بن دعامة السدوسي، هذا من صغار التابعين أي الطبقة الثالثة منهم.
لابن المسيب: هو سعيد بن المسيب، وهو من الطبقة الأولى وهم كبار التابعين.

رجلٌ به طب: هذا قول التابعي، ويسمى مقطوعًا.
طب: هذا لفظ مشترك بين العلاج والمرض مثل: "القرء" لفظ مشترك بين الطهر والحيض.
والقاعدة: أن الألفاظ المشتركة تجري على معانيها إلا إن تعذر ذلك، ومثله كلمة "طاهر" فإنها لفظ مشترك بين الطاهر من الحدث الأصغر والطاهر من الحدث الأكبر.
ولذا في حديث عمرو بن حزم قول النبي r «لا يمس القرآن إلا طاهر» أي من الحدث الأصغر والأكبر ومن الشرك.
ولكن في كلمة (طب) يتعذر حملها على كل المعاني، فهي هنا يراد بها المريض بالسحر، وسمي المريض بالسحر مطبوبًا من باب التفاؤل، كما يسمى اللديغ سليمًا.
قال أو يُؤخذ: أو حرف عطف، وهذا من باب عطف المترادف.
ويُؤخذ: بتشديد الخاء أي يُحبس عن امرأته، وهذه ما تسمى بعملية الربط يقال: فلان مربوط عن أهله.
كيف تتم عملية الربط بالسحر؟
أولاً: العملية الجنسية لا تتم دون انتصاب الذكر.
ثانيًا: عدم الانتصاب له سبب عضوي، وهذا لا يعنينا هنا، وهذا يُعالج طبيًا، وهو ما يُعرف بالعجز الجنسي، وهذا لا علاقة له بالسحر.
ثالثًا: أن الانتصاب لا يتم إلا بعد إشارة عصبية من الجزء الخاص بأعضاء التناسل في المخ، فإذا أثر أي مؤثر على هذا الجزء فلا ينتصب الذكر، وقد يكون هذا المؤثر غضب أو جوع أو تمركز الجني في هذا الجزء، وهذه هي عملية الربط بالسحر.
وهو: تسلط الجني على أعضاء التناسل في المخ فيفقد قدرته الجنسية أو الرغبة في الجماع، ولكن إذا جاء أهله بردت شهوته.
أيُحل عنه أو يُنشر: ي أيُعاجل معالجةً شرعية في فك هذا السحر؟
قال سعيد: لا بأس: هذه فتوى بالجواز لفك السحر بالأشياء الجائزة.
ودليل الفتوى: هو المصلحة، قال: إنما يريدون الإصلاح.
قد يقول قائل: لماذا حملتم كلام ابن المسيب على النشرة الجائزة مع أن السؤال عام؟

الجواب لقوله: إنما يريدون به الإصلاح، فأما السحرة فلا يريدون الإصلاح لقوله تعالى: ]مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ[ [يونس: 81].
يُنهى: مبني للمجهول، ويُقصد به الشارع.
وهذا هو القسم الثاني من النشرة: وهو حل المس بالأدوية الجائزة.
مسألة: ما هي طرق علاج الممسوس؟
هناك عدة طرق:
1- طريق رقية القرآن والقراءة على المريض بالكيفيات الخمس التي مرت معنا في باب الرقى، وقد يستمر العلاج والقراءة بالقرآن ستة أشهر، فلا يعجل المسحور.
2- استخراج السحر وإتلافه، فإذا أتلف السحر أو حرقه بطل، كما حدث للنبي r.
لكن كيف يُعرف مكان السحر؟
أمّا عن طريق السحرة والكهنة فلا يجوز، ولكن قد تتهم شخصًا بالسحر وتراه يدور حول أماكن خربة أو بيوتًا مهجورة أو في صناديقه وأثاثه، فيعرف حينئذ، فإذا أحرقت أو قُطعت بطل السحر.
3- بعض النباتات مثل: السدر، فإذا جئت إلى سبع ورقات من السدر ثم دُقَ وبعد ما يُدق يوضع في إناء، ثم يقرأ عليه آيات السحر، فيغتسل بمائه ويتوضأ، والسبب: لأن السدر مكروه عند الجن، ولذا يتضايق الجني ويخرج، وهذا ذكره بعض السلف وأيده الشيخ ابن باز؛ لأنه علاج مجرب.
4- ما يسمى بعود القسط الهندي، وهذا ذكره البخاري في كتاب الطب، وذكره مؤلف كتاب «الطرق الحسان في معالجة أمراض الجان».
وطبيعة هذا الدواء أنه حار، فُيدق ويستنشقه المريض، فإذا استنشقه فمن حرارته يصعد إلى الدماغ مكان تركز الجني، فيتضايق ويخرج.
5- التخويف ببعض الحيوانات، كالتخويف بالذئب، وهذا يستخدمه بعض القراء إذا كان الإنسان مصروعًا، فيأتي بالذئب أو ببعض أجزاء الذئب. أما حمل جلد الذئب لدفع الجن أو العين هذه تميمة لا تجوز وفرق بين هذا وهذا.
وهذه خاصية في الذئب، كما أن الحمار إذا رأى الشيطان نهق.

6- بعض المأكولات كتمر المدينة؛ لأنه جاء في صحيح مسلم «من تصبَح بسبع تمرات من عجو المدينة لم يضره سحر».
7- عن طريق الحجامة في الرقبة أو في الموضع الذي يشعر أن فيه مس، وهذا ذكره ابن القيم في كتاب "الطب النبوي"، ولأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو في عروق الدم.
8- الضرب، وهذا يستخدمه بعض القراء بأن يضرب الممسوس في أماكن تجمع العروق كالكتف والركبة، ولكن هذا العلاج فيه ضرر بالممسوس ويترك تشويهات في جسمه، فينبغي العدول عنه.
9- وبعض القراء يعرف السحر بسؤال الجني سؤال مخاطبة في الممسوس إذا شد عليه في القراءة وتكلم الجني سأله عن مكان السحر فهذا يجوز لكن ينبغي أن يعرف أن الجن لديهم كذب وخداع فقد يكذبون أو يظلمون أحدًا لأنه هو الذي سحره وليس كذلك، قال تعالى: ]إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا[ فكيف بالجني الظالم. أما بالنسبة للعلاج بالقرآن فتستحب الطرق التالية.
أولاً: يستحسن أن يكون القارئ والمقري عليه متوضئين.
ثانيًا: إذا كان المريض عليه شيء من التمائم فيجب قطعها، وإذا كانت امرأة متبرجة تتحجب، وإذا كان عليه معاصي يُنصح ويتوب عنها.
ثالثًا: يبدأ بالقراءة ومحلها في الصدر أو الوجه أو مع الأذن، هذا إذا كان المرض عامًا، وأما إذا كان في عضو معين فيقرأ على العضو.
يقرأ ما شاء من القرآن لقوله تعالى: ]وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ[ [الإسراء: 82].
إلا أنه يستحب الآيات التالية:
1- الفاتحة. 2- أول البقرة. 3- آية الكرسي.
4- آخر سورة البقرة. 5- أول آل عمران. 6- آخر الحشر.
7- سورة الجن. 8- أول الصافات. 9- المعوذات.
10- قصة موسى مع السحرة. 11- آيات السحر.

فإذا كان الجني ضعيفًا أو سفيهًا ليس له هدف فإنه في الغالب يخرج، وقد يتكلم، وقد يخرج ولا يتكلم.
رابعًا: قد تحدث أشياء مع القراءة تدل على أنه ممسوس، فإذا ظهرت هذه العلامات يواصل القراءة، وقد ينطق الجني وقد لا ينطق.
خامسًا: بعد ما يواصل القراءة يقرأ له في إناء ويُشربه إياه ويوصيه بسماع القرآن، لأنه غالبًا ما يُنهك الجني من هذه الإجراءات، ثم يعود إليك من الغد إلى أن يبرأ.
قال: وروُي عن الحسن أنه قال: «لا يحل السحر إلا ساحر».
رُوي: صيغة تمريض.
لا يحل السحر إلا ساحر: القول هذا فيه عموم يحتاج إلى تقييد؛ لأن السحر يحله غير الساحر بالطرق الشرعية.
قال ابن القيم: «النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل بسحر...».
النُشرة حل السحر على المسحور: هذا تعريف نشرة الجاهلية لا مطلق النشرة.
وهي نوعان:
أ- حل بسحر مثله: وهذا تبين له أنه نوعان:
1- حل السحر بتقرب من الناشر والمنتشر إلى الشيطان، وهذا لا شك أنه شرك أكبر.
2- حل السحر عن طريق الساحر مقابل مال يدفعه إليه، ولكن المسحور لا يعمل شيئًا يتقرب به إلى الشيطان، وإنما التقرب من الساحر فقط، والمسحور لا يعمل شيئًا من الشرك، وهذا هو الذي جاء عن الحنابلة بأنه يجوز من باب الضرورة، بشرط ألا يشرك المسحور بفعل، وهذا قول ضعيف جدًا؛ بل الصحيح الذي لا شك فيه أنه حرام، لكن لا يقال إنه كفر لوجود الخلاف وهذه المسألة سبقت في باب ما جاء في السحر.
العلاجات التي ذكرها ابن القيم للنُشرة هي:
1- الرقية. 2- التعوذات. 3- الأدوية. 4- الدعوات المباحة.

