بعثنا: أرسلنا:
الرسول: من أوحي إليه وأرسل إلى قوم، ولا يلزم أنه ينزل عليه كتاب، فإسماعيل عليه الصلاة والسلام قال تعالى عنه: ]إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا[ [مريم: 54]، وإسماعيل لم يكن عنده كتاب، وإنما كان على كتاب أبيه إبراهيم عليه السلام.
الطاغوت: صيغة مبالغة مأخوذة من الطغيان، وصح عن عمر أنه قال: الطاغوت هو الشيطان.
وصح عن جابر أنه قال: الطاغوت هو الكاهن.
وكلا التعريفين صحيح، فهما تعريفان للطاغوت بالمثال.
وعرفه ابن القيم: كل ما تجاوز العبد به حده من معبود أو متبوع أو مطاع.
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
وقول الله تعالى: ]الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ[ [الأنعام: 82] الآية.
عن عبادة بن الصامت t قال: قال رسول الله r: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل»، أخرجاه، ولهما في حديث عتبان: «فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله».
وعن أبي سعيد الخدري t عن رسول الله r قال: «قال موسى: يا رب، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله» [رواه ابن حبان، والحاكم، وصححه].
للترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة».
قال الشارح:
فضل التوحيد: الألف واللام يراد بها العموم، فيعم جميع أنواع التوحيد الثلاثة.
وما يكفِّر من الذنوب: هذا من عطف الخاص على العام، فتكفير الذنوب من فضائل التوحيد، وأفرد بالذكر للأهمية.
يكفر: يقصد به: التغطية. فالتوحيد يكفر: أي يغطي ويزيل الذنوب.
وقوله: الذنوب: يدل على أن التوحيد يكفر الذنوب.
وهل هي للعموم؟ لا إنما الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى.
المصنف ذكر خمس فضائل للتوحيد، وهو بذكره لا يقصد الحصر.
وقوله تعالى: ]الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ[ [الأنعام: 82].
الكلام هل هو صفة ذات أم صفة فعل؟
ومعنى صفة الذات هي: التي لا تنفك عنه سبحانه وتعالى.
ومعنى صفة الفعل هي: التي تتعلق بالمشيئة، وصفة الكلام صفة ذاتية فعلية أي قديمة النوع حادثة الآحاد.
تعالى: إثبات صفة العلو لله - سبحانه وتعالى-.
]الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ[ [الأنعام: 82].
هذا أول فضل من فضائل التوحيد، وهو: أن الموحد له الأمن التام والاهتداء التام.
فالشاهد: قوله: ]أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[ [الأنعام: 82].
الأمن: بمعنى الأمن من الزيغ، والانحراف، وسوء الخاتمة، والأمن من العذاب.
الاهتداء: يهتدي إلى الحق في العقائد والمسائل، ويهتدي على الصراط، ويُهدى إلى الجنة والدخول فيها.
مسألة: هل اهتداؤه تام أو ناقض؟
هذا حسب التوحيد، فإن كان توحيده تاما فاهتداؤه تام، وإن كان توحيده ناقصًا فاهتداؤه ناقص.
شرح الآية:
الذين آمنوا: وأسلموا أيضا، فأتوا بالإيمان المعروف بالقلب وأتوا بالإسلام بالأركان العملية.
لم: نافية.
يلبسوا: يخلطوا.
الظلم هنا: هل يقصد به الظلم المطلق أو مطلق الظلم؟ الصحابة فهموا أن المراد مطلق الظلم أي أصل الظلم، كظلم الإنسان لنفسه بالمعاصي، ففهم الصحابة أن الذي يخلط إيمانه بظلم وهو المعصية ليس له اهتداء.
ففسره رسول الله r بأنه الشرك، وقال: «ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إن الشرك لظلم عظيم».
وإذا أتى بالمعاصي دون الشرك فهذا يؤثر؛ لكن ليس كتأثير الشرك.
لهم الأمن وهم مهتدون: عبر بالجملة الاسمية وهذا يدل على الثبوت والدوام.
فأمنهم واهتداؤهم ثابت ودائم، هذا هو الفضل الأول.
مسألة: الأمن ينقسم إلى قسمين:
1- الأمن المطلق: أي الأمن الكامل، وهو الذي لا يشوبه خوف، وهو أن يأمن من الخلود والدخول في النار.
2- مطلق الأمن: أي أن يأمن الخلود في النار، والموحد إن كان توحيده كاملاً فأمنه كامل، وإن كان توحيده ناقصًا فأمنه ناقص.
الفضل الثاني في الحديث الأول حديث عبادة:
رضي الله عنه: خبر ودعاء، أما الدعاء فواضح، وأما الخبر فقد أخبر عنهم الله عز وجل أنه رضي عنهم، وخصوصًا أصحاب الشجرة، والعشرة المبشرون بالجنة.
