فهي أشد من مساجد الضرار لذا الخروج فيها داخل في قوله تعالى ]لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا[ علمًا أن فيه مفسدة أخرى وهي إعطاء الشرعية لها بخروج الدعاة فيها مما يؤدي إلى مفاسد.
إذا ذبح لله في أماكن الشرك: فهو شرك أصغر، والذبيحة صحيحة.
وعن ثابت بن الضحاك:
نذر: النذر لغة: الإلزام، شرعًا: إلزام المكلف نفسه طاعة ليست واجبة، وستأتي أحكامه إن شاء الله.
ببوانة: الباء بمعنى في.
هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية؟
هذا السؤال الذي سأله النبي r الرجل حتى يتصور المسألة.
وثن: يشمل الصنم.
الجاهلية هل هي نسبة زمن أو نسبة حال؟
ليس لها زمن معين، وإنما هي باعتبار الحال. هذه إنما هي جهل أو جهالة كقول النبي لأبي ذر: «أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية».
قالوا: لا: يمكن أن يكون قاله واحد والبقية وافقوا، والموافق ينسب له الفعل، كما قال تعالى: ]فَعَقَرُوهَا[ والعاقر واحد.
النحر للإبل: والذبح لغيرها، والنحر: أن تضرب في الوهدة وهي قائمة.
يعبد: يذل ويخضع له بالطاعة.
فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟
عيد: مأخوذ من العود وهو التكرار وقال أبو العباس «اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه المعتاد».
والعيد الشرعي: ما حوى عبادة وعادة.
عبادة: كالصلاة والنسك. عادة: التزين باللباس والزينة، وما يحصل فيه من اللعب المأذون فيه لمن ينتفع باللعب عادة كالجواري الصغار، ومثاله ما يحدث في عيد الفطر
وعيد الأضحى.
والأعياد تنقسم إلى قسمين:
1- أعياد مكانية. 2- أعياد زمانية.
والأعياد المكانية قسمان باعتبار:
أ- أعياد مكانية شرعية.
ب- أعياد مكانية بدعية.
والأعياد المكانية: هي ما يتكرر العود إليها، فالشرعية: كالحرم والمسجد النبوي ومنى وعرفات ومزدلفة.
وأما الأعياد المكانية البدعية: تكرير العود إلى المكان بقصد القربة والطاعة، كمن يذهب كل جمعة إلى قبر النبي r، أو تكرار الذهاب إلى غار حراء، وتكرار المجيء إلى قبور الأولياء بقصد الطاعة والقربة لا بقصد الزيارة الشرعية.
الأعياد الزمانية: فهو ما يعود على وجه الزمن مع التقرب إلى الله فيه، فيُهتم به ويعظم.
وهو قسمان:
1- شرعي. 2- بدعي.
1- أما الشرعي كالجمعة، وعيد الفطر، والأضحى، ورمضان، وعشر ذي الحجة، والأيام البيض.
2- أما البدعي: الاهتمام بيوم معين كصيام النصف من شعبان، وكالأعياد الوطنية، فهو من البدع، ولا يذهب الحكم تسميتها بيوم الوطن.
مسألة: وهل الأسابيع من الأعياد الزمانية؟
أما أسابيع المساجد فنعم؛ لأنه تعمل فيه عبادات وطاعات، وكذلك يوم الأم فهو يقع فيه شيء من العبادة. أما الأسابيع الأخرى، كأسبوع الشجرة، وأسبوع المرور، فهي ممنوعة من جهة التشبه.
بدعة المولد بدعة زمانية.
فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟
إما زماني أو مكاني، وهنا يقصد المكاني، أي: هل هذا المكان يتكرر المجيء إليه؟
قال رسول الله r «أوف بنذرك» ويفهم منه أنه لو كان فيها عيدٌ أو وثن لمنعه النبي من أن يتعبد في هذا المكان، وهذا الشاهد من الحديث.
رواه أبو داود وإسناده على شرطهما: ورواه الطبراني وصححه ابن حجر في تلخيص الحبير، وصححه الألباني.
ولا فيما لا يملك ابن آدم: كأن تنذر أن تُعتق عبد فلان.
باب من الشرك النذر لغير الله
وقول الله تعالى: ]يُوفُونَ بِالنَّذْرِ[ [الدهر: 7]، وقوله: ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ[ [البقرة: 270].
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله r قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه».
قال الشارح:
من: تبعيضية.
الشرك: يقصد به الأكبر.
النذر: مصدر، وهو ما يأتي ثالثًا في تصريف الفعل نذر ينذر نذرًا.
لغة: الإلزام، شرعًا: إلزام المكلف نفسه طاعة غير لازمة تعظيمًا للمنذور له. ما هي صورة النذر لغير الله؟ (واللام للقصد، ويقصد به نذر التقرب والتعظيم والتذلل).
