باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «لا يسأل بوجه الله إلا الجنة» [رواه أبو داود].
قال الشارح:
ذكر المصنف في هذا الباب حديث جابر رواه أبو داود.
والجمهور على تضعيفه؛ لأن فيه سليمان بن قرم بن معاذ، قال الحفيد في التيسير ص595 ضعفه عبد الحق وابن القطان.
قال الحافظ في التقريب: سيئ الحفظ. وهذه العلة في الضبط.
والحديث يدل على انه لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة.
ويشهد للحديث ما جاء عن أبي موسى مرفوعًا: "ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا". رواه الطبراني وقال العراقي: إسناده حسن.
وقول الله تعالى: ]يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا[ [آل عمران: 154]. وقوله: ]الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا[ [آل عمران: 168] الآية.
في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا؛ ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان».
قال الشارح:
المسألة الأولى:
المصنف عرف لو هنا، مع أن "لو" حرف.
المسألة الثانية: ما حكم استعمال كلمة "لو"؟
المصنف هنا لم يقطع بحكم استخدام كلمة "لو"؛ لأنها تحتاج إلى تفصيل، وتفصيلها كالتالي:
1- إذا قيلت اعتراضًا على الشرع فهذا حرام ولا يجوز، وحكمها حكم الاعتراض على الشرع، وهو ينافي التوحيد. وكفر نفاق. وبالإجماع أن من أبغض شيئًا من الشريعة كفر ولأنه ينافي التسليم والانقياد ]ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[.
مثال ذلك: لو قال لو أن الله ما أوجب الحج، أو صلاة الفجر، أو الحجاب أو غيره من الشرائع، ودليل هذه المسألة الآية الأولى؛ لأن فيها اعتراضًا على الجهاد والخروج له، ولأنهم اعترضوا على رسوله.
2- أن تقال اعتراضًا على المقدور، كما لو سافر إنسان وأصابه شيء فقال: لو أنني لم أسافر لم يحصل الحادث، وأمثلته كثيرة.
ودليل هذا القسم الآية الثانية.
لو أطاعونا: أي سمعوا مشورتنا.
ما قتلوا: ما قدر عليهم القتل.
3- أن تقال على وجه التمني، وهذا حسب المتمنى: فإن كان خيرًا جازت، كما جاء في الحديث «لو أن لي مالاً لفعلت كذا وكذا ...» يريد الخير والمعروف، وقوله r «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي»، فتمنى التمتع المطلوب.
وكذلك قول: لو كنت مع الصحابة لجاهدت، أو لو كنت صغيرًا لحفظت كتاب الله، فهذه كلها أمان طيبة فتجوز، أما الأماني السيئة فلا تجوز، كقول: لو كنت حاضرًا لسرقت، أو لضربت يعني بغير حق، وأمثال ذلك.
4- إذا استخدمت "لو" لقصد التعليم أو التوبيخ فهي مثل لو استخدمت بقصد التمني، فإن كان التوبيخ على خير فتجوز، وإن كانت على ترك محرم فلا تجوز. ومثله: التعليم، يدل عليه قول ابن عمر في القدرية ... «لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبًا ما قبله الله».
"يقولون": أي: المنافقون.
لو كان لنا: هذا هو الشاهد.
الأمر: أمر التدبير والرأي والمشورة.
ما قتلنا: أي ما قتل بعضنا؛ لأن المقتول لا يتكلم، ويقصد هنا الاعتراض على الخروج إلى الجهاد، والاعتراض على أمر الرسول إذ أمرهم أن يخرجوا.
وقوله "هاهنا": أي في أحد.
مناسبة الآية: أن الاعتراض على الشرع بكلمة "لو" من صفات المنافقين.
الآية الثانية: ]الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ[ [آل عمران: 168].
لإخوانهم: يحتمل إخوانهم في النسب، ويحتمل إخوانهم في الإسلام، وهنا يكون باعتبار الظاهر؛ لأن المتكلم من أهل النفاق الاعتقادي.
وقعدوا: عن الجهاد.
لو أطاعونا: أي سمعوا مشورتنا بعدم الخروج "وهذا هو الشاهد".
والطاعة: هي الموافقة على وجه الاختيار.
ما قُتلوا: أي ما قدر عليهم القتل.
مناسبة الآية: أن الاعتراض على القدر بكلمة "لو" من صفات المنافقين.
في الصحيح: أي في مسلم.
احرص: الحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع.
وظاهر الأمر للوجوب، لكن فيه تفصيل:
1- الحرص على الواجب: واجب.
2- والحرص على الأمور المباحة والمستحبات: مستحب إذا كانت تنفع.
3- والحرص على الحرام: محرم.
ما ينفعك: ما: موصولية بمعنى الذي. والنفع هنا دنيوي وأخروي.
واستعن بالله: الواو للعطف، ويقصد منها الجمع أي: اجمع الحرص مع الاستعانة بالله، ولم يقل "ثم" هنا، وذكر الاستعانة هنا حتى لا يعتمد على الأسباب.
أما حكم الاستعانة فهي واجبة.
والاستعانة مع الحرص هذا كمال في التوحيد.
والاستعانة مع ترك الأسباب هذا قدح في العقل.
ولا تعجزن([1]): أمره بشيء ونهاه عن ضده، فأمره بالاستعانة والحرص ونهاه عن العجز.
وقوله "لا تعجزن": أي لا تفعل فعل العاجز وهو الكسلان.
أما حكم العجز، فإن أدى إلى ترك واجب فهذا حرام، وأما إن أدى إلى ترك ما لا إثم فيه فلا إثم فيه.
ولذا فإن "لا" ناهية.
فإن أصابك شيء: شيء نكرة فتعم.
ولاحظ أن الأمور مرتبة هنا، فيبدأ أولاً بالاستعانة ثم بفعل الأسباب.
وإذا حصل له شيء بعد ذلك فقد بين رسول الله r ماذا يفعل.
فرتبة المكروه بعد الحرص والاستعانة.
ولا: ناهية والنهي يقتضي التحريم؛ لأن هذا فيه اعتراض على المقدور.
([1]) في بعض النسخ (ولا تعجز).