باب ما جاء في التطير
وقول الله تعالى: ]أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ[ [الأعراف: 131]. وقوله: ]قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ[ [يس: 19].
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الرسول r قال: «لا عدوى، ولا طيرة ولا هامة، ولا صفر» أخرجاه. زاد مسلم: «ولا نوء، ولا غول».
ولهما عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» قالوا: وما الفأل؟ قال: «الكلمة الطيبة».
ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله r فقال: «أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك».
وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: «الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا([1])، ولكن الله يذهبه بالتوكل» رواه أبو داود، والترمذي وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود.
ولأحمد من حديث ابن عمرو: «من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك» قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: «أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك».
وله من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما: إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك.
قال الشارح:
المسألة الأولى: تعريف التطير:
لغة: التطير مصدر من تطير يتطير تطيرًا. والمصدر ما يجيء ثالثًا في تصريف الفعل.

مأخوذ من الطير، وأصله معرفة الخير والشر بدلالة الطير، وهو التشاؤم بالطيور.
شرعًا: التشاؤم بكل مسموع أو مرئي أو معلوم، وهذا تعريف ابن القيم.
وليس كل المسموعات أو المرئيات أو المعلومات، ولكن المكروه منها.
المسألة الثانية:
يُلاحظ هنا أن التعريف الشرعي أوسع من التعريف اللغوي، وهذا خلاف المعتاد، وهذا جاء في التطير والرضاع، فإن الرضاع لغة: مص الثدي، وشرعًا: مص الثدي أو شربه، وكذلك جاء في الإيمان.
المسألة الثالثة: أقسام التطير:
ينقسم التطير إلى أقسام:
القسم الأول: أن يعتقد في الطير ونحوه من كل مسموع أو مرئي أو معلوم أن له تأثيرًا في جلب النفع ودفع الضر، وأنها تفعل بذاتها، وهذا شرك أكبر من باب الربوبية؛ لأنه اعتقد أن هناك خالقًا مع الله، قال تعالى: ]هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ[ [فاطر: 3]، وهذا استفهام بمعنى النفي، وأيضًا شرك في الألوهية؛ لأنه تعلق قلبه بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
القسم الثاني: أن يعتقد أنها سبب للخير أو الشر، والله الفاعل وهذا من الشرك الأصغر، والسبب أنه جعل ما ليس سببًا لا شرعًا ولا قدرًا سببًا.
وهذه أغلب تقسيمات العلماء، وهناك قسم ثالث وهو:
أن يجعلها علامة يخبر بها عن الغيب، وهذا من الشرك الأكبر؛ لأنه ادعاء لعلم الغيب، وادعاء علم الغيب بأي وسيلة يعتبر من الشرك الأكبر. وهذا كما يفعله العائف الذي يزجر الطير، أو ذات الشخص إذا استدل بحركات الطيور على علم الغيب.
المسألة الرابعة: شرح التعريف الشرعي:
أما قولنا: التشاؤم بالمسموعات مثاله: كأن يسمع كلمة يا سالم أو يا ناجح، فيعتقد السلامة والنجاح في سفره وفي تجارته، وهذا بالخير.
وبالشر كأن يسمع إذا أراد أن يُسافر أو يتزوج يا خاسر أو يا كسير، فيتشاءم ويترك السفر والزواج.

([1]) في الحديث حذف يعرف بالقرينة، أي إلا ويقع في نفسه شيء من التأثير بحسب العادة والوراثة، ولكن الله يذهبه من قلب المؤمن لإيمانه بأن حركة الطير لا تأثير لها في سير المقادير. اهـ. من مجموعة التوحيد النجدية (ط مكة المكرمة 1391هـ) ص35.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 09-18-2012, 12:20 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

وقولنا: أو المرئيات: كأن يريد سفرًا أو عملاً ما فيرى رجلاً أعمى أو أعزر أو يرى طير الغراب، فيعدل ويرجع عن سفره أو عمله، أو يرى الظباء فينشط.
وقولنا: المعلومات: هي ما ليست مسموعة ولا مرئية، كالتشاؤم بالشهور، أو في بعض الأزمنة والأيام، أو في بعض الأرقام المعدودة، وكذلك الأحلام المزعجة الغير منتظمة. وأما الرؤية الصالحة فليست من التطير، هذا بالنسبة لتحليل التعريف.
وهناك مسائل واقعية هي من باب التطير:
1- قولهم: "خير يا طير" للشيء الجديد، وهذه من ألفاظ الجاهلية أنكرها بعض السلف لما سمعها وهجر عليها.
2- قولهم للمسافر: "على الطائر المأمون" فهذه من لوثة التطير.
3- ذلك قولهم: "ما طار طيره" وهذه تحتاج إلى مزيد بحث.
4- قولهم: "الطير الأخضر ترى يا زينة، والطير الأسود ترى يا شينة"، وهذا من التشاؤم بالألوان.
5- وكذلك إذا شعر بحكة في يده اليمنى، فهي علامة خير.
6- وإذا شعر بحكة في يده اليسرى، فهي علامة شر.
7- وكذلك إذا طنت أذنه، استدل على أنها علامة شر.
8- وكذلك التشاؤم في بلد أو بيت، كأن يسكنه ويموت له ميت فيه فيتشاءم منه، فهذا تطير؛ لأنه لا علاقة بين الموت والسكن.
9- كذلك تشاؤم الآباء إذا سموا أبناءهم بأسمائهم، ويقول: إنها من علامة قرب موته.
10- وكذلك حركة العين أو رفّة العين، فيقولون في اليمين: خير، وفي اليسرى: شر.
11- ومن أمثلة ذلك: بعض أهل التجارات يبيع في أول النهار بأي سعر ولا يرد أول زبون، فإذا رده فيسمى هذا اليوم شؤم.
12- ومن أمثلة ذلك أيضًا: إذا رأى نعلاً على نعله، فإنه يتفاءل بالسفر، وإذا وقع روث طائر على ثوبه، فإنه يتشاءم في السفر.
13- ومن ذلك ما يسمى بفتح الآيّ، فهم يفتحون المصحف ويتفاءلون في أول آية، فإذا فتحوا ووجدوا آية رحمة أو جنة تفاءلوا وسافروا، وإذا رأوا آية نار أو عذاب فإنهم

يتشاءمون.
مسألة: الرحيل من أماكن الخطر هل هو تطير؟ وكذلك القدوم على بلد الخطر هل هو من باب التشاؤم.
الجواب: لا؛ بل إنه من باب اتقاء الأخطار وفعل الأسباب؛ إلا إذا كان البلد مصابًا بالطاعون، فإنه جاء عن الصحابة أنهم «لا يخرجون منها ولا يقدمون إليها»، وأما غير ذلك فليس من باب التطير، ويدل على ذلك ما جاء في الحديث: «فرّ من المجذوم فرارك من الأسد» وقال r: «لا يورد ممرض على مصح».
وقول الله تعالى: ]أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ[ [الأعراف: 113].
ألا: حرف تنبيه. وأول الآية ]فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ[ [الأعراف: 131].
طائرهم: بمعنى التطير ومعناه: ما قضي وقُدر عليهم، وهذا تفسير ابن عباس وهو تفسير الصحابي.
وسمي ما قُضي وقُدر عليهم بلفظة طائر؛ لأنها حالة سيئة، فيكون المقدور والمقضي هو الحالة السيئة التي كانوا عليها.
عند الله: بمعنى من الله.
وهو من الله قدرًا وخلقًا ومشيئة، وهو منهم سببًا وإرادة.
فيكون سبب حالتهم السيئة هو معاصيهم وكفرهم، وهذه تعتبر عقوبة قدرية من الله.
والشاهد من الآية: أن هؤلاء الكفار تطيروا بموسى والمؤمنين معه؛ لأن من عادة الجاهلية التطير بالأشخاص والذوات.
وهو مثل ما يقول العلمانيون في هذا العصر عندما يكون هناك رخاء يقولون: هذا بسبب تخطيطنا وتنظيمنا. وإذا حصلت نكسات أو تدهور في الحالة المعيشية قالوا: هذا بسبب الأصوليين.