أن يقول للولي الفلاني: له نذر علي، أو للقبر. أو قال: إن شفى الله مريضي فلفلان الولي أو قبر فلان كذا من الغنم أو العجل أو الزيت، فهذه صورة شركية؛ لأنه قصد بالنذر غير الله.
ومثله لو قال: إن نجح ابني فللولي الفلاني كذا من المال. فهذا من النذر لغير الله أيضًا. أو قال: إن وجدت ابني الضائع فللولي الفلاني كذا من المال.
نذر الشرك هل فيه كفارة، وهل كفارته كفارة يمين؟
كفارة اليمين لا تكفره، وإنما كفارته التوبة إلى الله.
وقال تعالى: ]يُوفُونَ بِالنَّذْرِ[ [الإنسان: 7] هنا مدح الله تعالى من يوفي بالنذر.
وقال تعالى: ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ[ [البقرة: 270] الله هنا جازى الناذرين.
فدل على أن النذر عبادة؛ لأن الله يحب الوفاء به ويجازي بالنذر، فيدل على أن النذر عبادة، فالشرك فيه شرك أكبر.
يوفون بالنذر: أي بما وجب عليهم من أصل الشرع، أو بما أوجبوه على أنفسهم لأن الموفي يمدح.
هل ابتداء النذر ممدوح؟
النذر ابتداءً على أقسام:
نذر شرك: وهذا لا يمدح الإنسان عليه مقصودًا.
نذر طاعة: وينقسم إلى قسمين:
أ- نذر طاعة خالصة لله عز وجل غير معلق بشيء مثل «لله علي أن أصوم ثلاثة أيام، أو أن أحج، أو أعتكف، فهذا يجب الوفاء به وليس فيه كفارة يمين».
ب- نذر طاعة: أن تُعلق الطاعة بحصول مرغوب للإنسان، وهذا يسمى نذر المجازاة، ويسمى نذر المعاوضة، ويسمى نذر التعليق.
مثاله: أن تقول: إن نجحت فلله علي أن أصوم ثلاثة أيام. سمي مجازاة؛ لأنه كأنك تجازي بالنجاح بصيام هذه الثلاثة أيام.
أما الوفاء بنذر الطاعة بقسميه فواجب، ويمدح الإنسان بالوفاء به. وأما ابتداؤه ففيه خلاف، والمشهور أنه يكره ابتداؤه، واختار ابن تيمية أنه يحرم الابتداء به مستدلاً بحديث (إنما يستخرج به من البخيل)، وهذا ذم وهو يقتضي التحريم، وباعتبار الواقع: فكثير من الناس ينذر ولا يفي، ويعرض نفسه للعقوبة.
مسألة: لو نذر طاعة فيها كلفة ومشقة فما الحكم؟
مثل لو قال: «لله علي أن أصوم يومًا وأترك يومًا، أو أصوم أربعة أشهر متوالية وهكذا». إذا كان نذر الطاعة فيه شيء من المشقة فالراجح أنه مع المشقة لا يلزم الوفاء، مستدلاً بعمومات الأدلة ]وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[ [الحج: 78] ]لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[ [البقرة: 286].
وهل يكفر جبرًا للنقص؟ نعم.
قال تعالى ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ[ [البقرة: 270] أي يجازي عليه، وليس هذا من التأويل، ونحن نثبت العلم لله، ولكن ذكره هنا مُرتبًا عليه الجزاء مع أن الآية من آيات الصفات ويثبت فيها العلم لله مع ذكر المجازاة على النذر.
قال في الصحيح: أي البخاري.
اصطلاح المصنف: إذا ذكر المصنف الحديث وقال في الصحيح فهو: في أحد الصحيحين إما البخاري أو مسلم.
من نذر: من شرطية، وجوابها: فليطعه.
وألفاظ الشرط من ألفاظ العموم: فيدخل فيه المسلم والكافر. والكافر مخاطب بفروع الشريعة، قال تعالى: ]مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[ [المدثر: 42، 43]، وقال تعالى: ]وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ...[ فصلت: 6، 7].
ويدل عليه حديث عمر «إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام، فقال r: أوف بنذرك»، لكن الكافر لا يصح منه لو أداه وقت كفره.
من نذر أن يطيع الله: هذا نذر الطاعة ويدخل فيه المعلق.
ما الحكم لو نذر طاعة مخالفة، كمن قال: لله علي أن أصوم الدهر؟ هذا نذر معصية وليست بطاعة.
ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه: هذا هو النوع الثالث: نذر المعصية، ويحرم فيه الوفاء، وفيه كفارة يمين.
القسم الرابع: نذر المباح، مثاله: لله علي أن ألبس هذا الثوب أو أن آكل هذا الطعام، فهذا فيه تخيير، فهو مخير بين الوفاء والكفارة.
القسم الخامس: نذر اللجاج والغضب: وهو أن يقصد من النذر المنع أو الحث، مثاله: إن كنت صادقًا فلله علي كذا، أو إذا تركت هذا الأمر فلله علي كذا، وهذا حكمه كالمباح إما أن يفي به أو يُكفر.
