وسبب هذه الانتفاضة: لما سمع أحاديث في الصفات.
لما: يقصد بها التعليل.
في الصفات: وهذا فيه جواز ذكر الصفات عند العوام.
استنكارًا: أي لمعنى هذه الصفات.
ما فرق هؤلاء: أي لماذا يخافون ويفزعون؟
يجدون رقة عند محكمه: أي: محكم القرآن.
والمحكم هو: المتضح المعنى.
ويهلكون عن متشابهه:
المتشابه: ما خفي معناه.
أما المتشابه في باب الأسماء والصفات فهو جهل الكيفية، وأما المعنى فهو معروف.
مناسبة هذا الحديث: أن من أنكر شيئًا من الصفات فإنه من الهالكين.
سبب نزول الآية:
رواه ابن جرير بسند ضعيف، وفيه إرسال أيضًا.
مسألة: عرفنا حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات أو كذب بذلك فما حكم من جهل شيئًا من الأسماء والصفات؟
الجواب: إن كانت الأسماء والصفات ليست من المسائل الخفية مثل الحياة لله وصفة الوجود وصفة القدرة والألوهية أو الرزق ونحو ذلك فهذا كفر أكبر ولا يعذر بالجهل.
وإن كان الجهل لشيء من الأسماء والصفات التي هي في حكم المسائل الخفية فهذا يعذر بالجهل مثل صفة النزول والرؤية لله وصفة اليدين لله وهكذا.
]يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا[ [النحل: 83].
قال مجاهد ما معناه: هو قول الرجل: هذا مالي، ورثته عن آبائي.
وقال عون بن عبد الله: يقولون: لولا فلان لم يكن كذا.
وقال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا.
وقال أبو العباس – بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: «إن الله تعالى قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ...» الحديث، وقد تقدم – وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره، ويشرك به.
قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقًا، ونحو ذلك مما هو جارٍ على ألسنة كثير.
قال الشارح:
المسألة الأولى:
هذا الباب والذي بعده في حكم إضافة النعم إلى غير الله.
المسألة الثانية: عنوان الباب:
«حكم إضافة النعم إلى غير الله».
المسألة الثالثة: أقسام إضافة النعم إلى غير الله.
النوع الأول: إضافة إنكار وجحود: وهو أن ينسبها إلى غير الله إيجادًا وخلقًا، وهذا كفر أكبر، قال تعالى: ]هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ[ [فاطر: 3].
النوع الثاني: نكران ترك وعدم القيام بالطاعة، وهذا ما يسمى بكفر النعمة، وهذا القسم محرم، وما ورد في النصوص بتسميته كفرًا ولم يبلغ الكفر الأكبر فهذا يسمى كفر نعمة، وأما ما كان من باب المعاصي والكبائر فهذا من باب المحرمات.
النوع الثالث: نكران تناسي لله سبحانه وتعالى: وهو أن يضيفها لأسبابها الشرعية والقدرية متناسيًا فضل الله عند الشكر والثناء. أما هذا فحكمه من الشرك الأصغر في الأقوال.
مثال ذلك: «على النوع الثالث» أن يضيف الشفاء إلى مهارة الطبيب، ولا يذكر فضل الله عليه بالشفاء.
وكقولهم: كانت الريح طيبة فحصلت السلامة، كما يأت تكملة ذلك في كلام أبي العباس ابن تيمية.
المسألة الرابعة: نسبة الأشياء إلى الأسباب على أقسام:
الأول: أن ينسبها إلى غير أسبابها الشرعية أو القدرية، كنسبة الشفاء إلى التمائم، ومر علينا جزء كبير في باب «لبس الحلقة والخيط» كاعتقاد أن الشبكة سبب الألفة بين الزوجين، أو يضع المصحف في السيارة لدفع العين، وهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون من الأكبر، لو نسب إيجاد الولد إلى المقبورين فهذا من الشرك الأكبر، وعليه يحمل قول ابن قتيبة «هذا بشفاعة آلهتنا».
الثاني: نسبتها إلى أسبابها الشرعية أو القدرية، فالصلاة سبب لانشراح الصدر، والأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة، وهذه أمثلة للأسباب الشرعية.
أما أمثلة الأسباب القدرية، كالعلاج سبب للشفاء، والبيع سبب للرزق، وقوة الجيش سبب للنصر، وحراسة الكلاب سبب لطرد اللصوص ... إلى غير ذلك، فهذه نسبتها إلى أسبابها جائز لكن بشروط:
الأول: أن يجعل رتبتها بعد رتبة فضل الله، فيقول: لولا الله ثم العلاج ما حصل الشفاء، ولولا الله ثم قوة الجيش لما حصل النصر، وهذا شرط في باب الثناء والمدح، فإذا قاله ثناءً ومدحًا فتشترط "ثم".
أما إن كان في باب الإخبار فلا يشترط ذلك، كما قال r في حق عمه: «لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» الحديث، فهذا قاله إخبارًا، ومثله قوله r: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر ...» البخاري.
المسألة الخامسة: شرح الترجمة:
أما قوله: ]يعرفون[ فيقصد بالمعرفة هنا: العلم أي: يعملون، والضمير يعود إلى كفار قريش.
نعمة الله: نعمة: مضاف وهي مفرد، والمفرد المضاف يعم، أي: يعرفون أن جميع