مسألة: حكم التطير والتشاؤم بالأشخاص؟
أما حكمه ففيه تفصيل.
1- فأما التشاؤم بأهل الخير، فهذه عادة جاهلية وعلمانية، وهي محرمة.
2- التشاؤم بالذوات مطلقًا مع عدم كونها سببًا معقولاً للشر، فهذا محرم.
3- التشاؤم بالأشخاص إذا كانوا سببًا معقولاً للشر، فهذا جائز, وهذا معنى ما جاء في الحديث «الشؤم في ثلاث، المرأة، والدابة، والدار»، وفي رواية: «والفرس».
وهذه الأمور الثلاثة كانت مشئومة؛ لأنها كانت سببًا ومفتاحًا للشر.
مثاله: أن تكون زوجة الرجل سليطة اللسان مبذرة، ويأتيه منها شر زائد غير معتاد ومستمر، فإنها مشئومة، والعلاج في ذلك تركها.
وشؤم الدار: أن يكون جيرانها أهل سوء، فيأتيه منهم الشر والمشاكل، ويأتي الأولاد أيضًا، فهذه يجوز التشاؤم بها، والحل تركها والانتقال عنها.
والدابة: قد تأكل ماله بأن يكثر عطلها، فهذه مشئومة، والحل تركها.
وشرط هذه الأمور أن تكون المشاكل والشرور التي جاءت منها زائدة غير معتادة وكثيرة أيضًا، أما الشر القليل فلا يخلو منه إنسان، ولذا قال ابن منظور في لسان العرب: والشؤم ضد اليمن، ورجل مشئوم إذا جر الشر" اهـ.
وكما نقول: رجل مبارك أو امرأة مباركة إذا كانت تعين على الخير وتفعله، فكذلك امرأة مشئومة إذا كانت بعكس ذلك.
وهل هذا الأمر خاص بالثلاثة؟
الجواب: لا. فكل من سبب شرورًا كثيرة غير معتادة؛ فإنه يكون مشئوما سواء كان أخًا أو صديقًا أو بلدًا أو غير ذلك بالشروط السابقة.
وهل يجوز أن نطلق على هذه الأشياء أنها مشئومة؟
نعم يجوز.
ما الفرق بينها وبين التطير وتشاؤم الجاهلية؟
هناك فروق:
1- أن هذه الأمور الثلاثة سبب قدري للشر، وأما تشاؤم الجاهلية فهو بأشياء ليست

بأسباب، كأن يمر الطير من جهة الشمال فيتشاءمون، فليس هناك علاقة بين الطير والشر.
2- أن التشاؤم بالمرأة وما عطف عليها وقعت بعد تجربة وبعد حوادث، أما تشاؤم الجاهلية المسموع أو المرئي فهو من أول وهلة.
3- أن التشاؤم بالمرأة وما عطف عليها حقيقي، وأما تشاؤم الجاهلية فأوهام وتخيلات.
أما العمل مع الذوات إذا كانت أسبابًا للشر، فيجوز عمل يتعلق بالقلب، وعمل يتعلق بالجو راح.
فأما ما يتعلق بالقلب فهو كراهية هذا الشيء، وأما ما يتعلق بالجوارح فهو الترك والانتقال.
الآية الثانية: قوله تعالى: ]قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ[ [يس: 19].
طائركم: أي ما قدر وقضي عليكم.
معكم: بسببكم، فما حصل لكم من شرور ومن حالة سيئة فهو سبب معاصيكم.
ومن الآيتين نستنتج أن عادة الجاهلية هي التشاؤم بالأشخاص الذين ليسوا سببًا للشر.
حديث أبي هريرة أن رسول الله r قال: «لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر» أخرجاه.
زاد مسلم «ولا نوء، ولا غول».
لا: نافية للجنس تحتاج إلى اسم وخبر.
عدوى: اسمها، وخبرها محذوف تقديره: هذا يترتب على معرفة دلالة النفي، هل هو للتأثير أو للوجود؟
والتقدير هنا: لا عدوى مؤثرة بذاتها، فالمنفي: التأثير الذاتي والسببية المستقلة.
أما كونها سببًا إذا شاء الله فهذا صحيح، وأما أنها سبب إذا شاءت هي فهذا ليس بصحيح.
وليس النفي للحقيقة.
ولذا جاء عند البخاري معلقًا مرفوعًا «فر من المجذوم فرارك من الأسد» وجاء في

الصحيح «نهى أن يورد ممرض على مصح» وما ذلك إلا أنها تؤثر؛ ولكن إذا شاء الله.
وأما عادة الجاهلية فكانوا يعتقدون أن العدوى تنتقل بذاتها، فنفي هذا الاعتقاد.
وهنا إشكال وهو: أليس باعتبار الواقع إذا جاء سليم وصاحب مريضًا انتقل المرض وهي العدوى؟
الجواب: ليس دائمًا، بل أحيانًا ينتقل وأحيانًا لا ينتقل. فلو كانت مؤثرة تأثير استقلال لكانت دائمًا ناقلة للمرض.
مسألة: هل يجب الانتقال من أماكن الخطر؟
بحثنا أن الفرار من أماكن الخطر ليس من التطير لقوله r: «فر من المجذوم فرارك من الأسد».
لكن هل يجب الخروج من الأماكن الخطرة؟
نقول: الخروج جائز ومباح، ويجوز لمن وثق بنفسه وقوي توكله يجوز له البقاء، ويجوز الإقدام على الأماكن الخطرة. لا سيما إذا كان هناك مصلحة عامة أو خاصة، ولذا جاء عند أحمد وأبي داود أن النبي r أخذ بيد المجذوم وأكل معه وقال: «باسم الله ثقة وتوكلاً على الله» وخالد بن الوليد شرب السم، وكان في ذلك مصلحة عامة في دخول بعض الناس في الإسلام.
ومشى سعد بن أبي وقاص على البحر.
إلا أنه يستثنى الطاعون، فلا يقدم على بلدة هو فيها ؛ لفعل الصحابة في طاعون عمواس.
وهل هو خاص بالطاعون أم أنه يقاس عليه أسباب الشهادة إذا انعقدت، كما ورد في المجاهد يقف في الصف للقتال، كما قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ...[ وهل هو يشمل الأمراض والأوبئة العامة الخطرة قياسا على الطاعون؟
الظاهر أنه ليس خاصًا بالطاعون بل هو يشمل الطاعون والأمراض والأوبئة العامة. أما أسباب الشهادة فالغرق والحرق والمبطون وأمثال ذلك غير الطاعون، والأوبئة العامة فهذا لا يدخل بل يفعل أسباب السلامة من الغرق والحرق والمبطون وأمثاله.

ولا طيرة: لا: نافية للجنس، وتقدير خبرها: لا طيرة حقيقة، فهو نفي للحقيقة والوجود، فمن باب أولى أن يكون نفيًا للتأثير، فالطير ليس مؤثرًا ولا حقيقة له.
ولا هامة: الميم جاء تخفيفها وتشديدها. هامة وهامة.
والهامة: نوع من الطير، إذا قتل الشخص مظلومًا وقفت على قبره وصاحت حتى يؤخذ بثأره، وهذا هو اعتقاد الجاهلية، وقيل: إنها علامة على الموت، فإذا وقفت على دار شخص وصاحت علم أنه ميت فاستعد.
وهل النفي هنا للمعنى الأول أو الثاني؟
قال النووي: النفي لكلا المعنيين.
وهل النفي للحقيقة أو التأثير؟
أما الحقيقة فموجودة، فهي طير موجود، ولكن النفي للتأثير، والهامة نوع من الطير، فهو هنا من باب عطف الخاص على العام.
ولا صفر: له ثلاث معان:
الأول: حية في البطن أو داء في البطن يصيب الإنسان، فيجعله أصفر اللون من شدة المرض، وهذا هو المشهور.
الثاني: شهر صفر المعروف، وكانوا يعتقدون أنه شهر الآفات والشرور، فيتشاءمون به.
الثالث: أنه بمعنى التأخير والنسيء، فكانوا يؤخرون المحرم إلى الصفر، وأقرب المعاني الأول ثم الثاني.
أما في النوع الأول وهو الداء، فيحمل النفي على التأثير المستقل، فيكون بمعنى العدوى.
وأما على المعنى الثاني وهو تشاؤمهم بشهر صفر، فيكون نفيًا لصحة هذا الاعتقاد، وتأثير هذا الشهر بالشر.
ويقاس على شهر صفر التشاؤم ببقية الأشهر والأيام، كأن يكون هناك أشهر معلومة أو أيامًا وقع فيها الشر، وكانوا يتشاءمون أيضًا بالنكاح في شهر شوال.
وهناك قول ثان: أن "لا" في الحديث ناهية، فيكون المعنى: لا تتطيروا ولا تعتقدوا أن العدوى تنتقل بذاتها، قال ابن القيم: وهي تحتمل النهي وتحتمل النفي.