القسم السادس: النذر المطلق أن يقول: (لله علي) ويسكت، أو (علي نذر) ويسكت، فهذا فيه كفارة يمين.
وكفارة اليمين إما:
1- عتق رقبة مسلمة سليمة من العيوب قادرة على العمل.
2- أو يطعم عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع.
3- أو يكسو عشرة مساكين، وكسوتهم: أن يعطيهم ما يُجزي في الصلاة، فالرجل ثوبٌ، والمرأة يغطيها خمار. فإذا لم يستطع أحد الثلاثة ينتقل إلى:
4- الصيام ثلاثة أيام متتابعات، وهذا على قراءة ابن مسعود، وهو مذهب الحنابلة. وهل يجزي أن يطعم مسكين عشر مرات؟ لا.
وهل كل مسكين يطعم ولو لم يبلغ؟ نعم.
وهل يُجزي أن يُغديهم أو يعشيهم؟ عند الحنابلة لا يجزئ إلا إذا ناولهم بيده – أي لا بد من التمليك -، ويرى ابن تيمية أنه جائز.
ومن القضايا المعاصرة في النذر لغير الله ما يُسمى بصندوق النذور الموجود عند القبور المعظمة، فإذا نذر نذرًا لصاحب القبر جعله في ذلك الصندوق وهذا من الشرك الأكبر.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رد على أخيه سليمان في مفيد المستفيد لما قال إن النذر شرك أصغر بل بين أنه أكبر.
باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
وقول الله تعالى: ]وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[ [الجن: 6].
وعن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك» [رواه مسلم].
قال الشارح:
من: للتبعيض.
الاستعاذة: لغة: الالتجاء والاعتصام مأخوذة من العوذ، فتكون هي: طلب الالتجاء والاعتصام، لوجود السين التي تفيد الاستدعاء، شرعًا: الالتجاء والاعتصام بالله سبحانه وتعالى.
تنقسم الاستعاذة إلى أقسام:
القسم الأول: الاستعاذة والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا حكمه: شرك أكبر.
مثاله: الاستعاذة والاستغاثة بالأموات، أو بالرسول لقضاء الحجة وكشف الغمة، أو الاستغاثة بالغائب لكشف البلاء أو دفعه، وما أشبه ذلك. وله صورتان:
1- مثلاً يا رسول الله أغثني.
2- يا رسول الله أو يا فلان (المقبور) ادع الله لي أن يغيثني.
القسم الثاني: الاستعاذة والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه مع الاعتماد على المخلوق، وهذا يعتبر شركًا أصغر، وهنا سبب كونه شرك هل لكونه استعاذ أو استغاث أو لأنه اعتمد؟
الثاني: لأنه اعتمد، ولذا فجعل هذا القسم في باب التوكل أنسب، وهذه هي الصورة الأولى.
الصورة الثانية: أن يستعيذ بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق بصيغة: أستعيذ بالله
وبك، أو أستغيث بالله وبك، فهذا يعتبر شركًا أصغر، والسبب الصيغة.
القسم الثالث: الاستعاذة والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه مع الاعتماد على الله بصيغة جائزة، وهذا حكمه جائز، وهو ما يسمى بالاستجارة.
مسألة: ما حكم الاستعاذة بميت؟
وهذه يمكن إدخالها في القسم الأول.
سؤال الميت قسمان:
1- أن يستعاذ بالميت فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا من القسم الأول، فهو شرك أكبر بالإجماع.
2- أن يُستعاذ بالميت في أشياء يقدر عليها غيره، ولكن الميت هنا لا يقدر عليه، فهو شرك أكبر.
مثل لو قال: يا فلان -يريد الميت- أنقذني من اللص -أو يا فلان- يريد الميت -ادع الله أن ينقذني من اللص.
أما سؤال الميت سؤال المخاطب كأن تقول: "ماذا تتمنون؟"، أو "ماذا فعل بكم؟": هذه جاءت عن بعض السلف أنهم كانوا يفعلون ذلك من باب العبرة لا من باب الاستخبار، فهذه أمور جاءت بعض الآثار عليها، فهي باعتبار الأصل جائزة، لكن هل تُشرع أو ينبغي أن يفعلها الإنسان؟
الأقرب أنه لا ينبغي وأن يقتصر على ما كان يفعله r من السلام عليهم والدعاء لهم.
ما حكم الاستعاذة بالعاجز الحي فيما يقدره الإنسان؟ هذا يعتبر من السفه ونقص العقل.
ما حكم الاستعاذة بالغائب؟
أما الاستعاذة به فيما يقدر عليه هذا جائز إذا كان يسمع كما في الهاتف، أما إذا كان غائبًا عنك في مكان ولا يسمع، فهذا من جنس الاستعاذة بالأموات فيما يقدره الأحياء. وهو من الشرك الأكبر.
والغائب إما أن يكون غائبًا زمانًا أو مكانًا.