كتاب التوحيد
وقول الله تعالى: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[[الذاريات: 56]، وقوله: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ [النحل: 36] الآية، وقوله: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً[ [الإسراء: 23] الآية.
وقوله: ]وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً[ [النساء: 36] الآية، وقوله: ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً[ [الأنعام: 151]. قال ابن مسعود t: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد r التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى: ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ[ إلى قوله: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ...[ [الأنعام: 153] الآية. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي r على حمار فقال لي: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا» قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» [أخرجاه في الصحيحين].
قال الشارح:
ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة، وجاء في بعض النسخ أنه بدأ بالحمدلة أيضًا، وذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله أنه رأى بخط المصنف البداية بالحمدلة.
المسألة الأولى: حكم البداية بالبسملة في التصانيف والتآليف والخطابات.
جاء حديث عبد أبي هريرة t أن النبي r قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» ذكره الخطيب البغدادي في الجامع، والرهاوي في الأربعين؛ إلا أن الحديث ضعيف فيه أحمد بن عمران وهو ضعيف، وفيه أيضًا محمد البصري وهو ضعيف، وهذا الحديث ضعفه ابن حجر والسيوطي والألباني رحمه الله، وذهب بعض أهل العلم إلى تحسين هذا الحديث منهم ابن الصلاح والنووي رحمهـما الله؛ فـإنهم ذكروا تحسـين هذا الحديث، لكن المضعـف معه زيادة علم،
ثم ضعفه مفسرًا، فلذلك فالأقرب للحديث أنه ضعيف.
لكن مع ضعف هذا الحديث فهل يزول الحكم؟
لا. نقول: البداءة بالبسملة سنة في التصانيف والرسائل والخطب، وليس اعتمادًا على هذا الحديث، وإنما اعتمادًا على ما جاء في البخاري ومسلم من قصة هرقل، وهذا فعل والأصل في أفعال الرسول r أنها تدل على السنية.
المسألة الثانية: الحمدلة:
جاء حديث وهو قوله r: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع»، وهذا الحديث رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه لكن الحديث فيه رجل واسمه قرة المعافري، وهو رجل ضعيف، وأشار أبو داود إلى أنه مرسل، وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح، وضعفه أيضًا الألباني، فيكون الحديث ضعيفًا.
لكن ذكر ابن القيم أنه صح عن الرسول r أنه كان يبتدئ خطبه بالحمد لله رب العالمين، فتكون البسملة والحمدلة في بداية الخطب والتآليف سنة.
قال المصنف: "كتاب التوحيد".
كتاب: مصدر بمعنى اسم المفعول بمعنى مكتوب، وهو مضاف، والتوحيد: مضاف إليه.
وقوله: "كتاب التوحيد".
فيه مسائل:
1- تحليل الترجمة:
تعريف التوحيد: التوحيد: مصدر والمصدر ما يجيء ثالثًا في تصريف الفعل كما قال صاحب الآجرومية، وحد يوحد توحيدًا.
لغة: جعل المتعدد واحدًا فهو الإفراد.
شرعًا: إفراد الله بما يستحقه من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
وهنا نلحظ قاعدة عامة في التعريفات هي: أن التعريف اللغوي أوسع من التعريف الشرعي.
المسألة الثانية: قصد المؤلف في الباب الأول:
أراد المصنف أن يبين حكم التوحيد، وحكم التوحيد واجب، وهو فرض عين على
كل مكلف.
ما هو الدليل؟ ذكر المصنف خمس آيات وحديث كلها تدل على وجوب التوحيد.
المسألة الثالثة: مسائل في الإعذار في الشرك:
الحالة الأولى: الإكراه فلو أكره الإنسان على ترك التوحيد أو بعضه؛ فإنه لا يكون واجبًا عليه حينئذ. الدليل على ذلك: ]إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ[ [النحل: 106].
أما شروطه:
1- أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان (كارهًا لما أكره عليه).
2- أن يكون الإكراه ملجئًا والإكراه الملجئ بأن يُضرب أو يُسجن أو نحو ذلك.
وهل الإكراه لا بد أن يكون بالضرب والسجن أو يكفي التهديد بذلك؟
هذه مسألة خلافية بين أهل العلم. الجمهور على أنه يكفي التهديد إذا كان من رجل قادر على أن يفعل ما هدد به.
استدلوا بعموم الآية: ]إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ[.
وذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يكفي التهديد؛ بل لا بد أن يُمس بعذاب ثم بعد ذلك يُعد إكراهًا، ولذلك أنكر الإمام أحمد على من أجاب في خلق القرآن، ولما جاء يحيى بن معين إلى الإمام أحمد أعرض عنه ولم يكلمه، قال يحيى بن معين: حديث عمار، أي نحن نستدل به، فلم يرد عليه الإمام أحمد حتى خرج فقال: يستدلون بحديث عمار وقد قيل لهم سوف نضربكم وعمار ضربوه.
وهناك قول وسط في المسألة: أنه يفرق باعتبار الأشخاص؛ فإن كان من العلماء والذين يفتتن الناس بقولهم فهؤلاء لا يجبيون حتى يمسوا بعذاب، وإن صبروا حتى يقتلوا فهذا أفضل، وعليه يحمل حديث خباب بن الأرت أنه أتى إلى النبي r وكان متوسدًا بردة فقال خباب: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه...» الحديث.
وهذا كان في أول الدعوة. ففي أول الدعوة لا بد من المصابرة والمجاهدة ولا تنبغي الموافقة، أما من كان من سائر الناس فيجيب في التهديد بالقول، وهذا في حقه جائز.