بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليكم هذا الشرح لمعنى هذه الاية الكريمة
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
باب من هزل بشيء فيه ذكر لله أو القرآن أو الرسول
ــــــــــــــ
أنه قال رجل في غزوة تبوك : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء؛ أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء (يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء)
فقال عوف بن مالك : كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه .
فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب، نقطع به عناء الطريق . قال ابن عمر : كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ما يلتفت إليه وما يزيده عليه .
هذا الباب باب عظيم، إذا تأمله الإنسان وعرف واقع الناس فإنه ينفعه الله به .
فقوله: " باب من هزل " الهزل هو: اللعب والاستهزاء، ضد الجد .
" بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم " يعني: من استهزأ بشيء من هذه الأشياء فما حكمه؟ حكمه: أنه يرتد عن دين الإسلام، لأن هذا من نواقض الإسلام بإجماع المسلمين ، سواء كان جادا أو هازلا أو مازحا، حيث لم يستثن الله إلا المكره، قال تعالى:مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ فالأمر شديد جدا .
وقد بين الشيخ أن هذا الحكم في كتاب الله مع سبب نزوله فقال: "وقول الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.
" وقتادة " هو: قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي .
" دخل حديث بعضهم في بعض " يعني: كل هؤلاء رووا هذا الحديث، ولكن لما كانت ألفاظهم متقاربة والمعنى واحد دخل حديث بعضهم في بعض، فسيق سياقا واحدا، من باب الاختصار . "أن رجلا" يعني: من المنافقين .
"كان في غزوة تبوك " تبوك اسم موضع، شمالي المدينة من أدنى الشام
وغزوة تبوك سببها :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم يعدون العدة لغزو المسلمين، وكان هذا في الصيف وفي شدة الحر ووقت مطيب الثمار، فالوقت وقت حرج جدا، والمسافة بعيدة، والعدو عدده كبير، والوقت حار، ووقت مطيب الثمار والناس بحاجة إليها، والمسلمون عندهم عسرة، فليس عندهم استعداد للتجهز للغزو، ولذلك سمي هذا الجيش ب (جيش العسرة)، وسميت هذه الساعة: (ساعة العسرة) .
وقد جهز عثمان رضي الله عنه من ماله ثلاثمائة بعير بجميع لوازمها، فهو الذي جهز جيش العسرة من ماله الخاص، وهذا من أعظم فضائله، رضي الله عنه وأرضاه .
وكذلك شارك من شارك من الصحابة بما عندهم من مال، فجهزوا الجيش، وخرجوا، وكانت آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والمنافقون صاروا يتكلمون، واعتذروا عن الخروج، لأنهم ليس معهم إيمان، والغزوة هذه صعبة، لا يصبر عليها إلا أهل الإيمان، وهذه حكمة من الله تعالى، واختبار في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أراد الله أن يختبر المسلمين ليظهر الصادق من المنافق، فالصادقون ما ترددوا ولا تلكئوا، وأما المنافقون فإنهم تلكأوا وجعلوا يتكلمون ويقولون: يحسبون أن غزو بني الأصفر مثل غزو العرب، كأننا بهم يقرنون في الأصفاد، وما أشبه ذلك من الكلام القبيح، واعتذروا عن الخروج؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ لأن المسافة بعيدة وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ .
خرج المسلمون وصبروا على المشقة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيبه ما أصابهم من الشدة ومن الرمضاء ومن الحر . خرجوا وذهبوا ووصلوا إلى تبوك ونزلوا فيه، فلما علم العدو بقدومهم إلى تبوك أصابه الرعب، وتقهقر .
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم أياما في تبوك ينتظر قدومهم ومجيئهم، ولكنهم جبنوا، وألقى الله الرعب في قلوبهم، ورجع المسلمون سالمين مأجورين، وخاب المنافقون . وأنزل الله في هذه الغزوة سورة كاملة هي سورة التوبة التي فضح الله فيها المنافقين وأثنى فيها على المؤمنين، وهكذا حكمة الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده .
فكان للمنافقين كلمات، منها ما في هذا الحديث، حيث قال رجل منهم: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء" يعني بالقراء: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
"أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء" وهذه الصفات في الواقع هي صفات المنافقين، لكنهم وصفوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
فقال عوف بن مالك : "كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهذا من إنكار المنكر، ومن النصيحة لولاة الأمور، فالمسلم يبلغهم مقالات المفسدين والمنافقين من أجل أن يأخذوا على أيدي هؤلاء، لئلا يخلوا بالأمن ويفرقوا الكلمة، فتبليغ ولاة أمور المسلمين كلمات المنافقين ودعاة السوء الذين يريدون تفريق الكلمة، والتحريش بين المسلمين؛ هو من الإصلاح ومن النصيحة، لا من النميمة . "فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه" لأن الله سبحانه وتعالى سمع مقالتهم وأنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم الخبر قبل أن يصل إليه عوف . فهذا فيه: سعة علم الله سبحانه وتعالى .
