عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-04-2011, 12:48 AM
سهيل الجنوب سهيل الجنوب غير متواجد حالياً
مراسلنا من وادي الدواسر
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الإقامة: وادي الدواسر
المشاركات: 701
معدل تقييم المستوى: 21
سهيل الجنوب is on a distinguished road
افتراضي احتواء غضب الشعوب ...... الكاتب : سلطان نايف الفريدي

احتواء غضب الشعوب

من يتأمل حديث الناس في المجالس سيجد بأنه لا يخلو مجلس من المجالس في كل طبقات المجتمع عن الحديث في أمور السياسة ، والثورات التي يقودها جيل الشباب في الدول الجماهيرية ، والتي بدأت في المجتمعات الافتراضية .

ويتعجب الناس من الأحداث التي تحصل في الدول العربية والثورات المستمرة التي تقوم بها الشعوب العربية ، وكأن هذه الثورات لم تحصل إلا في زمننا هذا ، ولو قرأ الناس التاريخ لوجدوا أن للتاريخ دورة ، وقبل أن نخوض في التاريخ يجدر بنا أن نذكِّر بأن الاستثمار في العقل البشري يعد أعظم استثمار ، وهذا ما دعت إليه الولايات المتحدة في تقارير التنمية البشرية منذ مطلع الألفية الجديدة ، ولو أن رؤساء الدول وحكامها أخذوا بهذا الشعار لما وجدنا مثل هذه الحركات الثورية ،ولقد كشف تقرير التنمية البشرية في عام 2009م عن أبعاد ومخاطر تشكل تحديات كبيرة للدول العربية تتمثل أن الناس تعيش في بيئة غير آمنة ، فمعدلات النمو السكاني حسب تقديرات الأمم المتحدة في تزايد مستمر حيث يشير إلى توقعات بأن تضم البلدان العربية 315مليون نسمة في العام 2015م ، كذلك،فإن الضغوط الديموغرافية تشكل تحدياً آخر أمام الدول العربية حيث يصل متوسط العمر في البلدان العربية ( 22 ) ، فالشباب يعدون الشريحة الأكبر، والأسرع نمواً في البلدان العربية ،وفي هذا السن نلاحظ بأن الشباب قد أنهوا المرحلة الجامعية ، وينتظرون فرص العمل لينتقلوا بعد ذلك لمرحلة جديدة، ولنا أن نتخيل الكم الهائل من الحماس والاندفاع الذي يختزن في نفوس الشباب في حال لم تهيأ لهم فرص عمل ، والتي من خلالها يبنون عليها أحلامهم ، ويعد هذا البعد واحداً من أخطر التحديات التي تواجه الدول العربية بشكل عام ، ويقابل الدول النفطية خطر العمالة الأجنبية التي تنافس الشباب على فرص العمل ، وبحسب منظمة العمل فإن مشكلة البطالة تعد من المشاكل الرئيسة لانعدام الأمن الاقتصادي ، حيث تشير اتجاهات البطالة ومعدلات النمو السكاني إلى أن البلدان العربية بحلول عام 2020م سوف تحتاج إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة ! .

يعد ما سبق بمثابة الجرس المعلق أمام البلاد العربية إذا ما أرادت السيطرة على الأوضاع فإن عليها احتواء الشباب بأن تتخذ كافة التدابير لكي تزيل احتقان شعوبها ، وتنقلهم إلى عصر المعرفة ، فحياة الشعوب كما يصفها الصينيون القدامى تسير في شكل قالب حلزوني (لولبي) ، وهانحن نعيش فترة الاحتقان والانتقال من عصر الثورة الصناعية التي طغى عليها عنصر التحكم إلى عصر حرية الفكر، وفي هذه الفترة الانتقالية الحرجة تبرز بوضوح أهمية القيادة بالحكمة ، فقلوب الرجال وحشية ، ومن تألفها أقبلت عليه كما يقول علي كرم الله وجهه.