زاد مسلم: «ولا نوء ولا غول».
ولا نوء: لا: نافية للجنس، والمنفي: التأثير ليس الحقيقة.
النوء: يقصد به النجم، وبعض العرب يتشاءمون في بعض النجوم، فيقولون: هذا نجم نحس، وهذا نجم شقاء. وبعض النجوم يتفاءلون بها ويقولون: نجم خير.
فالحديث هنا نفي التأثير عن النجم بالخير أو الشر.
"ولا غول":
الغول: قال أبو السعادات: الغول هي: جنس من الشياطين، فهي متشيطنة الجن، تظهر على الناس بشكل أشخاص فتضلهم عن الطريق، إما أنها تسير بطريق مخالف فيتبعونها، أو أنها تقول لهم: من هنا الطريق فيصدقونها، فهي تضلهم بالقول أو الفعل، فنفى الرسول r تأثيرها: وقيل إن الغول هي: زعم كانت تزعمه العرب، فيكون على القول الأخير نفي للحقيقة.
وأما إذا قلنا إنها نفي للتأثير، فهي لا تؤثر إذا جاء الإنسان بالأسباب كقراءة الأذكار، وكذلك التعوذ منها.
ولهما عن أنس قال: قال رسول الله r: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» قالوا:وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة.
ويعجبني: أي يسرني، من السرور.
الفأل: ذكر أبو السعادات: أنه لفظ مشترك لما يسوء أو لما يسر، فيكون من الأضداد.
وظاهر الحديث أن الفأل من الطيرة، وهذا على ما يعتقده العرب، فإن مذهبهم أن الفأل والطيرة واحد. فأثبت الرسول r الفأل واستحسنه، وأبطل الطيرة.
فيكون الفأل لغة: يطلق على الخير والشر على ما يسر وما يسوء، وشرعًا: هو الكلمة الطيبة. ومعنى الكلمة الطيبة أي: الكلمات الطيبة، أو الأسماء الطيبة.
فمحبة الكلمات الطيبة والنشاط بها، ومحبة الأسماء الطيبة والنشاط بها من الفأل، فكان رسول الله r يُحب سماع كلمة الفوز والنجاح والفلاح والسلام وما يشتق منها من أسماء، كالفائز والفالح والناجح.
كما أنه يكره الكلمات الخبيثة والأسماء الخبيثة وتنفر نفسه، كما أن الإنسان يكره

الرائحة الخبيثة وينفر منها.
مسألة: جاء في بعض الأحاديث كما عند أبي داود أن الرسول r إذا أرسل رسولاً وكان اسمه حسنًا فرح، وإذا كان اسمه قبيحًا رُؤي كراهية ذلك في وجهه. وروى مالك أن الرسول r قال مرة: «من يحلب لنا؟ فقام رجل. فقال: ما اسمك؟ قال: حرب. قال: اجلس».
والفروق:
1- أن الفأل شيء طيب وتحبه النفوس الطيبة، فهو عبارة عن أسماء وكلمات طيبة.
2- أنه عندما يسمع يا سالم لا يعتقد أنه سيسلم، وإذا سمع يا خاسر لا يعتقد أنه سيخسر، ولكن ينشط بكلمة سالم ويتقوى، وكلمة خاسر لا ينظر إليها ولا تؤثر عليه، فيكون الفأل مجرد تقوية ونشاط، وليس معه اعتقاد بالسلامة والخسران.
ولذا لو سافر معه شخص اسمه سالم لا يعتقد السلامة وإنما يفرح به.
وإذا حلب له رجل اسمه قبيح فلا يعتقد الشر في هذا اللبن.
مسألة: الرسول r غيّر بعض الأسماء القبيحة لا لأن لها أثرًا في المسمى، ولا لأن لها أثرًا في المقارن والمصاحب لها؛ وإنما لأنها تنفر منها الفطر السليمة. وقوله: "الكلمة الطيبة" لها مفهوم وهو أن الكلمة السيئة أو الاسم السيئ لا يسره.
ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال: ذُكرت الطيرة عند رسول الله r فقال: «أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك».
هذا الحديث صححه المصنف، والجمهور على أنه ضعيف، وسبب الضعف أن فيه انقطاعًا.
قال المصنف: عقبة بن عامر، والصواب: عروة بن عامر قاله صاحب تيسير العزيز الحميد.
وله من حديث ابن مسعود مرفوعًا: «الطيرة شرك، الطيرة شرك وما منا إلا... ولكن الله يذهبه بالتوكل» رواه أبو داود والترمذي، وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود.

هذا الحديث رواه الترمذي وصححه، وهو كما قال. وهذا الحديث يبين حكم الطيرة.
شرك: هنا نكرة، فهل هو شرك أكبر أو أصغر؟
هذا حسب الاعتقاد، فمن اعتقد أنها تفعل بذاتها أو علامة على المستقبل فهذا شرك أكبر، ومن اعتقد أنه سبب فهو شرك أصغر.
وما منا إلا ...: هذا مدرج من كلام ابن مسعود.
والإدراج: إدخال الكلام في كلام آخر من غير فاصل، والذي حكم عليه بالإدراج البخاري والترمذي والمنذري.
وما منا إلا: أي إلا وقع في قلبه، وهذا لا يضرك.
ولأحمد من حديث ابن عمر: من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقولوا: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك. هذا الحديث مختلف في تصحيحه، فبعضهم ضعفه بسبب ابن لهيعة، وعندهم أن ابن لهيعة ضعيف مطلقًا. وبعضهم صححه لأنه وإن كان فيه ابن لهيعة إلا إن الذي روى عنه ابنُ وهب، وهو أحد العبادلة.
من: عام حتى الكافر.
ردته الطيرة: هذا هو ضابط الشرك في الطيرة؛ أن ترده أو تجعله يمضي باعتقاد.
فقد أشرك: المعتاد من هذه اللفظة أنها في الأكبر فتكون بمعنى الألف واللام: الشرك والكفر.
فإذا كانت للشرك الأكبر، فهذا ردته باعتقاد أنها فاعلة، أو يخبر بها عن الغيب.
حديث الفضل بن العباس: «إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك».
هذا الحديث ضعفه ابن مفلح في الآداب الشرعية؛ لأن فيه مجهولاً وانقطاعًا، أما من ناحية المعنى فمعناه صحيح.
ما حكم قول القائل: «فأل الله ولا فألك؟»
قال بعض أهل العلم أنها تجوز، أي: أنا متفائل بالخير من الله سبحانه وتعالى.

باب ما جاء في التنجيم
قال البخاري في "صحيحه": قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث:
-زينة للسماء -ورجومًا للشياطين -وعلامات يهتدى بها.
فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. اهـ.
وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.
وعن أبي موسى قال: قال رسول الله r: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، ومصدق بالسحر، وقاطع الرحم» رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.
قال الشارح:
المسألة الأولى: تعريف التنجيم:
التنجيم: تفعيل مأخوذ من النجم. اصطلاحًا: الجمهور على تعريف التنجيم أنه: الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، وهذا تعريف أبي العباس ابن تيمية، واختاره كثير من الشراح؛ إلا أن هذا التعريف لا يشمل التنجيم عمومًا، وإنما هو لنوع من أنواع التنجيم، والمطلوب في التعاريف أن تكون عامة.
ولذا فالأقرب في تعريف التنجيم بشكل عام أنه:
الاستدلال بالنجوم على الحوادث الأرضية والأشياء الحسية كالزرع، وقلنا ذلك حتى يدخل علم التسيير في التعريف بالإضافة إلى علم التأثير فشملهما التعريف.
المسألة الثانية: أقسام التنجيم:
ينقسم التنجيم باعتبار موضوعه ومادته إلى قسمين:
1- علم التأثير.
2- علم التسيير.
المسألة الثالثة: أقسام علم التأثير:
المقصود بالتأثير: هو تأثير النجوم على الحوادث، وهو أنواع:
النوع الأول: أن يعتقد أن النجم فاعل ومؤثر أي: أنه يخلق الأحداث، وهذا حكمه:

كفر أكبر بالإجماع.
قال تعالى: ]هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ[ [فاطر: 3] وهل هنا للاستفهام بمعنى النفي أي: لا خالق غيره، فهذا شرك في باب الربوبية.
الثاني: أن يستدل بحركات النجوم طلوعًا وغروبًا واجتماعًا وافتراقًا على الغيب، أي على ما سوف يحدث. مثاله: من ولد في نجم الجوزاء فسيكون سعيدًا، ومن تزوج في برج السنبلة مثلاً سيفشل زواجه، ومن حارب في نجم كذا أو سافر وهكذا، أو سينزل المطر إذا طلع النجم الفلاني وهكذا.
وحكم هذا القسم أنه كفر وشرك أكبر؛ لأنه ادعاء لعلم الغيب ]قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[ [النمل: 65] وهذا ادعى علم الغيب، وحكمه هنا حكم الكاهن والعراف، وقد مرّ بنا هذا الباب.
النوع الثالث: أن يعتقد أنها سبب والله الفاعل: فيجعلها سببًا للحوادث، فإذا وقعت الحوادث نسب السببية إلى النجم.
والفرق بينه وبين الذي قبله: أن الذي قبله إخبار لما سيحدث في المستقبل، فهو متعلق بالزمن المستقبل، وأما هذا النوع فالحوادث وقعت، ولكن يعلق سببيتها بالنجم.
مثال ذلك: إذا سلم الزرع من الهلاك، فينسب السلامة إلى نجم الثريا مثلاً على أنه هو السبب لسلامتها.
مثال آخر: إذا نزل المطر نسب نزوله إلى خروج النجم الفلاني، أو إذا هبت الريح نسب هبوب الريح إلى طلوع نجم أو غيابه، وأما لو قال: سوف ينزل المطر فهذا من الثاني.
حكم هذا القسم: محرم ومن باب الشرك الأصغر؛ لأنه ليس فيه دعوى الإخبار بالغيب إنما هو مجرد نسبة إلى أشياء ليست ذات سببية.
ويشترط في هذا القسم: أن تكون نسبة السببية غير صحيحة لا شرعًا ولا قدرًا، أما لو كانت النسبة صحيحة من جهة الشرع أو القدر فيجوز إن كان إخبارًا.
مثلا ذلك: لو قال إن هذا الزرع اشتد وقوي لسطوع الشمس عليه، فهذا يجوز؛ لأن حرارة الشمس سبب قدري في نمو النبات وقوته، لكن اشترطناه في باب الإخبار كأن

يخبر عن ذلك، أما لو كان في باب الإنشاء أي قاله مدحًا وثناءً فهنا يجب أن يقول: هذا من الله ثم من السبب الحقيقي، لما جاء عن ابن عباس بسند حسن رواه ابن أبي حاتم عنه قال في قوله تعالى: ]فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا[ [البقرة: 22] قال: هو مثل قول القائل: لولا البط في الدار لأتانا اللصوص، فجعله من الشرك الخفي.
المسألة الرابعة: النوع الثاني من علم التنجيم وهو:
علم التسيير: وهو: الاستدلال بسير النجوم على المصالح المباحة.
وهو ينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: الاستدلال بالنجوم على المصالح الدينية، كالاستدلال بالنجم على القبلة، وعلى ثلث الليل الآخر، وعلى دخول أوقات الصلاة، فهذا حكمه فرض كفاية، ويستحب للمحتاج كمن أراد السفر – أن يتعلمه، وهذا ليس محل نزاع.
النوع الثاني: الاستدلال بالنجوم على المصالح الدنيوية كالاستدلال بالنجوم على الجهات الأربع، وعلى الفصول الزراعية، وعلى فصول السنة إلى غير ذلك من المصالح الدنيوية.
هذا النوع وقع الخلاف بين السلف في تعلمه على قولين:
القول الأول: وهو قول قتادة ومن وافقه أنه يكره تعلمه، ودليل قتادة: من باب سد الذريعة؛ لأن علم التنجيم قد ظهرت بداياته في عصره.
وأول ما انتشر علم التنجيم "المحرم التأثير" في القرن الثالث، وازداد رواجه في القرن الرابع والخامس في دولة بني العباس، فأفتى بالمنع من علم التسيير سدًا للذريعة؛ حتى لا يتوصل به إلى علم التأثير.
القول الثاني: هو قول الإمام أحمد ومن وافقه أنه يجوز، واستدلوا على الجواز بقوله تعالى: ]وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ[ [النحل: 16] هذه الآية عامة في الاهتداء أي: يهتدون دنيا ودين، ويدل عليه أيضًا الأصل؛ لأن الأصل الإباحة، ويدل عليه أيضًا المصلحة، فإن فيه مصالح للناس، وكما مر علينا من كلام ابن المسيب «وأما ما ينفع فلم يُنه عنه».
وأقرب الأقوال عندي: أنه يمكن الجمع بين القولين، أنه يجوز تعلم علم التسيير في

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 09-18-2012, 12:20 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

المصالح الدنيوية؛ إلا زمن كثرة الافتتان بعلم التأثير أو التنجيم المحرم، فيحمل كلام قتادة على زمن، ويحمل كلام الإمام أحمد على زمن.
المسألة الخامسة:
وقفه مع أصحاب المجلات: يوجد في بعض المجلات من يروج لعلم التأثير، فتجد في آخر صفحة عنوان «أنت وحظك»، ويضعون بروج السنة، ويضعون فيها تنبؤات وتكهنات، ويقولون: من ولد في برج كذا فإنه هذا الأسبوع سوف يخسر، أو من ولد في برج كذا فلا يسافر هذا الأسبوع، وهذا من الشرك الأكبر، وهذه المجلات تكون ممن يُروج الشرك، فيجب مقاطعتها والإنكار عليها وعلى المتعاطي لها.
المسألة السادسة:
يستدل بعض المنجمين ببعض الآيات على جواز علم التأثير وأن له أثرًا، مثل استدلالهم بقوله تعالى في إبراهيم: ]فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ[ [الصافات: 88، 89].
فقال المنجمون: إن إبراهيم يتعاطى علم التنجيم، وأنه نظر إلى طالعه ونجمه لكي يعرف ويستنتج منه ما سوف يحدث. فإبراهيم عندهم يأخذ من النجوم، وهذا إفك عظيم على إمام الموحدين، وقد ناقش هذه القضية العلامة ابن القيم في كتاب «مفتاح دار السعادة» ص528.
ورد عليهم بجواب سديد ملخصه في نقطتين:
الرد الأولى: عقلي، قال: إن السقم والمرض لا يحتاج إلى استدلال من النجوم، فإن المرض يُعرف حسًا وفطرة، وكل إنسان يعرف حاله من الصحة والمرض بدون نظر في النجوم.
الرد الثاني: أن إبراهيم نظر إلى النجوم من باب التورية الفعلية، فإبراهيم استخدم المعاريض والتورية ليدفع قومه عن نفسه، ولذا قال تعالى: ]فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ[ [الصافات: 90] وقاله ليدفعهم لما عزم على تحطيم الأصنام لا لكي يعرف من النجوم هل هو صحيح أم سقيم، وكما أنه استخدم المعاريض الفعلية استخدم المعاريض القولية أيضًا؛ لما قال لزوجته سارة "هذه أختي" لتخليصها من يد الفاجر.

