الثاني: اليأس من روح الله.
تعريف اليأس: استبعاد الفرج، وهو سوء ظن بالله تعالى.
وقوله: روح الله مثل قوله: رحمة ربه، وقد مرت.
الثالث: الأمن من مكر الله، مر علينا تعريف الأمن من مكر الله وتعريف مكر الله فليراجع في أول الباب.
مناسبة الحديث: يدل على أن اليأس من روح الله والأمن من مكر الله ينافي كمال التوحيد.
وعن ابن مسعود قال: أكبر الكبائر: «الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» [رواه عبد الرزاق].
قال المصنف في بعض النُسخ ([1]): عن ابن عباس، والصحيح عن ابن مسعود.
ظاهر الحديث أنه موقوف لأنه لم يذكر الرفع إلى النبي r، والموقوف هو قول الصحابي.
أكبر الكبائر: هذا يدل على أن الكبائر تنقسم إلى قسمين:
1- كبائر. 2- أكبر الكبائر.
وبقي قسم ثالث وهو: الصغائر، وهي: كل معصية محرمة لم يذكر لها وعيد خاص، ويُقصد بالوعيد إما حدٌ في الدنيا أو لعن أو غضب أو عذاب أو إخبار بأن الله بريء منه أو ليس منا، فما وجد فيه شيء من هذا الوعيد فهو كبيرة.
وما لم يوجد فيه شيء من هذا الوعيد وإنما وجد فيه التحريم فقط فهي صغيرة، وليس معنى ذلك أنها لا تؤثر أو أنها شيء بسيط. لا. وإنما سميت صغيرة في مقابل النظر إلى الكبيرة.
وهذه الكبائر هي نفس العدد في الحديث السابق إلا أن فيه زيادة القنوط من رحمة الله. ومر معنا تعريف القنوط وحكمه، وبقي:
محل القنوط: محله إذا وقع في الكرب أو في شدة الخوف من الله.
علامة القنوط واليأس: علامته ترك المحاولات: والكسل، وترك الدعاء، كل هذا قرينةٌ على أنه قنط.
والقنوط على قسمين باعتبار محله:
1- ما يتعلق بالأشياء الأخروية، كأن يستبعد أن يغفر الله له، أو أن يستبعد أن يتوب الله عليه، أو يستبعد أن يتوب هو ويقلع عن الذنب.
2- ما يتعلق بالأشياء الدنيوية، كأن يستبعد الغنى، أو أن يستبعد الشفاء من المرض. وكلاهما محرم، والنوع الأول أشد.
مسألة: لو أنكر أو تعجب من أشياء ما جرت بها العادة، كما لو كان كبيرًا في السن واستكثر حصول الولد.
هذا فيه تفصيل:
إن كان ذلك بالنظر إلى نفسه وجريان العادة فهذا جائز، وهو الذي فعله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وأما إن كان بالنظر إلى فعل الله فهذا حرام ولا يجوز.
وقد جاء في الصحيح في قصة أصحاب الغار حينما جرى لهم ما جرى فما استبعدوا الفرج؛ بل دعوا وألحوا حتى فرّج الله لهم.
واليأس من روح الله: هنا عطف اليأس على القنوط، والعطف يقتضي المغايرة، فيفسر القنوط في هذا الحديث بقطع الرجاء، واليأس في هذا الحديث: استبعاد الرجاء لا قطعه.
مناسبة الحديث: فيه تحريم الأمن والقنوط واليأس وأنه يُنافي كمال التوحيد الواجب، ومن فوائد الحديث: أن يتعلق رجاء الإنسان بالله فيكون راجيًا لله سبحانه.
والرجاء له مواطن يُحمد فيها:
1- إذا نظر إلى عفو الله وفضله مع عدم العمل بالمعاصي وإلا أصبح غرورًا.
2- إذا ابتلي بمصيبة فتاب توبة نصوحًا رجا القبول.
3- إذا فعل طاعة ونظر على فضل الله رجا الثواب.
4- عند المكاره والمصائب رجا كشفها.
وهناك مواطن خاطئة:
1- أن يرجو وهو مقيم على المعاصي.
2- أن لا يخاف وهو عاصي مع النعم.
3- أن يخاف خوفًا يؤدي إلى القنوط واليأس.
4- أن يرجو مع التقصير في الطاعة.
درجة الحديث:
المصنف قال: رواه عبد الرزاق. وقال الهيثمي: إسناده صحيح، وصححه ابن كثير.
مسألة: المصنف ذكر ما يتعلق باليأس والقنوط من باب المقابلة مع الأمن من مكر الله، حتى يعيش بينهما فلا يأمن ولا يقنط.
باب من الإيمان الصبر على أقدار الله
وقول الله تعالى: ]وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ[ [التغابن: 11].
قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت».
ولهما عن ابن مسعود مرفوعًا: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية».
وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» وقال النبي r: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» حسنه الترمذي.
قال الشارح:
من: تبعيضية.
مسألة: الإيمان هنا بالمعنى العام، أي: الإيمان والإسلام؛ لأن الصبر على أقدار الله إيمان وإسلام.
المسألة الأولى: تعريف الصبر:
لغة: الكف والحبس.
اصطلاحًا: حبس خاص، وهو: حبس النفس عن الجزع، وحبس النفس واللسان والجوارح.
وهذا الباب ضمن أعمال القلوب التي مرت علينا، وترتيبه الخامس.
على أقدار الله: الأقدار: جمع قدر، والإضافة هنا من باب إضافة المخلوق للخالق، ويقصد بها أقدار الله المؤلمة كالأمراض والأوجاع وجميع المصائب.
([1]) كما في نسخة الشيخ وهي حاشية كتاب التوحيد بشرح ابن القاسم.