وفي قوله: رضي الله عنه: إثبات صفة الرضا لله عز وجل.
مسألة: وهل هي صفة ذات أم صفة فعل؟
هي متعلقة بالمشيئة فهي صفة فعل، والصفات الذاتية: هي التي لا تنفك عنه سبحانه وتعالى، كالسمع والبصر، وفي الحديث ذكر الرسول r خمسة أشياء.
من: شرطية، وهي من ألفاظ العموم، فعل الشرط: شهد.
جواب الشرط: أدخله الله الجنة.
الشهادة تطلق على عدة معان:
1- الإقرار. 2- والاعتراف. 3- والعمل.
فيقر ويعترف بمدلول هذه الكلمة ويعمل بمقتضى هذه المعرفة. وعلى ذلك فالعمل يدخل في مسمى الشهادة والإيمان.
ولا يمكن أن يسمى شاهدًا وهو لا يعمل، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.
المرجئة لا يدخلون العمل في مسمى ذلك؛ بل يقولون: يكفي المعرفة في القلب والنطق باللسان. وأما الكرامية فعندهم أن النطق يكفي، وجعلوا شهادة التوحيد تكفي في الدخول في مسمى الموحدين باللسان.
أن لا إله إلا الله:
لا: نافية للجنس، حرف مبني يعمل عمل إن.
إله: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف تقديره عند أهل السنة: حق.
وأما الأشاعرة فإنهم يقدرون الخبر المحذوف بـ: خالق أو رب، وعلى ذلك فمن أقر واعترف بربوبية الله وشهد أنه الخالق، فهو قد قال لا إله إلا الله، وأتى بتوحيد الألوهية، ولا شك أن هذا انحراف كبير.
وهذا الذي كان يعتقده الكفار من أن الله هو الخالق: ]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[ [لقمان: 25]، هذا أخطر انحراف عند الأشاعرة.
وأما الفلاسفة وأهل وحدة الوجود: فإنهم يقدرون الخبر المحذوف (بموجود)، فمن أثبت وجود الله فهو موحد، ويلزم من كلامهم أنه ليس هناك مشرك؛ لأن الكل يعترف بوجود الله.
وأما "لا": فهي حرف استثناء، وهل يسمى أداة أو حرف؟ لا مانع من التسمية، وأهل اللغة يقسمون الكلام إلى ثلاثة: اسم وفعل وحرف.
الله بدل عن مرفوع.
أركان هذه الجملة ركنان:
ركنان: 1- نفي. 2- إثبات.
النفي:: نفي عبادة ما سوى الله، وموضعه (لا إله).
الإثبات: إثبات عبادة الله وحده، وموضعه (إلا الله).
ولا نواقض تكلم عنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب والفقهاء في حكم المرتد. ولها شروط ذكرها العلماء فلتراجع.
لا شريك: تأكيد للنفي.
وحده: تأكيد للإثبات.
وأن محمدًا عبده ورسوله.
الواو: عاطفة: أي: وشهد لمحمد بالعبودية والرسالة، ومقتضى الشهادة: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
والرسول: عبد فلا يعبد، ورسول فلا يكذب.
وأن عيسى عبد الله ورسوله: أي ويشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، فيشهد له بالعبودية والرسالة.
وكلمته: أي عيسى أي: كان بكلمة (كن)، وليس هو الكلمة.
وهل الإضافة هنا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أو المخلوق إلى الخالق؟
إذا كان المضاف إلى الله عين قائمة بذاتها فهذا من باب إضافة المخلوق إلى الخالق. وهذا مثل: عيسى، وبيت الله، ورسول الله.
من: هل هي تبعيضية أو ابتدائية؟ هي ابتدائية أي: روح مبتدأة من الله، كما قال تعالى: ]وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ[ [الجاثية: 13].
وليست تبعيضية إلا على مذهب النصارى، إذ يقولون: إنه جزء من الله، وثالث ثلاثة.
والجنة: معطوفة على اسم إن، والألف واللام للعهد، والجنة موجودة الآن وهي دار المؤمنين.
والنار: بأنها موجودة، وأنها الدار التي يعذِّب بها الكافرين، ومن شاء من العصاة.
أدخله الله الجنة: هذا هو جواب الشرط. وهذه الأعمال سبب لدخول الجنة وليس عوضاً لها.
قال r: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله...».
أدخله الله الجنة: هذا على حسب تفسير العمل، ولذلك الدخول إلى الجنة ينقسم إلى قسمين:
دخول كامل: وهو من أتى بالتوحيد الكامل ولم يأت بشيء من الشرك أو المعاصي.
فيفسر العمل هنا بأنه العمل الصالح.
وإن قلنا مطلق دخول: فإن "العمل" يكون: العمل الصالح والفاسد، خلا الشرك والمكفرات، فهذا ينتهي إلى الجنة.
أخرجاه: أي البخاري ومسلم.