وكما قال: ]بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا[ [الأنبياء: 63].
المسألة السابعة: ما حكم إخبارات الأرصدة الجوية بتوقع نزول المطر أو هبوب الريح؟
إخبار الإرصادات الجوية كتوقع نشوء سحاب أو نزول مطر. حكمه حكم الإخبار عن الكسوف والخسوف بأنه يجوز، إن كان مبنيًا على الآلات التي يرصدون بها وعلى التجارب المعتادة، وعما عرفوه من سنن الله الكونية، فهذا يجوز؛ لكنه مجرد ظن قد يخطئ وقد يُصيب، ولا ينبغي أن يبنى عليه أحكام. وهل هو من باب الكهانة؟ لا. ليس من ذلك.
المسألة الثامنة: ما موقفنا من أخبار الفلكيين والجغرافيين؟
هي مثل أحاديث بني إسرائيل على ثلاثة أقسام:
1- ما كان منها مخالفًا للشرع، فهذا يُكذب ولا يجوز تصديقه.
2- ما كان موافقًا للشرع، فهذا يصدق؛ لأنه قول الشرع.
3- ما لا يخالف الشرع ولا يخالف العقل ولم يرد فيه شيء بالشرع ما يُصدقه، فهذا مثل أحاديث بني إسرائيل لا تُصدق ولا تُكذب. إلا إن دلت القرائن على صدقها فلا مانع.
المسألة التاسعة: هل النجوم والكواكب لها أثر على الحياة أم يُنفى أثرها ويُقال إنه من باب علم التأثير؟
النجوم والشمس والقمر وغير ذلك من النجوم على قسمين:
القسم الأول: لها أثر ثابت من جهة الشرع أو القدر، وهذا الأثر يُثَبت ويُعترَف به، وهو ليس داخلاً في علم التأثير المنهي عنه، بل هو من علم التأثير الجائز.
القسم الثاني: آثار وهمية لا حقيقة لها، وهذه تُنفى عن النجوم والشمس والقمر وغيرها.
ونبدأ بأثر القمر، فأثر القمر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الأثر الثابت شرعًا أو قدرًا.
كأثر الضوء، وأثر الاهتداء بالقمر، قال تعالى: ]تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا[ [الفرقان: 61]، وقال تعالى: ]وَعَلَامَاتٍ

وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ[ [النحل: 16] وقال تعالى: ]هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا[ [يونس: 5].
وهل له أثر في المد والجزر في البحار؟
هذا الأثر أثبته ابن القيم في كتاب "مفتاح دار السعادة" أن للقمر أثرًا في مد البحر وجزره. وفحوى كلامه – رحمه الله – أنه كلما قرب القمر من البحر بعدما يشرق ويغرب، فإنه يحدث المد، وإذا مال القمر إلى الغروب وابتعد حدث الجزر.
ومن الناحية العلمية ثابت بهذه الطريقة، وهذا مد وجزر يومي؛ لأن القمر يغرب ويشرق يوميًا، فإذا ثبت هذا من الجهة العلمية ولم يكن له معارض من الشرع فلا مانع من إثبات هذا الأثر؛ إلا أنه مرتبط بمشيئة الله وقدرته.
وهل له أثر على المائعات والرطوبات في غير البحار؟
هذه أثبتها ابن القيم في نفس الكتاب في فصل المنجمين.
وقال: إذا زاد اقتراب القمر من الناس زادت الرطوبات في الجسم، وكان ظاهر الجسم أكثر رطوبة، فإذا ابتعد القمر غارت الرطوبات في الإنسان، وكان أكثر جفافًا.
بل قال: إن الإنسان إذا نام في ضوء القمر هاج عنده الزكام، وأثبت ذلك في ألبان الحيوانات؛ لكنه أثر شهري، وقال: بأنه في أول الشهر وكلما زاد الشهر إلى منتصفه كثرت الألبان في الحيوانات، فإذا أخذ القمر بالنقصان في آخر الشهر نقصت.
وذكر أثره على الزرع والغرس، وذلك أن الزرع الذي يغرس وفق قوة القمر وقُربه أكثر قوة وامتلاء من الذي يغرس وقت بُعده، هذه كلها أثبتها ابن القيم، وذكر أثره على الأسماك وعلى الطير.
وعلى كل حال نقول: إن ثبت ذلك علميًا وتجربه فلا مانع من إثبات هذا الأثر. هذا على سبيل المثال، فإن ثبت شيء علميًا أن القمر له أثر آخر لا يُخالف الشرع فلا مانع من إثباته.
القسم الثاني: وهي الآثار المعنوية للقمر، كأن يُقال: إن له أثرًا في الهزيمة أو النصر، أو السعادة، أو الشقاوة، أو الرزق والفقر، أو القبح والجمال، أو إن له آثارًا نفسية على الآخرين، كالذكاء والسرور والآلام وحسن الخلق، أو آثارًا على مصير الإنسان من الحياة

والموت أو الولادة، أو الطول والقصر إلى غير ذلك من الآثار المُدعاة.
أما الدليل على أن هذه الآثار المذكورة منفية، فهو ما ثبت في الصحيح لما كسفت الشمس عند موت إبراهيم ابن النبي r لما قالوا: كسفت لموت إبراهيم، فقال النبي r: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا حياته». الشاهد: قوله «لا ينكسفان لموت أحد ولا حياته».
فأبطل النبي r أن يكون للشمس أو القمر أثر على الحوادث أو ارتباطًا بها، وبين الرسول أنما هي آية من آيات الله.
المسألة العاشرة: أثر الشمس على الحياة:
الشمس مثل القمر في الآثار، فآثارها تنقسم إلى قسمين:
1- آثار ثابتة من جهة الشرع أو القدر.
2- آثار وهمية.
أما القسم الأول: الآثار الحقيقية: فمثل الحرارة والدفء، ومثل أثرها على المطر، فإن ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" ذكر أن من أسباب تكون مياه المطر أن الشمس تسطع على البحار، فتتبخر مياه البحر، فيصعد إلى السماء، ثم يتجمع وينزل، وكل ذلك بإرادة الله وتقديره، وهذا ثابت من الجهة العلمية أيضًا.
ومثل أثرها على بعض النباتات نموًا ونوعية:
أما النمو: فالنباتات التي تتعرض للشمس أكثر نموًا وقوة من التي لا تتعرض.
ونوعية: فإنك تجد النخيل ينبت في البلاد الحارة لسطوع الشمس عليه.
ومثل أثر الشمس على الحيوان: فحيوانات البلاد الحارة تختلف عن حيوانات البلاد الباردة.
وكأثر الشمس على الإنسان وعظامه وبدنه ولونه، وكأثر الشمس في الحركة.
ومعظم هذه الأشياء أشار إليها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة".
وهي ثابتة كما يحسها الناس وينظرون إليها، هذا ليس على سبيل الحصر، ولكن كل ما ثبت أثره شرعًا أو قدرًا فلا مانع من إثباته.
القسم الثاني: الآثار الوهمية المصطنعة، وهي كما قلنا في أثر القمر الوهمي تمامًا.

المسألة الحادية عشرة:
وينسحب هذا التقسيم الثنائي وهو الآثار الثابتة والآثار الوهمية على بقية النجوم والكواكب، وإنما أفردنا الشمس والقمر للأهمية، فما ثبت من جهة الشرع أو القدر أن له أثر فلا مانع من إثباته، أما الإدعاء بأن النجوم لها آثار معنوية، كالشقاوة والسعادة إلى غير ذلك، فهذا منفي ويدل عليه حديث «لا ينكسفان لموت أحد ولا حياته»، فنفى الآثار المعنوية.
ولو قال قائل: الدعوى أعم من الدليل، فالدليل في الشمس والقمر، وأنتم قلتم في النجوم والكواكب؟
نقول: فيه دليل يدل على الجميع، وهو قوله r من حديث أبي هريرة الذي مرّ علينا في باب التطير «لا عدوى ولا طيرة» زاد مسلم: «ولا نوء ولا غول» الشاهد قوله: «ولا نوء» فلا: نافية، والمنفي التأثير، أي: لا نوء مؤثر. ولذا لو اختلف مختلفان أحدهما يُثبت التأثير والآخر ينفي التأثير، فإن الدليل مع النافي لعموم قوله: «ولا نوء». أو شككنا في الأثر فالأصل النفي.
تنبيه: هناك ما يسمى «عبّاد الشمس» ويذكرون أنها تتبع الشمس، فهي تتأثر باتجاه الشمس، ومناقشة هذه القضية من ناحيتين:
1- إن ثبت هذا من الناحية العملية والواقعية فلا مانع من إثبات هذا الأثر، ويكون خروج الشمس سببًا في دورانه، مثل ما يلاحظ على بعض النباتات أن أوراقها إذا طلعت الشمس وسطعت عليها اتسع انفتاحها، وإذا غابت ضاق الاتساع.
2- تنازعهم في التسمية، فإن تسميته "بعباد الشمس" لا يجوز؛ لأنه لا يجوز تعبيد المخلوق لغير الله. كما قال ابن حزم: «اتفقوا على تحريم كل اسم مُعبِد لغير الله» فهذا النبات عبد الله سبحانه وتعالى، وجعله عبدًا للشمس هذا لا يجوز، وإنما يسمى باسم جائز، كاسم متتبع الشمس أو ملاحق الشمس أو دوّار الشمس ونحوها.
قال المصنف: قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: «خلق الله النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ

وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به». اهـ.
هذا يسمى معلقًا في الاصطلاح، وصيغة التعليق: «قال قتادة»: وهذه من صيغ الجزم، وصيغة التمريض مثل "قيل". «وقتادة»: هو ابن دعامة السدوسي، وهو من صغار التابعين، وكلام قتادة يعتبر اصطلاحًا: مقطوعًا.
قوله: «خلق الله»: أي الخالق المعبود.
قوله: «هذه النجوم»: الألف واللام: للعهد الحضوري.
وقوله: «لثلاث»: اللام للتعليل، فعلة خلق النجوم ثلاثة أمور: وهي كونها زينة، ورجومًا، وعلامات.
وهل هذا حصر؟
لا. ليس حصرًا. فإن ثبت فوائد وعلل أخرى فلا مانع من إثباتها.
العلة الأولى: زينة السماء.
والزينة: هي ما يدعو إلى النظر، وهي جمال.
وقوله "للسماء": يقصد السماء الدنيا لقوله تعالى: ]وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ[ [الملك: 5].
الثانية: رجومًا للشياطين: أي يقذف بها الشياطين، ويقصد بالشياطين هنا: مسترقي السمع.
الثالثة: علامات يُهتدي بها: أي: تكون هداية، ويُهتدى: مبني للمجهول، ويقصد بالمهتدى الناس.
وهل هو مطلق الاهتداء بمعنى يُهتدى بها في كل شيء؟
لا، إنما يُهتدى بها فيما أُبيح لهم بالاهتداء به، ولذا يقول بعض المنجمين: إن هذه الآية تدل على أنه يُهتدى بالنجم في سعادة الشخص أو شقاوته وقد كذبوا في ذلك، ونقول: إن باب السعادة والشقاوة ليست بعلامة له.
قال تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ[ [الأنعام: 97] لا في علم الغيب.
وقوله «فمن تأول فيها غير ذلك».

يقصد بالتأويل هنا: الزعم والكذب لا التأويل الاصطلاحي المعروف.
وحكم قتادة على الزاعم بثلاثة أحكام:-
الأول: الخطأ، وهو خطأ أكبر.
الثاني: ضياع النصيب، وهذا يُشعر بأنه كافر في هذا الزعم؛ لأن الذي ليس له نصيب في الآخرة هو الكافر، وأما المسلم ولو كان عاصيًا فله نصيب ما دام أنه موّحد.
الثالث: أنه تكلف ما لا علم له به.
وقوله: «وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يُرخَّص ابن عيينة فيه، ذكره حرب عنهما». الكراهية: عند السلف القدماء بمعنى التحريم هذا على اختيار ابن القيم، وهي غير الكراهية عند المتأخرين وهي التي بمعنى: ما نُهي عنه لا على وجه الإلزام.
وسبب كلام قتادة: أنه ظهر علم التأثير في زمانه، وإن كان أساس علم التنجيم وجُد في القديم عند اليونان وغيرهم، ولكن عند الأمة الإسلامية ظهر في القرن الثاني في زمن قتادة.
قوله: «تعلم منازل القمر»:
منازل: جمع منزلة، وأضافها هنا إلى القمر، وسميت منازل القمر لأن القمر يجلس في كل منزلة ليلة، ونزوله بحسب رأي العين، لا أنه جلوس حقيقي، فالقمر يمشي لا يقف.
وعدد هذه المنازل ثمان وعشرون منزلة، ثم يختفي القمر ليلة ويخرج الليلة التالية إن كان الشهر ناقصًا، أو يختفي ليلتين إن كان الشهر وافيًا.
والمنازل هذه نجوم يمر القمر بقربها فتنسب إليه، والشمس أيضًا لها منازل.
المسألة الثانية عشر: وقفة عند منهج قتادة:
من الملاحظ أن قتادة استخدم «سد الذريعة» لما ظهر في زمانه علم التنجيم، ويستفاد منها: أنه إذا كُثر شيء من المباح وتوسع الناس فيه، فإنه يتوسع في سد المنافذ إليه بالمنع من بعض المباحات. وقال بعض أهل العلم: إن سد الذرائع ربع الدين، وهذه من السياسة التي ينبغي أن يهتم به العلماء وطلبة العلم.
وقوله: «ولم يُرخص ابن عيينة فيه» فيكون ابن عيينة وافق قتادة في المنع من تعلم

منازل القمر.
قوله: «رخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق» هذا القول الثاني في المسألة.
وأما حديث أبي موسى قال: قال رسول الله r: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر» [رواه أحمد وابن حبان في صحيحه].
تخريج الحديث: وقع اختلاف بين أهل العلم في تصحيحه، والجمهور على تصحيحه، وهو حديث حسن.
وأما قوله «ثلاثة»: فهو للتقريب، من باب تقريب العلم لا للحصر.
وقوله: «لا يدخلون»: لا: نافية، وهنا نفى دخولهم الجنة، فهل إنهم لا يدخلون أبدًا أم لا يدخلون أولاً مع الداخلين، ولكن ينتهون إلى الجنة؟
هذه عند السلف تسمى أحاديث الوعيد، ومذهب السلف: إمرارها كما جاءت وعدم تفسيرها إلا عند الحاجة.
وهنا نفسرها؛ لأن الحال حالة تعلم فنقول: حسب الاعتقاد للأول والثاني، فإن أدمن على الخمر وقطع الرحم مستحلاً ذلك، فهذا نفي لعدم الدخول مطلقًا فلا يدخل أبدًا.
وأما إن كان غير مستحل ويعرف أنه عاص، ولكنه فعله هوى وشاء الله أن لا يغفر له، فلا يدخل أولاً مع الداخلين ولكن ينتهي إلى الجنة.
وأما الثالث: "تصديقه بالسحر" فيحتاج إلى تفصيل وشرح، ومرّ علينا باب كامل في السحر تجد الإجابة هناك إن شاء الله.
وقوله "الجنة": الألف واللام للعهد الذهني أي: الجنة المعروفة، وهي دار المؤمنين، وهي مخلوقة وموجودة الآن.
أما هؤلاء الثلاثة:
فالأول: مدمن الخمر، والمدمن هو كثير الشرب للخمر، إما باعتبار العدد أو باعتبار الزمان حتى يموت، والخمر هو كل ما خامر العقل وغطاه على وجه اللذة والطرب.
الثاني: قاطع الرحم.
القاطع: ضد الواصل، وسمي الذي لا يصل أقاربه قاطعًا لأنه قطع حبل الصلة الذي بينه وبينهم.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 09-18-2012, 12:21 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

والرحم يقصد بها: القرابة، وهي على حدودها كالتالي:
الأول: الفروع: فروع الإنسان، وهم أبناؤه وأبناء أبنائه وأبناء بناته، فهؤلاء رحم يجب وصلهم.
الثاني: الأصول، وهم الآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا من جهة الأم أو من جهة الأب، وهؤلاء يجب وصلهم أيضًا.
فهذان القسمان يسمون: الرحم القريب.
الثالث: الحواشي، وهم قسمان:-
1- فروع الأب أو الأم: وهم الأخوة وأبناؤهم وإن نزلوا، وهؤلاء يجب صلتهم، كأخيك وأختك وأبنائهم.
2- فروع الجد والجدة: وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبناؤهم، وهؤلاء يجب صلتهم.
وهذان القسمان يسمون: الرحم المتوسطة.
الرابع: فروع جد الأب، وهم أعمام أبيك وأعمام أمك وأبناؤهم، وهؤلاء رحم يجب صلتهم.
وهذا القسم يسمى: الرحم البعيد، وهم منتهى حد الرحم.
أما ما بعد ذلك فلا يجب صلتهم.
ولذلك فحد الإنسان اسمه الرابع، وقلنا بهذا الحد؛ لأن النبي r أعطى ذوي قرابته وكان حدهم هاشم، وهو الأب الثالث للنبي r.
المسألة الثالثة عشر: ما حد وصل الرحم وقطعه؟
ليس له حد شرعي وإنما حسب العرف، فيختلف حسب العرف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، فإذا تعارف الناس أن هذا الحد صلة فهو كذلك، وإن تعارفوا على أنه قطيعة فهو كذلك من الأشياء التي لم تحد في الشرع فيرجع إلى العرف.
وأقل الصلة: السلام إما بالمباشرة أو الواسطة، كأن ترسل له السلام عن طريق الهاتف وعن طريق شخص وغير ذلك، والدليل على ذلك ما رواه البزار والطبراني بسند حسن عن ابن عباس مرفوعًا: «بلوا أرحامكم ولو بالسلام»، أما أكثر الصلة فليس لها حد أو سقف.

