عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-07-2010, 05:39 PM
حكيم العامري حكيم العامري غير متواجد حالياً
خبير طقس مميز (( الوطن العربي ))
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 8,226
معدل تقييم المستوى: 34
حكيم العامري is on a distinguished road
افتراضي رد: ديك الجن احب ورد ودعاها للاسلام فاسلمت وتزجها ثم قتلها

وفي قصة أخرى للوشاية التي قتل بسببها زوجته وحبيبته

وكان قد أعسر واختلت حاله ، فرحل إلى سلميّة قاصدا لأحمد بن علي الهاشمي ، فأقام عنده مدة طويلة ، وحمل ابن عمّه بغضه إياه بعد مودته له وإشفاقه عليه بسبب هجائه له ، على أن أذاع على تلك المرأة التي تزوجها عبد السلام أنها تهوى غلاما ، و قرر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه وإخوانه ، وشاع ذلك الخبر حتى أتى عبد السلام ، فكتب أحمد بن علي شعرا يستأذنه في الرجوع إلى حمص ويعلمه ما بلغه من خبر المرأة من قصيدة أولها :
إن ريب الزمان طال انتكاثه …….. كم رمتني بحادث أحداثه
فأرصد له قوما يعلمونه بموافاته باب حمص ، فلما وافاه خرج إليه مستقبلا و معنّفا على تمسكه بهذه المرأة بعدما شاع من ذكرها بالفساد ، وأشار عليه بطلاقها ، وأعلمه أنها قد أحدثت في مغيبه حادثة لا يجمل به معها المقام عليها ، ودسّ الرجل الذي رماها به ، وقال له : إذا قدم عبد السلام ودخل منزله ، فقف على بابه كأنك لم تكن تعلم بقدومه ، وناد باسم ورد ، فإذا قال من انت؟ فقل: أنا فلان
فلما نزل عبد السلام منزله ، وألقى ثيابه سألها عن الخبر وأغلظ عليها ، فأجابته جواب من لم يعرف من القصة شيئا ، فبينما هو ذلك إذ قرع الرجل الباب فقال : من هذا ؟ فقال أنا فلان ، فقال لها عبد السلام : يا زانية ، زعمت أنك لا تعرفين من هذا الأمر شيئا ثم اخترط سيفه فضربها به حتى قتلها ، وقال في ذلك :
ليتني لم أكن لعطفك نلت ………….. وإلى ذلك الوصال وصلت
فالذي منّي اشتملت عليه …………… ألعار ما قدمت عليه اشتملت
وبلغ السلطان الخبر فطلبه ، فخرج إلى دمشق فأقام به أياما ، وكتب أحمد بن علي إلى أمير دمشق أن يؤمّنه وتحمل عليه بإخوانه حتى يستوهبوا جنايته فقدم حمص وبلغه الخبر على حقيقته و صحته و استيقنه فندم ، ومكث شهرا لا يفيق من البكاء ، ولا يطعم من الطعام إلا ما يقيم رمقه ، وقال في ندمه على قتلها :
يا طلعة طلع الحمام عليها …….. فجنى لها ثمر الردى بيديها
حكّمت سيفي في مجال خناقها ……. ومدامعي تجري على خدّيها
روّيت من دمها الثرى ، ولطالما ……. روّى الهوى شفتيّ من شفتيها
فوحقّ نعليها وما وطئ الحصى ………… شيء أعز علي من نعليها
ما كان قتليها لأني لم أكن ……….. أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن بخلتُ على العيون بلحظها ……… وأنفت من نظر العيون إليها
*************************
هذا هو ديك الجن الحمصي كما جاء ذكره في كتاب الأغاني ، عاش بين عامي مائة وواحد وستين ومائتين وخمسة وثلاثين هجرية ، وذاعت له شهرة في إبداع الشعر الجميل يقوله في اللهو والمجون والإسراف في الحديث عن المتع و اللذائذ. وكان معاصروه يرون فيه قرينا مكافئا لشعراء عصره الكبار ، لكنه قعد به تمسكه بالإقامة في حمص ، فلم يفارق الشام ولا رحل إلى العراق كما كان يرحل شعراء زمانه ليكتسبوا المال والشهرة
وفي شعره رقة لا تخفي فحولة صياغته وهجوم على المعاني غير المألوفة والصور الشعرية الطازجة ، والتماس المداخل الشعرية المغايرة وغير التقليدية يقول عن دمعه السيّال ندما لعله يكفر عن ذنبه
ما امتنع الدمع وإسباله …….. عليّ ، لما امتنع المطلب
إن تكن الأيام قد أذنبت ……… فيك ، فإن الدمع لايذنب
و في موضع آخر من بكائياته النادمة ـ التي تغرد في ديوان الشعر العربي ـ يرد على من يلومونه لطيشه واندفاعه وعدم تثبّته في أمر زوجته ومحبوبته وردا التي سارع على قتلها ظلما وعدوانا
قال ذو جهل : قد حلُمت ……… ولا أعلم أني حلمت حتى جهلت
لائم لي بجهله ، لماذا؟ ………. أنا وحدي أحببت ثم قتلت؟
سوف آسى طول الحياة وأبكيك على ما فعلتِ لا ما فعلتُ
لقد قبرت ورد ودفنت بعد مقتلها على يديه ، لكنه هو المقتول و المقبور في حقيقة الأمر لا هي ، ولو أنها درت بحاله بعدها لبكته و هي في قبرها ، و لرثته لفجيعته و ماساته :
قمر أنا استخرجته من دجنه …. لبليتي ، وجلوته من خدره
عهدي به ميتا كأحسن نائم ….. و الحزن يسفح عبرتي في نحره
لو كان يدري الميت ، ماذا بعده ……. بالحي حل ّ، بكى له في قبره
غصص تكاد تفيض منها نفسه …….. وتكاد تخرج قلبه من صدره
و يعود طيف ورد الذي أتاه زائرا بعد أن دفنت في قبرها ، وكانه جاء للومه وتانيبه و تعنيفه على ما جنته يده ، وهي صورة شعرية تكشف عن طبيعة الصور التي تقض مضجعه ، والأطياف التي تحيط به و تؤرقه و تحرمه طمأنينة النوم :
جاءت تزور فراشي بعدما قبرت …….. فظلتُ ألثم نحرا زانه الجيد
وقلت : قرّة عيني قد بعثت لنا …….. فكيف ذا ، وطريق القبر مسدود
قالت : هناك عظامي فيه مودعة …… تعيث فيه بنت الأرض ، والدود
و هذه الروح قد جاءتك زائرة ….. هذي زيارة من في القبر ملحود
*************************
و يحاول دارسوا شعر < < ديك الجن >> أن يفسروا سبب تسميّته بهده التسمية و يوردون في هذا المجال روايات شتى ، اقربها إلى المنطق أنه شبه نفسه بالجنّي في بعض شعره ثم زاد عليه أمر الدّيك الذي ينبّه بصياحه النائمين إلى خيوط النور الأولى من النهار ، وكأن الشاعر ينبّه معشر الجن جميعا إلى نفض النوم وبدء اليوم الجديد للقصف و اللهو و الانطلاق
يقول ديك الجن
أيها السائل عني …… لست بي أخبر منّي
أنا انسان براه الله …… في صورة جنّي
بل أنا الاسمجُ …… فدع عنك التطنّي
أنا لا أسلم من نفسي …… فمن يسلّم مني؟
و ستظل كلماته الأخيرة إلى < < ورد >> بعد مقتلها ودفنها موجعة ومؤثرة و هو يتمنى لو أنه ترك وجهها عاريا مكشوفا دون أن يوارى التراب و يقول
بأبي نبذتُك بالعراء المقفر ……. و سترت وج بالتراب الاعفر
لو كنت أقدر أن أرى أثر البلى …… لتركت وجهك ضاحيا لم يقبر
وديك الجن هو صاحب البيت المشهور الذي تردد كثيرا على ألسنة المغنين عبر العصور
جس الطبيب يدي جهلا ، فقلت له ……. إن المحبة في قلبي فخل يدي
كما أن شاعر هذه البكائيات الحارة تانيبا لنفسه و ندما ـ وإن كان وجدانه في بعضها يتملل مبررا لنفسه مقتل ورد و متهما إياها بالخيانة و الغدر حتى يستريح ضميره ز يهدأ
قل لمن كان وجهه كضياء …… الشمس في حسنه وبدر منير
كنت زين الأحياء إذ كنت فيهم ……. ثم قد صرت ذين أهل القبور
بأبي أنت في الحياة و في الموت ….. وتحت الثرى و يوم النشور
خنتني في المغيب و الخون نكر ….. و ذميم في سالفات الدهور
فشفاني سيفي وأسرع في حز ….. التراقي ـ قطعا ـ و حز النحور