وعوداً على ما بدأت به أقول بأن حديث عوام الناس وخوضهم في أمور السياسة كانت قد حدثت في عصور غابرة ، نذكره هنا لنقف على ما صنعه الولاة في تلك الحقب ، لنبين فضل حلم الولاة وصبرهم على رعيتهم وما يفعله الرفق بهم وحسن السياسة ، وقد قال أبو سليمان في مثل هذه الأيام : ليس ينبغي لمن جعله الله سائس الناس عامتهم وخاصتهم ، قويهم وضعيفهم ، عالمهم وجاهلهم ، أن يضجر مما يبلغه عنهم ، ذلك لأن عقله فوق عقولهم وحلمه أفضل من حلمهم ، وصبره أتم من صبرهم ، كما أن العلاقة بين السلطان ورعيته تكون أقوى من العلاقة بين الوالد وولده ، كل ذلك يكون تحت مظلة العدالة الاجتماعية ، فإن غابت العدالة فالنتيجة الحتمية لذلك أن يتسلل الإحباط إلى نفوس الشعوب ، فإن لم يكن هناك إصلاحات جذرية من جانب الدول فسوف تلجأ الشعوب إلى التغيير ، وهذه سنة الله في خلقه.

وفي سياق هذا الحديث نذكر أنه كان قد رُفع إلى الخليفة المعتضد أن طائفة من الناس كانوا يجتمعون ويخوضون في فنون الأحاديث وتفاقم إفسادهم بالرأي ، فلما تقصى المعتضد عن ذلك ضجر وضاق ذرعاً وامتلأ غيظًا ، فاستدعى وزيره عبيدالله بن سليمان ورمى بالرفيعة إليه وقال له : انظر فيها وتفهمهما ،وطلب رأيه في ما سوف يتخذه بشأن هؤلاء الناس ، فأشار عليه بأن يأخذهم فيصلب بعضهم ويحرق بعضهم ويغرق بعضهم لا اعتقاده بأن العقوبة إذا اختلفت كان وقع هولها في قلوب الناس أشد ، والهيبة أفشا، والزجر أنجع والعامة أخوف .

فلما رأى الخليفة المعتضد هذا الرأي الهزيل هدأ ما أزعج ساكن صدره فقال : والله لقد برَّدت لهيب غضبي بفورتك هذه ، ونقلتني إلى اللين بعد الغلظة وحططت علي الرفق من حيث أشرت علي بالخرق ، وما علمت أنك تستجيز هذا في دينك وهديك ومرؤتك ، ولو أمرتك ببعض ما رأيت بعقلك وحزمك لكان من حسن المؤازرة ومبذول النصيحة والنظر للرعية الضعيفة الجاهلة أن تسألني الكف عن الجهل وتبعثني على الحلم وتحبب إليَّ الصفح وترغبني في فضل الإغضاء على هذه الأشياء ، وقد ساءني جهلك بحدود العقاب وبما تقابل هذه الجرائر ، أما تعلم أن الرعية وديعة الله عند سلطانها ! وأن الله يسائله عنها كيف سستها ، ألا تدري أن أحداً من الرعية لا يقول ما يقول إلا لظلم لحقه أو لحق جاره ، فأمره بأن يوجه من يقوم بأمور الناس ويقف على شؤونهم ، وأن ينظر في أحوالهم بالرفق ، فمن كان صالحاً للعمل علّقه به ، ومن كان سيء الحال أعطاه من بيت المال ما يصلح به حاله ، ومن لم يكن من هذه الفئات ، وهو غني يكفي نفسه ولكن ما يدعوه للخوض في هذه الأمور هو الزهو والعجب فمناصحته وملاطفته فإن لم ينفعه ذلك فتهديده بالعقاب يكفي لردعه .

فعمل الوزير بما أمر به الخليفة المعتضد فعادت الحال كما كانت عليه ، بفضل حلم المعتضد ورجاحة عقله ، وحكمه الرشيد .

سلطان نايف الفريدي - الجبيل الصناعية


منقول .. للفائده