أنواع الصلة:
1- مر علينا السلام وهو أقلها.
2- الزيارة.
3- حضور المناسبات لهم كالعيد ومناسبات الزواج.
4- عيادة مريضهم.
5- الإهداء إليهم.
6- النفقة عليهم، ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب.
7- مساعدة محتاجهم.
8- كف الأذى عنهم.
9- البشاشة في وجوههم.
إلى غير ذلك.
أما الثالث: وهو المصدق بالسحر:
فالمقصود بالسحر هنا: عموم السحر، ويدخل فيه التنجيم، فإن التنجيم سحر كما في حديث رواه أبو داود بسند صحيح: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر».
وقوله: r «مصدق بالسحر»: أما إن كان السحر المعروف فإن التصديق بأثره ووجوده، وأن له حقيقة، فهذا واجب في أحد قسمي السحر وهو السحر الحقيقي.
أما بالنسبة للتنجيم الذي هو علم التأثير فلا يصدق بوجوده ولا أثره، والمصدق بوجوده أو أثره لا يدخل الجنة أما حكم المصدق بالتنجيم فهو كفر أكبر لا يدخل الجنة مطلقًا؛ إلا في مسألة أنه سبب بعد الوقوع والله الفاعل، فهذا تحت المشيئة.
والتصديق ينقسم إلى ثلاثة:
1- تصديق بالقلب، وهو أن يعتقد صدق المنجم، وهذا كفر لا يدخل الجنة مطلقًا.
2- تصديق اللسان، وهو أن يقول المنجم سيحدث كذا وسيحدث كذا، فيصدقه باللسان بغض النظر عن الاعتقاد القلبي، فهذا يكفر أيضًا.

3- تصديق جوارح وهو أن تعمل بما قال، ومعنى "مصدق" أي نسبه إلى الصدق قلبًا أو لسانًا أو عملاً.
المسألة الرابعة عشر: حد المنجم.
حده حد الساحر والكاهن؛ لأنه يخبر عن المغيبات. وحد الساحر: ضربة بالسيف ردة.
المسألة الخامسة عشر: حكم المنجم:
حكم المنجم كحكم الساحر؛ لأن التنجيم فرع عن السحر، فهو كافر لأنه مكذب بالقرآن.
المسألة السادسة عشر: حكم الذهاب إلى المنجم:
حكمه حكم الذهاب إلى الساحر والكاهن، وقد مرّ بنا في باب السحر والكهانة.

باب في الاستسقاء بالأنواء
وقول الله تعالى: ]وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ[ [الواقعة: 82].
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة» وقال: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب». رواه مسلم.
ولهما عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله r صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب». ولهما من حديث ابن عباس بمعناه وفيه قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآيات: ]فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ[ [الواقعة: 57] إلى قوله: ]وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ[ [الواقعة: 82].
قال الشارح:
المسألة الأولى: قصد المصنف رحمه الله بهذا الباب:
أراد المصنف بهذا الباب أن يبين علاقة النجوم بالمطر، واعتقاد الناس في هذه العلاقة، فهو باب خاص بهذه المسألة بعدما ذكر باب التنجيم بشكل عام.
المسألة الثانية: علاقة هذا الباب بالباب الذي قبله.
فيه تشابه بين هذا الباب مع الباب الذي قبله؛ لأن كليهما يتحدث عن النجوم وأثرها، إلا أن هذا الباب خاص بنسبة المطر إلى النجم، والذي قبله عام في الإخبارات المنسوبة إلى النجم.
المسألة الثالثة: شرح الترجمة.

قوله: «الاستسقاء»: هي طلب السقيا، فإن السين والتاء تدل على الطلب؛ لأن مادة استفعل تدل عليه، كما تقول: استرحم أي: طلب الرحمة، واستغفر: طلب المغفرة، واستعان: طلب الإعانة.
والأنواء: جمع نوء، وهو مصدر من ناء ينوء نوءًا أي: طلع وظهر، ويقصد بالنوء النجم، فالأنواء الطوالع وهي النجوم، وسمي النجم نوءًا لأنه ينوء أي: يظهر.
المسألة الرابعة: حكم الاستسقاء بالنجوم:
يختلف الحكم باختلاف الاعتقاد وهي كالتالي:
1- أن يعتقد أن النوء أي النجم هو المُوجد للمطر، والمُنزل للمطر، وهذا حكمه شرك أكبر في باب الربوبية، أما الدليل فقوله تعالى: ]هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ[ [فاطر: 3]، فهذا استفهام بمعنى النفي أي: لا خالق غير الله.
وإذا قال: إن النجم يوجد المطر، فإنه اعتقده خالقًا، والدليل الثاني: الإجماع على تفرد الله بالخلق.
2- أن لا يعتقد أنها خالقة للمطر، ولكن يدعو النوء ويستغيث بالنجم لإنزال المطر، وهذا شرك أكبر في باب الألوهية؛ لأنه دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يقول: يا نوء اسقنا وأنزل علينا المطر وكان بعض العرب يدعو النجوم كما قال تعالى ]وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى[.
والدليل قوله تعالى: ]وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[ [الجن: 18]، وقوله: ]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[ [المؤمنون: 117].
3- نسبة سبب: أن يجعلها سببًا للمطر والله هو الفاعل، فيجعل طلوع النجم أو غروبه سببًا لهطول الأمطار بعد نزول المطر.
وحكمه: أنه شرك أصغر، وباعتبار الكفر كفر أصغر، ويسمى كفر النعمة.
4- نسبة إخبار بالغيب، كأن يُحدّث أنه سوف ينزل مطر إذا طلع النجم الفلاني. وهذا شرك أكبر لأنه إخبار عن المغيبات، وهذا ما يفعله المنجم قال تعالى: ]قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[ [النمل: 65] وهذا القسم يلحق بالباب السابق.

والفرق بين هذا القسم والقسم الذي قبله: أن هذا إخبار عن أمر سوف يحدث، أما القسم الثاني الذي قبله فهو إذا وقع المطر نسب نزوله إلى النوء أو النجم.
كما أن الفرق بينهما في الحكم أيضًا؛ بأن هذا أكبر، وهذا أصغر.
5- نسبة وقت وظرفية، بأن يجعل وقت نزول المطر خروج النجم الفلاني، فليس النجم سببًا ولا موجودًا، وإنما هو وقت هطول الأمطار خروج النجم الفلاني، كأن يقول: وقت نزول المطر عندنا وقت طلوع نجم الثريا، أو ينزل المطر إذا خرج سهيل، وهو نجم معروف.
أما هذا القسم فحكمه وقع فيه خلاف على قولين:-
أ- منهم من أجازه.
ب- القول الثاني: الكراهية. من باب سد الذريعة، وعلى القول الثاني هل الكراهة للتنزيه أو التحريم؟ على قولين أيضًا.
أما من باب الشرك فلا يعد فيه شيء منه.
المسألة الخامسة: هل التغيرات الجوية حكمها حكم نزول المطر مثل نسبة الحر أو البرد أو هبوب الرياح إلى النجم؟
الذي يظهر أن الحكم واحد يجري فيه الأقسام الخمسة.
المسألة السادسة: ما حكم لو نسب المطر لا إلى النجم ولكن إلى الأزمان كالشتاء والصيف أو إلى شهر معين؟
أما إن اعتقد أن الأزمان موجدة، أو دعاها أو جعلها سببًا، فهذا لا يجوز، وحكمه حكم الأقسام الثلاثة المتقدمة، أما إن جعلها وقت نزول المطر فهذه تجوز مثل قولهم إن نزول المطر عندنا في الشتاء أو في المربعانية، وهي ليست مثل النسبة إلى النوء لحديث «لا عدوى ولا طيرة ولا نوء» أي: مُوجِد أو مسبب.
المسألة السابعة: ما الحكم لو قال: إن النجم سبب في نزول المطر بإذن الله تعالى؟
هذا لا يجوز وهو من الشرك الأصغر؛ لأنه مر علينا في الأقسام أن نسبة السببية إلى النجم شرك أصغر، وأما قوله "بإذن الله" فهذا لا يغير الحكم؛ بل هذا زاد الكذب على الله، فإن الله ما أذن بالسببية.
المسألة الثامنة:
وهذه كثيرًا ما تحدث عند العوام، وهو أن ينسب نزول المطر إلى قدوم مُحب أو

رد مع اقتباس
إضافة رد
 
ضع تعليق بحسابك في الفيس بوك


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع



الساعة الآن 11:21 PM.
 

Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

   

تصميم المنافع لتقنية المعلومات