اخت صديقه بكر تحاول قتل ديك الجن انتقاما وكان على القبور ينشد

وكان ديك الجن ينظر الى قبرها ... ويكرر مرثيته .. ,,,
( يا طلعة طلع الحمام عليها .......)
ثم ينظر الى قبر بكر .... وينشج ...
يا سيف إن ترم الزمان بغدره
فلأنت ابدلت الوصال بهجـره
قمر انا استخرجته من دجنـة
لبليتي وزففتـه مـن خـدره
فقتلتـه ولـه علـى كرامـة
ملء الحشا وله الفؤاد باسـره
عهدي به ميتاً كأحسـن نائـمٍ
والحزن ينحر مقلتي في نحره
لو كان يدري الميْتُ ماذا بعده
بالحيّ حلّ بكى له في قبـره
غصص تكاد تفيض منها نفسه
وتكاد نخرج قلبه من صـدره
وقد كانت اخت بكر تترصده وتبحث عنه لتقتله انتقاماً .. فلما سمعت ابياته هذه عفت عنه ورقّت لحاله ... واجابته عليها :
يا ويح ديك الجن بل تباً لـه
ماذا تضّمن صدره من غدره
قتل الذى يهوى وعمّر بعده
يا رب لا تمدد له في عمره.
وهو يبكي بحرقة على القبرين ... ويردد :
أساكن حفرة وقـرار لحـد
مفارق خلةٍ من بعـد عهـد
أجبني إن قدرت على جوابي
بحق الودّ كيف ظللتَ بعدي ؟
اقترب رحيل الشاعر بعد ان فقد كل اتصال له مع السعادة ... وذبل رويداً رويداً ...حزنا وكمداً .. وغصصاً .. على حبيبة فؤاده .. وصديقه الوفيّ ... وأبلغ ما قال قبل رحيله :
بانوا فصار الجسم من بعدهم
ما تصنع الشمس لـه فيّـا
بــأي وجــهٍ أتلقـاهـمُ
إذا رأونـي بعدهـم حيّـا .


توقيع : حكيم العامري
رد مع اقتباس