وفيه: علامة من علامات النبوة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ويبلغه الخبر بسرعة .
ثم جاء ذلك الرجل الذي تكلم بهذا الكلام - والعياذ بالله - ووجد النبي صلى الله عليه وسلم . "قد ارتحل وركب ناقته" من أجل أن يفسد على المنافقين خطتهم، ومن أجل أن ينهي هذه الخطة الخبيثة . "فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب، نقطع به عناء الطريق . قال ابن عمر : كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم" النسعة هي الحبل الذي يشد به الرحل . "وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب" فالرسول صلى الله عليه وسلم يرد عليه بقوله تعالى: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .
فهذه القصة فيها فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى:
أن من استهزأ بالله أو برسوله أو بالقرآن ارتد عن دين الإسلام ردة تنافي التوحيد، وهذا من وجه المناسبة من عقد المصنف لهذا الباب؛ أن من استهزأ بالله أو برسوله أو بالقرآن، أو استهان بشيء من ذلك ؛ أنه يرتد عن دين الإسلام ردة تنافي التوحيد وتخرج من دين الإسلام؛ لأن هؤلاء كانوا مؤمنين، فارتدوا عن دينهم بهذه المقالة، بدليل قوله تعالى: قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .
الفائدة الثانية:
أن نواقض الإسلام لا يعفى فيها عن اللعب والمزح سواء كان جادا أو هازلا، بل يحكم عليه بالردة والخروج من دين الإسلام، لأن هؤلاء زعموا أنهم يمزحون ولم يقبل الله جل وعلا عذرهم، لأن هذا ليس موضع لعب ولا موضع مزح .
الفائدة الثالثة:
وجوب إنكار المنكر، لأن عوف بن مالك رضي الله عنه أنكر ذلك وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
الفائدة الرابعة:
أن من لم ينكر الكفر والشرك فإنه يكون كافرا، لأن الذي تكلم في هذا المجلس واحد والله نسب هذا إلى المجموع فقال:
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ لأن الراضي كالفاعل، وهذه خطورة عظيمة .
الفائدة الخامسة:
أن إبلاغ ولي الأمر عن مقالات المفسدين من المنافقين ودعاة السوء الذين يريدون تفريق الكلمة والتحريش بين المسلمين من أجل الحزم يعد من النصيحة الواجبة، وليس هو من النميمة، لأن عوف بن مالك
رضي الله عنه فعل ذلك ولم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فدل على أن هذا من النصيحة، وليس من النميمة المذمومة .
الفائدة السادسة:
فيه احترام أهل العلم وعدم السخرية منهم، أو الاستهزاء بهم؛ لأن هذا المنافق قال: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء" يريد بذلك العلماء، والعلماء ورثة الأنبياء، وهم قدوة الأمة، فإذا طعنا في العلماء فإن هذا يحدث الخلخلة في المجتمع الإسلامي، ويقلل من قيمة العلماء، ويحدث التشكيك فيهم .
نسمع ونقرأ من بعض دعاة السوء من يقول: "هؤلاء علماء حيض، علماء نفاس، هؤلاء عملاء للسلاطين، هؤلاء علماء بغلة السلطان" وما أشبه ذلك، وهذا القول من هذا الباب - والعياذ بالله - وليس للعلماء ذنب عند هذا الفاسق إلا أنهم لا يوافقونه على منهجه المنحرف .
فالوقيعة بالمسلمين عموما ولو كانوا من العوام لا تجوز؛ لأن المسلم له حرمة، فكيف بولاة أمور المسلمين وعلماء المسلمين .
فالواجب الحذر من هذه الأمور، وحفظ اللسان، والسعي في الإصلاح، ونصيحة من يفعل هذا الشيء .
الفائدة السابعة:
في الحديث دليل على معجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه بلغه الوحي عن القصة قبل أن يأتي إليه عوف بن مالك ، وهذا مصداق قوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى .
الفائدة الثامنة:
في الحديث دليل على أن نواقض الإسلام لا يعذر فيها بالمزح واللعب، لأنها ليست مجالا لذلك، وإنما يعذر فيها المكره على القول خاصة كما في آية النحل: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ .
الفائدة التاسعة:
في الحديث دليل على وجوب الغلظة على أعداء الله ورسوله من المنافقين والكفار ودعاة الضلال، وأن الإنسان لا يلين لهم؛ لأنه إن لان معهم خدعوه ونفذوا شرهم، فلا بد من الحزم من ولي الأمر ومن العالم نحو المنافقين والكفار ودعاة السوء .
والتي ومع الاسف الشديد نشاهد الان مقالات ونسمع بعض العبارات
اكبر واعظم نسأل الله السلامة والعافية
حفظنا الله واياكم وابعد عنا وعنكم كل شر